هناك في الأصل، عوائد عند العرب قبل النبوة، جاء الإسلام فغيرها لتتلاءم مع الروح الجديدة للعقيدة الإسلامية الداعية إلى التوحيد. وأزال ما بها من طقوس حضر فيها الشرك بالله وبقدرته على الخلق، فمحا الإسلام كل سبل الكفر بالله وحافظ على غيرها طالما أنها لا تتعارض مع الإسلام يقول البارئ تعالى في سورة البقرة» »الحج أشهر معلومات«« هذه الآية الكريمة تحدد مواقيت الحج بالنسبة للناس. ويذهب الكثير من الفقهاء إلى اعتبار أن الأشهر الحرم التي حددها القرآن في أربعة هي مواقيت الحج، لقوله تعالى «»إن عدة الشهور... اثنتا عشرة شهرا منها أربعة حرم«« وقد أجمع المسلمون على اعتبار الأشهر الحرم الواردة في القرآن هي: رجب الفرد، وذي القعدة، وذي الحجة والمحرم. ولفهم لماذا اعتبرت الأشهر المذكورة أشهرا حرم، لابد من التذكير بأسمائها ماقبيل الإسلام, إذ الشهور العربية جاءت مسمياتها غير بعيدة عن المعاني التي أعطيت لها زمن ما قبل النبوة ولو اختلفت في طبيعة الأسماء في شكلها، ولتوضح ذلك لابد من ذكر أسماء الشهور العربية قبل الإسلام ومرادفاتها بعده. - المؤتمر هو أول الشهور العربية قبل الإسلام، ومرادفه بعده هو المحرم. ناجر هو ثانيها ومرادفه هو صفر الخير: ربيع الأول - خوان ربيع الثاني - صوان جمادى الأولى - حنين جمادى الثاني - زياء رجب - الأصم شعبان- عادل رمضان - نافق شوال - واغل ذو القعدة - وزنة ذوالحجة - برك فالمؤتمر كان مناسبة للتشاور عند العرب. وصفر ناجر من شدة نجره أي حره, وربيع الأول سمي خوان لأنه كان مرادفا لكل خائن، وربيع الثاني صوان أي الحافظ، جمادى الأولى حنين, لأن العرب كانت تحن فيه إلى أوطانها, جمادي الآخرة/ زياء, وهو اسم أمرأة قاتلة كانت معروفة في بلاد العرب قبل الإسلام. رجب /الأصم أي الشهر الذي لا يسمع فيه صوت سلاح، ولا قعقعته، لأن القتال حرام فيه، شعبان عادل أي منصف، رمضان/نافق لأن الحيوان فيه كانت تموت من شدة الجوع. شوال /واغل, أي أن معناه يعني الشخص الذي يقتحم منازل القوم فيشاركهم طعامهم فيه دون إذن، ولأن العرب كانت تعتبره شهر الزواج /النكاح .ذو القعدة ومعناه وزنة ,ومعناها انثى الحرباء.ذو الحجة /الأبرك لأن البعير كانت تبرك فيه استعدادا للنحر ، وهو شهر الاجتماع. لم تختلف الأسماء الجديدة عن سابقاتها في المعنى والدلالة، وأضحت التسميات المحدثة بعد الإسلام، تحترم الأصول الأولى للمعاني التي أعطاها العرب قديما لشهورهم. الفرق الجوهري الذي ظهر في المواقيت الجديدة، أنها أضحت طبيعية خاضعة في تقويمها لرؤية الهلال، واعتبرت بذلك شهورا قمرية خاضعة لتقلبات القمر في حركيته الطبيعية مع الشمس والأرض، بعدما كانت العرب قديما تؤخره عاما أو تقدمه عاما في ما حرم الله في محكم كتابه حين قال «»إما النسيء زيادة في الكفر«« لقد حدد القرآن الكريم أن مواقيت الناس في حياتهم يجب أن تخضع للطبيعة التي جبل عليها خالق الكون، لا إلى مزاجية الإنسان ومصالحه الخاصة، وفيه معنى جوهري هو احترام إرادة الله في خلقه طالما أنه «»لا تبديل لكلمات الله«« باعتبارها سننه وقوانينه الإلهية. فكانت الشهور التي جعلها القرآن »شهر حرم«، فرصة جوهرية لبني الإنسان لبناء علاقات اجتماعية ودينية أساسها الدعوة إلى التودد والتآلف والتآزر، وأخيرا وليس آخرا، احترام إرادة الله في خلقه للكون وماهيته. فالخلق يعني أن الله وهب للإنسان صفة نعمة الحياة التي لا تعلو فوقها أي نعمة، والكفر بها كفر بالخالق وما خلق. إذ الحياة أهم عند الله من أي طقس ديني آخر، ومن تعرض لنعمة الحياة فقتل نفسه أو قتل نفسا بغير حق »فكأنما قتل الناس جميعا«« وكفر بالخالق باعتباره صاحب هذه النعمة. وتحديد مواقيت الحج بالنسبة للخالق، هو فرصة لاجتماع الناس الذي رأى فيه سبحانه وتعالى فرصة لتنمية العقل الإنساني نحو ما هو راق ، بعيدا عن حياة الحرب والقتال التي جعلها الله حياة كره لمخلوقاته »»فرض عليكم القتال وهو كره لكم««. ومن عادة الله في خلقه أنه جبلهم على حياة السلم في الشهور المشار إليها سلفا، إذ حرم حمل السلاح في المحرم لأنه كان مناسبة لإئتمار الناس وتجمعهم, ثم أضحى بعد ذلك مناسبة للحج. وحرم القتال في ذي الحجة لأنه كان عند العرب قديما مناسبة تنحر فيها الإبل والأنعام، أي مناسبة أعياد لا يحق للإنسان أن يحولها إلى فترة تسال فيها الدماء البشرية. وجعل شهر رجب الفرد الذي كان يعرف بالأصم مناسبة للاجتماع بين الناس، الذي لا يحق للمرء أن يسمع فيه رنين سيوف أو قعقعة سلاح!!!... وجعل ذي القعدة شهر الاستعداد للحج والرحيل الى الأماكن التي دعا الله الناس إلى حجها وقصدها. إذن هناك في الأصل، عوائد عند العرب قبل النبوة، جاء الإسلام فغيرها لتتلاءم مع الروح الجديدة للعقيدة الإسلامية الداعية إلى التوحيد. وأزال ما بها من طقوس حضر فيها الشرك بالله وبقدرته على الخلق، فمحا الإسلام كل سبل الكفر بالله وحافظ على غيرها طالما أنها لا تتعارض مع الإسلام. حدث ذلك في الصيام، والصلاة قبلها والزكاة و الحج. إذ كل ركن من أركان الإسلام جاء ليغير فقط من الطقوس التي حرمها الله على عباده، وابقى على ما لا يتعارض مع إرادة الله في دين التوحيد، طالما أنها عرف قبلي دأب الناس على فعله. والحج إحدى هذه الطقوس التي كان العرب قبل الإسلام ينظمها في كل عام، غير أن تنظيمها لم يكن يخضع للقوانين الإلهية في سنن الطبيعة، بل كانت إرادة الإنسان تتدخل فيه بما يتعارض مع إرادة الله فيما حرم الخالق حين ذكر، إنما النسيء زيادة في الكفر. الآية....«. ولعل تحريمه جاء بعد إقرار النبي (ص) »بأن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السماوات والأرض«. احترام وإقرار التطور الطبيعي للزمن، والأخذ برؤية الهلال من عدمها ابتداء الشهر العربي من آخره، فيه اختيار ينم عن احترام حركية العلاقة بين الأرض التي تحوى حياة الإنسان ومجال دنياه، والشمس باعتبارها نوره، والقمر باعتبار موقعه في حياة الإنسان العربي، كونه دليلا على حركية الإنسان في المجال ليلا، طالما أن النهار كان صعبا أن يتحرك الإنسان خلاله لشدة حرارة الشمس وعدم قدرته على تحمل هاجرتها. فلا دوران الأرض عد ميقاتا لبداية الشهر، لأنه مواقيت فقط لاختلاف الليل والنهار، والفصول، ولا الشمس عدت لذلك لأن شروقها بداية للنهار، كما أن غروبها بداية لإقفاله، بل أخذوا القمر معيارا لبداية أشهرهم التي حددها القرآن الكريم من اثنا عشر شهرا عدد حرماتها أربعة، كما سبقت الإشارة. لنعد إلى الحج وشهوره المعلومات، لكن قبل ذلك لابد من الإشارة إلى أن هناك فرقا كبيرا بين زمن العيدين، وبين الحج، إذ العلاقة منتفية بينهما بسبب اختلاف استحداثهما زمنيا، يذكر الفلقشندي وغيره نقلا عن الحديث أن تقعيد العيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، جاء ليعوضا عيدين آخرين كانت العرب تحتفل بهما هما النيروز والمهرجان، يذكر صاحب الصبح أن »النبي قدم المدينة في السنة الثانية للهجرة ولأهلها يومان يلعبان فيهما فقال ما هذان اليومان؟ فقالوا، كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله (ص) إن الله عز وجل قد بدلكم خيرا منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر« فتحديد الأعياء عند المسلمين جاء في السنة الثانية للهجرة، ولاعلاقة لها بفرض ركن الحج الأعظم الذي فرض حسب المؤرخين بعد السنة السادسة للهجرة، إن لم يكن في التاسعة منها.. ذكرنا هذا، حتى لا يقع للناس خلط فيعتقدون أن هنالك علاقة زمنية بين عيد النحر، الأضحى، وبين الحج باعتباره ركنا أساسيا للدين الإسلامي، إن لم يكن أهمها على الإطلاق رغم اشتراط الاستطاعة« وهذا موضوع آخر.. لن أدخل في نقاش فقهي حول القضية، فأنا لست فقيها, ولكني دارس للتاريخ يؤمن بحركيته داخل المجتمع باعتبارها سنة يتبعها المخلوق في علاقته بالخالق، ولكني أطرح ما ورد عند الطبري في السيرة النبوية إذ يقول: أن النبي خرج للحج في 5من ذي القعدة في السنة التاسعة للهجرة، وأنه حين وصل وأصحابه إلى مكان إحرامهم سأل من كان معه في الوفد في من يملك هديا. فأجابه بعضهم والبعض الآخر قال إنه لا يملك هديا, فأمر الناس أن يحلوا بعمرة، إلا من ساق الهدي، فعليه أن ينوي بالحج. ولنا هنا أن نعود من جديد لنطرح معنى الهدي وما علاقته بالحج؟ وهل هنالك فرق بين الهدي وعيد الاضحي الذي هو مقرر منذ السنة الثانية للهجرة في حديث رسول الله إلى أهل المدينة حين قدومه إليها. بالنسبة للسؤال الاول، لا أدري سوى ما جاء في كتاب الله العزيز من خبر حول العلاقة بين رؤيا اسماعيل ووالده ابراهيم، التي قد نعتبرها فدية للروح الانسانية من الدمار الذي كان سيحصل لها اذا اقررنا عملية ذبح الاباء لأبنائهم ولعله مرتبط بالبيت العتيق لا بغيره، ومكان الهدي الذي اتبعه المسلمون زمن نبوة محمد (ص) لا يختلف عن هدي ابراهيم لفداء ابنه اسماعيل، بعد أن وضع ابراهيم القواعد للبيت العتيق. وقد يكون، وهذا مجرد رأي - الهدي عند من يزور المسجد الحرام بمكة بمثابة استحضار سلوك النبي ابراهيم باعتباره جد الحنفاء الذين هم المسلمون! صحيح ان سلوك النبي في هديه اثناء زعمه الحج في السنة العاشرة للهجرة، كان في شهر ذي الحجة الحرام وليس في غيره من الشهور الاربعة الحرم. لكن لماذا لم يؤذن للآخرين لمن رافقوا النبي (ص) من المؤمنين بالحج، واعتبرت نواياهم وقصدهم عمرة وليس غيرها؟ مع انهم كانوا في الوفد المرافق لركب النبي في ميقات الحج. هل الحج مشروط بذبح الاضحية يوم عاشر ذي الحجة الحرام؟ في اعتقادي وحسب فهمي بالاضحية غير ملزمة للحاج، وهي من الاشياء التي يمكن للانسان أن يكفر على عدم قدرته اداءها؟ يدفعنا هذا الرأي الى مناقشة رأي آخر يتعلق بعدد المرات التي حج فيها النبي او اعتمر. هنالك اختلاف كبير بين المؤرخين حول عدد الحجات وعدد العمرات التي انجزها الرسول (ص) في حياته. لكن قبل ذلك لابد من الاشارة الى زمن فرض الركن الخامس من أركان الاسلام. هنا ايضا لا تستطيع تحديد الزمن بدقة لأن الروايات التاريخية تتضارب حول الزمن. على أن هذه الروايات تتفق على أن ذلك تم بعد السنة السادسة للهجرة، ليذهب بعضهم الى القول بانها ربما كانت في السنة الثامنة، زمن فتح مكة ونزول سورة الفتح. حج النبي مرة واحدة، هي حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة، بعد شهور من الزمن استقبل فيها النبي (ص) بالمدينة وفود القبائل العربية المبايعة بعد بيعة الرضوان. في هذه السنة انتقل الرسول من مرحلة بناء مجال الدولة الاسلامية الجديدة، الى مرحلة جديدة هي دعوة غير العرب الى دخول الاسلام. وتعد معركة تبوك التي وقعت في رجب من السنة 9 للهجرة بداية الفتح الاسلامي بمفهومه العام كما عرف. وتم ذلك في احدى الاشهر الحرم، وهو رجب, وهنا لابد من نقاش رأي حول حمل السلاح في احدى الاشهر التي حرم الله فيهم القتال على المسلمين. المبرر الوحيد الذي قد نستسيغه في ذلك، ان الحرب كانت شرا لابد منه، وانها تمت ضد فئة من النصارى اي الروم الذين كانوا يشكلون خطرا محدثا بالدولة الفتية. في هذه السنة, أي التاسعة أمر النبي (ص) ابا بكر بالحج بالناس، وفيها قرئت سورة «براءة من الله» ولم يحج الرسول بسبب ما ذكرته كتب السيرة من أنه «هم أن يحج فذكر ما اعتاده «المشركون» من الجهالات في حجهم مع مابينه وبينهم من المعاهدة، قتناه ذلك عن الحج... أما العمرة، فالمشهور عند كتاب السيرة انها تمت قبل ذلك، حتى أن بعضهم ذهب ليقول ان الرسول (ص) اعتمر في ذي الحجة في عمرة سميت عند المؤرخين بعمرة «القضاء» (9) ولم يقرنها بالحج. كان ذلك بعد ان اقر الحج كركن من اركان الاسلام. اما ما اعتبره بعض كتاب السيرة من حج وطواف بالبيت العتيق قبل السنة السادسة للهجرة، فلا يمكن أن يدخل في نطاق طقوس الحج، طالما انها لم تكن مثبتة في النص القرآني وذكروا أن جل العمرات التي قام بها الرسول كانت في غير شهر رجب الفرد، ولم يذكروا دواعي ذلك، علما ان شهر رجب هو من الاشهر الحرم التي اعتبرت عند المحدثين والفقهاء، وشهور الحج، كما ورد في القرآن الكريم. يدفعنا هذا الى معرفة حركية الرسول خلال السنتين الاخيرتين من حياته لمعرفة دوافع عدم طواف البيت العتيق في شهر رجب الفرد. فتحت مكة في أواخر السنة الثامنة للهجرة، إذ اعتزم الرسول المسير اليها في شهر رمضان من نفس السنة وتشير النصوص الى أنه افطر اثناء السير اليها (4 )، والثابت ان دخول مكة تم في هذا الشهر وفي اول ايام شوال,اذ لا تشير النصوص الى زمن الفتح داخل السنة الثامنة للهجرة، ولعله كان في اواخر رمضان اوفي العشر الاواخر منه على الاجدر. غادر النبي البيت العيتق في شهر شوال قاصدا حنين التي جرت فيها معركة انهزم فيها المسلمون, بعدها انشغل الرسول بمعارك اخرى هي اوطاس والطائف في شهر شوال من نفس السنة اعتمر في شهر ذي القعدة وولده ابراهيم وهو في المدينة في شهر ذي الحجة من نفس العام. في السنة التاسعة، سنة الوفود، لم يهتم النبي بأداء فريضة الحج، واستخلف فيها ابا بكر حين قرأ سورة التوبة نيابة عنه. وحج في السنة العاشرة حجته المعروفة بحجة الوداع في ذي الحجة. وهي الحجة التي اشترط على الوفد المرافق له أن يحولها الى عمرة ان لم يكن لدى مرافقيه هدي يهديه فيها (9) أما ما جاء في أن النبي لم يعتمر قط في شهر رجب، فمرده الى أن جل الشهور التي كان فيها رجب من السنة الثامنة إلى العاشرة، وهي سنوات الحج، كان النبي خلالها منشغلا بأمر ما، منعه من القيام بعمرة بل انه اعتمر في شهر ذي القعدة وغادر مكة الى المدينة في سنة 8 ه, سنة مولد إبراهيم رضي الله عنه، مع انه كان بإمكانه ان يمكث بها في نفس الفترة لاتمام شعائر الله المتعلقة بالحج، فلم يفعل للاسباب التي ذكرناها سلفا. الرأي الذي نناقشه اليوم لن يدخل في طقوس الحج ولا في نسكه طالما ان النصوص الفقهية حددتها انطلاقا من كتب السيرة النبوية. او انطلاقا مما ورد بخصوصها في امر الكتاب, القرآن الكريم, لكن سأوجه كتابتي الى الميقات، وهنا اقصد به ازمنة الحج، لا اماكن الاحرام التي وردت في صحيح البخاري ومسلم. لن ادعي بأنني أول من ناقش قضية الزمن في الحج، او أزمنة الحج، فقد سبقني اليها الكثيرون من الاعلام فيما مضى من العصور الاسلامية. ويمكن اجمالا ان نشير الى الآراء الواردة عند هؤلاء الأعلام بخصوص الحج في مجالات شتى, تقضي بجواز المنع، الى التأجيل، الى تعدد مواقيت الحج في السنة الواحدة. الرأي الأول حدث بعد أن أفتى علماء الأندلس والمغرب بعدم جواز الحج عن مسلمي شمال افريقيا والأندلس بسبب غياب الأمن وقطع الطريق عن الحجاج وسلب ممتلكاتهم وأزواجهم وهذا موضوع آخر. الرأي الثاني يهم ما دعا إليه بعض الاعلام من اقتراح تغير أزمنة الحج، بسبب الأوبئة، قد نسحضر هنا موقف الإمام الحنبلي نجم الدين الطوقي المتوفى سنة 718 ه- 1318م، والذي يعد رأيه في هذا المقام رأيا يأخذ بعين الاعتبار المصالح المسترسلة باعتبارها أصلا من الأصول الواجب اتباعها حتى وإن خالفت النص أو أولته لمصلحتها، وقد تستغرب كيف أن رأيه هذا في رعاية المصالح أخذت به بعض المذاهب الشيعية وأساسا الخميني في تعطيل الحج. الموقف الثالث يكمن في رأي بعض الباحثين الجدد، الذين نشروا أعمالهم ومواقفهم حول الحج على المواقع الالكترونية، وأسوق في هذا المقام نموذج الباحث اسماعيل قبسي أو الكبسي في موقعه الخاص به الذي ذهب إلى أن المصلحة تقتضي الآن أن نعدل في مواقيت الحج، لكي يتلاءم مع النص القرآني، إذ يرى أن الأشهر المعلومات الواردة في سورة البقرة هي الأشهر الحرم، وإذا عرفنا أنها تعني رجب الفرد، وذي القعدة، وذي الحجة والمحرم، فإن الحج بالنسبة لهذا الباحث يمكن أن يكون فيها على أساس أن الوقوف بعرفة باعتباره الركن الأعظم في الحج، يمكنه أن يتم في التاسع من كل شهر من الأشهر الحرم، بما فيها التاسع من ذي الحجة شهر الحج الأكبر. لفهم ما أدعو إليه واقترحه, لابد من توضيح بعض المسلمات في مسألة المواقيت وهي النسك الواجب على كل حاج الالتزام بها في أدائه للركن الأعظم في الإسلام. إن تصفح الصحيحين يشي بالكثير من المعطيات الأساسية حول فكرة المواقيت، إذ تذكر مواقيت الحج بالنسبة لجميع الوافدين عبر العالم والراغبين في حج البيت العتيق وقراءتها تذكرنا أن ما يقصده المفسرون من مواقيت الحج، هي أمكنة الإحرام أو المكان الذي على كل حاج أو معتمر أن يحرم فيه قبل ولوجه الأماكن المقدسة، وهذه قضية معروفة ولا تحتاج إلى أن نذكر بها. وأعود إلى الركن الأعظم، أي الوقوف بعرفة لكي أدلي ببعض الملاحظات الأساسية بخصوصه. الملاحظة الأولى أن عرفات أو جبل الرحمة هو اسم مكان وليست وقتا معلوما محددا بنص، فلا كتب السيرة، ولا أم الكتاب يذكر أن النبي (ص) قد أمرنا بالوقوف بعرفات يوم 9 ذي الحجة الحرام, ولتوضيح ذلك لابد من الاشارة إلى أن النبي (ص) حسب سيرة ابن هشام خطب بعرفة في يوم جمعة، فهل كانت خطبته يوم الجمعة بعرفات في حجة الوداع والسنة العاشرة للهجرة، خطبة الوقوف بجبل الرحمة التي اعتاد المسلمون سماعها منذ حجة الوداع إلى اليوم, أم أنها كانت فقط خطبة صلاة الجمعة المفروضة على المسلمين والواردة حيثيات نسكها في سورة الجمعة، وهذه ربما سابقة عما حدث في حجة الوداع بأكثر من سبع سنوات، إن لم تكن أكثر. قد يعتد بعض الناس بما ورد في سورة التوبة, من أن الله عز وجل قد قصد ذلك حين ذكر يوم الحج الأكبر دون تحديد زمنه، صحيح أن السورة قيلت في حجة أبي بكر في السنة التاسعة للهجرة، وأن علي ابن أبي طالب هو من لحق بركب أبي بكر حاملها إليه من رسول الله، لكن التمعن في سورة التوبة، وهي السورة التي لا تبتدئ باسم الله الرحمن الرحيم، يدفعنا إلى ترجيح أنها جاءت لتكفر عن المشركين من أهل قريش، أكثر منها سورة لتقنين طقوس الحج المعروفة عند المسلمين والواردة نصوصها في سور أخرى من محكم الكتاب. وأخيرا وليس آخرا، فإن معنى الشهور المعلومات المقصودة في القرآن بشهور الحج، ورد بخصوصها حديث في صحيح البخاري في كتاب الحج يقول المتن, عن .. عن ابن عباس أنه سئل عن شهور الحج فقال: شهور الحج هي ذي القعدة وذي الحجة والحرم. كلام البخاري أحاله على ابن عباس وليس مقولة للنبي (ص) فهل تحدث ابن عباس عن رأي الرسول، ولم يذكره البخاري في مثنه أو أنه تحدث عن تفسيره هو لا غير وهذا كلام آخر، كل العمرات الأربع التي أنجزها الرسول تمت في ذي القعدة وذي الحجة, بدءا من السنة السادسة وإلى العاشرة، ثلاثة منها في شهر ذي القعدة، والرابعة في ذي الحجة وهي العمرة التي قرنت بحجته (ص). وطالما أن محمدا بن عبد الله خير البرية قد اعتمر في ذي القعدة وهو من أشهر الحج, كما ورد عند ابن عباس، فلماذا لا يتبع المسلمون رسولهم فيما فعله فيعتمرون ويحجون في ذي القعدة وذي الحجة والمحرم، علما أن الزمن قد تغير والوسائل أيضا, وهذا قصدي فيه تسيير وتسهيل مشقة المسلمين حفظا وصونا لحرمة ونعمة الحياة التي أنعم الله بها على مخلوقاته، هذا مجرد رأي، أو لعله حجرة صغيرة رميت بها في بركة آسنة من الجمود الفكري سيلتقطها إيجابا كل من يملك حاسة شم الروائح الزكية، وينعق بفسادها من دأبوا على النعيق, شفانا الله وإياكم من أنكر الأصوات.