يتميز حفل افتتاح الدورة الأولى لمهرجان السينما والمدينة بجهة الدارالبيضاء – سطات مساء السبت 21 بوليوز 2018 بتكريم خاص للمخرج السينمائي المغربي مصطفى الدرقاوي على مجمل أعماله . ومعلوم أن هذا المخرج الكبير، الذي استقر بالدارالبيضاء منذ عقود، قد صور جل أفلامه السينمائية الطويلة بفضاءاتها المختلفة، حيث يمكن اعتبار هذه الأفلام، من أولها»أحداث بدون دلالة»(1974) إلى آخرها «كازابلانكا داي لايت»(2004)، بمثابة ذاكرة حية لهذه المدينة العملاقة. وفيما يلي إطلالة على حياة وأعمال هذا المبدع الكبير:
40 سنة من الإبداع السينمائي رغم توقفه عن الإبداع منذ سنوات بسبب ظروف صحية قاهرة، ظل السينمائي مصطفى الدرقاوي، لحد كتابة هذه السطور، على رأس قائمة المخرجين السينمائيين المغاربة الذين أنجزوا أكبر عدد من الأفلام الروائية الطويلة. فمن من متتبعي الفيلموغرافيا المغربية لا يذكر عناوين أفلامه التالية:»أحداث بدون دلالة»(1974) و»رماد الزريبة»(1976) و»أيام شهرزاد الجميلة»(1982) و»عنوان مؤقت»(1984) و»أول قصة»(1992) و»أنا (لعبة) في الماضي» (1994) و»أبواب الليل السبعة» (1994) و»أسطورة آدم وحواء»(1995) و»غراميات الحاج المختار الصولدي»(2001) و»كزابلانكا باي نايت»(2003) و»كازابلانكا داي لايت»(2004) ؟ إن التجربة الثرية لهذا المخرج الكبير، من أول أفلامه سنة 1964 إلى آخرها سنة 2004، جديرة بالدراسة والتأمل، فمن خلال عناوينها ومحطاتها المختلفة نقف على مشروع فني اشتغل عليه الدرقاوي منذ منتصف الستينيات من القرن العشرين وظل يشتغل عليه إلى أن أقعده المرض عن الحركة. مصطفى الدرقاوي من مواليد وجدة سنة 1944، تابع بالموازاة مع دراسته الثانوية تكوينا بمعهد الفن الدرامي بالدارالبيضاء منذ سنة 1957، وبعد حصوله على شهادة البكالوريا الأدبية (تخصص فلسفة) سنة 1962 التحق أولا بمعهد الدراسات السينمائية العليا بباريس (IDHEC) حيث استفاد من تكوين في إدارة التصوير في الموسم الجامعي 1962/1963 وأنجز أول أفلامه القصيرة بعنوان»الجدران الأربعة»(1964)، ثم سافر سنة 1965 رفقة شقيقه عبد الكريم إلى الديار البولونية لاستكمال دراسته الجامعية بالمعهد الوطني العالي للسينما والمسرح بلودز(Lodz) الذي تخرج منه بدبلوم في الإخراج سنة 1972. تميزت فترة دراسته بمعهد بولونيا المذكور بإنجازه لأفلام قصيرة من بينها: «أمغار»(1966) و»تبني»(1967) و»أصحاب الكهف»(1968) و»يوم في مكان ما» (فيلم التخرج سنة 1972). بعد العودة إلى أرض الوطن أسس رفقة شقيقه عبد الكريم وصديقهما العربي بلعكاف شركة»بسمة للإنتاج» وباشر من خلالها إخراج وإنتاج باكورة أفلامه الروائية الطويلة «أحداث بدون دلالة» سنة 1974، إلا أن السلطات المغربية آنذاك (في عهد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري) منعت عرض هذا الفيلم بالداخل والخارج. وباستثناء عرض عمومي واحد له بمهرجان باريس برئاسة هنري شابيي (Henry Chapier ) سنة 1974 وآخر سري بمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في دورته الأولى سنة 1977، لفائدة فريق مجلة»دفاتر السينما» الفرنسية المعروفة، لم يرفع المنع عن هذا الفيلم إلا سنة 2001 . ورغم ذلك ظل إبعاده من العرض في القاعات السينمائية وعلى شاشات التلفزيون المغربي ساريا باستثناء بعض العروض هنا وهناك أو بمناسبات تكريم صاحب الفيلم في تظاهرات سينمائية وثقافية مختلفة. وقد اقترحت خزانة كاتالونيا السينمائية مؤخرا ترميمه بغية الحفاظ عليه وإعداده للعرض. التحق مصطفى الدرقاوي كموظف بالمركز السينمائي المغربي سنة 1973 وسرعان ما استقال منه سنة 1975 مفضلا الاشتغال بشكل حر بعيدا عن إكراهات الإدارة وروتينها. وبعد تجربة شركة «بسمة للإنتاج» أو»بسمة فيلم» في السبعينيات، التي ساهمت إلى جانب شركة «ركاب فيلم» والمركز السينمائي المغربي في إنتاج فيلم»رماد الزريبة» الجماعي، أسس سنة 1980 شركته الخاصة»فن 7»، التي أنتج من خلالها باقي أفلامه السينمائية في الثمانينيات والتسعينيات. ويمكن تقسيم فيلموغرافيا الدرقاوي إلى مرحلتين: مرحلة «سينما المؤلف»، التي حاول من خلال عناوينها في السبعينيات («أحداث بدون دلالة») والثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين التعبير عن همومه كفنان ومثقف ومبدع سينمائي وترجمة مواقفه واختياراته الجمالية في أفلام ذات طبيعة تجريدية وتجريبية نخبوية عصية في غالب الأحيان على فهم المتلقي العادي، ومرحلة «سينما الجمهور الواسع» بعناوينها المعروفة والناجحة تجاريا:»غراميات الحاج المختار الصولدي»(2001)،» كزابلانكا باي نايت» (2003)، «كازابلانكا داي لايت»(2004) وهي كلها من إنتاج شركته الجديدة «أفلام مصطفى الدرقاوي». وبانتقاله المفاجئ، تحت ضغط بعض الكتابات والمواقف النقدية المتحاملة أحيانا، من سينما النخبة إلى سينما الجماهير العريضة برهن المبدع مصطفى الدرقاوي أنه قادر على مخاطبة النخبة السينفيلية والجمهور العام العادي، لكن دون تنازل عن قناعاته الفكرية واختياراته الجمالية والفنية. والمعروف عن مخرج»عنوان مؤقت» أنه درس واشتغل دوما رفقة أخيه عبد الكريم محمد الدرقاوي، مدير التصوير المحنك، ومن أفلامه القصيرة الأخرى نذكر:»الهمس الناعم للريح بعد العاصفة»(1993) و»الصمت»(1991)، الذي يشكل إلى جانب أربعة أفلام قصيرة أخرى من توقيع الفلسطيني إليا سليمان واللبناني برهان علوية والتونسيين نوري بوزيد ونجية بنمبروك، مادة فيلم طويل بعنوان»حرب الخليج، وبعد؟ «» الأيام المائة للمامونية»(1978) … ، هذا بالإضافة إلى أعمال تلفزيونية محدودة من بينها: فيلم»إثنان ناقص واحد»(1979) ومسلسل»احتضار وردة»(1980) وسلسلة»بورتريهات عائلية» وغيرها. ويعتبر ابنه كمال الدرقاوي، المستقر حاليا بكندا والمتخرج من المعهد الوطني للسينما بموسكو، من أجود مدراء التصوير المغاربة، تشهد على ذلك الأفلام المغربية والأجنبية العديدة التي صورها لحد الآن. تجدر الإشارة إلى أن مصطفى الدرقاوي هو مؤلف سيناريوهات كل أفلامه بما فيها مشروع فيلمه الجديد»حميدة الجايح»، الذي حصل على الدعم ولم يصور بعد، باستثناء سيناريو فيلم»رماد الزريبة»، الذي كتبه الراحل محمد ركاب (1938 – 1990)، وهذا الفيلم الجماعي ساهم في إنجازه مصطفى الدرقاوي إلى جانب محمد ركاب وعبد الكريم الدرقاوي ونور الدين كونجار وعبد القادر لقطع وسعد الشرايبي. كما تجدر الإشارة أيضا إلى أنه ساهم في إعادة كتابة سيناريو فيلم»الناعورة»(1984) للراحل مولاي ادريس الكتاني (1947 – 1994)، الذي كان يحمل في الأصل عنوان»مولاي يعقوب»، وذلك بطلب من شقيقة عبد الكريم، مدير تصوير الفيلم الذي كلفه مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك قويدر بناني بإتمام الفيلم تصويرا وإخراجا وإنتاجا، لتجاوز المشاكل التي كان يتخبط فيها مخرجه الكتاني، وهكذا أصبح هذا الفيلم يحمل توقيع المخرجين مولاي ادريس الكتاني وعبد الكريم الدرقاوي في فيلموغرافيا المركز السينمائي المغربي. بالإضافة إلى ممارسته لكتابة سيناريوهات أفلامه وحواراتها والمساهمة عبر شركاته الثلاث المذكورة أعلاه في إنتاجها أو تنفيذ إنتاجها، مارس مصطفى الدرقاوي أيضا المونطاج في خمسة من أفلامه هي:»أحداث بدون دلالة» و»عنوان مؤقت» و»أول قصة» و»أبواب الليل السبعة» و»أسطورة آدم وحواء»، وكان له حضور كممثل في بعضها. توجت بعض أفلامه بجوائز مختلفة في دورات 1984 و1995 و2001 من المهرجان الوطني للفيلم، وحظي كمبدع بالعديد من التكريمات في مهرجانات سينمائية مختلفة، خصوصا بعد إصابته المفاجئة بالشلل، من بينها مهرجان الفيلم المغاربي في دورته الأولى بوجدة سنة 2005، ومهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورتة السابعة سنة 2007، ومهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في دورته 11 سنة 2008، ومهرجان مرتيل التاسع للسينما المغربية والسينما الإسبانية وسينما أمريكا اللاتينية الذي أصدر عنه وعن تجربته السينمائية كتيبا جماعيا بعنوان» نظرات في سينما مصطفى الدرقاوي»(2009)، وغيرها من المهرجانات والتظاهرات.