شاركت ممثلة منظمة اليونسكو بليبيا رجاء العباسي ، في ندوة هامة أقيمت في إطار المنتدى العالمي الثاني لحقوق الإنسان بمراكش ، حول الإفلات من العقاب في جرائم الاعتداء على الصحفيين . وقدمت معطيات مقلقة حول استهداف رجال الإعلام بالبلدان العربية التي تتصدر قائمة الاغتيالات التي تعرض لها الصحفيون في العالم . في هذا الحوار تتناول رجاء العباسي أسباب الإفلات من العقاب ودور ضعف الدولة أو غيابها في انتشار تنامي الاعتداءات ضد الصحفيين. } الإحصائيات التي أوردتها عن حالات الإفلات من العقاب في قضايا اغتيال الصحفيين، تشير إلى أن أكبر عدد من حالات القتل التي استهدفت الصحفيين في العالم كانت في البلدان العربية ، ما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الوضع في نظرك ؟ معظم البلدان العربية شهدت حروبا وصراعات أهلية وثورات، وبعد الثورات حصلت انتفاضات ومظاهرات تابعها عدد من الصحفيين ، بما يستتبع ذلك من حضور فعلي لهذه الأحداث من قبلهم. وهذا أكبر سبب في وقوع عدد من رجال الإعلام ضحايا أثناء أداء مهمتهم. } ظاهرة الإفلات من العقاب في المنطقة العربية مرتبطة كما بينت الكثير من التحليلات التي قدمت خلال المنتدى العالمي لحقوق الإنسان ، بوجود الصحفي العربي إما في مواجهة الدولة البوليسية أو مواجهة وضع اللادولة .. نعم ، لكن لا ينبغي أن نغفل أن مسألة الإفلات من العقاب يتحمل فيها أيضا الصحفيون ن العرب أنفسهم المسؤولية. إذ هناك ضعف في الآلية التي يتخذها الصحفيون في المطالبة بحقوقهم أو متابعة مرتكبي تلك الجرائم . فكما ذُكر ذلك في الجلسة فالصحفيون يفتقدون لآلية الرصد والتوثيق ، فالجميع يعرف أن الصحفي فلان تم الاعتداء عليه، أو تم استدعاؤه لمكاتب الأمن في الساعة كذا إلى الساعة كذا ، واستنادا إلى الرواية الشفهية فقط ، ولكن لا وجود لتوثيق لذلك من قبل الصحفيين وتقصي لحيثيات هذا الاعتداء ، أي أنهم يفتقدون لآلية الرصد والتوثيق الذي يسمح ببناء ملف متكامل يمكن أن يتحول إلى قضية . وهذا الوضع مرتبط بالتربية السائدة في المجتمعات العربية ، حيث أن الناس يتهاونون في متابعة من يخطئ في حقهم، والصحفي جزء من هذا المجتمع . } ألا تعتقدين أن كل ما تحدثت عنه مرتبط بوضع عام سائد في العالم العربي هو غياب الدولة الديمقراطية ، أي دولة الحقوق و سيادة القانون ؟ نعم ، هناك غياب للدولة الديمقراطية، إضافة إلى قيام أجهزة أخرى، ميليشيات أو عصابات ، بمثل هذه الاعتداءات . إذ ليست دائما أجهزة الدولة هي التي تنفذ مثل هذه الأفعال المستهدفة للصحفيين .. فمعظم الصحفيين الذين يتم الاعتداء عليهم خارج مناطق النزاعات، يتعرضون لذلك لأنهم يحققون في جرائم لعصابات منظمة ، أو يحققون في ملفات الفساد، أي يتناولون قضايا تهم جهات أو منظمات لها نفوذ . ونحن في منظمة اليونسكو نقوم بمجهود كبير ، لتكوين الصحفيين في كيفية حماية أنفسهم ورفع قدراتهم في هذا المجال . بمعنى آخر ينبغي توعية الصحفيين بأهمية تفادي الاعتداء عليهم ، واعتماد آليات تمكنهم من حماية أنفسهم أثناء قيامهم بتحقيقات استقصائية . } أنت ممثلة لمنظمة اليونسكو في بلد ليبيا، هذا يفرض أن أسألك عن وضع الصحفيين الليبيين في هذا البلد الذي لم ينعم بالاستقرار منذ قيام الثورة التي أطاحت بنظام القذافي . الوضع محزن للغاية . في يوم الثاني من نونبر 2014 ، نظمنا ورشة إقليمية للمعنيين بالصحافة بشمال إفريقيا، وذلك بمناسبة اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب بخصوص الضالعين في اعتداءات على الصحافيين . وعندما أعطيت الكلمة للصحفيين الليبيين، قدموا شهادات مؤلمة عن معاناتهم الشخصية ومعاناة زملائهم في المهنة . حاليا، هناك أربعون صحفيا ليبيا لاجئين في تونس مهددين شخصيا بالقتل، و حتى وهم بتونس تم حرق بيوت أهلهم ، وتم خطف إخوانهم ، ووضع أسمائهم في قائمة المطلوبين وهو ما يحول دون عودتهم إلى وطنهم . وضع الصحفيين الليبيين صعب للغاية، وللأسف فهم جزء من الأزمة . لأنه بعد الحرب الأخيرة في يوليوز ، تبنى بعض الصحفيين مواقف منحازة لهذه الميليشيا أو تلك . وتم استهدافهم وفقا لآرائهم . ولهذا السبب فنحن في اليونسكو نقوم بتدريب الصحفيين على كيفية كتابة التقارير أثناء النزاع، وكيف تكون صحفيا جيدا ، و السبيل إلى ذلك هو أن يظل محايدا في كتابته ، أن لا يكتب تقارير يقدم فيه موقفه ، وإنما تقارير تكشف الوضع والمواقف المختلفة . } بمعنى أن المهنية سبيل لحماية الصحفيين؟ بالضبط، فعندما يكون الصحفي متمكنا من أدواته، ويعرف جيدا كيف يكتب تقارير مهنية، فإنه يوفر لنفسه نصف الخطوة لسلامته وحمايته. وفي نفس الوقت ، ودائما في ليبيا ، قامت عدة ميليشيات بالسيطرة على مقرات الإذاعة والتلفزيون، وفرضت على الصحفيين تلاوة بيانات منحازة، مما فرض على الكثير منهم مغادرة مهنتهم . } ألا يبدو أن هذا الوضع يفرض مسؤولية أكبر على الهيئات الدولية لحماية الصحفيين ، خاصة في البلدان التي تعاني من ضعف الدولة أو غيابها المطلق؟ بالتأكيد ، والتآزر بين المنظمات الدولية والهيئات المدافعة عن السلامة المهنية للصحفيين وحمايتهم دوليا أو إقليميا ، مطلوب جدا في هذا المجال لأن هناك هيئات راكمت خبرة كبيرة في مجال حماية الصحفيين ومتابعة المعتدين عليهم. إذ الحاجة ملحة للاستفادة من خبرة المنظمات التي تمتلك آلية الحوار والمفاوضات لاعتماد تدابير عاجلة لكيفية حماية الصحفيين الليبيين . واليونسكو لديها برنامج خاص في ليبيا، وقمنا بتعديل هذا البرنامج بعد حرب يوليو الأخير، لأن الوضع الحالي لم يتحمل البرنامج العادي الذي كنا نعتمده. إذ هناك أزمة خطيرة، ونزاع مسلح مشتعل، والصحفي يقتل فيه ويستهدف في حياته وسلامته .