ماكرون يشكر جلالة الملك محمد السادس عبر مكالمة هاتفية    التجمع العالمي الأمازيغي يضرب في نتائج الإحصاء المرتبطة باللغات المستعملة    نسج الزرابي فن صامد في المغرب رغم ضعف مداخيل الصانعات    وهبي يؤكد التزام المغرب بحماية حقوق الإنسان ومواجهة تحديات القضايا الناشئة    جلالة الملك يواسي ماكرون إثر مرور إعصار تشيدو على أرخبيل مايوت    المغرب وألمانيا يوقعان شراكة للتزويد بالماء الشروب المتكيف مع المناخ        رامي إمام يطمئن الجمهور عن صحة عادل إمام ويكشف شرطًا لعودة الزعيم إلى الشاشة    تركيا تدعو المجتمع الدولي لإزالة "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب    من هو نَسيم كليبات الذي تم تَسليمه للسُلطات الإسرائيلية؟    "هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جريمة ضد الإنسانية بحرمان الفلسطينيين من الماء في غزة    الوداد بدون جمهور يتحدى الجيش الملكي في القنيطرة    حكيمي ضمن أفضل 100 لاعب لسنة 2024    كيوسك الخميس | خبراء الداخلية يعملون على تقسيم إداري جديد    أعضاء المجلس الإداري لأكاديمية سوس ماسة يُصادقون بالإجماع على برنامج العمل وميزانية سنة 2025    مديرية الأمن تطلق البوابة الرقمية E-POLICE وخدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    بوساطة ملكية حكيمة.. إنجاز دبلوماسي جديد يتمثل في تأمين الإفراج عن أربعة فرنسيين كانوا محتجزين في واغادوغو    كأس الرابطة الانجليزية: ليفربول يواصل الدفاع عن لقبه ويتأهل لنصف النهاية    توقعات أحوال الطقس اليوم الخميس    بطولة فرنسا: ديمبيليه يقود باريس سان جرمان للفوز على موناكو والابتعاد في الصدارة    أكاديمية المملكة تشجع "محبة السينما" باستضافة الناقد إدريس شويكة    بعد التراجع 25 عاما إلى الوراء في مستوى تحصيل تلامذتنا في العلوم، هل تحدث الصدمة التربوية؟    رسمياً.. الأمن الوطني يقدم جميع خدماته الإدارية للمواطنين عبر موقع إلكتروني    الأندية المشاركة في بطولة القسم الممتاز لكرة القدم النسوية تعلن استنكارها لقرار العصبة الوطنية وتأثيره السلبي على مسار البطولة    ريال مدريد يتوج بكأس القارات للأندية لكرة القدم        فريق مستقبل المرسى ينتزع فوزًا ثمينًا على حساب فريق شباب الجنوب بوجدور    الولايات المتحدة.. الاحتياطي الفدرالي يخفض سعر الفائدة الرئيسي للمرة الثالثة خلال 2024    ما هي التحديات الكبرى التي تواجه القيادة السورية الجديدة؟    حجز آلاف الأدوية المهربة في مراكش    وزير الخارجية الشيلي: العلاقة الشيلية المغربية توفر إمكانيات كبيرة للتعاون    الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي يخضع للرقابة بسوار إلكتروني لمدة سنة بعد إدانته بتهم الفساد واستغلال النفوذ    فرنسا تقيم الخسائر بعد إعصار مايوت    شباب جمعية "أسوار فاس" يواصلون الإبهار بعروض مسرحية متنوعة بطنجة    تسجيل أول حالة إصابة خطيرة بإنفلونزا الطيور في أمريكا    الرجاء يستجدي جامعة كرة القدم لمساعدته في رفع المنع من التعاقدات    لماذا أرفض الرأسمالية ؟    كلمة .. شعبنا آيل للانقراض    بوريطة يؤكد الحاجة الماسة إلى "روح الصخيرات" لحل الملف الليبي    شركة "أطلنطاسند" للتأمين تعلن عن تقليص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط    النقيب عبد الرحيم الجامعي يراسل عبد الإله بنكيران حول بلاغ حزبه المتعلق بعقوبة الإعدام    معاناة متجددة لمرضى السل بفعل انقطاع الدواء باستمرار        وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الميكروفون يتحرر» للإذاعي أحمد علوة: أول كتاب يرصد تحولات المشهد الإذاعي مغربيا

هو الكتاب الأول الذي يكتبه إذاعي مغربي ويرصد فيه تجربة تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب، من خلال تجربة الإذاعات الخاصة التي انطلقت عام 2006، بما فيها من محطات قوية ومحبطة والتي يرصدها كتاب «الميكرفون يتحرر»، واختصر الكاتب ذلك في عتبة الكتاب الذي صدر تزامنا والمعرض الدولي للنشر والكتاب في الدارالبيضاء، هي إذن تجربة من الداخل… من داخل الأثير، لإذاعي مغربي خبر تجربة الإذاعة في قطبها العمومي، وانخرط في تجربة تحرير المجال السمعي وانطلاق الإذاعات الخاصة، إنها تجربة مغايرة، ومغرية بالحكي، إذ أن المسافة الفاصلة ما بين عالم الإذاعة الواحدة والإذاعات المتعددة تحمل الكثير من التفاصيل واللحظات القوية والمحبطة، التي لا يُحسن التقاطها وحكيها إلا من خبر التجربتين، هو رصد مختصر من داخل هذا القطاع لتجربة غنية شارفت العشرين سنة من عمرها، يقدمها صاحبها الذي خبر «وقار» الإذاعة الوطنية وانغلاقها و«تمرد» الإذاعات الخاصة وتحررها.
الإذاعي والصحفي أحمد علوة وقف على بداياته كإذاعي ومنتج برامج ثقافية بإذاعة عين الشق الجهوية التابعة للإذاعة الوطنية قبل أن يفرد مجمل الكتاب لتجربة تحرير القطاع السمعي في المغرب، وهي تجربة من الداخل رصدت محطات عديدة أسست لتحرير الأثير الذي كانت تهيمن عليه الدولة قبل أن تقرر فتح الفرصة أمام القطاع الخاص ليستثمر في المجال، وهو تحرير غير كامل، يقول مؤلف الكتاب، مادام التحرير لم يطل القطاع التلفزي.
في هذا الكتاب، الذي صدر عن دار النشر «ايديسوفت»، العديد من الأبواب التي لا يمكن تجاوزها في عمر هذه الإذاعات الخاصة، ومن بينها: بداية المشوار، الحلم يتحقق..الجيل الإذاعي المحظوظ الجيل الأول، أطلنتيك .. الاقتصاد بلغة الضاد من «nagra «إلى الميكرفون يتحرر..الائتلاف والاختلاف netia–دهشة البداية ..انفجار على الهواء مباشرة ..إسقاط ثلاثة رؤساء عرب.. دستور 2011..الراديو بصيغة المؤنث..»الهاكا» حارسة البوابة.
وللتعرف أكثر على هذا الكتاب نسوق هنا بعضا من فقراته: أعتبر نفسي من الجيل الإذاعي المحظوظ، لأنني وببساطة جمعت ما بين الاشتغال في القطب العمومي الواحد، أي الإذاعة الوطنية (جهوية عين الشق) ومابين الانخراط في تجربة الإذاعات الخاصة التي انطلقت عام 2006، أي بعد عامين من مغادرتي الأثير الإذاعي، وكأن الظروف لم ترد حرماني من لذة الميكرفون وحرقته، أو كما يسميها بعض زملائي «سلطة الميكرفون»، وقد شاءت الظروف ومن بين ثماني إذاعات خاصة حصلت على الترخيص كجيل أول من الإذاعات الخاصة في المغرب، وهي: «أطلنتيك راديو» و»هيت راديو» و»أصوات» و»كازا اف ام» و «م ف م « و»شدى اف م» و»راديو بلوس» و»كاب راديو»، بالإضافة إلى «ميدي 1 راديو» و راديو «سوا»، و شاءت الظروف أن ألتحق بإذاعة «أطلنتيك» التابعة لمجموعة «ايكو ميديا»، إحدى أكبر المجموعات الإعلامية في المغرب.. لقد جعلت النظرة الاحترافية لمسؤولي هذه الإذاعة، التي كانت دوما بعيدة وحاضرة، جعلت من التكوين الميداني أحد مقومات الانطلاقة، ودون مقدمات، خضع طاقم إذاعة «أطلنتيك» لتكوينات احترافية ودقيقة، عن طريق الاستعانة بخبراء من جنسيات وتجارب مختلفة، كانوا سندا قويا لإطلاق بث هذه الإذاعة بالشكل اللائق، مهنيا، ومن تم إخضاعنا، ولشهور عديدة، وقبل أن نكون على الأثير، لتكوينات ميدانية اكتشفت فيها شخصيا أن العمل الإذاعي مغاير بشكل كبير لما عشته لسنوات عديدة خلف ميكرفون إذاعة عين الشق الجهوية، يضيف صاحب الكتاب.
في ما بعد، سيتم اختياري -أنا القادم من عالم إنتاج البرامج الثقافية – مقدما للنشرات الرئيسية، ولأتحول فجأة من صاحب لغة حالمة إلى لغة إخبارية صارمة تضع الكثير من الاعتبارات للكثير من الضوابط المرتبطة باللغة والزمن والتوقيت والفواصل، ولأجد نفسي منخرطا في مسار إذاعي جديد وعوالم جديدة.
من «nagra» إلى«netia»
فجأة وجدت نفسي أنتقل من « nagra «، الآلة التقليدية للتسجيل الإذاعي الخارجي، التي عرفتها لسنوات طويلة بالإذاعة الجهوية عين الشق والتي كانت ملازمة لعدد من التقنيين المحنكين في هذه الدار، إلى « netia « العجيبة « « logiciel « أو البرمجة التطبيقية المعلوماتية الحديثة التي اختصرت المسافات والزمن وجعلت من الصحفي تقنيا في الوقت ذاته، يقوم بعملية التسجيل بنفسه، وينجز المادة والمونتاج، ويدخل الأصوات والمؤثرات والمكساج، ويلعب بالمؤثرات ويشكلها كيفما يريد، وهذه من الحسنات الكبرى التي حظي بها الجيل الجديد من الإذاعيين، تقنيين وصحفيين، وقد ساعدت كل التقنيات الحديثة التي استعانت بها الإذاعات الخاصة على أن تعطي لتحرير القطاع السمعي البصري في المغرب طعمه الخاص، وأن يدرك الزملاء والزميلات الذين اشتغلوا على هذه الآلية الجديدة « netia « قيمتها، ويعرفون مدى مساهمتها في تذويب صعاب العمل الإذاعي، وهي الصعاب التي طالما كابدها الزملاء والزميلات في الإذاعة الوطنية قبل أن تجدد بدورها آلياتها وأدواتها، فقد كانت « netia « العجيبة بالنسبة لي، آلية ساحرة أثارت دهشتي قبل أن تصبح آلية طيعة ومساعدة، قضيت برفقتها عشر سنوات، وجاورتها، وكانت بحق المساعد الكبير على إنجاز العديد من المواد الإذاعية والبرامج والتسجيلات والربورطاجات بسلاسة ومهنية واختصار للوقت والمجهود، ويكفي أن أقف قليلا عند الطفرة التكنولوجية التي استفاد منها هذا الجيل الإذاعي الجديد الذي اشتغل داخل استوديوهات رقمية حديثة معتمدا على آليات متطورة، يشغلها ويشرف عليها ،لقد كان جيلا شابا يتكون من تقنيين تخرجوا من معاهد متخصصة، ساهم في إنجاح التجربة الإذاعية ككل إلى جانب الثورة الكاسحة للشبكة العنكبوتية التي اختصرت العالم إلى قرية صغيرة.
الميكرفون يتحرر..
الائتلاف والاختلاف
لا أبالغ حين أقول إن الإذاعات الخاصة في المغرب ساهمت في تحرير خطاب المغاربة، وأقصد بتحرير الخطاب، إشاعة ثقافة النقاش العمومي عبر برامج إذاعية مباشرة ناقشت جل المواضيع بما فيها تلك المواضيع التي كانت تعتبر إلى عهد قريب من بين الطابوهات التي لم يكن يسمح بمناقشتها علانية عبر الأثير .
وبمنطق الاختلاف والإئتلاف، سُمح بتجاذب أطراف النقاش بين كل مكونات المجتمع وشرائحه، وضمت استوديوهات الإذاعات الرأي والرأي الآخر، وأعطت حق الكلام عبر الهاتف لكل من يريد أن يدلي بدلوه في نقاشات عمومية حول السياسة والاجتماع والاقتصاد والثقافة والرياضة، بأريحية كبيرة عكست روح النقاش العالي التي طبعت المغاربة في فترة سياسية مهمة صاحبت تحرير القطاع السمعي البصري، ومنحت لهذه الإذاعات إمكانية تسيير نقاشات وطنية بالغة الأهمية، رفعت فيها السقف عاليا وعكست دوما روح المسؤولية عند الكثير من هذه المحطات الإذاعية، رغم أن دهشة البدايات أفرزت الكثير من الأخطاء التي لا مجال لذكرها الآن.
لقد تم وضع كل الموضوعات على طاولة التداول، ووجدنا أنفسنا، في فترة من الفترات، أمام جرأة كبيرة لدى المستمع المغربي، جرأة فاقت جرأتنا بكثير، ووقفنا حائرين أمام كيفية التعاطي معها، ولم نحسب لها حسابا ونحن نفتح مواضيع حساسة وبالغة الأهمية، لم تستثن قضايا الشأن العام والقضايا الشخصية التي صدمنا بقدرة المغاربة على عرضها علنا، بعدما كانت تدخل في إطار ال «حشومة» لعقود طويلة …وهكذا وجدنا مغاربة يخوضون في الشأن السياسي ويناقشونه بنضج سياسي كبير، ويتداولون ما هو اقتصادي بنظرة ثاقبة ويقفون على التحولات الاجتماعية بأريحية فاهمة، وفي الوقت نفسه لا يلزمون الصمت حين يتعلق الأمر بموضوعات تتحدث عن حيواتهم الخاصة، النفسية والجنسية والعائلية ….نقاشات عمومية وجدنا أنفسنا، كإذاعات خاصة، في صلبها وأحد محركيها، وكان مطلوبا منا صون هذه العلاقة الجديدة مع مستمع مفترض ساهم معنا في فتح باب التداول والنقاش على مصراعيه في مغرب جديد. فهل نجحنا في ذلك أم فشلنا ؟ سؤال وإن لم يكن منصفا في حق التجربة، فإنه سؤال يملك مشروعيته عندما يسائل ماهية النقاش العمومي وطبيعته ووظيفته ومقاصده وما آل إليه في ما بعد.
دهشة البداية
أفضل استعمال عبارة دهشة البداية وليس أخطاء البداية، حتى لا أكون قاسيا في حق تجربة الإذاعات الخاصة في المغرب، حيث لم تكن الطريق كلها مفروشة بالورود ولم تكن المسافة الفاصلة بين العام 2006 تاريخ انطلاق الجيل الأول من هذه الإذاعات إلى الآن أي سنة 2017 تعج بالنجاحات فقط ، بل شابت التجربة الكثير من الزلات والأخطاء .
إن اختلاط الحابل بالنابل في مهنة حديثة في المغرب، أدى إلى ارتكاب العديد من الأخطاء، أولها يرتبط بالعنصر البشري «المذيع» الشخص الجالس خلف الميكرفون، الذي يطلق عليه البعض لقب «المنشط»، وهو اللقب الذي لا أحبذه، وأعتبره لقبا يمكن اعتماده في غير العمل الإذاعي الذي يتطلب مهنيين أكفاء وليس منشطي أعراس شعبية لا ينتقون عباراتهم، فقد لوحظ هيمنة مذيعين مدعين ومنتحلين ومنشطي «أعراس» على ميكرفونات بعض المحطات الإذاعية، وبمباركة بعض أصحاب هذه الإذاعات بذريعة استقطاب أكبر عدد من المستمعين، مما جعلهم يتجهون، عن قصد أو غير قصد، إلى خلق الرداءة والانحراف باللغة والمعلومة عن جادة الصواب، ومما أدى إلى نوع من الخصومة و النفور ما بين هذه المحطات والمستمع المغربي، الذي وجد نفسه فجأة قد ابتلي ببرامج ضعيفة أبطالها بعض أنصاف المواهب الإذاعية التي تنشط وتقدم برامج ضعيفة بمضامينها، قوامها التهريج والسوقية، دون أي احترام لمعايير العمل الإذاعي ولا للذوق العام، هذه الأخطاء التي اعتبرتها دائما تدخل في نطاق دهشة البدايات، وإن طال عمرها مع تقدم عمر هذه الإذاعات، وأصبحت ديدن البعض، وانتصرت كثيرا للرداءة على حساب الجودة، فقد أفرزت نقاشا مجتمعيا عن ماهية هذه الإذاعات، وعن دورها المفترض، خاصة مع بروز العديد من الإشكالات المرتبطة بما هو حقوقي وقانوني ،وبما يسائل نوعية الخدمة الإعلامية والوعي المتزايد بالحق في المعلومة الصحيحة التي تحترم ذكاء المستمع ،الذي وجد نفسه أمام برامج مباشرة بالأساس يقدمها أشخاص لا دراية ولا اختصاص ولا معرفة لهم بالمجال، خاصة حين يتعلق الأمر بمجالات حساسة تتعلق بالإرشاد الصحي والنفسي، ومن هنا تعاظم دور الهيئة العليا للسمعي البصري إلى الحد الذي سمحت فيه للمواطنين، مؤخرا، بوضع شكاياتهم ضد البرامج التلفزية والإذاعية، وحددت الهيئة وضع الشكايات ضد البرامج الإذاعية والتلفزية عن طريق وضعها بمقر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، أو عبر البريد أو بطريقة إلكترونية، وهي شكايات تتعلق أساسا بخروقات من قبل أجهزة ومتعهدي الاتصال السمعي البصري وللقوانين والمساطر المطبقة على قطاع الاتصال السمعي البصري.. عهد جديد دخلناه مع هذه الهيئة التي ظلت دوما هادئة ومحتاطة و»وقورة» في حجم ونوعية تدخلاتها .
ومن حسنات دستور 2011 علينا، أنه قوى وعينا السياسي كإذاعيين، وعبد لنا الطريق نحو المساهمة في إيصال مضامينه لعموم المواطنين، خاصة وأن علاقتنا توطدت أيضا مع أهل الاختصاص من محللين وخبراء وأساتذة جامعيين، حيث رافقت هذه الطبقة المثقفة تجربتنا وانتعشت بدورها حين طورت آليات تواصلها مع المستمع إلى حد تحول العديد منهم إلى نجوم تتسابق إليها الإذاعات والقنوات التلفزية العربية والغربية أيضا ..وتلك من نعم الإذاعات الخاصة على هذه الطبقة الجامعية، التي ظلت ولسنوات طويلة خارج النقاش الوطني والقضايا الكبرى بسبب هيمنة الدولة على القطاع السمعي البصري وبالتالي انتقت المحللين والخبراء على مقاسها ومقاس المرحلة .
الراديو بصيغة المؤنث
«كلُّ مكانٍ لا يؤنثُ لا يُعوّلُ عليه» مقولة شهيرة للصوفي ابن عربي أجدها دائماً عميقة وحقيقية، وقد انطبقت على الإذاعات الخاصة بالمغرب التي انتصرت في عمومها لصوت المرأة حين حمله الأثير منذ انطلاق هذه التجربة .
ولن أبالغ إذا قلت إن عماد جل الإذاعات الخاصة كان ومازال الجنس اللطيف، من صحافيات وإذاعيات رسمن عن جدارة ملمح هذه التجربة، وساهمن بأناقة مهنية في تطوير الأداء والتجاوب مع المستمع إلى حد ارتباط الكثير من هذه الإذاعات بأصوات إذاعية نسائية بعينها.
«الهاكا» حارسة البوابة
لا أعرف كيف تم إطلاق لقب «حكماء» على أعضاء الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري ؟ وما السياق الذي جاء فيه ذلك ؟ وكيف تقبل هؤلاء «الحكماء» بسعة صدر هذا اللقب ؟
شخصيا سمحت لي الظروف للتعرف عن قرب على البعض من «حكماء الهاكا» ولم أستطع في الكثير من المحطات العثور على صفة «الحكمة» حتى حين يتعلق الأمر بتحرير القطاع السمعي البصري نفسه، وإن كنت أكن كل الاحترام لجل أعضاء هذه المؤسسة منذ إنشائها، بالنظر للمجهود الكبير الذي بذل في سبيل إخراج هذا المشروع الكبير لحيز الوجود، دون أن نغفل طبعا الأطر والكفاءات المغربية التي استعانت بها الهيئة لترجمة هذا الحلم على أرض الواقع، وطوال هذه السنوات، أي منذ العام 2006، تاريخ إطلاق الجيل الأول من الإذاعات الخاصة وإلى حد الساعة، مرورا بالعديد من المحطات السياسية والقانونية والإنسانية التي مر بها المغرب، كنت دائما في تماس مع الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي كانت تلعب، باستمرار، دور الساهر على احترامنا لتعهداتنا والتزاماتنا مع الدولة، ومع المشاهد أو المستمع المفترض، وفي بعض المحطات طالما تبرمنا نحن كصحفيين إذاعيين من إصرار هذه المؤسسة على لعب دور «الدركي»، خاصة حين يتعلق الأمر بالاستحقاقات الانتخابية وحثها لنا على احترام «كوطا» ولوج كل الأحزاب السياسية إلى وسائلنا الإعلامية، وهي لعمري من نقاط الاختلاف التي كنت وما أزال رافضا لها، حيث يطلب منك التعاطي مع هيئات حزبية لا تفتح مقراتها إن وجدت لها مقرات إلا حين يتعلق الأمر بموسم الانتخابات، وهو أمر فيه الكثير من النقاش ويحتاج إلى تغيير جوهري في طريقة وطبيعة وحجم تدخل «الهاكا»، التي لم تتوان، في كثير من الأحيان، في توجيه الإنذارات واستعمال سلطتها حد الزجر والعقاب، وتلك من الأمور التي يجب تداولها في نقاش مهني، وهو النقاش الذي تم تجاوزه أثناء مناقشة القانون المنظم لمهنة الصحافة في المغرب والذي سارت بذكره الركبان، وتم التغاضي فيه عن ماهية الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، الهيئة التقريرية الاستشارية التي انضافت، في غفلة من الجميع، إلى المؤسسات الدستورية المحدثة في البلاد، فمبرر وجود هذه «الهاكا» يبقى ناقصا مادام تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب ناقصا، وحين أقول ذلك فإنني أشير رأسا إلى القنوات التلفزية الخاصة التي لم تر النور بعد، ولا يبدو أن إمكانية ذلك ممكنة، على الأقل في الوقت الراهن.
إن تحرير القطاع أمر لا يتجزأ، وحين يصمت «حكماء» الهاكا عن الموضوع فإنه صمت الذي لا يملك حيلة أمام «القبضة» القوية التي تتحكم في الموضوع وتتحكم أساسا في تعيينات رجالات ونساء هذه الهيئة، وهي تعيينات سريالية وغير مفهومة في أحيان كثيرة ويجب القطع معها حتى تتحمل هذه المؤسسة مسؤوليتها الدستورية على أكمل وجه، كما أن احتكار الدولة للقطاع التلفزي لم يعد مقبولا، لأنه يناقض بالأساس مبرر وجود مؤسسة دستورية كالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ويناقض ثانيا المسارات التي قطعها المغاربة في هذا الباب ..الباب الذي لم يعد مستساغا أن يبقى مواربا، عليه أن يفتح على مصراعيه حتى يتمكن المغرب من دخوله وقوفا وليس انحناء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.