محمد الهوري مخرج مغربي شاب، مساره الفني غير اعتيادي، مر أثناءه من عدة محطات وتجاوزعدة عقبات، لكن حلم التصوير والسينما لم يفارقاه يوما، ثابر ونقب ودرس بحثا عن ذاته كفنان، هو السينيفيلي الكبير الذي غرق في بحر الفن السابع منذ نعومة أظافره. محمد الهوري عصامي وفي نفس الوقت أكاديمي وأيضا تقني.. يوظف كل الآليات التي يعتبرها السبيل لتحقيق حلمه. مساره الدراسي والمهني استهله كمهندس إعلاميات، لكن هوسه بالفن جعله يتشبث بهذا ألأخير حيث انتقل من هاو إلى محترف، و أنتج أفلاما حصلت على جوائز. ولا زال ينحت طريقه بكل ثبات و إخلاص لتثبيت ذاته كفنان. عن كل هذا وعن مشاريعه المستقبلية كان هذا الحوار. حدثنا عن فيلمك القصير «إعدام ميت» بدأت في الاستعدادات المادية والمعنوية للفيلم سنة قبل التصوير، اختياري لتيمة الموت، وليدة لذلك الإحساس الذي ينتاب كل منا، ذات يوم في حياته،عندما نخشى أن نفقد أعزاءنا، وانطلقت رحلة بحثي عن فلسفة الموت حينما مرض الوالد، وأدى بي اللاوعي للبحث حول الأمر استعدادا ربما لموعد الوداع. و بالفعل توفي أبي منذ حوالي 10 أشهر، لكن صراحة الآن توصلت إلى أن الموت جزء منا وعلينا أن نتعايش معه.
من خلال الفيلم اعتبرت أن الإعدام ومرض السرطان شيئا واحدا فكلتا البطلتين مهددتين بالموت سواء السجينة أو حارسة السجن. حاولت أن أعكس عدة أفكار، أولاها: « تعددت الأسباب والموت واحد» ، وان الإنسان السجين يتقاسم مع الإنسان الحر المصير ذاته ، هو الموت. وثانيا فكرة أننا كلنا سجناء في الدنيا. فكرت مليا في الفيلم قبل أن أعرض فكرتي على المخرج محمد مفتكر، لأخذ رأيه خاصة في ما يتعلق بالاستعدادات المالية، فقد كان لدي حلم إخراج فيلم طويل، لكن في هاته الحالة الإنجاز كان سيتطلب ميزانية أكبر. فاقترح علي مفتكر أن أنجز فيلما قصيرا وأن أرهن حركات الشخصيات بمكان محدود. الفكرة قد تظهر سهلة في الوهلة الأولى، لكن في الواقع هي صعبة من ناحية الكتابة، وهذا كان أول تحدي بالنسبة إلي، رحبت به. التحدي الثاني هو أن أجد الشخصية، ففكرت أولا أن تكون رجلا ولكن ارتأيت الابتعاد عن بعض الصور النمطية، منها أن تكون امرأة سجينة، ومن جهة أخرى ليس من الضروري أن يكون السجين مذنبا، فأغلبية المساجين مظلومين. عادة قبل أن أكتب في أي موضوع، أنقب وأقرأ لكي لا أنطلق من الخيال وإلا سأجعل من العمل عبارة عن حكم قيمة، وأنا كمخرج لا يجب أن أقوم بأحكام مسبقة بل بدراسة، وهذا هو السبب، أصلا، الذي دفعني لدراسة علم النفس مدة سنة وولجت الكلية لدراسة علم الاجتماع. تناولت قصة الفيلم من الزاوية الفلسفية، ثم من الناحية النفسية، لأننا جميعا نحس بحالة سجن ولو أننا أحرار. فالموت في الفيلم يجمع ما بين السجينة التي توجد خلف القضبان، و حارسة السجن التي هي في الواقع حرة وتعود بعد انتهاء عملها إلى منزلها. من جهة أخرى لا أحد يحب الظلم، والموت بشكل من الأشكال نوع من الظلم لأننا لا نختاره.
استفدت من أي دعم أم هو إنتاج شخصي؟ هذا الفيلم يدخل ضمن أول تجربة سينمائية لشركة إنتاج أنشأناها نحن 4 شركاء. دعمه لم يكن عن طريق الشركة التي لازالت في بداياتها، كما لا يمكن لي حاليا من الناحية القانونية أن أستفيد منه لأنه يتطلب أولا أن أكون متوفرا على بطاقة المخرج أو المساعد الأول للمخرج. لكن من جهة أخرى فقد حصلت على بعض التمويلات التقنية من أصدقاء، وهناك بعض التقنيين اشتغلوا بدون مقابل، وبالتالي فالفيلم تطلب ما بين 4 أو 5 ملايين، وكان من المفروض أن يتطلب ميزانية أكبر. لاحظت بأنك أعطيت عنوانا نوعا ما قاسيا للفيلم، و»ضغطت» على الجرح. (ضاحكا) بالفعل ففي أفلامي أحاول دائما أن أصدم المشاهد وأصل ل»كهربته». أما عن العنوان، فلأنني أعتبر بأن كل إنسان مصيره الموت، بل الأدهى اننا نقوم بإعدامه وهذا ما نعيشه حاليا في هاته الظرفية.
أهذه ربما هي المدرسة التي اتبعتها في الإخراج؟ أومن بأن هناك مدارس لكن لا أحبذ أن أنتمي إلى أي واحدة منها فهذا سيقيدني ويجعلني سجين نمط واحد علي اتباعه، بل أحب اعتبار نفسي مخرجا أنتمي إلى المجتمع. والمجتمع هو الذي يعطيني قوتي، أو بالأحرى يعطيني أفكارا بإمكاني أن أحبك قصصا على أساسها. هل يتعيش محمد الهوري مائة في المائة من الفن؟ أنا أولا مهندس إعلاميات، ثم إنني بالموازاة مع الإخراج أشتغل مع الوكالات أقوم بالتصوير والمونتاج كما احضر مناسبات وأنجز أفلاما مؤسساتية..إلخ لكن بالفعل تضررت من الحجر وعلى العموم أعتقد أن في المغرب فئة قليلة فقط من الفنانين من يمكنها ان تعيش جيدا من الفن لأنها تجد العمل ويقترح عليها باستمرار أدوارا. شخصيا لم ألج الفن عن طريق المقاولة، صحيح كنت مقاولا قبل ذلك، ولكن في مجال آخر فقد كانت لدي شركة للإعلاميا ، وكوني مدرسا لهاته المادة أتاجر في الحواسيب..إلخ وكان لدي أكبر» نادي الأنترنيت « في المغرب خلال الفترة الاولى التي ولج فيها هذا الميدان للبلد، نوعية زبنائي تتنوع ما بين مسؤولين بالشركات لأن الأنترنيت حينها كان باهظ الثمن، و الطلبة والتلاميذ. في سنة 2004 تعلمت فن المونتاج، وكنت أمتلك «فيديو» و شرائط فارغة لأتمكن من تصوير أحداث مهمة، فمثلا قمت بتسجيل فعاليات كأس العالم 1986 و موت الملك الراحل الحسن الثاني وأحداث الإرهاب التي عرفتها مدينة الدارالبيضاء…إلخ فهل يمكن اعتبارك إذن فنان عصامي؟ ربما في بداياتي الأولى، لكنني لا أستطيع أن ألج لأي مجال دون دراسته، وبالتالي تعلمت تقنيات الفن بطريقتي الخاصة عن طريق الأنترنيت و الممارسة، لكن أغنيتها و صقلتها بالدراسة ، بعدها بدأت ألقن ما تعلمته للعديد من التلاميذ في العديد من المؤسسات التعليمية. فكل هاته التقنيات كانت في بداياتها آنذاك في المغرب وأنا كنت أتقنها كهاوي قبل أن أحترفها وأثريها بالدراسة على يد أسماء محترفة. وأنجزت بحث نهاية الدراسة وكان عبارة عن أول فيلم لي تحت عنوان « لحظة اختيار « من 12 دقيقة. قصته اجتماعية وتحكي عن علاقة الأولاد بآبائهم وركزت على علاقة الأب بابنته التي تتغير عندما تظهر عليها علامات البلوغ. كيف استطعت أن تنتقل من مجال الهواة إلى مجال ؟ لم يكن من السهل آنذاك أن أترك الشركة التي تدر عليا دخلا جيدا من اشتغالي في ميدان المعلوميات، لكي ألج مجال الفن. ولكن باختياري للفن، اخترت الهوري الإنسان، لأنني بصفتي مبدعا، اكتشفت بأنني أصبحت تاجرا وعبدا للمال ولم تعجبني هاته الصورة عن نفسي، الشيء الوحيد الذي كان يعبر عن ذاتي أيام كانت لدي مقاولة في المعلوميات، هو ذلك الإحساس بالعطاء وكوني كنت مدرسا. و أذكر ان أغلب طلبتي من الموظفين كانوا يحضرون دروسي وهم وجلين، لأنه كان ميدانا جديدا بالمغرب، ويتوقف عليه مصيرهم العملي، وقد استطعت حينها أن أجد بيداغوجيا خاصة لأقرب جهاز الحاسوب وعالم المعلوميات لطلبتي وتلاميذي الذين كانت تتراوح أعمارهم ما بين 3 سنوات و84 سنة، مما يمنح لي لذة لكوني كنت أسعدهم . وعن فيلمي الأول « لحظة اختيار» لم ينل حقه، لكوني لم أكن أعرف بعد القنوات لكي يتمكن من الوصول إلى الجمهور، شاركت به مع ذلك في مهرجانين وحصل على جوائز. مهرجان جهوي بالدارالبيضاء، تنظمه جمعية مواهب وذلك سنة 2009 ثم شاركت به في مهرجان الهواة بمدينة سطات، وأطمح أن أعد منه، مستقبلا، فيلما مطولا. بدأت في أفلام الهواة وتمرنت على تقنيات السينما في المهرجانات وشاركت ب3 أفلام للهواة ، كلها قصيرة: أولا « لحظة اختيار» و الفيلم الثاني بعنوان « إحضياي» أما الفيلم الثالث فهو «عرس الذيب» ، ويتحدث عن زواج القاصرات. في نفس الفترة على ما أعتقد كان المخرج نبيل عيوش قد اطلق مسابقة لمساعدة المبتدئين، لماذا لم تنخرط فيها؟ بالفعل تجربة «30 فيلم» التي انطلقت سنة 2007، للأسف لم تدم طويلا مع أنها كانت ناجحة. شخصيا لم أخض فيها لأنني كنت حينها فتيا كمخرج ( بل حتى المجال الفني بالمغرب كان كذلك)، ولم أكن بعد قد وجدت من يوجهني، وهذه من بين المشاكل التي يعرفها هذا الميدان. كانت تجربة جميلة مكنت من اكتشاف العديد من المخرجين المغاربة أمثال هشام العسري وياسين فنان ويونس الركاب وآخرين . مارأيك في المشهد الفني المغربي الراهن؟ لم يبرز بعد مؤهلاته الكاملة ويعاني من مشاكل التخصص، الكل يشتغل في كل شيء مع أن التخصص يتطلب الدراسة، كما أن هناك العديد من الأفلام أخذت الدعم لكنها لم تر النور، لأنها أفلام لم تنجح ..
(مقاطعة) بالرغم من كون المغرب أصبح يتوفر حاليا على معاهد متعددة.. ؟ لا يستطيع معهد ان يصنع مبدعا، ولا أن يلقن السينما، بل فقط تقنيات السينما، فالإبداع نتعلمه على أرض الواقع ومع الممارسة إذا ما كانت تتوفر لك الموهبة، أرى أنه حاليا لدينا «المبدع التقني وليس المبدع السينمائي». من جهة أخرى ما ألاحظه أن لدينا طاقات، لكن تحتاج لمن يدعمها معنويا في بادئ الأمر ثم ماديا بعد ذلك بطبيعة الحال. و أتساءل، لماذا لا نقوم باكتشاف مواهب ودعمها؟ وهذه رسالة أوجهها من هذا المنبر لكل المخرجين المغاربة ذوي التجارب الكبيرة لكي يحتضنوا المتخرجين أو الهواة، يوجهونهم من خلال مسابقات أو غير ذلك من الطرق ..