ذ.علي أومليل يفتتح الموسم الجامعي بكلية بن مسيك أقيم اللقاء ومناسبة الدرس الافتتاحي بفضاء عبد الله العروي في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدارالبيضاء، الأربعاء17 أكتوبر 2018، استهل اللقاء بكلمة ترحيبية وتقديمية لعميد الكلية ذ.عبد القادر كنكاي الذي اعتبر افتتاح الموسم الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بهذا العلم ذ.علي أومليل اعترافا ضمنيا من الجامعة المغربية بفعالياتها ومحيطها ، بأن المشروع النهضوي ومرجعياته مازال مطلبا وقضية ومجالا للتداول. بسط مقدم الدرس الافتتاحي الأستاذ عبد الإله بلقزيز رؤية علمية عن الدكتور علي أومليل وإسهامه المشهود في الدرس الفلسفي الجامعي المغربي منذ مطلع الستينات، حيث تخرج على يده جيل يحمل مسؤولية هذا الدرس في معظم الجامعات المغربية، إذ يشهد للرجل إسهامه الفكري على المستوى المغربي والعربي، من خلال درسه الفلسفي ومن خلال مؤلفاته التي تراوحت محتوياتها بين الفكري والسياسي والحقوقي، حقوق الإنسان تحديدا التي يعتبر الأستاذ علي أومليل من مؤسسيها في التجربة المغربية والعربية ومتحملا لمسؤوليتها في عدة تنظيمات، ومنها مسؤولية أمين عام لمنتدى الفكر العربي، تم تحمله لمسؤولية سفير المغرب بالقاهرة ثم ببيروت. يعد الأستاذ علي أومليل من المشتغلين على مجمل المتن الخلدوني، وقد تم ذلك من خلال أطروحته كما ساهم في حركية الفكر الفلسفي ودرسه وأبحاثه بمؤلفات هامة منها قيامه بالمقارنة بين التنظير التاريخي والممارسة، تم كتابه المرجع الإصلاحية العربية والدولة الوطنية، ومناقشته للسلطة الثقافية والرؤية السياسية في مؤلف آخر، ورؤيته في شرعية الاختلاف التي كانت أرضية للرجوع إلى الجذور ومناقشة منابته في التراث الإسلامي والنظر إلى الآخر، سيما وعلي أومليل استكمل دراسته بالسوربون. هي توطئة تقديمية للمحاضر، ليتواصل معه جيل الطلبة عموما وطلبة كلية الآداب بنمسيك على وجه الخصوص، الذي يفتتح موسمهم الجامعي 2018/2019، بدرسه عن مرجعيات النهضة. الدرس الافتتاحي: مرجعيات النهضة تطرق الأستاذ علي أومليل في درسه إلى مرجعيات النهضة عند الأوروبيين وعند العرب، في إطار درس مقارن بين النهضة الأوروبية والعربية لإبراز ماهو مشترك وما هو مختلف بينهما، إذ لا تخلو المقارنة بين النهضتين من ملامسة المفارقة بينهما، وهنا يطرح السؤال لماذا هذه المقارنة؟ بين طرف موجود وهي النهضة الأوروبية وطرف غير موجود وهي النهضة العربية. يشير المحاضر الى أن الدافع في هذه المقارنة هو أن هناك مبررين: المبرر الأول: راود النهضة العربية في القرن 19 كانت مرجعيتهم هي النهضة الأوروبية. المبرر الثاني: رواد النهضة العربية أخذوا تقسيما ثنائيا للزمان، سيما وقد جاءت نهضتهم بعد العصر الوسيط، القرون الوسطى للعرب هي مرحلة الاحتلال العثماني. وللإشارة وتكميلا للرصد التاريخي الذي وقف حوله المحاضر، نشير الى أن العُصُور الوسطى أو القُرُون الوسطى في التاريخ الأوروبي هي التسمية التي تُطلق على الفترة الزمنية التي امتّدت من القرن الخامس حتّى القرن الخامس عشر الميلادي. حيث بدأت بانهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية واستمرّت حتى عصر النهضة والاستكشاف. وتعتبر فترة العصور الوسطى هي الفترة الثانية بين التقسيمات التقليدية للتاريخ الغربي: الفترة القديمة، والوسطى، والحديثة. وتنقسم العصور الوسطى نفسها إلى ثلاثة فَترات: الفترة المُبكّرة،والمتوسّطة، والمُتأخّرة. المرحلة الأولى: بدأت منذ أواخر القرن الخامس، بانهيار الامبراطورية الرومانية وامتدت إلى أواسط القرن العاشر بعد الميلاد، وهذه الفترة نالت الجزء الكبير من الصراعات الحادة والمعارضات العميقة بين مبادئ الفن الإغريقي الروماني وبين مرتكزات الوندالية الهمجية.. المرحلة الثانية: تزايد عدد السكان في هذه الحقبة، وتطورت الزراعة والأنظمة السياسية، وظهرت الحروب الصليبية.. المرحلة الأخيرة: عرفت هذه المرحلة بالصعوبات البالغة وذلك بظهور الطاعون والمجاعات التي حصدت أرواح ثلث سكان أوروبا، كما سيطر على أوروبا فكر الظلام بقيادة الكنسية والصراعات الدينية والهرطقة، وانتهت هذه المرحلة بالتطور التقني والثقافي وبداية عصر النهضة. ذهب المحاضر لمباشرية دراسته المقارنة بين النهضتين إلى تحديد مفهوم الزمن الذي يختلف في النهضتين بين الماضي والحاضر والمستقبل: النهضة العربية والأوروبية ينتابهما الإحياء، إذ أن النهضة الأوروبية تود إحياء الأدب والفن اليوناني والروماني، ونلاحظ أن النهضة العربية ليس لها مرجع ماض بل مرجعيتها دينية، والماضي الذي لديها هو إحياء ماض ديني معين. كما أن هناك مفهوما مختلفا للحاضر عند النهضتين، النهضة العربية حاضرها التخلف بين ثنائية التأخر والتخلف، والحاضر الأوربي له رؤية إحياء للعصر الذهبي المأمول. نفس الأمر المختلف حول مفهوم المستقبل تعرفه كلا النهضتين اللتين بنيتا على إحياء الماضي والملاحظ أن لكل منها ماضيه الأول مرتبط بالزمن والمرحلة الذهبية أدبا وفنا الروماني والإغريقي، والثانية مرتبط بالديني. ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى أنه كان للمسيحيين دور في النهضة الأولى في العصر الوسيط في القرن الثالث الهجري وما قبل ذلك في زمن الأمويين، وإسهاما آخر في النهضة الحديثة في القرن التاسع عشر وفي كلتا المرحلتين ولأسباب موضوعية ولشروط موضوعية ساهموا في النهضة، فقبل الإسلام كانوا أبناء الدولة البيزنطية وتثقفوا بثقافتها وامتلكوا ناصية إدارتها وتعددت معرفتهم باللغات وعندما أتى المسلمون ساهموا في الترجمة والفلسفة والتعريب والحوار، لذلك ساهموا بالنهضة الأولى. وفي النهضة الثانية الحديثة نشأت طبقة تجارية مسيحية في هذه البلاد في القرن الثامن والتاسع عشر وامتلكوا ناصية العلم وناصية الامتيازات بما فيها المطالبة بحقوق المواطن المطالبة بالحريات، وشكلوا الطبقة الوسطى، لذلك تهيأت لهم الشروط الموضوعية لقيادة النهضة العربية حيث قادوها بعدة أمور منها: أولا: في الصحافة والطباعة والنشر، فقد كان النشر والمطبعة ممنوعين في زمن العثمانيين حيث تأخر دخول المطبعة 300 سنة، لكن سمح للمسيحيين في أن يكون لهم مطبعة في دير قزحيا وفي حلب أيضاً. ثانيا: إن أول صحيفة والثانية والخامسة أسسها مسيحيون عرب، وأولها في الأستانة ومن ورائها فرح انطون والسبب يعود لكونهم تعلموا مبكرين في مدارس عدة. وطالبوا بالحرية اللامركزية وبإحياء اللغة العربية وتعليمها في المدارس، وفصل السلطات، أي أنهم طالبوا بدولة حديثة، وما أكثر ما ساهموا ومن ساهموا في مجال الصحافة. أشار المحاضر كذلك الى أن هناك فارقا آخر أساسي، يتمثل في كون أن النهضة الأوربية أنجزت أولا في القرن 15، تم أنجز المفهوم/الإحياء ثانية في القرن 19، التاريخ هنا سبق المفهوم، وهنا لزاما أن نشير إلى أن نشأة الوعي الأوروبي تمت في زمن الاكتشافات والفتوحات العلمية اذ ارتبطت النهضة الأوروبية مثلا باكتشاف كولومبوس وماجلان إلخ حيث نشأت إنسانوية الإنسان الذي أصبح المركز، وكان الفضل للإصلاح الديني الأوروبي إذ رجع إلى الفرد بدون وساطة، وقد تم ذلك في زمن اختراع المطبعة التي وفرت الكتابة وتوفرت طباعة الإنجيل أدت إلى ثورة القراءة أصبح كل فرد يقرأ ويفهم انجيله الذي وفرته الطباعة وتم الاستغناء عن وساطة الكنيسة، التي كانت تحتكر القراءة. الإصلاح الديني في أوروبا كانت بدايته ق15 ونشأ في حضن تطور ذاتي، أما الإصلاح الديني عندنا فقد كان له حافز، لم يكن تطورا ذاتيا بل كان حاجة إلى مواجهة التطور الخارجي الأمر الذي يتطلب إصلاحات موازية ويحتاج الأمر إلى تغيير العقليات وبما أن العقلية العربية دينية جاء مطلب الإصلاح الديني أولا. اعتبر جمال الدين الأفغاني ومحمد عبدو بصفتهما كبار الإصلاحيين العرب المسلمين، أن النهضة الأوروبية قادها الإصلاح الديني، يلاحظ هنا خلط لدى إصلاحيين محمد عبدو والأفغاني بين مفهوم النهضة ومفهوم الإصلاح اللذين يتميزان زمنيا، فالنهضة أتت بعد الإصلاح، إذ النهضة كانت للنخبة والإصلاح الديني كان جماهيريا. الإصلاح الديني أمر قائم لحد الآن، لكون تمركز مطلب الإصلاح والنهضة يتم عبر البعد الديني في الذهنية العربية الإسلامية ومفهوم هذا الإصلاح وتعدد تأويله هو الذي أفرز إلغاء الآخر والإرهاب، لذا فنحن الآن في حاجة ماسة لإصلاح عميق للفكر الديني، لكي نندمج في العالم ونساهم في الحقوق والمنافسة، وننخرط في السلم الاجتماعي لكي تستقر مجتمعاتنا مع العالم ولن يتم هذا إلا بإصلاح ديني عميق يغني ولا يلغي. هامش: نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2018/2019، بمحاضرة للدكتور علي أومليل، بعنوان: مرجعيات النهضة، بتاريخ الأربعاء 17 أكتوبر 2018، ويأتي الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي، بهذا المحور في سياق تاريخي وفي مرحلة دولية تعرف نقاشا عاما حول المرجعيات وتأثيرها الفكري في الأنماط والتعاطي مع الوضعيات.