إنها المرة الأولى التي أصوم فيها شهر رمضان مثل الكبار. أمسك كما فعلوا عن الأكل والشرب من أذان الفجر الى أذان المغرب. لم تكن الأيام الأولى من الصوم بالسهلة بالنظر لشدة الحرارة التي كانت تتسبب في جفاف حنجرتي وتجعلني أكثر عطشا. في البدء اعتقدت أن صحتي ستبدأ في التدهور، غير أنني وبسرعة شديدة بدأت أحب هذا الشهر العظيم الملئ بالشعائر و الاحتفالات، والذي نحياه بشكل مغاير عن شهور السنة المتبقية. بعد منتصف اليوم وحينما تبدأ الشمس في الغروب والاختباء وراء المنازل هناك، نتناول وجبة الافطار: نتناول التمور، والشربة، وفطائر مصنوعة من البطاطس واللحم. انها أطباق أكل تعد خصيصا لشهر رمضان، ليلا نسهر إلى وقت متأخر، في مرات عديدة إلى حدود الساعة الثالثة صباحا! في الليل، تمتلئ المقاهي عن آخرها، وتستمر مصابيح واجهات محلات بيع الملابس واللعب مضيئة لساعات طويلة. في مركز المدينة غير بعيد عن باب اليمن تزدحم حركة السير ويصعب بشكل كبير التنقل بين شوارعه. وعند استيقاظي الصباح الأول من شهر رمضان حوالي الساعة الخامسة صباحا لأداء صلاة الفجر، توجهت إلى الله بالشكر عما مضى من الشهور الأخيرة، كما طلبت من الله سبحانه وتعالى أن يعينني على أن أنحج في سنتي الثانية من التعليم الأولي وأن اتمتع بصحة جيدة. و طلبت من الله تعالى أن يعين والدي ووالدتي ليحصلوا على المال لأجل أن يتوقف اخوتي عن التسول في الشارع، وأن يستعيد فارس ابتسامته كما كان في السابق. ماذا لو أصبح الذهاب الى المدرسة إجباريا بالنسبة لكل الأطفال، فهذا سيمنع أن يتحول أطفال في مثل سنه الى باعة للعلك على علامات المرور في جادة الطريق. كما تذكرت جدي، الذي أحن إليه وهو في دار الآخرة، وأقول مع نفسي انه فخور بي. دخل الطاكسي زحمة الشارع المؤدي الى المطار. ما أن اقترب من نقطة التفتيش العسكرية، دخلنا طريقا صغيرا على اليمين وبدأنا نمر أمام عدد من المنازل المبنية بالاسمنت المسلح. وسطوحها مزينة بلاقط الفضائيات أشبه بصحن مقعر. ربما سنتوفر نحن أيضا في يوم ما على تلفزيون في البيت. ضغط السائق على زر يفتح أوتوماتيكيا النوافذ الخلفية. هناك غير بعيد، كانت فتيات تغنين، وكلما اقتربنا منهن، يقترب الايقاع هو الآخر جهتنا. ها نحن قد وصلنا، يعلن السائق وهو يوقف السيارة أما باب حديدي كبير أسود اللون. الوصول الى هنا دام خمس دقائق. ارتعش جسدي من الاثارة، الآن صوت الفتيات وهن يغنين قد دنا أكثر، لقد تعرفت على الكلمات.. وراء الباب الحديدي الكبير، توجد مدرستي الجديدة. صباح الخير نجود! شذى! مفاجأة! ارتميت في حضنها وعانقتها بحرارة. لقد أصرت على المجيء لحضور هذا اليوم العظيم. لو عرفت الى أي حد أنا مطمئنة لمعاودة رؤية محياها المألوف! انفتح الباب على ساحة واسعة مكسوة بالإسفلت تحيط بالعشرات من الحجرات الدراسية بحيطانها الرمادية الموجودة على طابقين. ترتدي الفتيات لباسا مثل الذي ارتديه، باللونين الأخضر والابيض. لا أعرف أحدا. انه مخجل. قدمتي المحامية شدى الى ناظرة المدرسة، نجلاء مطري، سيدة محجبة ترتدي منديل رأس أسود، لم أكن أرى منها إلا عينيها. كيف حالك ، نجود؟ صوتها كان هادئا ومطمئنا، طلبت منا أن نتبعها الى مكتبها، الذي يوجد في اقصى الساحة. وضعت مزهرية بلاستيكية على غطاء طاولة الاجتماعات الاحمر و على الجدار وضعت صورة كبيرة للرئيس علي عبد الله صالح. وراء أحد المكاتب كانت احدى المعلمات ترقن على لوحة مفاتيح الكومبيوتر. ما ان اقفلت الباب حتى نزعت نجلاء مطري النقاب الذي كان يغطي وجهها. يا إلهي. كم هي جميلة! عيناها عسليتان. وجلدها ذو لون ابيض مثل لون الحليب. نجود مرحبا بك هنا. هذه المدرسة بمثابة بيتك. انتهى