لقد أشرت في مقال سابق إلى أن فتح مقرين للحزب الحاكم في فرنسا بالمغرب، لا يساوي شيئا بالنسبة لقضيتنا الأولى، وحتى وإن كان الذي فتح المقرين هو حزب رئيس الجمهورية الفرنسية إمانويل ماكرون، وهو الذي أعطى الأوامر لفتح المقرين في آكادير والداخلة. في اعتقادي أن فتح مقرين لحزب فرنسي خارج التراب الفرنسي، وخارج المستعمرات التي لاتزال تابعة لفرنسا، أمرغير شرعي، كما سبق أن أشار إليه اللوبي المعارض للمشاركة السياسية لمغاربة العالم في ما يخص فتح فروع لأحزاب سياسية مغربية على التراب الأوروبي، وهذا ملف تم الفصل فيه من طرف البرلمان المغربي، وطويت صفحة المشاركة السياسية، وأعيب على هذا اللوبي سكوته عن فتح فرعين لحزب ماكرون على التراب المغربي وعدم معارضتهما، بل عدم مطالبتهم الحكومة الفرنسية بالاعتراف بمغربية الصحراء، فبماذا سيفيدنا فتح فرعين لحزب فرنسي على التراب المغربي، سوى تأجيج الصراع في المنطقة وعودة الإعلام الجزائري الموالي للنظام العسكري القمعي لشعبه والذي يستمر في سياسة القمع والتنكيل بالمتظاهرين يوميا. في الشارع الجزائري، كيف تلقى المطبلون لفتح مقرين لحزب من أجل الجمهورية في آكادير والداخلة لبيان الحكومة الفرنسية، حكومة يرأسها زعيم هذا الحزب ؟ ولماذا لم يصدر لحد كتابة هذه السطور، أي تعليق وبيان من الحكومة المغربية أو من طرف أحزاب مغربية تمتلك سلطة القرار . ردود الفعل الجزائرية على ماكرون كانت قوية، وهي السبب الرئيسي في تعليق زيارة الوفد الوزاري الفرنسي الذي كان سيرأسه رئيس الحكومة الفرنسية للجزائر، والذي قيل إنه كان سيضم وفدا كبيرا لكنه تقلص لأربعة وزراء أو أقل من ذلك، إذن الضغوط التي مارسها العسكر الجزائري بعد قرار فتح مقرين لحزب من أجل الجمهورية كانت وراء تأجيل وسبب تعليق زيارة الوفد الفرنسي للجزائر، وقد أثار سكوت الحكومة المغربية عن فتح مقرين لحزب فرنسي على التراب المغربي استغراب كل المتتبعين، ولم يكن في نظر العديد انتصارا دبلوماسيا بل أصبح نكسة، زادت من حدة سعار النظام العسكري القمعي في الجزائر، وهذا ظهر جليا من خلال الصيغة التي ورد بها بيان الحكومة الفرنسية، والذي جاء لإرضاء حكام الجزائر ومحاولة إظهار الوجه الحقيقي لفرنسا، التي خشيت فقدان مصالحها الاقتصادية في الجزائر، إذن يتأكد مرة أخرى أن لا تغيير في سياسة فرنسا في ما يخص قضية الصحراء، وأن سياسة الحياد التي مازالت متشبثة بها كدولة استعمارية تمتلك كل الوثائق والأدلة التي تثبت مغربية الصحراء وانتماء هذه الأقاليم وارتباط سكانها عبر التاريخ بالمغرب وبيعتهم للملوك الذين حكموا المغرب لا يخدم الحقيقة والمصالح المغربية، إذن ليتيقن الجميع أن لا تغيير قد حصل بفتح المقرين، رغم أن ماكرون هو الآمر الناهي في فرنسا، وأنه هو الذي أمر رئيس حكومته بالخروج بالبيان الذي يحمل في الحقيقة تناقضا كبيرا في السياسة الفرنسية، والذي عبرت عنه بثبات الموقف الفرنسي في ما يخص قضية الصحراء وأن فرنسا ملتزمة بالقرارات التي سوف تتخذها الأممالمتحدة لتسوية النزاع في الصحراء، بمعنى أنها تطعن باعتراف أمريكا بمغربية الصحراء وأنها مع ما تريده الجزائر المدافع الشرس عن شرذمة البوليساريو . الجزائر التي أصبح شغلها الشاغل زعزعة استقرار المغرب ومواصلة تهديداتها، لشن الحرب على المغرب والمطالبة بتقرير المصير، والتنديد بالتطبيع والإدعاء بأن عودة العلاقات مع إسرائيل هو استهداف للجزائر. كنت أتمنى أن يلتفت النظام العسكري الجزائري لتقديم نفس الدعم الذي يقدمه لشرذمة البوليساريو للشعب الفلسطيني، الذي يعاني من الاحتلال الإسرائيلي ويخصص وزير الخارجية بوقادوم وقته وتحركاته لمساندة فلسطين وفضح ماتقوم به إسرائيل من انتهاكات جسيمة يوميا، لكن النظام في الجزائر بين بالملموس أن المغرب بات وسيظل عقدة للنظام القائم في الجزائر وأن لا يترك الفرصة تمر لإلهاء الشارع الجزائري الذي يعيش على صفيح ساخن، وألا يترك الفرصة تمر دون الاستمرار في معاكسة مصالح المغرب واستهداف استقراره، بإشعال نزاع مسلح مع المغرب دفاعا عن تقرير المصير وطعنا في الجوار وإنكارا لما قدمه الشعب المغربي وملوك المغرب للجزائر وشعبها من دعم في سبيل استقلالها…