تحدث الخبير العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي مالك غلاب، يوم السبت 20 يونيو الجاري في ندوة افتراضية على تطبيق "زووم " تابعها قرابة 115 شخصا، عن"التكنولوجيا الرقمية: مكونات وتحديات القطيعة العميقة". ويعتبر مالك غلاب أحد أبرز الخبراء الدوليين، في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي. وقد اشتغل في المجال الوطني للبحث العلمي (CNRS) بفرنسا، وأشرف على إدارة مختبر الأبحاث في (LAAS-CNRS)، والجمعيات العلمية (AFIA, ICAPS)، إضافة إلى اشتغاله كأستاذ بجامعة كاليفورنيا-بيركلي، وله مؤلفات وأبحاث علمية عديدة، كما توج بالعديد من الألقاب والتكريمات، من بينها لقب زميل ب"اللجنة الأوروبية للذكاء الاصطناعي"، وجائزة "الدكتور هونوريس كوزا" من جامعة لينكوبينغ.
ابتدأ مالك غلاب حديثه، خلال الندوة الافتراضية، بتعريف موجز بتاريخ البشرية مع الكتابة والتدوين، والذي أثر، في رأيه، بشكل واضح على تاريخ الصناعة، والنمو والتطور الثقافي والعلمي والاقتصادي، على امتداد آلاف السنين، منذ حفظ وتدوين "قانون حمورابي" على اللوح الطيني، وصولا إلى تطور الكتابة والترميز لدى الإغريق و المصريين القدامى، مبينا بأن لهذا الفعل دورا بارزا، فيما وصلت إليه البشرية لحدود اليوم. ومن المعالم البارزة في هذا التطور، أثر الكتابة على فهمنا للماضي البشري؛ فلولا الكتابة لما تمكنا من معرفة ماضي السابقين، ولولا التطور الذي عرفه هذا الفعل، ما شهدنا التغير والتنوع في الرموز الفلكلورية، أو في المعتقدات الدينية والأساطير والحكايات حول العالم. ينضاف إلى ذلك، تأثير الكتابة والتدوين على القوانين البشرية، وعلى التنظيم الاجتماعي لدى الطبقات الاجتماعية، علاوة على تأثير التدوين والكتابة، على معارفنا في الفلاحة والزراعة خصوصا، وتنمية المحاصيل والري وتقنيات الفلاحة عموما. وقال علاب: "تمكننا الكتابة أيضا، من رفع ونشر وتحرير أفكارنا، التي عادة ما تكون محض أفكارا غير محققة، من خلال النقل وتوارث الأفكار، تبادلها وإحيائها بين الأشخاص، زيادة على تثمين الأفكار ومراكمتها، بغية تطوير مفاهيمنا ولمَ لا إعطائها بعدا واقعيا، أو تجسيدها على شكل مشاريع أو كتب أو وسائط أخرى. ساهمت الطباعة بدورها، باعتبارها ملحقا للكتابة، وعلامة فارقة في إعادة الإحياء والفكر الإنساني، ناهيك عن نشر الثقافة والمحتوى الكتابي، بشكل أوسع للجميع". المكونات التقنية وانتقل غلاب، للتعريف بالشطر الأول من الندوة، المرتبط ب"المكونات التقنية"، متطرقا في بادئ الأمر للحديث عن "النماذج، الحسابات والمحاكاة"، منتقلا إلى "العلامات والاتصالات"، ومختتما ب"الخوارزميات والبيانات". بالنسبة ل "النماذج، الحسابات والمحاكاة"، فقد تمحور عن الجديد في عالم الرقمنة، محاولا التعريف بالنماذج وارتباطها بالحسابات الرقمية، وعلاقتها بالوصف الدقيق للأحداث و المظاهر، مثال التجسيد الرقمي لشجرة مثمرة، ومحاولة توقع مسار نمو فروعها بشكل افتراضي عبر الحسابات الرقمية، و صولا إلى محاكاة بلوغها لمرحلة النضج من عدمه ونوع الثمار وغيره، حيث تقوم العملية بأسرها، على معالجة المليارات من الحسابات في الثانية، عبر حواسيب قوية قادرة على بلوغ 250 ألف مليار عملية حسابية/ثانية. إن الأمر أشبه بالنسبة إليه، بالانتقال من الترحال فوق الدواب، إلى الركوب على متن الطائرات. يمكن تطبيق عامل القياس السالف ذكره، والذي يتراوح ما بين 10 اس3 إلى 10اس8، في عمليات الحساب الضخمة في العديد من المجالات، كتكوين محاكيات لحسابات معقدة، لتكوين فكرة عن ظاهرة معينة، لا يمكن دراستها بالمعدات الحالية، على غرار الحسابات المعمول بها، لحساب البعد بين الكواكب أو فهم حركة الثقوب السوداء… يمكن لهذه الحسابات أيضا، محاكاة تكوين أجسام فيزيائية، أو محاكاة نماذج للفيروسات و نشاطها بجسم المستضيف، أو تفاعلها مع الأدوية و العلاجات. من الأمثلة الأخرى، لتطبيق مبدأ "النماذج، الحسابات والمحاكاة"، نجد عملية دمج الصور الملتقطة للمعالم الأثرية، بغرض تكوين محاكاة ثلاثية الأبعاد، لأي معلم أثري (مثال تاج محل). يمكن تطبيق المبدأ أيضا، في تضمين الحسابات الجديدة مع الرقمنة، كحال المتابعة الفضائية لمناخ كوكب الأرض، أو للحالة الجوية لقارة معينة، أو في حالات العواصف وحركات الأمواج. يضيف، بأن للتقنية أيضا فائدة في مجال الطب، تحديدا علم الفيروسات، إذ ستساعد العلماء على فهم أفضل لماهية الفيروس، وتكوين نموذج ثنائي-ثلاثي الأبعاد له. إن لهذا التطبيق، بعدا عالميا إنسانيا كذلك، فكما يقول "غاليليو": "إن كتاب الكون مكتوب بالرياضيات"، إلا أن فهم "غاليليو" لأهمية الرياضيات، كلغة كونية يستند عليها جل ما يحيط بنا، ينطبق فهمها على استثناء وحيد حيث تشمل فقط، العالم بصفاته الميكانيكية و الفيزيائية و غير الفعالية (…)، عالم تكتب تفاصيله بلغة الرياضيات، ولاشيء آخر سواه، يدخل في هذا التفسير، بالرغم من سد هذه الفجوة. (…) إلا أن النموذج الغاليلي، لا ينطبق بنفس الطريقة، بيد أن العالم قد يكتب أيضا ب"اللغة الخوارزمية". العلامات والاتصالات انتقل مالك غلاب، إلى التطبيق الثاني المتعلق ب"العلامات و الاتصالات"، والذي سيركز فيه على إعطاء أمثلة ل3 نقاط أساسية، أولا على المراقبة و الحساب المؤدي إلى اكتساب المعطيات والمعارف، المرتكز على المصادر والطبائع المختلفة، وعلى دعم المعرفة الموضوعية، إذ ذكر مثال زميل له من جامعة كاليفورنيا بيركلي، الذي واكب تطور الأتربة الذكية، وخصائصها في الاحتفاظ بالمياه عبر جهاز من تصميه. ثانيا، نقل العلامات والمعطيات، وثالثا، التواصل. انتقل بعدها، للحديث عن مجالات استخدام التطبيق، معطيا المثال بصناعة الحساسات والعدسات المصورة الصغيرة، والتي تحولت بمرور الزمن، إلى صناعة ذات إنتاج ضخم ومنخفض التكلفة، مذكرا بمثال عدسات الكاميرات، والماسحات ثنائية وثلاثية الأبعاد، وأيضا عدسات متتبعات الحركة على غرار "كينيكت Xbox"، وكاميرات مراقبة الطريق في السيارات الذكية (موديلات تيسلا)، والمستقبلات التي تعمل باللمس، سواء لتسجيل الأوزان والإحساس بالأشياء (اليد الصناعية)، كلها تقنيات تعتبر نتيجة للتطور التقني. من بين الأمثلة الأخرى، الأكثر شيوعا في العالم، استخدام العدسات المقربة في الهواتف الذكية، كرمز لصناعة ذات إنتاج ضخم ومنخفض التكلفة، وفي النظارات الذكية والزجاج الذكي (ميكروسوفت لينس) بالنسبة للمستشعرات المرنة و المتنقلة، التي تسمح بالتجسيد ثنائي /ثلاثي الأبعاد. وأيضا آلة "قراءة وتحليل الحمض النووي"، التي قد يصل ثمنها ل5 مليون دولار، وتساعد في الكشف عن جينوم الفيروسات أيضا، آلة تعتبر المثال الأمثل لتقنية معالجة الإشارة. هناك كذلك مجال يستفيد من تطبيق تقنية معالجة الإشارة، وهو مجال "انترنت الأشياء – Internet Of Things"، قطاع تقني شهد تطورا ملحوظا، مع ظهور مفهوم المنازل الذكية، ممكنا جل المعدات الذكية في لمنازل الحالية أو المستقبلية، من التواصل داخل نطاق نفس الشبكة، و إتمام المهام المنوط بها، دون تدخل أو مراقبة مستمرة، إذ تتوقع بعض الدراسات التحليلية، أن يصل عدد الأجهزة المتصلة المستعملة في العالم، إلى حولي 30 بليون جهاز في سنة 2020، وما يفوق 50.1 بليون جهاز في سنة 2030. الخوارزميات والبيانات اختتم مالك غلاب، الخبير العالمي في تقنية الذكاء الاصطناعي، الجزء الأول من مشاركته بالحديث عن القسم الثالث منه، والذي يتطرق ل"الخوارزميات والبيانات"، معرفا إياه كطريقة تمكن من أولا "تنظيم و حفظ و ترقيم المعطيات"، كالتطور الكبير في السعات التخزينية للوسائط، قد تبلغ مساحتها اليوم بالنسبة للمستهلك قرابة 128 تيرابايت، أو ما بين 103 إلى 108 للشركات و المحترفين. ثانيا "مقارنة و تجميع و ترتيب المعطيات"، مثال موقع مكتبة "ويكيبيديا"، و توفره على أكثر من 6.8 ملايين مقال بمختلف اللغات، تشغل ما بين 103 إلى 1021 اوكتيك (Octets) من مساحة التخزين للمقالات. ثالثا "الربط و إقامة روابط و علاقات سببية"، وهي تقنية تصلح لتضمين المعطيات المجمعة، تحديدا في مجال مراقبة التغير المناخي لكوكب الأرض، إذ تسمح بمزامنة الصور الملتقطة للكوكب، وما تحمله من معطيات حول درجة حرارة قارة أو مدينة محددة، كما تنفع أيضا في مراقبة التحول الطارئ على مدينة ما، و تحديد مدى اتساع رقعة مساحتها مثلا. من بين الأمثلة على نجاح هذا التطبيق، نجد ما يعرف بتحدي "داربا" لوكالة الأبحاث و المشاريع الدفاعية المتقدمة في أمريكا، حيث شاركت مجموعة فرق في محاولة معرفة مكان 10 بالونات حمراء، أطلقت للسماء في 10 ولايات بشكل عشوائي، ما بين 10 صباحا إلى 4 مساءا، و عبر استخدام الخوارزميات و تقنية "الربط و إقامة روابط و علاقات سببية"، تمكن أول فريق من تحديد مكان أول بالون، على وجه التحديد في الساعة 6 و 52 مساءا، انجاز لم يكن ممكنا لولا هذه التقنية. يستعمل تطبيق "الخوارزميات والبيانات"، في ما يعرف ب"اتمتة المعالجة"، التي تقضي بتمكين البرامج التقنية والتطبيقات على الهواتف، من خوارزميات "التعرف والاستنتاج و الفهم والتعلم". فبالنسبة ل"التعرف"، يغلب استخدامه في مجال الذكاء الاصطناعي، فيه تظهر القدرة على توظيف الخوارزميات، في تطبيقات الهواتف الذكية المستندة على كاميرات الهاتف، بغية التعرف على الأشياء كتطبيق التعرف على النباتات "بلانتنيت-Pla@ntNet"، أو في عملية التعرف على معاني الصور ومحتواها، لاستنتاج المشهد المقترح أمام التطبيق، مثال لصورة فتاة في المكتبة = أنها تقرأ، أو امرأة جالسة وتتحدث في الهاتف = تقوم بمكالمة… بالنسبة لمفهوم "الاستنتاج"، فهو يمكن من فهم المغزى من الأشياء، الصور أو النصوص، على غرار فهم التساؤل أو دلالة الصورة او ترجمة النص، أو مثال الفهم المتقدم للأسئلة المطروحة، أو أثناء تحديات ألعاب الشطرنج و Go. بالنسبة لمفهوم "الفهم"، فله مجال بفهم النصوص والترجمة الآلية، إذ يلاحظ التطور الكبير لقدرة خوارزميات الفهم، التي أصبحت قادرة على تحليل محتوى النصوص، والتحويل بين اللغات في الترجمة، كما قاربت قدرتها على الفهم والترجمة الصحيحة، قدرة المترجمين المبتدئين إلى المتقدمين، سواء في فهم النصوص الكبيرة أو الصغيرة. تمكنت خوارزمية الفهم أيضا، مع التطور التقني من تعلم الفهم العميق للنصوص، واستنباط الأسئلة ولو من نصوص مجردة، وحتى مصدر النص و لغته الأصلية، والإجابة على الأسئلة بدقة (مثال الألغاز و الأحاجي). بالنسبة لمفهوم "التعلم"، فإنه يستخدم في قطاع السيارات الذكية، و نظم القيادة الذاتية في سيارات "تيسلا" و"فولفو" و "جوجل" وغيرها من الشركات. لقدرته على تمكين نظم السيارات ذاتية القيادة، عبر قاعدة من البيانات المسبقة و خوارزميات "التعرف والاستنتاج والفهم والتعلم"، لتتبع الطريق وفهم الخرائط و إشارات المرور، ولما لا التفاعل مع السيارات والمركبات المجاورة، علاوة على القيادة الذاتية في حالات الثمالة او المرض للسائق، ودراسة محتوى الخرائط واستنباط اقصر الطرق، وفهم الازدحام وحالة الطقس وغيرها الكثير… مخاطر المجال الرقمي تطرق الخبير العالمي مالك غلاب، في الجزء الثاني من ندوته، للتركيز على "تطبيقات، إمكانيات ومخاطر المجال الرقمي". بالنسبة للتطبيقات في المجال، فلها علاقة بتطوير نظم الذكاء الاصطناعي على ارض الواقع، وتمكين الآلات من القدرات البشرية، تحديدا الحواس الخمس بشكل اصطناعي، زيادة على توفير قدرات الاستنباط و الاستنتاج و الفهم. يمكن للتطبيقات أن تتنوع بتنوع الاستخدامات، فمنها ما يصلح لتطوير نظم الإنزال الذاتي، للصواريخ أثناء الرحلات الفضائية، او في التجسيد ثلاثي الأبعاد (Modeling 3D)، او الطباعة ثلاثية الأبعاد لكل من التحف الفنية و النماذج المختلفة، أو في المسح ثلاثي الأبعاد للوحات الفنية المعروفة، كما يمكن دمجه ب"الواقع المعزز" لتمكين الزيارات ثلاثية الأبعاد للوجهات السياحية و المتاحف. فيما يخص "الإمكانيات"، فلها علاقة ببرامج التنمية الدولية المستدامة، لعل أبرزها "برنامج التنمية المستدامة" (Global Post)، المرتكزة على قرابة 17 نقطة أساسية، تتنوع ما بين محاربة الفقر و تشجيع التمدرس و تنظيم الأسرة، و الحفاظ على الثروات البيئية وتنمية الاقتصاد… بالنسبة لمحاربة الفقر فان هذه التقنيات، ستساعدنا على بناء ذكاء اصطناعي، قادر على توقع التغيرات المجالية أو حالة الضواحي في المدن الفقيرة، ومنه محاربة الجوع كأحد أسباب الفقر في إفريقيا، وتقنين النمو الديمغرافي وتوجيه الساكنة نحو مناطق الأنشطة الاقتصادية. على مستوى التغذية، ستمكن تقنيات المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، من تطوير خوارزميات تحد التغذية العشوائية للساكنة الفقيرة، والتي يتسمم أفرادها عادة لتناولهم نباتات وأعشاب الغابات، التي تتشابه تقريبا من حيث الشكل وتختلف من حيث الخصائص الغذائية، كما ستساعد في تطوير قاعدة بيانات تطبيبية ممتازة، في المجالات الصحية على العموم، أو في العمليات الجراحية و الكشف المسبق للأورام الدماغية، ومحاربة الأمراض الجلدية وأمراض الأعين والدماغ، ومشاكل الحركة والعضلات، عبر محاكاة الأمراض وتفاعلها مع الأدوية بشكل رقمي. على المستوى التعليمي، تعتبر مشاريع "كيت كيت سكول-KitKitSchool.com" و"وان بليون-OneBillion.org"، مشاريع ناجحة في القطاع التعليمي بإفريقيا، استندت على تمكين ولوج صغار السن، من الأطفال والشباب قبل المرحلة الثانوية، للمواد والمقررات التدريسية، عبر اللوحات الإلكترونية أو "التابلت"، من خلال دروس تفاعلية بسيطة، حببت لهؤلاء الأطفال مواصلة انفتاحهم وتعلمهم للغات البرمجة منذ الصغر. تتداخل هذه التقنية بدورها، في مجال التكوين الطبي والتشريح، لما تمكنه من فهم مبسط وتفاعلي للبنية الجسمية للإنسان، ومحاكاة حركة العضلات و الأطراف بشكل ثلاثي الأبعاد. يتعلق الشطر الأخير، ب" مخاطر المجال الرقمي"، مركزا على أمن التطبيقات، حماية الخصوصية والأخطار الاجتماعية لانتحال الصفات و الشخصيات، من بينها التأثير على المستخدمين، والتلاعب السياسي في المنتخبين، ونظيره في الاقتصاد الدولي او المحلي، والخطر المتزايد بسبب فقدان مناصب الشغل، وأخيرا "التسليح الرقمي" و"الذكاء الاصطناعي التسلحي". بالنسبة للأمن ومخاطر المجال الرقمي، تشمل الأمن السيبراني للمنشآت الحساسة، كالمستشفيات والمفاعلات النووية ومراكز توليد الكهرباء و السدود، التي تتعرض لهجمات الكترونية دائمة، أصبحت أكثر خطورة منذ تطور فيروسات "حصان طروادة"، عقب الهجمة الشهيرة على المفاعل النووي. ينضاف إلى ما سبق، مشكل التقبل الاجتماعي للتقنيات، فليست كل تقنية جديدة أو معروفة مسبقا، مقبولة اجتماعيا وذلك لعدم احترامها مثلا لحقوق الإنسان أو للخصوصية، إذ أن الأخطار المتزايدة بسبب تقنية "Tracing" أو التتبع" المستخدمة في تطبيقات لها علاقة حاليا بالصحة، على غرار تتبع المخالطين في أزمة كورونا، تؤرق بال المستخدمين لخطرها على خصوصية الأفراد. علاوة على ما سبق، خطر التوجيه الإلكتروني للمستخدمين، كما حدث إبان الانتخابات الأمريكية، فضيحة "كامبريدج اناليتيكا" وتدخلها في الانتخابات، عبر تتبع وتحليل النقرات في مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها "فايسبوك" ووصولها لقرابة 80 مليون حساب على المنصة، لدرجة أن بعض المستخدمين، يتفاجأون لما تعرفه وتكشفه هذه النقرات الذكية، عن شخصية متصفح المواقع. من المخاطر الأخرى، نجد عمليات الاحتيال الاحترافية على الانترنت، تزوير المواقع الالكترونية المعروفة، خاصة خدمات دفع الأموال ك"بايبال". لعل ما يتبادر إلى الأذهان، فيما يتعلق بالتخوف الاجتماعي من التقنية، ما يرتبط بتوحد المنصات الاجتماعية تحت شجرة "شركة أم" وحيدة، أبرز مثال على أكبر عدد من عمليات الاستحواذ، كانت باسم شركة جوجل الامريكية المرتبطة بالشركة الأم "ألفابت"، علاوة على صف الشبكات الاجتماعية التابعة ل"فايسبوك" من بينها "واتساب" و"إنستغرام"، والتهامها للشركات الصغيرة والمتوسطة. ينضاف إلى ما سبق، تزايد وتيرة الاجتماعات العلنية و السرية، بين عمالقة الانترنت أو GAFA والبيت الأبيض، وتبادل الخبراء السياسية والتقنية وانتقالها ما بين المجالين. أحد العوامل، التي تخيف الجمعيات المشتغلة في مجال حماية حرية التعبير والخصوصية، ما يتعلق بالتلاعب الاقتصادي والتسليح الرقمي. بالنسبة للتلاعب الاقتصادي، فيلاحظ تزايد في التبادلات المالية عالية التردد، بنسبة 90% للطلبات و75 % لحجم التبادلات بأمريكا، علاوة على استخدام تقنية "ستافينغ، سبوفينغ" للتحكم في تردد التبادلات المالية. وفيما يخص سوق التشغيل، فإن اتمتة المهام والاستعانة بالذكاء الاصطناعي، قد يهدد ما بين 115 إلى 165 مليون منصب شغل دوليا، و ان ما بين 45 % إلى 65 % من النشاطات الاقتصادية قد رقمنة بالفعل. كخلاصة لما سبق ذكره، إن مواجهة الخطر غير المرئي حاليا، لنظم الذكاء الاصطناعي، وانتشارها الواسع في مجالات عديدة، يطلب منا أن نتحرك وبشرعة، عبر تقنين القوانين المؤطرة للمجال، سواء من ناحية الاستخدام الشخصي، أو العملي أو الاحترافي، فالملاحظ أننا ودون أن نشعر، قد أطلقنا العنان لكائن بشري جديد لا جسد ملموس له، إلا أن له حياة خاصة به وطرقا للتواصل معنا تختلف باختلاف موقعه، فهو لا يعيش في نفس الفضاء او البيئة أو حتى العالم، بيد أن له نظائر من عالمنا خاصة به. إن تسريع عملية التغيير، والتعامل الذكي مع هذا الذكاء، لتقنين تطوره وحماية المستخدم، يجب أن يتم عبر مجموعة من الإجراءات والقوانين المؤثرة. إذ يمكن في المجال الاقتصادي، تحرير اقتصادات الدول وتوسيع مجالها دوليا، تثبيت خوارزميات تكون مسئولة عن استقرار الأسعار للخدمات والسلع، وتشجيع الاقتصاد الحر. علينا أن نتحول وبسرعة، إلى فاعلين مثقفين ومسؤولي، و أن نشجع على ثقافة الدورات التكوينية في المجال، كما يجب ألا نستمر كمشاهدين فقط، بل ينبغي أن نشارك في قرارات التغيير.