نالت مؤخرا، الصحافية بإذاعة وجدة الجهوية شفيقة العبدلاوي شهادة الدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية بميزة مشرف جدا مع توصية بالطبع، بأطروحة حول»استعمال اللغة العربية الفصحى في الخطاب الإعلامي السمعي المغربي-إذاعة وجدة أنموذجا-»، وذلك بعد مناقشة دامت أكثر من خمس ساعات متواصلة تحت إشراف لجنة علمية تكونت من الدكتور بن يونس بنقدور رئيسا، الدكتور مصطفى سلوي، الدكتورة زاهية أفلاي، الدكتور إبراهيم افليلح، والدكتور عبد الحميد أسقال مقررين، والدكتور محمد عبد اللاوي مشرفا. وذكرت الصحافية في مستهل أطروحتها بأن اللغة الإعلامية «غدت في صلب الدراسات والبحوث الرامية إلى الارتقاء بالخطاب الإعلامي، في ظل الطفرة التكنولوجية التي طورت وسائل الإعلام وساهمت في انتشارها»، مشيرة إلى الأهمية التي أصبحت تحتلها وسائل الإعلام، على اختلافها، باعتبارها مؤسسة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تضطلع بدور التربية والتعليم والتثقيف والترويح… «فكان لزاما على هذه المؤسسات أن تعتمد في خطابها لغة تعبيرية ترقى بمستوى المتلقي، وتسعى إلى تزويده بالمعارف والثقافات…» وأبرزت في أطروحتها، بأن اللغة العربية «اعتراها الوهن وأصابها الضعف» في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، حيث «كثرت الأخطاء اللغوية، واختلطت الفصحى بالعامية، وصعب التواصل مع المتلقي، الذي غدا مرتبطا بهذه الوسائل»، مشيرة إلى أن الدراسات العلمية أثبتت مدى تأثير هذه الوسائل على الجماهير سلبا أم إيجابا، «فهي قادرة على تمكينهم من ملكة اللغة، وتعليمهم وتثقيفهم، وهي قادرة أيضا على نسف هويتهم ولغتهم وحضارتهم، من خلال تغريبهم وإبعادهم عن كل ما يصلهم بأصولهم التراثية…». وتطرقت شفيقة العبدلاوي إلى حضور اللغة العربية في وسائل الإعلام السمعية المغربية في ظل اكتساح الإذاعات الخاصة للساحة الإعلامية، مبرزة بأن هذه الأخيرة «وفي إطار رهانها على استقطاب جمهور كبير، اعتمدت في خطابها الإعلامي على العامية المتداولة بين عموم الناس بدعوى أنها تمارس إعلام القرب، فكانت بمنزلة العلامة الفارقة بين فترتي الازدهار والانحدار في استعمال اللغة العربية». واعتمدت في بحثها على إذاعة وجدة –أنموذجا- لملامسة مدى حضور اللغة العربية ضمن برامجها، دون أن تستثني تجارب الإذاعات الأخرى، وخاصة إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، التي اشتغلت بها منذ سنة 2006، وهي تجربة حفزتها للاقتناع بفكرة مفادها أن: «اللغة العربية باستطاعتها أن تتربع عرش الإعلام، وأن ترقى بالمتلقي»، مضيفة بأن «الأدلة تنفي فكرة كون العربية تستعصي على الفهم وعلى التواصل، بحكم أن إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، استطاعت أن تنافس مجموع الإذاعات العمومية والخاصة، وتتصدر المراتب الأولى لسنوات عديدة، وتحصد أكبر عدد من المستمعين والمستمعات». وتناولت أطروحتها في أربعة فصول، تمحور أولها حول «الإعلام السمعي: نشأته، مكانته، خصوصياته»، و»الإذاعات الجهوية: المفهوم، النشأة والوظائف»، وفي الفصل الثاني «واقع الاستعمال اللغوي للعربية الفصحى في الإذاعات الجهوية المغربية» من خلال ثلاثة محاور تناولت «المستوى التواصلي»، «مستوى البرمجة والاختيارات الموضوعاتية» و»مستوى التلقي/المستمع». بينما خصصت الفصل الثالث للحديث عن إكراهات الاستعمال اللغوي للعربية الفصحى في الإذاعات الجهوية المغربية، وقسمته بدوره إلى ثلاثة محاور تطرقت إلى «إكراهات التعددين اللغوي والثقافي»، «إكراهات التكوين الأساس، والتكوين المستمر» ثم «إكراه أمية المتلقي». فيما اشتغلت في الفصل الرابع على مرتكزات نجاح الاستعمال اللغوي للعربية الفصحى في الإذاعات الجهوية المغربية، من خلال محورين اثنين «النموذج البشري» و»استنتاجات البحث وخلاصاته». واعتمدت الصحافية بإذاعة وجدة الجهوية في أطروحتها على المنهج الوصفي التحليلي، انطلاقا من دراسة الظاهرة كما هي في الإذاعات الجهوية، حيث قامت بجرد عينة من البرامج لفترات مختلفة وبدراسة تحليلية لكل مخطط خاص بالفترة الممتدة من 1997 إلى غاية 2007، ومن 2007 إلى غاية 2017، لتوضح «مدى تراجع اللغة العربية في البرامج التي تبث على إذاعة وجدة»، كما اعتمدت المنهج المقارن من خلال مقارنة المخططات الإذاعية السابقة والحالية على مستوى البرمجة، وتتبع الحضور اللغوي فيه، ثم المنهج التجريبي من خلال تجربتها الخاصة حيث قدمت بعض البرامج باللغة العربية الفصحى كما أعدت وقدمت برامج ذات طبيعة تفاعلية تستوجب اعتماد العامية، «وذلك لقياس الأثر الذي يمكن أن تحدثه البرامج المقدمة باللغة العربية الفصحى، وتلك المقدمة بالعامية، ومدى تفاعل المتلقين مع العينتين». وخلصت شفيقة العبدلاوي في أطروحتها، إلى مجموعة من المقترحات والتوصيات أهمها ضرورة التنسيق بين مؤسسات الدولة ووسائل الإعلام من أجل إنشاء مراكز بحوث ودراسات إعلامية للنهوض بهذا المجال والدفع به قدما، التركيز على الإعلام المحلي لإيجاد الحلول الواقعية لمشاكل المواطنين، التقليل، بقدر الإمكان، من البرامج المذاعة باللهجات المحلية وتشجيع البرامج المذاعة باللغة العربية، مع إقامة دورات في اللغة العربية لمحرري الصحف والمذيعين والمذيعات لتقوية لغتهم وعلاج أخطائهم وتدريبهم على السلامة اللغوية، والتركيز على أن تكون برامج الأطفال مذاعة باللغة الفصحى «لأن هذه الفئة هي الحلقة الأهم في تعلم اللغة السليمة والتواصل بها في الحاضر والمستقبل»، كما أكدت على ضرورة تعميق الاهتمام باللغة العربية باعتبارها أداة التعبير الأول لخريجي الصحافة والإعلام…