تتميز العلاقة بين العائلة الملكية والعائلة الرياضية بروابط قوية ومتجذرة منذ زمن بعيد.. في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، كما في عهد الملك محمد السادس، تمتع الرياضيون بكل الحظوة لدى القصر الملكي.. كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة، ومنهم من وُضع اسمه في خانة «أصدقاء الملك»، يتم استدعاؤهم في المناسبات الرسمية، وفي الجلسات الخاصة، ويشاركون الملك في نشاطاته الرياضية الترفيهية.. متى كان اللقاء الأول مع الملك؟ في أية مناسبة؟ ماهي التفاصيل؟ لو أتيحت للرياضي فرصة أخرى للقاء الملك، ماذا سيقول لجلالته ؟ غادرت القصر الملكي بعد أن حظيت رفقة زملائي لاعبي المنتخب الوطني بذلك الاستقبال الملكي، بعد رجوعنا من الجزائر، وأسئلة كثيرة تسيطر على تفكيري، وتشغل بالي. كيف يخصنا جلالة الملك الحسن الثاني بمثل ذلك الاستقبال، ونحن منهزمون أمام الجزائر، أية حكمة وراء ذلك؟ في واقع الأمر، لم يكن من الصعب إدراك المغزى، لقد غادرنا رحاب القصر، ونحن كلاعبين شباب وفي بداية المشوار الدولي، نملك كل أشكال التحفيز المعنوي والنفسي للمزيد من العمل والمثابرة. لم يكن الاستقبال الملكي مجرد مواساة يقدمها الأب لأبنائه في مناسبة أليمة، كان تحفيزا وتشجيعا للمزيد من العطاء، وللاجتهاد لشباب من جيل جديد، من المفروض أن ينظروا بعيون التفاؤل للمستقبل القادم! وفعلا، انخرط كل واحد منا نحن اللاعبون، في نشاطه الكروي بجدية كبيرة، وبحزم وإرادة، وعزيمة كذلك. كان ذلك كافيا لرسم صورة جديدة للمنتخب الوطني، في ظرف وجيز. لقد اشتغل اللاعبون بجد وكفاءة، واستحقوا عن جدارة تلك الثقة التي خصهم بها ملك البلاد.. وكانت أولى نتائج ذلك العمل الجدي، التألق الذي حققناه بمناسبة ألعاب البحر الأبيض المتوسط بالدارالبيضاء، ونجاحنا في إحراز الميدالية الذهبية كأبطال لتلك الدورة. في تلك الألعاب، قطعنا مشوارا رائعا قبل الوصول إلى مباراة النهاية التي كانت ستجمعنا بمنتخب تركيا.. قبل تلك المباراة النهائية، كان لنا موعد مع زيارة أخرى للقصر الملكي.. كانت بالنسبة لي الثانية، وربما لمعظم زملائي اللاعبين. لكن هذه المرة، لم يكن الأمر كما في المرة الأولى، حيث ولجنا القصر الملكي مباشرة بعد تلقينا تلك الهزيمة أمام الجزائر، وولجناه ونحن نرتعد خوفا ورعبا، الوضع يختلف، فمنذ ذلك الاستقبال الملكي، نجحنا كلاعبين في رسم صور رائعة أعادت البسمة لمحبي المنتخب الوطني، وحققنا نتائج أعادت للمنتخب توازنه وقوته. ورغم كل ذلك، لم نسلم من ذلك الشعور الغريب الذي ينتفض وخطوات قليلة تفصل المرء عن لقاء الملك.. كل الأحاسيس شعرت بها في ذلك الوقت، خوف، فرح وسعادة، فضول وترقب.. وانضاف لهاه المشاعر الانبهار والاعجاب حين وقفت مباشرة أمام الملك الحسن الثاني! في ذلك اللقاء، بدا جلالته منشرحا، سعيدا، حدثنا كأب، وكمدرب ملم بكل خبايا لعبة كرة القدم.. منحنا توجيهاته، وشجعنا على بذل المزيد من الجهد مؤكدا: «أنتم قادرون على الظفر بلقب البطولة، والتغلب على تركيا.. الله يعاونكم آلوليدات..». لم نخيب ظن جلالته بنا، ونجحنا كما يذكر المتتبعون في التغلب على المنتخب التركي بثلاثة أهداف مقابل لاشيء، في لقاء رائع عرفت نهايته الإعلان عن ميلاذ أسماء ونجوم جديدة بقميص المنتخب الوطني! واصلت حضوري رفقة الوداد البيضاوي والمنتخب الوطني بعد ذلك، كنت متأكدا أن عيون جلالة الملك تتابع أدائي باهتمام، كما كنت متيقنا أن لي مكانة خاصة لدى العائلة الملكية، والدليل تشرفي مرارا بمكالمات هاتفية من طرف ولي العهد حينذاك الأمير سيدي محمد. في سنة 1986، وفي مونديال مكسيكو، كان الملك الحسن الثاني رحمه الله، يتواصل معنا عبر الهاتف بشكل يومي.. كان دائم السؤال عن أحوالنا، ولم يكن يتردد في التحدث مع البعض منا على انفراد.. كما حدث معي، حين فاجأني المدرب فاريا بإخباري بانتظار مكالمة من جلالة الملك. ولم تكد تمر سوى لحظات، حتى كنت أستمع لصوت جلالته وهو يخاطبني:« احضي راسك مزيان.. راك كتلعب وانت منرفز ومنفعل.. احضي من الحكام..»! وفي سنة 1987، سأحظى بأول لقاء على انفراد بولي العهد حينها الأمير سيدي محمد.. كنت قد انتقلت لعالم الاحتراف بسويسرا، وفي إحدى زياراتي للوطن، تلقيت الدعوة الكريمة من ولي العهد.. كنت لأول مرة أمثل فيها بشكل انفرادي أمام سموه.. اكتشفت طباعه الإنسانية السامية.. تواضعه، نبل أخلاقه وسلوكه، نضج تفكيره، وعمق فلسفته ورؤيته للأمور.. سعدت كثيرا بذلك اللقاء.. خصوصا أن سموه يجعلك منذ الوهلة الأولى تحس بأنه لقاء عائلي أو بين أصدقاء.. لقد تناولنا كأس شاي.. تحدثنا في مختلف المواضيع.. بدون أي بروتوكول! وكعادة سموه حين يستقبل وجوه رياضية، وباهتمام كبير، سألني عن أحوالي ووضعي اجتماعيا.. «هل تحتاج إلى شيء، هل من أمر ممكن معالجته.. لا تتردد، نحن رهن إشارة كل الرياضيين..» طبعا، أن تتلقى مثل هاته العبارات الجميلة من طرف أمير وولي عهد هو الاسم الثاني الذي يأتي مباشرة بعد اسم الملك الحخسن الثاني في المؤسسة الملكية، فذلك ما جعلني أقف إجلالا وتقديرا لذلك السلوك السامي، ولتلك الأخلاق العالية.. لم أتقدم لسموه بأي طلب، كنت مقتنعا أن مثولي أمامه، ومحادثته على انفراد، هو أكبر وسام، هو أغلى جزاء.. لكن كرم سموه تجاوز خجلي وترددي حين وقع بيديه الكريمتين على منحي رخصة نقل (كريما) قبل أن أغادر مقر إقامته! وأنا أستمع لسموه، أمعن نظري وأركزه في تقاسيم وجهه، في هندامه، في طريقة حديثه، كنت أحاول تهدئة انفعالي، كنت كمن يعيش حلما لا يرغب في التخلي عنه.. أن تقف أمام سموه، بل على الأصح والأدق، أن تجالسه كأنك تجالس أخ أو صديق، فذلك ضرب من الخيال، ولكنه واقعي وملموس! أقولها اليوم، وغذا، ودوما، وبكل صدق، وبدون تملق ولا نفاق، لنا أن نفتخر بملك اسم جلالته محمد السادس، ولقبه ملك الفقراء، وأبرز صفاته.. التواضع، الطيبوبة، السماحة و الإنسانية.. ملك قريب من الجميع، أعيان، فقراء، رياضيين، مثقفين، فنانين، معاقين، فلاحين، عمال، موظفين، وكل شرائح مجتمع يتأكد من حظي بشرف لقاء محمد السادس، أنه في قلبه ووجدانه عندما كان أميرا ووليا للعهد، وبعد أن أصبح ملكا لكل المغاربة! إذا ابتسم لي الحظ مجددا والتقيت بالملك محمد السادس، ستكون رغبتي الأولى، بكل تأكيد، هي طرح مشاكل كرة القدم الوطنية أمام جلالته، والاستماع إلى توجيهاته وآرائه القيمة!