هل قدرنا أن يخرج علينا في كل مرة فقيه من فقهاء نواقض الوضوء ومبطلات الصلاة، أن يستعرض علينا ما تيسر من العفة والأخلاق؟ أن يلقننا ما وجب علينا القيام به وما يمكننا تفاديه؟ أن يمارس علينا وصايته؟ أن يشيطننا ويعود بنا لمحاكم التفتيش؟ أن يمنحنا ما تيسر من صكوك الغفران والخطيئة على حد السواء؟ عجبي من فقيه أغلق فاهه وصم آذانه عن باب الاجتهاد في الدين وقدم نفسه المالك الوحيد للحقيقة، يعلم ما في النوايا وما تضمره القلوب، بل يتعدى ذلك إلى تحقير من يشاء وتدليس ما يشاء. يبدو أن الفقيه لم يقرأ التاريخ، حتى وإن قرأه فهو لم يستوعب دروسه ولم يستفد قط من تجاربه، ولو عاد إليه لفهم جيدا ماهية العيوط التاريخية وأدوارها الطلائعية في رفض الظلم والتجبر والطغيان. عجبي لمن قال بأن لفظ الشيخة تشمئز منه الأبدان.. ألم يشمئز بدنك أمام كل مظاهر انتشار الفقر والهشاشة والبطالة والغلاء وارتفاع الأسعار وأمام كل مظاهر الاغتناء الفاحش للبعض ممن راكموا الثروات في عز الأزمة الاقتصادية العالمية بسبب فيروس كورونا اللعين. فلتعلم يا هذا أن الشيخة مواطنة أصيلة وأصلية رغما عنك أو ربما تفوقك، ليست دخيلة على ثقافتنا ولا على تمغربيت التي تغزل خيوطنا، إنها الصوت الصادر عن حناجر وخناجر الثورات المتعاقبة، ذلك الصوت المبحوح الذي يظهر ويعود ليعري نفاقكم، إنها المرأة التي لم تلج يوما مقاعد المدرسة ومدرجات الجامعة لكنها تمتلك زادا ثقافيا زاخرا بدروس الحياة الظالمة والمظلمة، إنها الرافضة لسلطة المجتمع الذكوري النرجسي البئيس الذي يدعي العفة والطهارة نهارا ويمارس نقيضها ليلا أو حتى الصباح الباكر كالمساعدة على القذف بشاطئ القمقوم، الشيخة أنقى وأصفى منك ومنها أنتم ممن تدعون الطهرانية وحماية الفضيلة وأنتم أكثر نذالة وعهرا ونفاقا من الجميع. صوت الشيخة الثائر الشجي الذي يحكي ملاحم نضال أمة بأكملها ضد الطغيان والقهر والإيلام بعيوط مقاومة تكاد تكون الأقرب إلى ترانيم الكنائس المقدسة وموسوعات الجامعات المصنفة التي يعكف على تحليلها فرق علمية من مؤرخين وسيوسيولوجيين وانثروبولوجيين. أما خرجة الفقيه إياه الذي رفض دور الشيخة فقط، وامتعض من مسلسل اجتماعي درامي يحاكي واقع هذه الفئة ويخف من الإمعان في تصوير معاناتها، فهي خرجة غير مسؤولة ولا محسوبة ممن ينصب نفسه وصيا على الذوق العام وملاكه الحارس الأمين. كنا نعتقد أننا قطعنا مع مرحلة تجار الدين ومع تجارتهم البائرة التي لا تقل ضررا أو خطرا عن تجارة المخدرات وتبييض الأموال، تجارة تعمل على ترويج الوسائط المتعددة بين الخالق وخلقه، فالله قريب منا «وإذا سألك عبادي عني فاني قريب»، فالله أقرب إلينا منكم وأبعد بكثير من الاستعانة بكم، فعلا إن تجارة الدين أفظع من تجارة الهيروين. ومهما حرضتم على الكراهية ورفض الآخر فلن تملكوا مفاتيح الجنة، ولن تتمكنوا في الدنيا من وأد العقل المبدع المنتج في سياقات ثقافية وحضارية أكبر بكثير من أن تستوعبها عقولكم المتحجرة وأفكاركم الهدامة. مهما حاولتم الانبعاث من جديد فلا أنتم بطائر الفينيق ولا أنتم ب»طايرة بكر « التي تستوطن المزابل، فلن تستطيعوا تشكيل وعي الناس وفق رغباتكم السلطوية المضمرة مهما أخفيتم ذلك.