الخرافات والأساطير مجرد اعتقادات أو أفكار قائمة على مجرد تخيلات دون وجود مسبب عقلاني أو منطقي مبني على العلم أو المعرفة، وترتبط هذه الاعتقادات بفلكلور الشعوب أو بالأنماط العليا للتفكير، حسب التحديد الذي وضعه لها جيلبيرت دوران، حيث إنها عادة تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال و قد تكون دينية أو أسطورية، أو ثقافية أو اجتماعية، وقد تكون شخصية ترتبط ببعض الأفراد الذين يصنعون خرافاتهم بأنفسهم، أو يدفعون الآخرين المحيطين بهم إلى صنعها والتكتل حولها. من بين العديد من أساطير وخرافات البحار، قليل منها من وصل إلى شهرة «الهولندي الطائر»، تلك الأسطورة التي تحكي عن سفينة ملعونة حُكم عليها أن تبحر في البحار للأبد، وتظهر كشبح بين أمواج البحر في الليالي الهوجاء بطاقمها القادم من العالم الآخر ..! تعود أسطورة الهولندي الطائر إلى أواخر القرن الثامن عشر، عندما تعددت تقارير البحارة برؤية سفينة أشباح يُقال أنها تُنذر بحدوث كارثة وشيكة، واستمرت مشاهدات تلك السفينة الطيفية على مدى 250 عاماً، على الرغم من عدم وجود دليل قاطع على وجود سفن أشباح . يعود أصل قصة سفينة الهولندي الطائر إلى أواخر القرن الثامن عشر، حيث غادر قبطان هولندي يُدعى «هندريك فان دير يككن» أمستردام إلى أقصى جزر الهند الشرقية، بغرض الحصول على البضائع المربحة والثمينة من التوابل والحرير والأصباغ، وذلك للعودة بها إلى هولندا مرة أخرى لبيعها. وبعد شراء البضائع وإجراء الإصلاحات اللازمة لسفينته، عزم «فان دير» وطاقمه على العودة إلى أمستردام في 1641 م . وعندما كانت السفينة تعبر طريق رأس الرجاء الصالح، هبّت عاصفة مدمّرة، أطاحت بأشرعة وسواري السفينة، وحينها توسّل الطاقم للقبطان «فان دير» لكي يعكس مسار الرحلة، ولكنه بكل رعونة رفض الإصغاء إليهم، وأمرهم بمواصلة التحرك في العاصفة. ويعتقد البعض أن «فان دير ديكين» كان مجنوناً بينما قال آخرون أنه كان ثملا في ذلك الوقت. ونتيجة لرفضه اقتراح طاقم سفينته في إدارة السفينة في الاتجاه المعاكس، غرقت السفينة في قاع مياه جنوب أفريقيا، وعقاباً على عناده حُكم عليه وعلى سفينته بالإبحار في المحيطات إلى الأبد مع طاقمه الشبحي من القتلى، لا يصلون إلى أرض ولايرسون في ميناء أبداً، جالبين الحظ السيء لكل من يمعن النظر في سفينتهم الطيفية، فقد زعمت الحكايات أن ظهور تلك السفينة قد قاد كثير من السفن إلى الهلاك، سواء بتحطمها على الصخور أو الشعاب الخفية في البحار .. يقولون أنه إذا قادك حظك السيء إلى عاصفة شرسة في طريق رأس الرجاء الصالح، سترى القبطان الملعون وطاقمه من الهياكل العظمية على رأس السفينة الشبح. وتشير قصة أخرى إلى أن أصل أسطورة الهولندي الطائر، يعود إلى الكابتن «برنارد فوكي» أو «فالكنبرج» الذي تمكن من الإبحار من أمستردام في هولندا إلى إندونيسيا في غضون ثلاثة أشهر، الأمر الذي دفع البحارة إلى التكهن بأنه باع روحه إلى الشيطان ليساعده على الإبحار بتلك السرعة، وبذلك لُعن إلى الأبد بسفينته. مشاهدات السفينة الشبح إن أكثر المشاهدات إثارة للاهتمام للهولندي الطائر كانت تلك الواقعة التي حدثت للأمير جورج (الملك جورج الخامس فيما بعد) وأخيه الأكبر الأمير (ألبرت فيكتور )، وذلك في عام 1881، عندما كانا يبحران بالقرب من أستراليا كجزء من رحلة استغرقت 3 سنوات على متن سفينةHMS Bacchante. حيث أفاد طاقم السفينة أنه رأى سفينة ظهرت بضوء أحمر متوهج في الساعة الرابعة صباحاً، وعندما اقتربت سفينتهم من مكان تلك السفينة الشبح لم يكن لها أي أثر رغم أنها كانت ليلة مضيئة ذات سماء صافية. وما أثار زوبعة أسطورة الهولندي الطائر هو موت رجل من طاقم السفينة، كان هو أول من رأي تلك السفينة الشبح وذلك بسقوط من أعلى الصاري، وهذا ما أعطى مصداقية للأسطورة في أعين طاقم السفينة . في عام 1939، ادعى سكان سواحل «كيب تاون» في جنوب افريقيا، رؤيتهم لسفينة شراعية تبحر أمامهم قبل أن تختفي فجأة. وخلال الحرب العالمية الثانية، ادعى طاقم غوص ألماني رؤيتهم لسفينة أشباح في قناة السويس. كما رأى الكاتب البريطاني «نيكولاس مونسارت» سفينة أقرب ما تكون للهولندي الطائر خلال فترة وجوده في البحرية الملكية في الحرب العالمية الثانية. هل هناك تفسير علمي؟ يعتقد العلماء أن كل تلك المشاهدات لها تفسير علمي محتمل يُسمى «فاتا مورغانا fata morgana» – وهي نوعاً من انواع الوهم البصري «السراب»، وتحدث هذه الظاهرة عندما ينكسر الضوء وينحني بسبب مروره في طبقات متفاوتة من درجات الحرارة في الهواء أي وجود طبقات من الهواء الساخن على تماس مباشر مع طبقة من الهواء البارد، ونجد أن سطح المحيط هو وسط مثالي لهذا الشذوذ. تم تسمية الهولندي الطائر بهذا الاسم بسبب رؤيتها دائماً وراء الأفق، وعند الاقتراب منها تختفي، لذا لقبها البحارة بالهولندي «الطائر».