أعلن يوم 12 أكتوبر الجاري عن فوز الأمريكيين «إيلينور أوستروم» و «أوليفيي ويليامسون» بجائزة نوبل للاقتصاد. ومع هذا الإعلان تم تكريس الهيمنة الأمريكية بحصة 45 جائزة من أصل 64 ممنوحة مند سنة 1969. إلا أن خصوصية جائزة سنة 2009، تكمن في أنها مُُُّنحت لأبحاث استلهمت خلاصاتها من صلب الفكر الماركسي، في قلب المدرسة الإقتصادية الرأسمالية الأمريكية، التي دعت إلى مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، بالارتكاز الى حكامة سياسية واقتصادية تجعل من الإنتاج في القطاع التعاوني بديلاً ًعن هيمنة فئة قليلة من الأشخاص على الرأسمال ووسائل الإنتاج. كما تجعل من نشر المعرفة والمعلومات، وخاصة منها العلمية، معبرا لتمكين البشرية جمعاء من مواجهة الجهل والفقر والتخلف. عودة المفكرين الأمريكيين إلى الاهتمام بالأطروحات الاشتراكية، بعدما كان انهيار حائط برلين بمثابة رمز علني على انتصار الفكر الليبرالي القائم على توحش الرأسمال وتحرير المبادلات التجارية، تزامن مع الانتقادات الموجهة للنظام الاقتصادي العالمي الحالي، والتي تقوم على أساس أن نمط العيش في الغرب هو المسؤول الأول عن الأزمة الحالية، لأن تعميم هذا النمط على باقي دول العالم يقتضي التوفر على 5 كرات أرضية لها نفس الطاقة الإنتاجية لكوكبنا الأرض. وتبعا لذلك، فإن قادة الغرب الرأسمالي هم آخر من يحق له توجيه التهم والنصح للغير. إن الإدارة الأمريكية ( زمن رونالد ريغان ) التي قادت الحرب على النظام الاشتراكي، نجحت في القضاء بشكل نهائي على الاتحاد السوفياتي، لكنها لم تنجح في القضاء على الفكر الماركسي. بدليل، أنها عادت لتبني مضامينه في مواجهة الأزمة العالمية الحالية، وبادرت إلى تأميم كبريات المؤسسات البنكية والإنتاجية المهددة بالإفلاس، ضدا على الفكر الرأسمالي الذي يتخذ من قانون السوق مرجعية أساسية في دمقرطة العلاقات الاقتصادية. وهذا التوجه هيمن على قرارات باقي الدول الغربية التي بادرت بدورها إلى تغليب منطق التأميم على منطق الخوصصة. فبعد أن أسفر سوء توزيع الثروة عن ارتفاع عدد الجياع وضحايا الحروب، وبعد أن أسفر الاستغلال المكثف للثروات الطبيعية عن ظهور « لا توازن بيئي » يهدد البشرية كلها بمخاطر يصعب التحكم فيها، جاءت جائزة نوبل للاقتصاد كدعوة عالمية لاستلهام العبر من الفكر الماركسي والعودة إلى النهج الاشتراكي، خاصة من خلال العودة الواسعة اليوم من قبل خبراء الإقتصاد في أمريكا وبريطانيا وفرنسا إلى كتاب « الرأسمال » للمفكر الإقتصادي الألماني كارل ماركس. وترجمة ذلك تبرز واضحة من خلال التأكيد، في هذه العواصمالغربية، على مكانة الحكامة، أي حسن التدبير السياسي والاقتصادي للدولة، في تأمين بلوغ الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. وأكيد اليوم أن العديد من الخطوات السياسية التي اتخذها الفائز بجائزة نوبل للسلام الرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، في المجال الإقتصادي، إنما تمت من خلال الاستعانة بما خلص إليه مواطناه الفائزان بنوبل للاقتصاد.