عندما اشتعلت سماء مانهاتن، وانهارت حضارتها الإسمنتية في ثلاثاء 11 شتنبر 2001، لم يكن العالم يتوقع أنه دخل زمنا سيده الأكبر هو ابن لادن. ولاحت في سماء الدنيا أسماء القاعدة وشعاراتها وفيالقها وأشرطتها كثيرون احتفلوا بتركيع قوى الاستعمار والعنجهية الامريكية. وكثيرون اعتبروا ضربها شرعا ودينا وفضيلة. وفي بلادنا لم تكن هجمات القاعدة على الولاياتالأمريكية لتمر بدون أثر على المغرب، بحيث كان المغرب قد قام، بعد خمسة أيام فقط من الهجوم، قداسا في كاتدرائية الرباط، وكان ذلك إعلانا للانخراط في محاربة التطرف واللجوء إلى الرمزية الروحانية لتبليغ الخطاب. وكشفت الاضطربات ما كان يعتمل في صفوفنا ، وما كان ينتشر في ظلال الحرب الأفغانية منذ نهاية السبعينيات. وبدأت سلسلة من الوقائع، كان أولها خلية نائمة في ماي 2002، التي ضمت، حسب بيانات رسمية أفرادا من السعودية، وكانت، كما تناقلت الأخبار وقتها، تخطط لضرب البواخر الأمريكية في جبل طارق. وقتها أيضا اطلعنا، كما نشرت الصحف الأمريكية، على التعذيب المفوض من طرف الوكالة الامريكية، هل قلنا ما يجب وقتها أم استسلمنا لقوة الصدمة أو الرعب؟ في تلك الفترة كانت أمامنا انتخابات ورهانات الاستمرار في الانتقال وتحصين التجربة الوحيدة في انتخابات نزيهة، كنا ننظر جهة الاقتراع ويدنا على قلوبنا.. ذهبت أحلام التناوب ووجدنا أنفسنا وسط الضباب والتركة الكبرى لما وقع من تجاوزات.. في نفس السنة اكتشفت أجهزة الديستي خلايا السلفية الجهادية ووقتها بدأ القاموس يغتني بمسميات جديدة غير مألوفة إلى حين انفجرت الأجساد الهزيلة للقنابل البشرية في سيدي مومن في قلب العاصمة الدارالبيضاء.. يوم 16 ماي 2003 . خمسة تفجيرات أشبه بصلوات الدم والعفاريت في قلب المدينة الحضارية والجديدة، المحاطة بشعاب من زنك وبؤس وتراتيل غامضة.. لم تكن الأجهزة اليقظة عادة، يقظة بما يكفي لترى العبوات الناسفة حول الأجساد الفقيرة المتخنة بالشحن الأيديولوجي المفعم بالقبور والأدعية. ومنذ تلك الفترة توالت التفجيرات «الضعيرة» ، كما في مارس 2007 بالدارالبيضاء، كما تعددت الخلايا حتى بلغ عددها إلى حدود أيامنا هذه ما يزيد عن 80 خلية نائمة ومستيقطة. منها خلايا استطاعت أن تخترق الأجهزة المعنية نفسها بمحاربتها، كما حصل مع خلية حسن الحطاب وأنصار المهدي، وتبين كذلك التداخل بين تهريب المخدرات والإجرام العصري والشبكات الدولية في قضايا الإرهاب .. سياسيا، تراجعت أسماء أو اختفت من المشهد الأمني، كما هو حال العنيكري أو تم الاتفاق جماعيا على قانون الإرهاب، كما لم تمنع قوة التظاهر الإسلاموية أو قوة التيار المناهض من تحقيق قفزة نوعية في القوانين المناهضة للتزمت والانغلاق، كما تراها القوى المحافظة، كما هو الحال في قضية المدونة.. تفاعلات كثيرة دارت حول موضوعة وأقرت الدولة بأخطاء في المحاكمات، كما تحركت العديد من والأصوات من أجل فتح حوار مع السلفيين في السجون، بدون أن يحدث شيئ خارق من المواجهات.. أصبحنا دوليا بلدا «يصدر» بعض النشطاء المتطرفين، لا سيما بعد أحداث مدريد والتفجيرات الذي ذهبت بما يزيد عن 190 شخصا..أو في هولاندا عندما تم تنفيذ حكم الإعدام في مخرج سينمائي على يد مغربي، وبفتوى صادرة عن القاعدة.. وبقي الشبح واقفا ومازال، ومازلنا نتابع أطوارها.. ورثنا نحن السمعة غير السارة عن التعذيب والمخابرات، ولم نشف من طعم المرارة وعجزنا المقيم عن استكمال الدورة الانتقالية الكبرى التي تضع البلاد نهائيا في الدائرة المضيئة للديموقراطية المكتملة..