«أنا متزوجة وزوجي عاجز وعندي خمسة أبناء يدرسون وأكتري بيتا ب 16000 ريال، وليس لي معين، أعينوني.. والله لا يضيع أجر المحسنين».. هذه العبارة وغيرها مكتوبة بخط اليد ومنسوخة على أوراق صغيرة، توزعها نسوة من مختلف الأعمار وحدهن أو برفقة أطفالهن إما صغارا على ظهورهن أو في سن التمدرس، على ركاب حافلات النقل الحضري يوميا من الصباح الى المساء، تسول مكتوب مرفوق ببضع كلمات بصوت مخنوق وهامس وبضع دمعات، وأعينهن تراقب يمنة ويسرة خوفا من أن يصعد، فجأة، مراقبو التذاكر الذين لايقبلون بوجود المتسولين على متن الحافلة ، تنفيذا لمضمون إحدى المذكرات الداخلية! هؤلاء النسوة يخترن خطوطا محددة، خصوصا التي تعرف ازدحام الركاب، وغالبا تلك الرابطة بين بعض الاحياء ووسط المدينة أو الرابطة بين الدارالبيضاءوالمحمدية... إحداهن اختارت الحافلة رقم 800، الخط الرابط بين الدارالبيضاءوالمحمدية، رقمها المفضل ووجهتها اليومية، تستقل هذه الحافلة من المحطة الواقعة بالكيلومتر 17 ، تقوم بجولة سريعة داخل الحافلة، تلتفت يمينا ويسارا، تتفقد ثم تبدأ بتوزيع الاوراق الصغيرة التي بحوزتها لطلب الصدقة بعبارة أنها ارملة ولديها اطفال يدرسون وليس لها معين وتكتري منزلا، ثم تتقدم الى مقدمة الحافلة وهي تتمتم ببضع كلمات بعضها مفهوم و الآخر مبهم ، وتغرورق عيناها بالدموع، ثم تعاود جمع الاوراق وهي تمد يدها وتجمع في الآن ذاته الدريهمات التي جاد بها بعض الركاب! اللافت أنها تقوم بهذه «الاعمال» بسرعة حتى تنزل في المحطة الثانية، أي قبل وصولها لمدينة المحمدية، ثم تمر الى الجهة الاخرى لكي تستقل الحافلة العائدة من المحمدية الى البيضاء! بمعنى نفس الخط في الاتجاه المعاكس، لتنزل في نفس المحطة، أي الكيلومتر17... هذه هي رحلتها اليومية. رفضت الاجابة عن سؤال: لماذا تحترف التسول ولا تحاول البحث عن عمل قار؟ وبعد إلحاح طويل وبصعوبة قالت: «لماذا أعمل، وما أجنيه خلال يوم واحد يساوي ضعف ما قد أجنيه في أسبوع من عمل ما». ثم «هربت» واستقلت الحافلة لتتابع «عملها» في التسول، أي رحلتها اليومية. فبدل الجلوس أمام المسجد أو التجول داخل الاسواق، اختارت هذه المتسولة وغيرها، الحافلة، التي تشكل بالنسبة لهن مكانا آمنا ومضمون الربح، والاساس أنه متوار عن انظار رجال الشرطة وفرقة الوحدة الاجتماعية. الفقر ، حسب العديد من المتسولات والمتسولين، يكون دافعا أساسيا للخروج إلى الشارع، خاصة وأن البعض منهم وجد في التسول ربحا ماديا سهلا يغنيه عن العمل وكسب لقمة العيش بالكد. الواقع أن هذه الظاهرة تفشت بشكل لافت داخل المجتمع البيضاوي، فلا يكاد ينزل متسول من الحافلة حتى يصعد آخر، وهذا الوضع يجعل الركاب يستاؤون ويتذمرون ، حيث عبر أحدهم عن انزعاجه عندما صرخ في وجه إحدى المتسولات بعد أن قدمت له ورقة طلب الصدقة، وأمرها بالابتعاد عنه... ليس وحده، فهناك غيره من عبر عن غضبه من هذه الظاهرة «التسول يعطي صورة سيئة عن مجتمعنا، وكثرة المتسولين تعني أننا نسير في الاتجاه المعاكس للتنمية المنشودة » يقول طالب جامعي.