يمر الإطار الوطني، مصطفى مديح، من أزمة صحية فرضت عليه ملازمة الفراش، في انتظار استعادة عافيته والعودة على ميادين كرة القدم الوطنية، التي صال وجال فيها، وترك بصمته الخاصة عبر مختلف الأندية التي جاورها، بعدما رفعها معها تحدي الصعود إلى مراتب الكبار. ولا ينكر إنجازات مصطفى مديح إلا جاحد، فالرجل ضحى بالتحصيل العلمي الأكاديمي، وقرر سبر أغوار عالم التدريب، في وقت كانت فيه الساحة الوطنية تحبل بالعديد من القامات التدريبية الهائلة، فكان له شرف الاحتكاك بها والنهل من معينها، لكن مع حرصه على فرض طابعه الخاص. لم تكن بداية مصطفى مديح مفروشة بالورود، على ما غرار ما يجده المدربون الحاليون، فالرجل بدأ من تحت الصفر، حيث أشرف على تدريب فرق صغرى كالنسمة البيضاوية ورجاء أكادير، قبل أن يصعد سلم التميز بهدوء وتؤدة، فكانت محطة خريبكة شاهدة على ميلاد مدرب مقتدر، حولها فيها الأوصيكا إلى فريق مهاب الجانب، وأهداه ازدواجية خالدة سنة 2006، قبل أن يعود في السنة الموالية ويحقق لقب البطولة، رفقة جيل مازالت عاصمة الفوسفاط تبحث عن مثيله إلى اليوم. وساهم هذا النجاح في تحول مديح، الذي رأى النور مع مطلع سنة 1956، إلى قيادة زعيم الأندية الوطنية، الجيش الملكي، وتوج معه بلقبين في مسابقة كأس العرش سنتي 2007 و 2008، ليحول بوصلته صوب دوري النجوم بقطر (2008 – 2010)، لكن هذه التجربة مرت بجانب التوفيق، ليعود بعدها إلى فريقه السابق الجيش الملكي، لكنه وجد نفسه على خلاف مع الحظ، ليكون الرحيل خيارا مرضيا للطرفين. وعزف مديح أناشيد التألق أيضا رفقة المنتخب الوطني الأولمبي، والذي توج معه بالميدالية الذهبية في الألعاب المتوسطية سنة 2001 بكندا، كما قاده إلى التأهل للألعاب الأولمبية صيف 2004، ثم توج رفقته بكأس الصداقة بقطر، فكان منير طريق العديد من المواهب، التي حملت قميص المنتخب الوطني الأول في أكثر من مناسبة، على غرار أمين الرباطي وشمس الدين الجنابي وسعيد الخرازي والمرحوم جواد أقدار وجمال العليوي وغيرهم. وحافظ مديح على نفس مساحة الاحترام مع محيط كرة القدم الوطني بمختلف هيئاته ومكوناته، حيث لم يسجل عليه قط أن دخل في خلاف مع زميل له أو فاعل في المشهد الكروي، بل حتى تصريحاته، التي تأتي حين يشتد عليه الضيق، تكون راقية، وتخاطب العقول، بعيدا عن الانصياع وراء الانفعال. هذه الخصال جعلت من مصطفى مديح أحد حكماء التدريب الوطني، وأحد الفاعلين المتميزين على مستوى الكرة الوطنية لأكثر من ثلاثة عقود، وجعلت العديد من زملائه يبدون تفاعلهم معه، وانخراطهم في مبادراته لرفع معنوياته والتخفيف عنه، ولعل الكلمة المؤثرة التي خطها الإطار الوطني فؤاد الصحابي في حائطه الشخصي بموقع الفايسبوك، تدل على حسن سيرة هذا المدرب والمربي. واستعرض الصحابي إنجازات الرجل سواء بالفرق أو المنتخبات الوطنية، حيث «حقق نتائج باهرة رفقة المنتخب الأولمبي المغربي، كما عمل مساعدا بالمنتخب الأول، وكان وراء اكتشاف العديد من اللاعبين، بل ظل مشجعا وناصحا لكل الأطر الوطنية، خدوما ومتواضعا مع الصغير والكبير. لقد شجعني كثيرا في بداية المشوار، وكان يهاتفني بعد كل انتصار، خاصة رفقة شباب قصبة تادلة، وساهم في انتقالي لتدريب أولمبيك خريبكة وشباب الحسيمة. إنه رجل محترم، وأتمنى أن يقف كل الفاعلين الرياضين بجانبه»، داعيا في الآن نفسه فوزي لقجع وجامعته إلى التحرك لدعمه، لأن «الرجل يستحق كل الاهتمام والاحترام والدعم والمساندة لما قدمه من خدمات جليلة للرقي بكرة القدم الوطنية». وختاما لا يسعنا إلا التضرع إلى الخالق عز وجل كي يشفي الإطار الوطني الكبير مصطفى مديح، ويخفف عنه حرارة الألم، وأن يعيده إلى أسرته الكبيرة والصغيرة سالما معافى.