وقدم أفلاطون في محاورة الجورجياس ( السياسة )- وان كان هذا الكتاب لم يتضمن نظاما سياسيا معينا- ، هجوما فيه على الديمقراطية بمقولة إن الديمقراطيين يبحثون عن السلطة المادية في المدينة بدلا من بث روح العدالة والاعتدال بين الأفراد . لذلك يرى أفلاطون إن رجل الدولة يجب إن يكون معلما للشعب ,وفي هذا النطاق يستطيع إن يعبر عن الحكمة الحقيقية . بمعنى: إن الحكومة يجب إلا يتولاها سوى ممتهنين لديهم قدرة الإدراك والحكمة المطلوبة ، ولا يمكن إن يتحقق ذلك في ظل النظام الديمقراطي.إذ كان يرى السياسي او الملك يحكم فليس ذلك بسب ولادته أو موهبته آو عبقريته الشخصية وإنما بسبب علمه ألا انه لم يلزمه بالقانون أم تجاهلوها ، لأنه علل ذلك سواء أكانوا من طرف الشعب أم مفروضين ، وسواء أ كانوا فقراء أم أغنياء ، فان هذا لا يهم ابتداء ً من اللحظة التي يقودون فيها بكفاءة بأي شكل من إشكال السلطة(10) إما في محاورة ? القوانين ? فإننا نجد تغييرا جذريا في نظرته إلى مشكلة الدولة تظهر في جانبين : من جهة نجده يتخلى عن النظرة التي يفضل منها نظاما على أخر ويميل ألان إلى تبني نظاما مختلطا تظهر فيه عناصر من النظم الثلاثة ( الحكم الفردي وحكم الأقلية والحكم الشعبي ), ومن جهة أخرى نجده يعطي المكان الأول في الدولة للقانون . هناك مجلس شعبي ومجلس للشورى لغرض إصدار القوانين وهناك مجلس أخر لمراجعة هذه القوانين(11) .على الرغم من أن أفلاطون في معرض رده على الموقفة من القانون قال:(لان القانون لن يكون أبدا مؤهلا لان يدرك في آن واحد ، ما هو الأفضل والاعدل بالنسبة للجميع ، بحيث يملي الأوامر الأكثر فائدة )(12) إلا أن في معرض حديثه عن الحكم الفردي وجده بالشكل الأتي :( حكم الفرد ينزع إلى ملكية خاضعة للقانون ، وطغيان تعسفي بشكل بحت )(13) وهو بهذه القول الذي جاء في محاورة القوانين إذن أعاد فيه الاعتبار للقانون . ب-إما أرسطو (384 ق.م ? 322 ق.م ) اتبع أرسطو في علم السياسة طريقة مختلفة عن الطريقة التي اتبعها أستاذه أفلاطون فهو يتناول الموضوع أولا بالبحث والدراسة ويعاونه في ذلك تلاميذه . فقد قام بالتفسير والتعليق على دساتير (158 )مدينة من المدن اليونانية أو البرابرة ( الأجانب ) وبعد هذه الدراسة العميقة أعطى في مؤلفه ? السياسة ? ثمرة هذه الدراسة من أراء وأفكار بالنسبة لأداة الحكم في مختلف البلاد ، والدولة المثالية ، والدولة الأكثر فعالية وفقا لظروفها المادية التي تمكن الدستور من إنتاج إثره . فعند دراسة شكل الحكومات سلك أرسطو الطريق نفسه الذي سلكه سابقوه بالتقسيم الثلاثي : الملكية والارستقراطية والديمقراطية وكل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يتفرع إلى: نظام إرهابي، أو حكم أقلية أرستقراطية، أو حكومة شعبية . لقد كان أرسطو يعارض ازدياد الثراء أو ازدياد الفقر ويشجع على هيمنة الطبقة المتوسطة . وقد قسم أرسطو الحكومة فهناك ثلاثة أمور في حاجة إلى حل هي : المناقشات حول المصالح العامة , وتعيين وتنظيم السلطة التنفيذية وأخيرا السلطة القضائية . هذه السلطات تختلف في تشكيلها بحسب شكل الحكومة . ففي الديمقراطية المطلقة مثلا لا تستطيع أجهزة السلطة التنفيذية اتخاذ أي قرار أو إعداد أي مشروع يتعلق بسلطة المشاورات بينما في الديمقراطية المعتدلة لا يجتمع الرعايا إلا لانتخاب أعضاء السلطة التنفيذية ومعالجة المشاكل الحيوية في الدولة تاركين لرجال السلطة التنفيذية القيام بالأعباء العامة (14) . ويؤكد أرسطو علىإن الدولة التي يسودها الدستور المعتدل أو المتوازن هي وحدها التي لا يحدث فيها انقسام ، إذ حيثما تُسد الطبقة الوسطى ، يكن احتمال التناحر الطبقي والتمزق الدستوري احتمالا ضئيلا (15) . وكان له تصور فيما يتعلق بالعلاقة مع الشعب أو دور الشعب في الحكم وهذا التصور هو تبرير للسلطة الملكية المطلقة فهو يرى إن العنف والعنف المفرط هو الأداة الفعالية في فرض الطاعة على الرعية ويعلل هذه ? على الأمير ? إلا يخشى إن يوصف بالقسوة ، فقسوته اشد رحمة من الأمراء الذين يتمادون في اللين إلى درجة تجلب الفوضى هذه ستصيب الشعب كله إما القسوة فلن تصيب إلا أفرادا .... فان الثانية هي الأفضل ، فالشعوب بطبيعتها تحترم القوي أكثر من إن تذكر الجميل للمحسن ن وهي أسرع إلى الإساءة إلى من تحب منه إلى من ترهب لان الحب مرتبط بالمنفعة ، فإذا ذهب نفع الأمير ذهب معه حبه له ، إما الرهبة فأساسها العقاب ، وخوف العقاب لا يزول ،و الشعوب تحب وتكره بإرادتها ولكنها تهاب الأمير بإرادته والاحتفاظ بالسلطة إنما يرجع إلى القسوة الحكمية(16) . المبحث الثاني- الفكر السياسي الحديث 1- الملكية:الملاحظ إن الأمير في هذا النص السياسي يتحول إلى مقياس مركزي وان العنف يعد الوسيلة الامثل ، وهذا? ميكافلي? يقوم على معالجة التمزق السياسي الإيطالي لهذا جاء كتابه ( اعمل على تحقيق الوحدة بين الدويلات الإيطالية وفصل الدين عن الدولة ) (17) . هوبز (1588 ? 1676 ) يؤكد على إن سيرة الإنسان كلها قائمة على غريزة حب البقاء ، وكانت هذه الغريزة بالإضافة إلى الحياة الإنسانية كالحركة بالإضافة إلى الطبيعة ، من الخطأ الاعتقاد بغريزة اجتماعية تحمل الإنسان على الاجتماع والتعاون ، وإنما الأصل أو ( حالة الطبيعة ) إن الإنسان ذئب للإنسان, وان الكل في حرب ضد الكل .. بيد إن الطبيعة الإنسانية تشتمل على العقل إلى جانب الهوى ، والعقل المستقيم يحمل الناس على التماس وسائل لحفظ بقائهم أفضل ... ولهذا طلب السلم الذي يشترط إن ينزل كل عن حقه المطلق في حالة الطبيعة ، فينزل الأفراد عنه صراحة أو ضمنا إلى سلطة مركزية وقد تكون فردا أو هيئة تعمل لخير الشعب تتحمل الحياة السياسية محل حالة الطبيعة (18) .وهنا يظهر فرق بين الحالة الطبيعية والحالة المدنية والحالة الطبيعية هي حالة ينعدم فيها فعل العقل والحالة السياسية المدنية هي الحالة التي يحكم العقل عملية الانتقال إليها . وهي ، ( إي الحالة المدنية ) ، ناجمة عن تعاقد بين الأفراد الذين احكموا عقولهم لتتحكم بطبيعتهم قوانين الطبيعة (19) . .إن هوبز هنا يحاول إن يؤسس السلطة على أساس : 1- على إرادة أفراد مؤسسة على قانون العقل . 2- على احترام التعاقد ، العلاقة الاجتماعية ناتجة من تدخل عنصر الوعي ، والوعي انعكاسي ومتوسط بحكم تعريفه (20) . ثم يمضي ?هوبز ? إلى تبرير السياسة الملكية القائمة سابقا, ويسبغ عليها الشرعية عندما جعلها تمثل حكم القانون الطبيعي بعد استبعاده إشكال الحكم الاخرى مثل الديمقراطية . ? مفضلا عليها الحكم الملكي المطلق عبر تأكيده ( إن أفضل إشكال الحكم هو الحكم الملكي المطلق الذي له في تقرير المعتقدات الدينية والقواعد الأخلاقية وجعل هذا هو الذي يحقق الأمن وألا عدنا إلى التخاصم والتنابذ ) (21) . 2-الدولة والديمقراطية الغربية : أنها الحلقة الثانية في حقبة الدولة الغربية بعد إن وجدنا الملكية نقوم على العنف والفردية وحكم الأقلية الاستقراطية جاءت المرحلة الثانية حيث ظهرت الطبقة البرجوازية . أننال بهذا قد كنا واعين إلى إن الديمقراطية الغربية بصورتها الراهنة حصيلة تطور كبيرا استغرق أكثر من قرنين ، وكان هذا التطور حافلا بالصراع السياسي ، والصراع الاجتماعي ، والصراع الفكري ، بل شهد ثورات كثيرة حتى استقرت الصورة في شكلها الأخير ، الذي نعرفه الان . نشأت في كل من إنكلترا ، ثم الولاياتالمتحدةالأمريكية عند استقلالها ثم فرنسا ? كانت ديمقراطية محدودة ، مقصورة على طبقة واحدة ، ثم المشتغلين بالصناعة، الذين كانوا يرون في عسف الملوك وفي حقوق الإقطاعيين المتوازنة ما يعطل من حياتهم ونشاطهم ، وما يحط من مكانتهم الاجتماعية ولذلك عارضوا تلك الأوضاع ، بل ثاروا عليها وكانت الصور الأولى لما عرف فيما بعد بإعلان حقوق الإنسان أو قانون الحقوق في إنكلترا ، أو حقوق الإنسان أيضا في الدستور الأمريكي ، كانت تدور جميعا حول الأمور التالية : يتبع