إن ما كان مستحيلا على من يملكون سلطة الوصاية على الصحافيين والإعلاميين، أضحى سهلا، وفي متناول اليد، في عهد من أساؤوا فهم تصويت المغاربة لصالحهم في انتخابات 25 نونبر 2011، وعلى هذا الأساس، يحق لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن نتساءل: مثلا، على أي سند قانوني أو دستوري، سمح الحزب الذي يقود الحكومة لنفسه، في شخص السيد وزير الاتصال، باختيار اللجنة التي ستهيء مشروع المدونة الخاصة "بالصحافة والنشر" و مشروع القانون، الذي سيكون عليه "المجلس الوطني للصحافة" دون أن يحصل على التفويض من الفئة الاجتماعية المعنية بذلك، عبر الهيئات والمنظمات والجمعيات التي تؤطرهم ..؟ ولماذا الاستعجال في التحضير وبهذه الطريقة التي لاتخدم، بل تضر بمصالح وتطلعات السواد الأعظم من المهنيين ..؟ وهل هذه المنهجية التي يراد بها تقرير مصالح أمة مهنة المتاعب، ستضع حدا لجملة الانتهاكات والمضايقات و الخروقات، التي يتعرض لها الصحفيون في الظرف الراهن ..؟ إن اللجوء إلى هذه المنهجية الانتقائية يعبر عن الإرادة في الاحتفاظ بلغة التعامل الأحادي الجانب، الذي يجد فيه المهنيون أنفسهم أمام المراقبة والمحاسبة، التي تحول بينهم وبين أداء واجبهم المهني وفق ما يصبو إليه المجتمع من الحرية والعدالة والديمقراطية، ونحو ما تقوم به الصحافة كسلطة رأي عام فاعلة ووازنة، بعيدا عن سلطة الإعلام الدعائي التبريري والإقصائي، التي تمنع المواطنين من الحق في الإخبار والوصول إلى المعلومة، ومساءلة المسؤولين عن تدبيرهم للشأن العام، ناهيك عن التعرض الاستفزازي للملاحقات القضائية الانتقامية باستمرار، واعتبار أخطائهم جنحا جنائية، يستحق أصحابها الحرمان من الحريات المدنية والسياسية، إذا ما كانت الأخطاء مهددة للاستقرار والأمن العام، والسير الطبيعي للمؤسسات، والحقوق الفردية والجماعية، فهل ستنكب اللجنة المعينة على هذا الهم الصحفي، ومعالجة جميع القضايا الشائكة في المشهد الإعلامي والصحفي، سواء منها القانونية أو الاقتصادية أو المهنية ..؟.
إن محاولة ربح الزمن .. والضحك على الذقون .. والاستخفاف بالعقول، لم تعد منهجية كفيلة بمعالجة أزمة الثقة، والحصول على الشرعية، وإذا ما اعتقد القائمون على الشأن الإعلامي والصحفي ببلادنا، أنهم مخولون لفرض قراراتهم من خلال موقعهم السلطوي، فإن ذلك، لن يدوم طويلا، وحسبهم استخلاص العبر من الماضي، كما أن الرهان على التدبير الحكومي عبر منهجية الاستمرارية الإدارية في ظل الاستقرار الهش، لن تعمر حسب اعتقادهم المرحلي المتجاوز، ما دام الوطن قد انخرط وإلى الأبد في نظام الحكم الذي يقوم على التداول على سلطة القرار الحكومي .. !
محصلة هذه المقدمة، تقودنا إلى أن الإمعان في الخطأ لن يمكن المعنيين بموضوع الحوار حول "مدونة الصحافة والنشر" أو يساعدهم على دفن الرؤوس في الرمال -كما تفعل النعامة- إلى ما لا نهاية .. وبالتالي، أن الوضوح هو الذي يمكنه منح كافة الأطراف الثقة في السياسات والقرارات، فماذا تعني هذه السلوكيات في الوقت الذي يترقب فيه أبناء هذا الوطن تفعيل حقيقي لما جاء في الدستور الجديد، والذي لا يزال مسؤولونا في الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية، خارج هذا الزمن المغربي الجديد، الذي أصبح فيه الحراك الاجتماعي على إيقاعه الدينامي المتجدد، وكأن هؤلاء لا يعرفون من التدبير الحكومي إلا الاستمرارية في هذا الوضع، الذي يتوقع أن يشهد ارتفاعا في درجته على ضوء مؤشرات الدخول السياسي والاجتماعي الجديد، فعلى أي أساس تم اختيار اللجنة العلمية التي يرأسها قيدوم الصحافة المغربية، العربي المساري/ الوزير السابق للاتصال، الذي ينتمي إلى حزب الاستقلال، الشريك في الحكومة الحالية ..؟ وهل تمتلك هذه اللجنة شرعية الولادة في غياب أمة الصحافيين، والاكتفاء فقط بالذين ينتمون للهيئات النقابية المدللة، المجسدة في (النقابة الوطنية للصحافة المغربية وفيدرالية الناشرين) ؟ مع أن هذه اللجنة يجب أن يتوسع تشكيلها إلى باقي الهيئات والنقابات والجمعيات والرابطات، التي تمثل جميع الصحافيين والإعلاميين المغاربة، وهل مناقشة مشروع المدونة احتكارا خالصا لهذه النقابات المعينة في اللجنة فقط ..؟.
ولنا أن نتساءل في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، ونحن نحتفل باليوم الوطني للإعلام، عن ماذا يجري في اللجنة، التي اعتبرها رئيس فيدرالية الناشرين ب "اللجنة العلمية" للحوار.. !، هل هي لجنة للتحضير للحوار الوطني حول "مدونة الصحافة والنشر" وللحوار للتحضير لانتخاب المجلس الوطني للصحافة ؟ أو هي لجنة علمية مختصة فعلا ..؟ أم هي مخلوق أريد له أن يقوم بعملية التحضير، كما تريد الأطراف الداعية إليه ..؟ .
ويحز في ضمير أي صحفي مهني .. حر .. شريف، أن تصل الأمور في مشهدنا الإعلامي والصحفي إلى هذه الدرجة الوضيعة، التي تؤكد صدق المسلمة التي يؤمن بها المغاربة، حول الشروط والظروف، التي يتم بها تدبير الشأن العام، وهي أن "دار لقمان لازالت على حالها" فبالأحرى ما نشعر به كنقابة مستقلة للصحافيين المغاربة، نشيطة في الحقل الصحافي وفاعلة، التي لم تكلف الجهات المعنية نفسها عناء الاتصال بها من أجل المشاركة في الحوار .. لهذا، نتمنى من السيد وزير الاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة الحالي، أن يخرج عن السياسة، التي كان ينهجها الوزراء السابقون، الذين تحملوا قبله مسؤولية الوزارة، والذين سبق لأحزابهم أن تناوبوا على شؤون تسيير "النقابة الوطنية للصحافة المغربية" وكذلك من رئيس اللجنة المعين، الخروج عن المألوف، ودعوة كافة الأطراف المعنية بموضوع الحوار، سواء حول "مدونة الصحافة والنشر" أو حول التحضير للمجلس الوطني، الذي أقره الدستور الجديد، وللتذكير فإن الاستغناء عن ذلك، قد يوحي بأن هناك خوف ما من الرأي الآخر، ومن النقد الموجه لهذه المنهجية الانتقائية، التي لا تتلاءم مع طبيعة الواقع السياسي والنقابي الوطني، الذي يلزم الأطراف الداعية إلى هذا الحوار القطاعي، بضرورة استدعاء كافة الأطياف المعنية بذلك، والخطأ سيسجل لا محالة لحزب العدالة والتنمية، الذي كان في المعارضة يطالب بتوسيع المشاركة، وبدمقراطية الممارسة السياسية والنقابية، وبضرورة تجاوز المنظور الإقصائي، الذي كان هو أيضا من ضحاياه، فما الذي منع الحزب الذي يمتلك الأغلبية في الحكومة والبرلمان من ترجمة مبادئه وتفعيل توجهاته، التي كان يناضل من أجلها .. أم أنه يريد وفي الحقل الإعلامي والصحافي بالذات، أن يطبق أفكاره المناهضة للحرية والديمقراطية بمعارضيه في الماضي، الذين لا يحسدون على التراجع الانتخابي الجماهيري الذي يواجهونه اليوم ..؟
الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة