دَعَت مُؤسسة مؤمنون بلا حدود، نِهاية الأسبوع المُنصرم، المُفكر العِراقي عبد الحسين شعبان من أجل تقديمِ محاضرة بعنوان: «الهويات في المجتمعات المتعددة الثقافات». وقد استأنفَ الدكتور شعبانَ القولَ بطرحِ مجموعةٍ من الأسئلة يمكنُ إجمالُها فيما يلي: ما الذي يجب أو نوليَّ بهِ اهتماماً أكثر؛ هل التعدد الهوياتي بمعنى التنوع في الثقافي، واللغوي، والديني… أم الهوية الموحدة؟ ألا تُؤدي بنا مسألة التعدد والاختلاف في الهوية إلى الصراع والاقتتال؟ ألن يتمخضَ عن المناداة بالهويةِ الواحدةِ طمر وإقصاء التعدد والاختلاف؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة، لا تكونُ، حسب الدكتور المحاضر، إلا باستحضار معنى الهوية الذي عرَّفَهُ ب»مجموع السّمات التي تمثل حداً أدنى من المشترك بين فئةٍ معينة». وقد أعطى الرجلُ أمثلةً عن هذه السمات المشتركة الأساسية كاللغة والدين والتقاليد. ولأن الموضوعَ لا يمكنُ مقاربتهُ إلا في ظلِّ ما يَحْيَاهُ، اليوم، المجتمع العربي الإسلامي، فقد تحدث المحاضرُ عن إشكالية الهوية داخل هذا المجتمع، مؤكداً أنها إشكالية إنقشعت بشكلٍ واضحٍ، أولاً، بعد الاستعمار الغربي للشرق، أي اللحظة التي شعرت فيها الذات العربية الإسلامية باختلاف هويتها عن هوية الغرب. هنا نستحضرُ قول هيجيل: الأشياءُ بضدها تُحَدّد أو تُعرف. كما انجلت، ثانياً، إشكالية الهوية عندنا، نحنُ العرب، بعد ما سُميَّ الربيع العربي، بحيث خرجت مجموعة من الفئات تُطالبُ باعتراف الغير بهويتها التي قد تكون لغوية أو دينية أو أيديولوجية أو جنسية. هذا، وقد أشار الدكتور عبد الحسين شعبان أن أيَّ حديثٍ عن الهوية، هو -بالضرورةِ- حديثٌ، من جهة، عن وُجودِ فئات مهمشة أو مقصية، ومن جهةٍ ثانية، عن وجود فئات مسيطرة تقصي هذه الفئات المهمشة، الأمر الذي ينتجُ عنهُ، يُضيف الدكتور، صراع بين فئات المجتمع الذي قد ينتهي وقد لا ينتهي. فالأكراد في العراق مثلا، بِحُسبانها فئة مهمشة، خرجت تطالب باعتراف الدولة بها، وذلك دَيْدَنُ الأمازيغ في شمال أفريقيا، وديدنُ إقليم كطالانيا في إسبانيا، وغير ذلك من الفئات المطالبة بهويتها اللغوية أو الإثنية أو العرقية. بهذا المعنى، فالحديث عن الهوية يعني –حسب المحاضر- وجودَ خللٍ في المجتمع خاصةً في مسألة الحقوق وعدم الاعتراف بالفئات المهمشة. إذن، نحنُ أمام فكرةٍ تفيد أنه للخروجِ من الصراعِ الهوياتي داخل المجتمع، لا بد من الاعتراف بهوية الفئات المهمشة أو المقصية، شريطةَ أن لا تتعارض هذه الهوية مع المبادئ العامة للمجتمع. غيرُ هذا، يُضيف الدكتور، من شأنهِ أن يُدخلَ المجتمع في صراعٍ دائمٍ. لكن، هل اعتراف الدولة (الاعتراف القانوني) كافٍ حتى تشعر الفئات المهمشة بهويتها؟ بالنسبة للمفكر عبد الحسين شعبان، الشق القانوني من الاعتراف غيرُ كافٍ، إذْ لا بدَّ من الاعتراف الاجتماعي، ونقصدُ بذلك تكونُ وعيٍ اجتماعيٍّ تكونُ له القدرة على استيعاب التعدد والاختلاف الهوياتي. بالجملة، إنّ حل إشكالية التعدد الهوياتي يكون من خلال المحافظة على الخصوصية في الهوية، ويكونُ، كذلك، بوضعِ قوانين تحفظ هذه الخصوصية، بالإضافة إلى تعليم الناشئة مبادئ الاختلاف والاعتراف به. في الأخير نطرح مع الدكتور عبد الحسين شعبان أسئلةً من شأنها أ تُغني الموضوع. هل نمتلك، نحن العرب، الوعي الكافي للإيمان بالتعدد والاختلاف الثقافيين؟ ألم ننشأ على الدين الواحد واللغة والواحدة والرؤية الواحدة للحياة؟ أليسَ فضاؤنا العمومي حافلٌ بأحداث تُظهر بالملموس مدى بُعدنا عن الاعتراف بالتعدد؟ وهل الهوية (اللغة، الدين، الأعراف) التي نتحدث عنها ثابتة أم متغيرة؟