3- على المستوى الإنساني : في هذا المجال ينبغي أن يعي المدير كقائد تربوي ،أن الإنسان يشكل هدفا في التربية وأداة لتحقيق هذا الهدف ، ومن ثم بات من الضروري الانطلاق من هذا المعطى في رسم أية إستراتيجية للتدبير التربوي . فالقدرة على التعامل مع المرؤوسين وتنسيق جهودهم ، وحفزهم على الإبداع والمزيد من العطاء ، تقتضي أخذ الجوانب والمقومات الإنسانية فيهم بعين الاعتبار ، ويبدأ الأمر في ذلك بالحفاظ على كرامتهم ، واحترام وصيانة حقوقهم ، لأن ذلك يضمن ودهم وألفتهم ، ويجعلهم يبادلون المدير نفس الشعور . أما التأثير فيهم والتأهيل لقيادتهم ، فيتوقف على تقديم النموذج لهم في الاستقامة ، ونبل الأخلاق ، والتسابق إلى المكرمات ، والحرص على أداء الواجب وتقديره . فالعمل الناجح هو الذي ينخرط فيه المدير وليس الذي يتابعه ويراقبه ، لأنه لن يكون كفيلا بتقييمه موضوعيا إلا إذا عرف كل شروط إنجازه وظروفه . ينبغي إذن أن يكون المدير مشاركا لمرؤوسيه مشاعرهم ،وأن يكون عارفا بميولاتهم واتجاهاتهم، وإن يعرف آراءهم ويقدرها ، فذلك من شأنه أن يخلق اطمئنانا لديهم وإشباعا لحاجاتهم . غير أن ذلك لا يستطيعه إلا المدير الذي يملك رحابة الصدر ،الرزين في إصدار الأحكام،القابل للاقتراحات والانتقادات ، الآمن بحق الاختلاف ، الصادق في أفعاله ، الضابط لنفسه ،النزيه الذي لا تملكه الأهواء، المتغلب على نزعاته ساعة الغضب والمواقف التي لا تروقه . إن الإدارة التربوية التي تضمن لنفسها الصلابة والقوة هي التي تعرف كيف توفق بين حاجات العاملين معها وبين المصلحة العامة،فلا تقفز على الاستعدادات المتباينة للمرؤوسين ،وتأخذ بعين الاعتبار اختلافاتهم في تقدير الأمور،فتنهج نهجا بيداغوجيا سليما في توزيع الأدوار ،وتأهيل الجميع للقيام بالمهام كل حسب ميولاته وقدراته على العطاء ،أو بعبارة أخرى، تضع الرجل المناسب في المكان المناسب . إن الإنسان كتلة من المشاعر والعواطف والأحاسيس ، والمدير النبيه هو الذي يعرف كيف يخاطب مرؤوسيه،آخذا بعين الاعتبار ظروفهم النفسية وأوضاعهم لحظة مطالبتهم بالانخراط في عمل ما ، فمن شأن ذلك أن لا يتناقض مع الحكم على أدائهم .وإن العلاقات الإنسانية ،باعتبارها شديدة الصلة بالعمق الإنساني الذي يتسم بالاستقرارالنسبي ، ولا يخضع للحظات العابرة ،أو المواقف الطارئة ، تقتضي مشاركة المدير مرؤوسيه أفراحهم وأتراحهم .فالحياة العملية ليست كيانا مستقلا عن باقي الجوانب الحياتية للإنسان ، بل تشكل امتدادا لها ، إذ كلما كانت الصلة بينها جميعا قائمة كلما تعمق الود وكان ذلك عاملا مساعدا على البذل والعطاء . إن الضوابط المهنية والعلاقات الرسمية مهما بلغت ، لا يمكنها أن تلغي العلاقات الإنسانية أو تتجاهلها ،وإلا أسقطت الإنسان في نوع من الميكانيكية الصرفة التي يصبح معها مجرد آلة للإنتاج . وهذا ما تأباه العديد من مجالات الحياة العملية ، والتربية تمثل في ذلك مركز الصدارة . وقد أثبتت التجارب أن الكثير من الاضطرابات في السير الإداري والتربوي كان مردها الجفاء وانتفاء الروابط الإنسانية ، وغياب التقدير المتبادل في المشاعر والأحاسيس ، وكان ذلك عامل صدام أو تناقض وسوء تقدير، على خلاف العلاقات القائمة على الود المتبادل ،فقد شكلت على الدوام سندا في مواجهة الكثير من المواقف الصعبة في الأداء التربوي والإداري .فزيارة المرضى مثلا من العاملين والخاضعين للإدارة ، والاطمئنان على أحوالهم وتقديم الدعم المعنوي اللازم لهم ، ومجالسة العاملين جلسات حميمية ، وحضور حفلاتهم ، والتخفيف من أحزانهم ومواساتهم ، والدعاء وتقديم النصح لهم ،ومعاملة الجميع بروح أخوية ، كل ذلك يخلق أفقا للتواصل الجيد بين الإدارة والمرؤوسين ، ويشكل دعامة قوية للتغلب على كثير من المشاكل التي تعترض التدبير الإداري والتربوي . إن إلحاحنا على هذه الشروط كمقتضيات لنجاح العمل الإداري التربوي، مستمدة من قناعتنا بأن المدير ينبغي أن يكون متميزا عما سواه من العاملين معه ، ومتفوقا عليهم في مجال من المجالات ،باعتبار تباين القدرات ،وصلاحية هذا لمجال أكثر من غيره ، من دون أن يعني ذلك تنقيصا من قدرات الآخرين . وهذه شروط ليست بالأمر المثالي الذي يعز إدراكه ، بل إن السعي الحثيث لخدمة التربية يقتضي أن يكون هناك نموذج تصوري ونظري يوجه عملية الإدارة والتدبير التربوي ،وإلا سقطت المهمة في نوع من الارتجال والعشوائية والتجريب الذي تضيع معه الفرص والجهود . وذاك ما تأباه ظروف مجتمعنا المحتاج أكثر من أي وقت مضى للعقلنة والسرعة والاستغلال الأمثل للقدرات والإمكانيات والوقت . انتهى