فدرالية الجمعيات الأمازيغية تهاجم "الدستور المركزي" وتطالب بفصل السلط والمساواة اللغوية    محامو المغرب يرفضون مشروع قانون المهنة ويرونه خطرا على استقلاليتهم    "أفريكا انتلجانس" ترصد شبكات نفوذ ممتدة حول فؤاد علي الهمة في قلب دوائر القرار بالمغرب    الذهب يسجل مستوى قياسيا جديدا متجاوزا 4500 دولار للأونصة    عجز ميزانية المغرب يقترب من 72 مليار درهم نهاية نونبر 2025    "الهيلولة".. موسم حجّ يهود العالم إلى ضريح "دافيد بن باروخ" في ضواحي تارودانت    انتصارات افتتاحية تعزز طموحات نيجيريا والسنغال وتونس في كأس إفريقيا    منتخب الجزائر يدشن مشاركته في "الكان" اليوم أمام السودان    الأمطار تغرق حي سعيد حجي بسلا وتربك الساكنة    بكين وموسكو تتهمان واشنطن بممارسة سلوك رعاة البقر ضد فنزويلا    هذه تفاصيل مرسوم الحكومة لتفعيل الإعانة الخاصة بالأطفال اليتامى    طقس ممطر في توقعات اليوم الأربعاء بالمغرب    كيوسك الأربعاء | وزارة الداخلية تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة موجات البرد    مقتل رئيس أركان الجيش الليبي ومسؤولين كبار في حادث تحطم طائرة    كأس أمم إفريقيا 2025.. بنك المغرب يصدر قطعة نقدية تذكارية فضية من فئة 250 درهما ويطرح للتداول ورقة بنكية تذكارية من فئة 100 درهم    عاصفة قوية تضرب كاليفورنيا وتتسبب في إجلاء المئات    كأس إفريقيا للأمم (المغرب 2025 ): المنتخب التونسي يفوز على نظيره الأوغندي (3-1)    أمسية ثقافية تكرس التقاطعات الثمينة بين القفطان المغربي والساري الهندي    مدير عام جديد لبورصة الدار البيضاء    ضبط مطلق للنار على أمن ورزازات    ليكسوس العرائش لكرة السلة بين تصفية الذمم المالية وربط المسؤولية بالمحاسبة... أسئلة جوهرية في قلب الأزمة    تكريم الفنان عبد الكبير الركاكنة في حفل جائزة النجم المغربي لسنة 2025    دار الشعر بمراكش تواصل برنامج الاحتفاء باليوم العالمي للغة العربية    ريدوان يكشف تفاصيل الألبوم الغنائي المرتبط بأجواء كأس إفريقيا للأمم    بلاغ بحمّى الكلام    مدرب السنغال: من الجيد تحقيق الفوز في المباراة الأولى ولدينا مجموعة قوية تلعب بأساليب مختلفة    اتفاقية تجلب ميناء جديدا للصويرة    كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم (الجولة 1/المجموعة 4).. منتخب السنغال يفوز على نظيره البوتسواني (3- 0)    فجيج في عيون وثائقها    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء قريب من التوازن    منتخب الكونغو الديموقراطية يستهل مشواره بفوز على نظيره البينيني (1-0)    مجلس الحكومة يصادق على مقترحات تعيين في مناصب عليا    تساقطات ثلجية وأمطار قوية بعدد من المناطق    تقتسم صدارة المجموعة الثانية رفقة جنوب إفريقيا .. مصر تنجو من كمين زيمبابوي بفضل خبرة صلاح    164 ألف صانع مسجلون بالسجل الوطني للصناعة التقليدية    الهيئة الوطنية للمعلومات المالية.. تقديم التقرير السنوي برسم 2024 لرئيس الحكومة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    بالأحضان يا أهل الكان ..وعلى بركة الله        منصة رقمية للطلبات والسحب عند الرشد .. تفاصيل الإعانة الخاصة لليتامى    فتح تحقيق مع 8 أشخاص متورطين في المضاربة في تذاكر الكان    الأغنية الرسمية لكان المغرب-2025 "AFRICALLEZ" أنشودة الوحدة    الولايات المتحدة توافق على أول نسخة أقراص من علاج رائج لإنقاص الوزن    "أكديطال" تستحوذ على مجموعة تونسية    في عالم الخداع الشامل، يصبح قول الحقيقة فعلاً ثورياً    اضطراب جوي قوي يهم عدداً من مناطق المغرب والأرصاد تدعو إلى الحذر    اليوم العالميّ للغة الضّاد    بنسبة %52.. نمو قياسي في مرافق شحن السيارات الكهربائية بالصين    تراجع مستمر في معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم ببلادنا    دراسة: ضوء النهار الطبيعي يساعد في ضبط مستويات الغلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    دراسة صينية: تناول الجبن والقشدة يقلل من خطر الإصابة بالخرف    غضب دانماركي وأوروبي من تعيين موفد أمريكي في غرينلاند وترامب يعتبر الجزيرة "حاجة أمنية"    إسرائيل تقتل ثلاثة عناصر من حزب الله    ترامب يوجه تحذيرا جديدا إلى مادورو    خطر صحي في البيوت.. أجهزة في مطبخك تهاجم رئتيك    مشروبات الطاقة تحت المجهر الطبي: تحذير من مضاعفات دماغية خطيرة    من هم "الحشاشون" وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟    استمرار إغلاق مسجد الحسن الثاني بالجديدة بقرار من المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية وسط دعوات الساكنة عامل الإقليم للتدخل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في العمل مع السلطان .. السلطان لا شريك له

تقوم الدولة السلطانية، كما يعكس ذلك الفكر السياسي السلطاني الملازم لها، على ثلاثة أركان أساسية هي: السلطان والحاشية السلطانية والرعية. وبعبارة أخرى يتخللها شيء من التجريد، تتأسس هذه الدولة على «ذات» تتموقع في قمة الهرم المجتمعي، وهي «السلطان»، و»موضوع» لهذا الذات يوجد في أسفل الهرم وهو «الرعية»، وبينهما «وسيط» يصل الذات بالموضوع وينفد أوامرها، وهو «الحاشية السلطانية».
لمصاحبة الملوك أخلاقيات ينبغي استبطانها، ولمجالستهم شكليات هي من جوهر الأشياء، ولمخاطبتهم قواعد لا يقبل خرقها، و في الجلوس لموائدهم ضوابط لا تسري على باقي الموائد...لا يتعلّق الأمر هنا فقط بشكليات يجب الانصياع لها تأكيدا ل»فرادة» الملوك وحصول الطاعة، و لكن يبقى أيضا على «صاحب السلطان» وزيرا كان أو جليسا أو نديما...أن يدرأ عنه كلّ تشبّه بالملوك، يكون من شأنه أن يضعه على قدم المساواة مع سيّده، و من قصد إلى أن يشرك الملك في شيء، فهو كما جاء على لسان أحد الأدباء «عاص مفارق للشريعة». و هذا ما سنحاول الإشارة إليه من خلال أربع مستويات لا مجال لمشاركة الملوك فيها، و تهمّ الإسم الملكي و اللباس الملكي و القصر الملكي و المائدة الملكية.
ا- درءا لكل تساوي محتمل، يؤِكّد «الجاحظ» في كتاب «التاج في أخلاق الملوك» أنّ «من حق الملك أن لا يسمّى ولا يكنّى في جدّ أو هزل ولا أنس ولا غيره»، و من يفعل ذلك «يعتبر جاهلا ضعيفا خارجا من باب الأدب». فالاسم الملكي يوجد فوق أسماء الناس، وهو اسم ليس كباقي الأسماء، بل إنه إلى الصفة أو الصفات أقرب. وحتى في هذه الحالة يكون «التفرد» لازما، إذ «من حق الملك إذا دخل عليه رجل وكان اسم هذا الرجل يوحي بإحدى صفات الملك، فسأله الملك عن اسمه أن يكنّى عنه ويجيب باسم أبيه».
ب - إذا كانت «المراتبية» أمرا واقعا في المجتمع السلطاني (ولا حاجة هنا لمناقشة مدى إسلاميتها)، و بمقتضاها يجب أن يكون التمييز بين «العامة» و»الخاصة» و»خاصة الخاصة»... باديا للعيان، و إذا كان هناك من ذهب بعيدا في اقتباس بعض صورها الفارسية مطالبا تخصيص كل فئة اجتماعية أو مهنية بلباس معين ولون محدد حتى لا يقع الخلط في المراتب، فالأولى بهذا التمييز «لباس» الملك الموجود في قمة الهرم السلطاني. فمن علامات التفرد، «اللباس الملكي» الذي «تعجز عنه الرعية». ومن إجلال الزي الملكي وإفراده «أن يباين لباس الناس»، وليس هذا التباين شكلا ولونا، مع الزي الملكي إجراء شكلي يقدر ما هو مظهر من مظاهر «طاعة أهل المملكة». ففي هذا الصدد يشير الجاحظ إلى «أن عبد الملك بن مروان، كان إذا لبس الخف الأصفر لم يلبس أحد من الخلق خفا أصفر حتى ينزعه»، كما يشير الثعالبي بدوره في كتاب «آداب الملوك» كيف أن سعيد بن العاص كان «إذا اعتم بمكة لم يعتم أحد مادامت العمامة على رأسه...»
ج- يشمل هذا التفرد أيضا «مسكن» الملك الذي عليه إن أراد أن يستوطن مكانا، أن يختار «الفسيح» منه ويجعله محاطا بخواصه وجنوده حتى يكون آمنا. وهذا ما يؤكده غير ما مرّة سلطان تلمسان في كتابه «واسطة السلوك في سياسة الملوك» بنصحه لولي عهده قائلا: «لا تغفل عن تفقد قصرك في نهارك وليلك ولا تؤمن عليه أحدا غيرك ولا تجعل لقصرك بابين ولتقطع الداخل والخارج (....) وليكن فتيانك على باب قصرك من الخارج واسلك في ترتيبهم أحسن المناهج، فلا يطلعون على أسرار قصرك...»
وما ينبغي الإشارة إليه في هذا السياق هو التأكيد على إخفاء «السرير» المعد لنوم الملك. فمن أخلاق الملك عند الجاحظ «أن لا يكون لمنامه في ليل ولا نهار موضع يعرف به» ومن بين شروط سياسة بدنه وسلامته عند ابن أبي الربيع «أن لا يعرف أحد مبيت الملك أو منامه» وفي هذا السلوك اقتداء بملوك فارس مثل أردشير وكسرى الذين «كان يفرش للملك منهم أربعون فراشا في أربعين موضعا، ليس منها فراش إلا ومن رآه من بعيد على الانفراد، لا يشك أنه فراش الملك خاصة وأنه نائم فيه.» ومثل هذا التمويه يندرج، كما يعلق الثعالبي في «حكم الحزم والاحتياط وشرط السياسة».
د - يتحدث «ماكس فيبر» Max Weber عن «حياة الرفاه» التي طبعت بلاطات أوربا العصر الوسيط، ويلاحظ أنها لم تكن ذات طبيعة «استعمالية» أو «استهلاكية» ولكنها كانت نوعا من «إثبات الذات «Auto-affirmation» ، وهذا أمر ينطبق تماما على «المائدة» الملكية التي تتحول بمأكولاتها المتعددة، وألوانها المختلفة، ووفرة محتوياتها، وتناسق موادها...إلخ من غذاء طبيعي معد للاستهلاك «الحيواني» إلى «دلالة ثقافية» أو «رمز» يجمع بين الغنى والترف الملوكي وانضباط الجسد الحيواني الشهواني.
لمائدة الملك، إذن دلالة خاصة تميزها عن سائر الموائد، إذ لا يكون الغرض منها سد خلة الجوع بقدر ما تصبح «رمزا» ملوكيا يحوّل كل من تحلق حولها من طبيعته «الحيوانية» إلى الثقافة «الإنسانية»، فموائد الملوك «إنما تحضر للتشرف لا للتشبع»، ذلك أن ليس في كثرة الأكل مع الملك معنى يحمد، وإنما حظ أولئك المتحلقين حول مائدة السلطان «المرتبة التي رفعهم إليها، والأنس الذي خصهم به...». بل وعلى هؤلاء الذين أسعفهم الحظ في مقاسمة الملك مائدته أن يمتثلوا لكل الطقوس اللازمة في الحضرة السلطانية، فلا ينبسوا بكلمة، وهم يأكلون إلا إذا أذن الملك، وأن يحسنوا الاستماع لحديثه، ولا يعارضونه، كما من حق الملك عليهم «إذا رفع يديه عن الطعام أن ينهض عن مائدته كل من الحاف». ومن الجدير بالإشارة، ونحن نتحدث عن «مائدة» الملوك، تلك التنبيهات المتكررة الموجهة إلى السلطان من أجل الحيطة والحذر من «سم» قد يدسّ له في الأكل، وأن يحذر في هذا الباب النساء خاصة، وأن يكون «صاحب الطعام والشراب» رجل ثقة، عارف بآداب الملوك ومتقن لفوائد الطعام.
وإذا كان الاسم واللباس والمسكن والمأكل علامات دالة على «التفرد» الملوكي، فإن هناك مشهدا يؤكد هذه الدلالة بفضائه وطقوسه وحيثياته: إنه المجلس السلطاني، و هو موضوع الحلقة المقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.