يواجه مسلسل الجهوية المتقدمة بالمغرب إشكالية عميقة ومركبة، فهو من جهة يهدف إلى تقليص التفاوتات المجالية وداخل الجهات نفسها، عبر التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات لسد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية الأساسية والتجهيزات والتوزيع المتكافئ للموارد. وحسب أرضية ندوة جهوية موضوعاتية، نظمها مجلس المستشارين، أمس الأربعاء بالدارالبيضاء، بشراكة مع جهة الدارالبيضاءسطات، حول موضوع «الفوارق المجالية وتحدي التضامن بين الجهات»، فإن الفوارق والتفاوتات المجالية لا توجد بين الجهات فقط، بل هي موجودة داخل الجهات نفسها، ذلك أن 20 إقليما الأقل نموا بالمغرب موزعة على جميع جهات المملكة، مضيفة أنه بالقيام بإجراء مقارنة بسيطة للفوارق بين الأقاليم وبين الجهات باعتماد مؤشر سنوات التأخر لكل جهة عن باقي الجهات، يتبين أن الفرق كبير وشاسع يصل مثلا على مستوى التعليم إلى 20 سنة كفرق بين الجهات. وأبرزت الأرضية في هذا الصدد، أنه باعتماد مؤشر مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، قد يصل التأخر بين الجهات لحوالي 40 سنة، مؤكدة أن هذه المؤشرات توضح أن المغرب يعيش في حقب وأزمنة مختلفة، وهو ما يشكل مصدر قلق حقيقي على الاستقرار والتنمية. وأضافت أن الفوارق تظل قائمة حتى في أكبر الجهات مثل جهة الدارالبيضاءسطات، التي يبلغ عدد سكانها سبعة ملايين نسمة، فرغم توفرها على إمكانيات اقتصادية هائلة، فإنها تشكو من فوارق كبرى، من قبيل الخصاص في الطرق القروية والولوج الى الماء الشروب والكهرباء، مما يفيد بأن عجلة التنمية تسير بسرعات مختلفة، مشيرة إلى نموذج إقليم ابن سليمان الذي لا يتجاوز معدل الكهربة به 70 في المائة، وإقليمسطات الذي يعد في المراتب الأخيرة وطنيا على مستوى المسالك الطرقية. ويدفع هذا التشخيص، حسب نفس الوثيقة، إلى التأكيد على أهمية التعجيل بتحويل الموارد المالية والبشرية إلى الجهات، عبر التدرج، وضمان الانسجام بين مختلف المؤسسات والجماعات المحلية الأخرى لضمان الفعالية، علما أن المواطن عليه أيضا مواكبة هذه الدينامية والمساهمة عبر فضاءات التعبير والتشاور، لإنجاح خيار الجهوية المتقدمة. ويتعين أيضا، انطلاقا من نفس التشخيص، ملاءمة السياسات القطاعية مع خصوصيات كل جهة، وإعادة التفكير في التنمية الحضرية، وإعادة تحديد الدور المحرك الذي ينبغي أن تقوم به الحواضر في إطار جهوي، وتعزيز الخدمات العمومية في المناطق القروية وتدعيم الروابط بين المجالات الحضرية والقروية، وتقوية الحكامة التي تأخذ بعين الاعتبار أيضا المتطلبات على المدى الطويل، خاصة الاستدامة والجوانب البيئية. من جهة أخرى، أفادت الأرضية بأن مسلسل الجهوية بالمغرب يتفادى الاتكالية التي قد تنتج عن اعتماد سياسة تضامنية تقوم على برامج للإعانة الدائمة للجهات تكون نتائجها عكسية، على الجهات المستفيدة، أو على الجهات المتضامنة. وسجلت أن المغرب يعرف نسبة جد مرتفعة من الأشخاص الذين يعانون من الفقر متعدد الأبعاد ومن الهشاشة، معتبرة أن الفوارق، إذا تم الاقتصار على البعد الاقتصادي فقط، توجد في مستوى أعلى من متوسط البلدان المماثلة، وتزداد هذه الفجوة اتساعا، عندما تؤخذ الأبعاد المتعددة للفوارق بعين الاعتبار، سيما الجانب الاجتماعي والجانب المتعلق بالنوع والفوارق المجالية. لذلك، تضيف الوثيقة، كان هدف تقليص الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في صلب ورش الجهوية المتقدمة، باعتبارها المدخل الأساسي لكل تنمية اقتصادية واجتماعية من خلال تعزيز أدوار الجهات وتمكينها من بناء نموذجها التنموي الخاص، استنادا إلى مؤهلاتها، مع إرساء آليات للتضامن بين الجهات وتأهيل الجهات الأقل حظا في التنمية، وهو ما تم تأطيره بالعديد من المبادئ والمعايير الدستورية الناظمة من قبيل التعاون والتعاضد والتضامن. وعلى الرغم من أهمية الجهوية لضمان مستقبل أفضل وتطور مستدام، وأن دستور 2011 جعل المواطن في صميم مسار ورش الجهوية، بتمكينه من الاستفادة في أحسن الظروف وجعل الخدمات قريبة منه، إلا أنه مازالت هناك فوارق مجالية صارخة.