لم يعد من الممكن ولا من الملائم أن تظل عصارة الأفكار والمبادرات والمعادلات والتضحيات، والعمل على تحسين الاوضاع وطرح النماذج والتفكير في الحلول، والسعي للحكامة الجيدة والاجتهاد في كل ذلك، لم يعد ممكنا أن يستمر هذا الجهد كله إذا كانت حصيلته التنافر أو إذا كان يؤدي الى مناخ مساعد لذلك. لقد جربنا سبلا وشعبا كثيرة على مدى الثلاثين سنة الماضية، ولا نرى من العيب أن نقول إن كل ذلك التوجه لم يؤت أكله، ولا ما كان يراد من ورائه رغم تبني مبدأ التسامح والتنازل عن القوانين الى درجة التسيب أحيانا. خاطبنا الداخل واستمعنا الى الخارج وضاق الجميع بنا ذرعا لأن خطابنا ضل مسعاه وأصبح صداه يزعجنا داخل البيت. لقد أصبح لزاما علينا أن نحدد إحداثيات الموقع، وأن نتوجه الى من يعنينا أمرهم فقط وأن تنحصر مبادراتنا ومفاوضاتنا داخل حدودنا وأرضنا ولاداعي للحديث الى بلاد أخرى وقوم آخرين يتحدثون لغة غريبة علينا ولهم مطالب ليس حتما علينا مجرد الاستماع لها. إن تحديد المخاطب أولى أولويات الحلول، وحين ندرك ذلك ستكون الخطوة الأولى على الطريق الصحيح الذي رسمه أخيرا خطاب جلالة الملك بتوجهاته الخمسة، والتي من المقرر أن تكون هي الفيصل عاجلا أم آجلا. لم يعد سرا أن قضية الصحراء أصبحت مطية على المستويين الداخلي والخارجي، يستخدمها للوصل كل من سعى لهدف صعب عليه وصوله عن طريق المسارات المعتادة، وكانت تلك نتيجة حتمية لانجراف الدولة لذلك التيار ومسايرته الى أن اختلط القانون باللاقانون والمطالب الاجتماعية بالسياسية، مما أدى الى بروز ما شاهدناه مؤخرا من جمعيات وأفراد وضعوا برامج لأنفسهم بعدما ساد مناخ الحريات غير المعقلن، مما أدى الى تجاوزات يجب أن تعرض مستقبلا على التشريعات والقوانين ويكون القضاء مسرحا لها وليس الجمعيات الحقوقية ولا البرامج التلفزيونية. ليس العامل الداخلي رغم أهميته القصوى وحده الذي يجب أن يكون وجهة التغيير أو هدف الاصلاح، بل أيضا المسرح الخارجي والذي ظل بدوره يشتكي الارتجالية في الخطاب، وقد أولاه خطاب المسيرة في إطار المخطط المندمج، عناية خاصة حينما أكد على ضرورة النهوض بالهيآت السياسية والنقابية والجمعوية والاعلامية والقوى المنتجة لتتمكن من القيام بالدور المنوط بها، ومن ذلك ترسيخ قيم الوطنية حتى نتمكن من بناء مواطن كفء وقادر على التمييز. إن كل ذلك لم يعد أمرا عسيرا، ولم نعد في حاجة الى مزيد من الجهد المهدور لأننا نعيش صافرة النهاية، ولا مجال لمتسع من الوقت الضائع. فلنحط أنفسنا بجدار من التصالح مع الذات يكون كفيلا لنا بأن نستدرجهم من حيث لا يعلمون.