كتاب »تاريخ اليهود من منظور روسيا المعاصرة« يتناول تاريخهم من منظور عقلاني وبطريقة علمية تليق بعالم رياضيات كبير كمؤلفه إيغرشفرَيفتش. وهدف هذا الكتاب هو تقديم بعض الوقائع والأفكار التي يمكن أن تساعد على صوغ وجهة نظر إزاء مسألة صعبة ومهمّة، هي »المسألة اليهودية«. لقد لعب اليهود دوراً مصيرياً في تاريخ روسيا، سواء في الحركة الثورية، أو في الاقتصاد، أو في الإعلام، أو في جهاز السلطة بعد الثورة، وما من شك في أنّ تأثيرهم لن يتراجع في المستقبل المنظور. وتاريخ الجماعة اليهودية في القرون الوسطى مليء بالتراجيدية والتناقضات الدراماتيكية، فكثيراً ما كان اليهود يتعرضون لتغييرات ومضايقات قاسية ثم يعقبها مراحل يسر، يتمتعون إبانها بالعديد من الامتيازات ويؤثرون على جوانب حياة غيرهم من الشعوب. في مطلع القرن التاسع وقع انقلاب في بلاد الخزر كان من نتائجه أنّ غدت اليهودية دين الدولة، فكان على رأس السلطة اسمياً »خاقان« يدين باليهودية، أمّا واقعياً فكانت البلاد تحت حكم ملك من أصل يهودي. امتدت سلطة مملكة الخزر في القرن التاسع لتشمل السهوب الأوروبية الشرقية والمناطق الشمالية التي تشغلها الأقوام السلافية »الصقالبة«، وقد ارتبط تاريخ مملكة الخزر بمصير روسيا، وتسلّط القيادة اليهودية على السكان الأصليين، هو بالضبط التهمة التي رُمي بها النظام الشيوعي من قبل أعدائه. لقد ظل تاريخ الخزر في الاتحاد السوفيتي موضوعاً »غير مريح« زمناً طويلاً، إن لم يكن موضوعاً خطيراً بالمعنى المباشر. كان يعيش في روسيا عند قيام الثورة عام 1917 ما يقارب ستة ملايين من اليهود، أي حوالي نصف عدد الشعب اليهودي في ذلك الوقت، وقد لعب هذا الواقع دوراً هائلاً في تاريخ روسيا. وكانت قيادة البلاشفة حتى أكتوبر تتألف من اليهود إلى حدّ كبير، فالمكتب السياسي الذي تشكل من أجل التحضير للانتفاضة، كانت أكثريته من اليهود. ووقع في روسيا في أواخر الثمانينات من القرن العشرين انقلاب لا يقل راديكالية عن ثورة عام 1917، فلقد تغيّر نظام البلاد السياسي ونمطها الاقتصادي، وتقلص عدد السكان، وقد سمّي هذا الانقلاب ب»البيريسترويكا«. ويشكل اليهود في هذه المرحلة جزءاً هائلاً من باكورة النخبة الاقتصادية في البلاد، فالبنوك الكبرى في موسكو جميعها تقريباً يرأسها يهود.