انطلاقا مما للمنظمات الدولية والمحلية غير الحكومية من دور فعال في النهوض بحقوق الإنسان وحمايتها، وانطلاقا مما راكمته تلك المنظمات من رصيد محترم، في مجال فضح انتهاكات حقوق الإنسان،عبر آلية التقارير، فإن المغرب لم يشكل استثناء عن تلك القاعدة، حيث خصصت المنظمات الدولية، تقارير خاصة وموضوعاتية بخصوص ماعرفه من انتهاكات وتجاوزات. وإذا كان تعاطيه مع تلك التقارير قد اتسم خلال السنوات الأولى من صدورها، بتموقعه في البداية في موقع الدفاع، والتبرير، فإن بداية التسعينيات، قد سجلت منعطفا على هذا المستوى، حين وضع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في اجتماعه الأول مباشرة بعد تأسيسه، على جدول أعماله، تقرير منظمة العفو الدولية بخصوص لوائح المعتقلين والمختطفين بالمغرب، وما ترتب عن ذلك من إحداث لجن عمل بخصوص أوضاع السجون، أو ذات صلة بدراسة الوضع أثناء الحراسة النظرية، كما ستتلوها مباشرة بعد ذلك، عدة خطوات تهم إطلاق سراح المعتقلين في علاقة بأحدات سياسية، والإفراج عن المختطفين وعودة المغتربين... من هذا المنطلق يتأتى حرصنا على مناقشة تقريركم وتقديم بعضا من ملاحظاتنا بخصوص مضامينه، من أجل أن تظل التقارير وفية للهدف من إحداثها، وأن تنهض بالدور المنوط بها أولا وأخيرا، وهو الدفاع عن حقوق الإنسان، وحمايتها،و تعزيز مكتسباتها كلما تحقق ذلك. ملاحظات الوسيط من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان: قدم التقرير خطته المنهجية على أساس مقارن لأوضاع حقوق الإنسان في الصحراء وبمخيمات تندوف، وقد جعل التقرير من ممارسة الحريات العامة، ومعايير المحاكمة العادلة موضوعا للرصد والمقارنة، وهو ما يتطلب وصفا لوضعيتهما هنا بالصحراء وهناك بمخيمات تندوف. على مستوى الصحراء بالمغرب: I 1- بخصوص المحاكمة العادلة: قدم التقرير نماذج من المحاكمات التي استنتج من خلالها انتفاء شروط المحاكمة العادلة، مستندا في ذلك على ما يلي: - اعتماد محاضر الشرطة القضائية كأدلة، ورفض المحكمة طلبات المدعى عليهم بإجراء الخبرة الطبية للتحقق مما يدل على حدوث التعذيب أو غيره من الإساءات، إضافة إلى عدم الموافقة على طلبات الدفاع، بدعوة شهود النفي حين يوجدون. وانطلاقا من هذه القرائن المدرجة، يستنتج المقرر بأن نظام العدالة بالمغرب لايوفر للمواطنين في الصحراء محاكمات عادلة. غير أن هذا الاستنتاج يتطلب مستوى مقارن أخر، وذلك في علاقة بكيف يمارس نظام العدالة في مناطق أخرى من المغرب، ولأن هذا النظام بالرغم من المكتسبات الحاصلة على مستوى إصلاح القوانين ذات الصلة ، بتغييرها أو ملاءمتها، فإن الخصاص ما يزال مطروحا على هذا المستوى، ما يزال أيضا مطروحا وبحدة على مستوى الإعمال. وتظلمات مواطنين من شمال وشرق وغرب المغرب لدى المنظمات الحقوقية والمؤسسات ذات الصلة بخصوص نفس القرائن، دالة سواء من خلال غياب أحد أوبعض مبادئ المحاكمة العادلة. وهو مايجعل استنتاجا من هذا القبيل يحاول أن يختزل ويحصر هذا الخصاص على مستوى نظام العدالة مرتبطا بالصحراء فقط،، يعني الإدعاء بأن نظام العدالة بالمغرب تمييزي اتجاه المواطنين من أصل صحراوي، وهو مايبدو هشا ولا يصمد أمام المشاكل التي يعاني منها نظام العدالة بالمغرب عامة، والذي تتفق حوله التشخيصات عبر تقارير دولية ووطنية،وتكتف بصدده المناشدات والخطط من أجل التدخل لإصلاحه. من هذا المنطلق وكما يبدو الاستنتاج غير مؤسس، تبدو التوصية المرتبطة بذلك مسقطة بشكل تعسفي، وهو ما قد يفسر لماذا تم استبعاد مقارنة نظام العدالة بالصحراء في علاقة بباقي مناطق المغرب. لأن مثل هذا الاستنتاج لا يتأسس إلا على هذه المقارنة، وبالتالي في حالة حدوت ذلك فالتوصية التي كانت ستترتب عن ذلك، ستتجه نحو تسريع وتيرة إصلاح نظام العدالة، بدءا بإصلاح مؤسسة قضاء التحقيق، فقاضي التحقيق، انطلاقا من الحالات التي أدرجها التقرير، بدل أن يبحث ويقابل ويواجه ويستمع ويتحرى، فإنه لا يقوم سوى بإيصال محاضر الضابطة القضائية إلى المحكمة. وهو نفس مشكل مؤسسة قضاء التحقيق بالمغرب عامة. من جهة أخرى، ومن خلال الحالات المدرجة، تطرح الحالة الواردة في صفحة 43 من التقرير،والتي جرت أطوار المحاكمة بشأنها خلا سنة 2008، إشكالا في سياق الحالات المستدل بها على انتفاء المحاكمة العادلة، ولأن التقرير نفسه وقف على توفر ضمانات المحاكمة العادلة، فإن الاستنتاج بخصوصها انزاح تكتيف الجهود من مناقشة تلك الضمانات إلى مناقشة صك الاتهام، من منطلق أن المتهم بجنحة العنف اتجاه مواطنة، هو أحد "النشطاء الصحراويين". لذلك حسب التقرير، وجب التشكيك في نوايا المتابعة. من دون أن يلجأ التقرير إلى الاستماع إلى الضحية كطرف مورس عليها العنف موضوع المتابعة. -2- بخصوص الحريات العامة: يقدم التقرير جردا للمضايقات المتصلة بممارسة الحق في التعبير والتجمع، وتكوين الجمعيات بمنطقة الصحراء بالمغرب، ويحيل في ذلك على مايلي: - ما يتعرض إليه حق التظاهر من منع، وما تلاقيه الجمعيات من صعوبات تصل حد حل بعضها أو منع البعض الأخر ، غير أن التقرير وهو يقوم بالرصد على هذا المستوى ، يطرح مبررات التدخل أو المنع من خلال مايلي: - لجوء المتظاهرين إلى العنف خلال ممارستهم للحق في التظاهر - تجاوز فرع لجمعية غير حكومية، للقانون التأسيسي للجمعية الأم(حالة المنتدى). كان حريا بالتقرير أن ينفد بخصوص الحالات التي أدرجها للتدليل على ماسجله من مس بالحق في التظاهر إلى التمايزات الحاصلة ما بين المظاهرة والتجمهر، على مستوى القانون المنظم للحريات العامة، إن التقرير وهو يسوق كون "القانون المغربي الخاص بالتجمعات العمومية، لا يتطلب الحصول على تصريح مسبق من أجل تنظيم مظاهرة في المساحات العامة" لا يحيل على القانون ذي الصلة كما تم تغييره وتتميمه، وصدر الأمر بتنفيذه بموجب ظهير 200- 02- 1 بتاريخ 23 يوليوز2002، وهو ما عنونه المشرع ب " في المظاهرات بالطرق العمومية". وبناء عليه، فإنه ولكي يجوز نعث أي تجمع بمقتضيات المظاهرة، فلابد من توفر عناصر قانونية، وغياب أحدها حسب المشرع ينزع عن المظاهرة، الوصف والتكييف القانوني. وتتحدد تلك العناصر في: أولا: التنظيم: كعنصر خاص إذا غاب تحولت المظاهرة إلى تجمهر، وهو تجمع يقترن بالعفوية والاندفاع، وانعدام التنظيم. فمعيار الإعداد، والتهييئ هو المميز للمظاهرة كالمداولة حول نقطة الانطلاق والتفكك والطرق التي سيتم المرور منها، واليوم والساعة والشعارات وما إلى ذلك من انشغالات الجهة المنظمة. ثانيا : التصريح المسبق إلى السلطة الإدارية المحلية: بما هو إجراء ضروري، بدونه تصير المظاهرة، حشدا، أو تجمعا أو تجمهرا، والغاية منه حسب المشرع هو" إخبار السلطة الإدارية المحلية المكلفة بحفظ النظام حتى تتخد جميع الترتيبات الأمنية لضمان ممارسة هذه الحرية العامة" ويسلم التصريح إلى السلطة المحلية ثلاثة أيام كاملة على الأقل، وخمسة عشر يوما على الأكثر قبل تاريخ المظاهرة. إضافة الى ذلك يتحدد المنطلق الفكري الذي ينبني عليه التقرير في توصيف تلك التجاوزات ومناقشتها من منطلق التضييق على الحريات، بينما نسبة التظاهر وحجم تزايد الجمعيات يعكس أن الإشكالات التي يعيشها المغرب اليوم سواء بمدينة لعيون أو بالرباط أو سيدي افني أو صفرو...هي ذات طبيعة مختلفة فعلا ، لأنها تتصل بتوسيع هامش الحريات، وما يترتب عن ذلك من تحديات جديدة في تدبير الاحتجاجات في علاقة بالفضاء العام ، وهو تحدي مطروح في ذات الوقت على السلطات العمومية كما هو مطروح بنفس الدرجة على الموطنين وتعبيراتهم المختلفة. في مختلف هذه المناطق. إن مشاكل اليوم، تطرح تحديات جديدة،، تواجه مجال حرية التعبير، كما تواجه تأسيس الجمعيات والحق في التظاهر، وهي تحديات تتطلب صياغة أسئلة جديدة، ومقاربات متجددة من قبيل التساؤل مثلا بخصوص مدى شرعية دعوة جمعية لجميع المواطنين(الشعب) للتظاهر، بينما الجمعية لا تؤطر إلا أعضاءها في أقصى الحالات، وكيف ينبغي التعاطي مع هذا الواقع كلما انزاح الموقف إلى العنف وتضاربت مصالح المواطنين(الذين يستعملون الشارع العام للمرور أو الكسب...وبين من يتظاهرون فيه). في مستوى ثالث يوفر القانون سبل الإنتصاف في حالة المنع سواء بالنسبة للحق في التضاهر، أو في تأسيس الجمعيات، غير أن السؤال المطروح هنا لماذا لا يلجأ الفاعلون إلى القانون واستنفاد سبله، كما وقع مع الجمعية المشار اليها في التقرير والتي حكمت المحكمة الإدارية لها بوصل التأسيس، (صفحة...)بعدما منعتها السلطات المحلية بلعيون. على مستوى مخيمات تندوف بالجزائر: II حاول التقرير(في صفحة 90) في سياق حديثه عن فضح بعض المنظمات لانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة بتند وف، أن يربطها بالجهات الرسمية بالمغرب، عوض أن يقف عند ما تقدمه تلك المنظمات من وقائع وشهادات ، وليستنتج التقرير على عجل، التمييز بين تعاطي الدولة مع هذه الجمعيات، مقابل تجاهلها للمنظمات التي تفضح الانتهاكات المرتكبة من طرف السلطات المغربية. غير أننا لا نعرف أين يصنف التقرير عمل منظمات حقوق الإنسان بالمغرب في فضح تلك الانتهاكات مند 20 عاما، وعملها الدؤوب للكشف عن عشرات المختطفين والمعتقلين الصحراويين بمعتقلات نظامية أو غير نظامية بالمغرب كما هو الشأن بأكدز وقلعة مكونة. إن مجهودات جمعية هيئات المحامين، والجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومنتدى الحقيقة والإنصاف في مرحلة لاحقة، موثقة وموجودة، كما أن الكثير من الخطوات المنجزة اليوم ضمن مسارايجاد الحلول المنصفة لتلك الملفات، تعكس أيضا التفاعل مابين إرادة الدولة وهذه المنظمات ذات الصلة. بموازاة ذلك هناك الانخراط المستمر للصحافة المغربية في الفضح والمواكبة لمختلف التجاوزات التي قد يتعرض إليها الفاعلون بالصحراء بسبب أفكارهم، أو انتماءاتهم. - في مستوى ثان وفي إطار مقارن بخصوص نظام العدالة من خلال رصد مجريات المحاكمات، يتحدث التقرير عن اعتقالات هناك بتند وف على خلفية أحدات 2006، حيث أدانت محاكم البوليساريو 14 مشاركا في المظاهرة الاحتجاجية. ليستخلص التقرير مباشرة مايلي: " وانتهت أبحاث هيومن رايتش ووتشن إلى أن مصادمات 2006، هذه كانت واقعة منعزلة، وأنه لم تقع أية خسائر،أو إصابات جسيمة، وأنها لا تمثل نسقا لقسوة الشرطة، أو لقمع المتظاهرين..." ص93. غير أن التقرير لا يقدم كيف تم ترجيح هذه القناعة، فعدم إدراج أية معطيات بخصوص تلك المحاكمات بتند وف، لا يوفر أساسا للحكم على طبيعة نظام العدالة هناك، بينما يفترض إتباع نفس المقاربة ، في الكشف عن أسماء المعتقلين الأربعة عشر، ومساءلة محاكماتهم بنفس معايير المحاكمة العادلة، والتي ستحيل أيضا على ممارسة الحق في التعبير والتظاهر وتأسيس الجمعيات، وليس الاكتفاء برصد هذا الحق فقط على مستوى القوانين.