كان المغاربة في حاجة إلى شيء من الفرح الجماعي، وهو ما لم يتحقق منذ زمن بعيد. ويرتبط الفرح عند الشعب المغربي، كالعديد من شعوب العالم، بالساحرة المستديرة، حيث ينسى المواطنون كل خيباتهم وانكساراتهم ومشاكلهم الشخصية وينغمسون في بهجة استثنائية .. وأخيرا، بعد انتظار دام قرابة العشرين سنة، تمكن «أسود الأطلس» من التأهل لكأس العالم المقبلة المنظمة بروسيا سنة 2018، بعد انتصار على «فيلة» الكوت ديفوار في عقر دارهم بهدفين لصفر. صياح يصدح من المقاهي، أعلام معلقة على واجهات المنازل والحافلات، رسوم باللون الأخضر والأحمر على وجنات الأطفال… كلها علامات فرح سبقت الإعلان عن نهاية المقابلة وتأهل المغرب رسميا للكأس الذهبية للمرة الخامسة. بعد صافرة الحكم مباشرة حجت وفود المغاربة إلى الشوارع والساحات، وبدأت أهازيج الاحتفال ترتسم من شمال المملكة إلى جنوبها، من شرقها إلى غربها. للأسف، وقعت مجموعة من الأحداث في مناطق مختلفة، عكرت جو الاحتفال، بل وصل الحد إلى درجة المآسي خاصة بعد حالة وفاة ورصد سرقات وتحرشات بفتيات أحببن المشاركة في الاحتفالات، وصولا إلى السب والتلفظ بالكلام النابي. وفاة خلال الاحتفالات وفاة الشاب يوسف فقري، نزلت خبرا كالصاعقة على أسرته وأقاربه وأصدقائه وخلفت صدى حزن وسط الحي الذي يسكنه، وكل من تلقى الخبر. فمن الصعب أن يستسيغ المرء وفاة شاب في مقتبل العمر وهو في غمرة الاحتفال بفوز المنتخب الوطني. أما عن مشهد الحادث المأساوي، فقد مات يوسف إثر حادث للترامواي قرب ثانوية صلاح الدين الأيوبي بالحي المحمدي. وعبر العديد من أصدقائه عن حزنهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وشهادتهم بأخلاق الراحل وطموحه في ما كان يسعى له علما بأنه لم يعّمر إلا اثنين وعشرين عاما. وهذا المشهد يعيدنا إلى حادث وقع الأسبوع قبل الماضي، حين توفي شاب خلال فرحة هستيرية اهتزت معها جماهير البيضاء بعد أن سجل فريق الوداد هدفا في مرمى منافسه الأهلي المصري خلال مقابلة نهائي دوري أبطال أفريقيا. وقد سقط عمر المجيدي، البالغ من العمر 29 سنة، مغميا عليه قبل أن ينقل إلى المستشفى حيث وافته المنية. نشل وخطف وتحرش.. شهدت شوارع الدارالبيضاء عمليات سرقة عبر النشل والخطف، حيث قام منحرف بخطف هاتف شاب كان يصور الاحتفالات وسط شارع لالة سلمى بسيدي مومن، ولاذ بعدها السارق بالفرار وسط الحشود. كما شهد المكان نفسه اعتراض السيارات المارة والتلفظ بالكلام النابي. وقالت هاجر مستاوي، طالبة في كلية العلوم الاقتصادية بعين السبع، بنبرة الحسرة "تعرضت للتحرش بعد خروجي للاحتفال بتأهل المنتخب الوطني» وتساءلت عن› الميز والنظر إلى المرأة كجسد وحسب، الذي لاتزال تعاني منه النساء رغم أننا في عام «2017، وأضافت "إنهم يمارسون العنف والتحرش بالجسد قولا وفعلا حتى خلال فرحهم» ! ومن جهته، عبر عمر طراش (تاجر)، عن حسرته بعد أن تعرض لعملية نشل فقد على إثرها هاتفه النقال، وقال عمر "كنت أعبر عن فرحتي رفقة أصدقاء بشارع الحزام الكبير بالحي المحمدي، وفجأة وسط غمرة الهيستيريا التي عمت الشارع، تحسست جيبي لأتفاجأ بعدم وجود هاتفي، فعرفت أنني تعرضت للنشل" هذا غيض من الفيض الذي شهدته موجه الاحتفالات بالشوارع المغربية، والأحداث كثيرة. جدير بالذكر كذلك، إضافة إلى ما عاشته الشوارع والساحات العمومية من سلوك شاذ خلال الاحتفال والفرح، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي سلوكات من نفس النوع ، إلا أنها هذه المرة يمكن حصرها في دائرة العنف الرمزي بما أنها كانت بالكتابة والصوت والصورة، وليست ممارسات فعلية، غير أنها قد تكون أكثر تأثيرا من الأخرى، باعتبار أن الميديا، أو الإعلام الرقمي هو أكثر تأثيرا اليوم من أي شيء آخر. (*) صحافي متدرب