التفكير في افتتاح الموسم الدراسي للتلميذ بيوم احتفالي سمي ب «يوم عيد المدرسة» هو تفكير أخلاقي يجب أن تكون نواياه حسنة، ولابد أن يكون عيدا بالمعنى الحقيقي لما تحمله هذه التسمية في مخيلتنا الاجتماعية من معنى نكن لها كل التقدير والاحترام، فهو يوم لابد من احترام قدسيته التي يجب أن يمتثل لها الكبار والصغار وينخرط الجميع في تجسيد كل الطقوس والسلوكيات التي لا يمكن أن تكون إلا تأسيسا لعمل تربوي فعال و ناجع ينطلق من مبدأ التكافؤ والمساواة نحو جعل عملنا التربوي نواة كل نهضة اجتماعية واقتصادية وثقافية، كما نقر بذلك في جميع خطاباتنا الرسمية وغيرها، والتي لا يمكن أن تمر إلا عبر حشد كل الإمكانات البشرية، لهذا فإن الإجماع المجتمعي يوجب علينا الإيمان بجعل تعليم أبنائنا، وبدون استثناء، في قلب أي مشروع تنموي يريد المغرب القيام به. هكذا فقداسة هذا العيد يجب أن تفرض علينا التصالح مع ذواتنا والقطع مع دابر كل الممارسات التي لا تضع مدرستنا إلا في مصاف الأسوأ على الدوام، قداسة تجعل الجميع كل من موقعه ينتفض و يثور في وجه هذا القدر الذي أصبح يغدو محتوما علينا، وبدأنا نسلم ونتكيف للتعايش مع مخلفاته، قداسة تجعلنا نتأكد أن المتحكم في التعليم هو البعد التربوي والأخلاقي الذي لا يستبعد تحت ضغط خطط بعض الإداريين الذين لا يؤمنون إلا بلغة الأرقام بعيدا عن العلمية التي لا يمكن للفعل التربوي أن يستقيم دونها. على العموم، ونظرا للعلاقة النظامية التي تجعل المعلم ينفذ كل المقررات التي تملى عليه، تم الاحتفال بمدرستنا بهذا العيد (زاوية واد افران - نيابة إفران كنموذج)، رغم أن الاجتماعات الأولية لمناقشة الدخول المدرسي، وخصوصا المتعلقة بالبنيات التي يصطلح عليها البنيات التربوية، التي تجعل من المتعلمين مجرد أرقام جامدة، ولا تعبأ بكل التنظيرات العلمية للفعل التربوي، إذ كل ما يهمها هو التواضعات والتوافقات من أجل تدبير كمي له، توضح أنه بدل الاحتفال لابد من البكاء على أطلال شيء يسمى المدرسة. ينطلق الاحتفال بهذه المنطقة بعد حضور الأطفال في حلل جديدة، واترك للمعلقين ان يتصوروا كيف لفقر هؤلاء الأطفال أن يسمح بحصولهم على الثياب الجديدة؟؟ بعد عطلة لم يقضوها لا في شواطئ البحار، خارج أو داخل أرض الوطن، أو تحت الظلال الوارفة لأشجار الجبال المغربية، والمواقع المحاطة ببحيرات يؤمها الزوار (والتي لا تبعد عنهم إلا بكيلومترات)، بل قضوها في العمل والأشغال الشاقة التي يفرضها واقعهم الهش، من المساعدة في جمع المحصول الزراعي إلى رعي المواشى وجمع الحطب وكنس الاصطبلات....، وبعد ترديد هذه البراءة المنسية النشيد الوطني بعزم منقطع النظير، وبعده أناشيد لا يمكن إلا أن تزيد من ثقل همّ المعلم كتلك القصيدة لعلي الصقلي بعنوان كلنا أمل، والتي صدحت معها حناجر بعضهم بترديد: نحن طلائع المنى نحن مصابيح السنا الغرس نحن و الجنى و العيش قد طاب بنا شعارنا الى العمل هيا فكلنا امل لا نستهين لا نمل حتى نرى القصد اكتمل اليوم سعي و غدا لن يذهب السعي سدى نحن طلبنا السؤددا و العلم طاب مقصدا أمل لا يمكن إلا أن يثقل جسد المعلم المنهك الذي يعيش معاناة هؤلاء القرويين الذين أسمي تمدرسهم بالأسطورة (مقال أسطورة تمدرس الطفل القروي، بجريدة الاتحاد الاشتراكي)، لكن رسائل هؤلاء الأطفال ستتضح بترديد بعضهم لأبيات قصيدة أخرى لمعروف الرصافي بعنوان «أبناء المدارس» بتحميل المسؤولية لكل من هو مسؤول عن مستقبلهم لنيل تعليم على غرار أقرانهم وتجاوز هذا التعامل الكمي معهم والاستمرار في اعتبارهم أرقام تفرض عليهم التمدرس في أقسام متعددة المستويات تكلف خزينة الدولة ليس الا، و هو نداء يمكن فهمه من هذه الابيات ايضا : كفى بالعلم في الظلمات نورا يبيّن في الحياة لنا الأمورا فكم وجد الذليل به اعتزازا و كم لبس به الحزين سرورا ربما هو نداء لاحترام إنسانية هؤلاء الأطفال التي لا تصل إلى أسمى ما يجب أن تكون عليه إلا بالعلم الكفيل بحفظ كرامتهم في هذه الحياة، وأن لا شيء قد يسعدهم غيره، كما أن رسائل أخرى يمكن فهمها من الأبيات الأخرى إذ يمكن إجمالها بكون أي مجتمع بدون مدرسة برامجها ومناهجها فعالة وناجعة وخططها الإستراتيجية في بناء التنمية غير محكمةمعرض في أي وقت لمغامرة غير محسوبة النتائج و ضريبتها ستكون ذات الوقع المدوي على الجميع و نذكر من هذه الابيات: اذا ما عقُّ موطنهم اناسٌ ولم يبنوا به للعلم دورا فان ثيابهم أكفان موتى وليس بيوتهم إلا قبورا وحُقّ لمثلهم في العيش ضنك وأن يدعوا بدنياهم ثبورا أرى لُبّ العلا أدبا و علما بغيرهما العلا أمست قشورا أكيد انه لابد من طمأنة بعض الإداريين الذين لربما لا يعرفون مصدر هذه القصائد نظرا لقلة أو انعدام احتكاكهم بكل ما هو تربوي، والتعرف على القيم التي تحملها المناهج التربوية، والتي يجب أن تؤخذ كأولوية على تخطيطاتهم الكمية، وقد يتهمون المُعلّم بإدخالها من خارج المقرر علّ الحظ يسعفهم لمعاقبته ، و لكنها نصوص مقررة في الكتب المدرسية ويحاول المعلم أن يجعلها من النصوص المردّدة خلال الأنشطة الصباحية لما تحمله من قيم ايجابية قد تكون أساسا لبناء شخصية مواطن حقيقي تحذوه جذوة الشوق للعلم و الانخراط بفعالية في الاجتهاد الجماعي لبلادنا. و لكن إذا عرفنا فقط حال تمدرس بعض الأطفال بالعالم القروي بنيابة افران (أربعة مستويات فما فوق) في نفس القسم دون التساؤل عن مسائل أخرى تتعلق بكل ما له صلة بتوفير ابسط الشروط لتوفير حياة مدرسية تنبض بالحياة، ثم ألا يحق لنا طرح الأسئلة التالية: - هل يحق لهؤلاء الأطفال دستوريا أن يتمدرسوا كباقي أقرانهم أم لا؟ - هل هؤلاء الاطفال القرويون غرس و جَنى كما نعلمهم ،وأنهم جزء لابد منه لاكتمال الرأسمال البشري آم لا؟ - هل من تنظيرات علمية للمسؤولين بهذه النيابة للتعامل مع هذه الظاهرة كخطط علمية محكمة للتوفيق بين المقررات الأربع أو الخمس مع احترام المبادئ التربوية و البيداغوجية والديداكتيكية (كالنظريتين البنائية والمعرفية مثلا-التدرج والاستمرارية- الإيقاعات الزمنية...) المعتمدة في منظومتنا؟ - هل للعالم القروي من أهمية أم أن طريقة تمدرس أبناه قد تكون مدخلا حقيقيا لتهجيرهم؟ - و هل من تشريعات قانونية لتنظيم الظاهرة أم أن الأمر يعود لمزاجية التدبيرات الإدارية التي لا تهتم الا بالتقارير التي حرر و هي مخالفة للواقع في اغلب الظن؟ - إذا كان لأستاذ أن يقضي موسما دراسيا كموظف شبح كما وقع خلال الموسم الماضي ويكلف بالدعم؟؟؟ لتلامذة في ظروف تمدرس أحسن بالمجال الحضري بينما يتمدرس آخرون في قسم بمستويات متعددة، فهل أجرة الفائضين الذين كان عددهم مهما تؤديها الدولة لخدمة المواطن أم لأشياء أخرى تتم تحت ذريعة دروس الدعم؟ - هل هناك خصاص في الموارد كقدر يتحتم على الطفل القروي وحده على الدوام دفع ثمنه لإعادة إنتاج جهل و فقر وسطه أم أن المشكل في التدبير والترشيد؟ - وكم تكلف الأمية بدل تكاليف تعليم الطفل القروي في نظر من يحكم على الطفل القروي بالتمدرس في مثل هذه الظروف؟ - ألن تكون ثيابنا أكفان نحملها على أبداننا الميتة و تصبح بيوتنا التي تخيم عليها عتمة الأمية قبورا كما نعلم أبناءنا بحثهم على التحصيل العلمي الجاد؟ - و ما ذنب الأطفال المعنيون؟ هل لأنهم مواطنون قرويون يتحتم عليهم تحمل وأد أحلامهم قبل ميلادهم؟ إن المقدمات الفاسدة تعطي النتائج الفاسدة، ومن هنا يتوجب الحسم اليوم ما إذا كنا نريد تعليم الطفل القروي بجدية أم لا؟ ذلك لأن أسطورة ووهم تمدرسه تجعل منه إنسانا مثقلا بهموم التناقضات التي يخلقها له واقعه و طموحه، وبمجرد الهجرة الحتمية إلى المدينة يكتشف كل المهانة و الذل والاحتقار التي كانت عنوان حياته طوال سنوات التمدرس التي قضاها في القرى، آنذاك يدفع المجتمع برمته ثمن وعيه الشقي. يتوجب على المسؤولين فهم مسلّمة أساسية و هي أن المدرسة أينما كانت في الجبال أو السفوح، في القرى أو المدن .... يبقى عنوانها المدرسة المغربية التي تعامل الجميع على قدم من المساواة أولا، وأن رسالتها الجسيمة أمام ضعف باقي وكلاء التنشئة الاجتماعية ( الأسرة، الإعلام...) تتجلى في تمرير القيم كمدخل أصبح اليوم أساسيا لضبط منحى الحياة البشرية والرفع من خلالها من جودة الحياة وجعلها الأنزيم الذي يحفظ التوازن الاجتماعي بالعمل على توطيد الرابط الاجتماعي كاسمنت حقيقي يساعد على بناء المعنى الحقيقي للمواطنة الحقة، والذي يبتدئ بضمان حق التعليم والتعلم بطرق فعالة وناجعة وبتكافؤ للفرص بين كل مكونات هديتنا الديموغرافية التي لا قوة مستقبلية لنا إلا بتعلمها بطريقة صحيحة، و هذا لن يتم بالتجنٌّد الشكلي للاحتفال بعيد نخرق قداسته منذ الساعات الأولى لبداية الاحتفال به بل يحتاج إلى سمو كل ما هو تربوي على ما هو تقنوي إداري.