ناقش نادي قضاة المغرب مؤخرا برحاب محكمة الاستئناف بمكناس موضوع القيم القضائية على ضوء المستجدات التشريعية وذلك من خلال ندوة علمية ضمت عددا من القضاة والمستشارين والملحقين القضائيين والخبراء والمهتمين بمجال العدالة بحضور ممثلين عن المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية. استهل اللقاء بكلمة رئيسة نادي قضاة المغرب بمكناس حجيبة البخاري التي أكدت أن الهدف من اختيار موضوع الندوة يكمن في الرغبة في تدشين مرحلة جديدة للتعامل إيجابا مع ما يمكن أن يعرفه المشهد القضائي من أحداث ونوازل مستجدة في مرحلة طابعها الأساس دستور جديد يقر بهامش كبير للقضاة في حرية التعبير والتجمع وإصرار أكبر من القضاة على ممارسة حرياتهم وحقوقهم كاملة. وأضافت أنه «ما بين المرحلة السابقة التي سجلت فراغا ملحوظا على مستوى التعريف والتكوين على القيم والأخلاقيات القضائية والمرحلة المقبلة التي أريد فيها أن تصير هاته القيم والأخلاقيات في كنه الممارسة القضائية اشتراطا وتكوينا وتأطيرا كان لزاما أن نمر بالمرحلة التي نعيشها الآن والتي يحاول القضاة من خلالها التأقلم مع وضعهم الجديد مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من حين لآخر من أحداث مؤسفة يتطلب التعامل معها التحلي قبل الحكمة والتبصر وسعة الصدر بالجرأة والمسؤولية اللازمتين واللتين تقتضيان الانكباب الفوري والجاد على ورش التأطير الحقيقي كل من موقعه ومسؤوليته». مؤكدة بأن الجمعيات المهنية للقضاة مدعوة هي الأخرى لتتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا الشأن لتبقى الغاية سامية جدا : قضاء مستقل، فاعل وبأخلاقيات عالية. رئيس نادي قضاة المغرب ياسين مخلي، أكد أن نادي قضاة المغرب أعد «ميثاقا للسلوك» الخاص بالقضاء، قصد تخليق القطاع وتوجيه سلوكات القضاة بما يتناسب مع المعايير الأخلاقية وطنيا ودوليا، مضيفا «اننا نرمي إلى المساهمة في تخليق منظومة العدالة وتثبيت الأعراف المهنية وترسيخ قواعد السلوك القضائي». مذكرا بعدة خطوات سابقة أقدمت عليها الجمعية من بينها مبادرة محاكم بدون رشوة، والتصريح العلني بممتلكات القضاة والتي انخرط فيها عدد من القضاة المتمرنين أيضا، حيث اعتبر ذلك مبادرة كفيلة بترسيخ سلوك قضائي راقٍ ويتيح جوا من الشفافيّة، معتبرا أن إصلاح القضاء يستوجب إجراءات فعالة ومبادرات تشاركية تضم كل الفاعلين والمتدخلين في سلك القضاء داعيا إلى ميثاق أخلاقي جديد لكل العاملين في منظومة العدالة يأخذ بعين الاعتبار أفضل التجارب الدولية في هذا المجال ويراعي المستجدات التي عرفتها الساحة بعد اقرار الدستور الجديد الذي كفل للمواطنين الحق في الحصول على احكام داخل آجل معقولة وكذا حقهم في الولوج إلى المعلومة، كما كرس لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. كلمة المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية قدمها القاضي أنس سعدون وتمحورت حول دور المجلس الأعلى للقضاء في تكريس منظومة القيم القضائية حيث أكد أن عدم تعليل المجلس للقرارات التأديبية المتخذة في حق القضاة وعدم نشرها، وعدم السماح بعلنية الجلسات التأديبية للقضاة بناء على طلبهم أسباب ساهمت في عدم اطلاع القضاة على مدى مساهمة المجلس في تكريس منظومة القيم القضائية على خلاف بعض التجارب المقارنة ومن بينها المجلس الأعلى للقضاء بفرنسا الذي دأب في وقت مبكر على نشر القرارات التأديبية المتخذة في حق القضاة وفق ضوابط من أجل تحقيق الأمن القانوني للمواطنين سواء كانوا قضاة أو متقاضين، وأضاف عضو نادي قضاة المغرب أن صياغة مدونات السلوك القضائي أمر موكول للهياكل الممثلة للقضاة طبقاً للمعايير الدولية لاستقلال القضاء، داعيا إلى التفكير الجديد في اقرار ميثاق أخلاقي مواطن منفتح على المعايير الدولية ، والاهتمام بمنظومة التكوين والتكوين المستمر للقضاة ولكل العاملين في المجال ووضع ميثاق أخلاقي للمسؤول القضائي وتأهيل الادارة القضائية والارتقاء بها إلى مستوى التخصص والاحتراف عن طريق احداث تكوين خاص بها على مستوى المعهد العالي للقضاء، وتعزيز الشفافية وضمان الولوج السهل للمواطنين لمنظومة العدالة. كما دعا الى انفتاح مؤسسة المجلس الأعلى للقضاء على الجمعيات المهنية للقضاة وكذا على الجمعيات المدنية والحقوقية المشتغلة في الميدان وتمكينها من الاطلاع على حصيلة عمل المجلس في المادة التأديبية وفق ضوابط من أجل رصدها ودراستها واستخلاص المبادئ الكفيلة بالرجوع لها لتعزيز منظومة القيم القضائية لا سيما بعدما كرس الدستور لحق المواطن في المعلومة وكذا اعتباره القضاء شأنا مجتمعيا. المستشار محمد الهيني أحد القضاة المتابعين مؤخرا من طرف وزير العدل على خلفية خاطرة أدبية تناول في مداخلته ماهية الخطأ المهني القضائي الموجب للمساءلة التأديبية حيث اعتبر أن القاضي لا يمكن أن يسأل تأديبيا إلا عن الأخطاء الخطيرة المرتبطة بسلوكيات الوظيفة أو أعمالها، و تلك قاعدة تهدف إلى تجنيب المجلس الأعلى للقضاء مالنظر في الكثير من الأخطاء التي من شأن تحريك المتابعة بخصوصها إضفاء مجرد تراكم عددي يضاعف من عمل المجلس ويأخذ من وقته ويبعده عن دراسة الملفات الشائكة التي تقتضي بحثا وتحقيقا معمقا ومداولات وقرارات حاسمة ينتظرها الجميع . وأضاف بأن «التأديب ليس ملكية خاصة لجهة المتابعة تستعمله متى تشاء وبدون ضوابط قانونية وإنما نظام قانوني يستهدف تخليق الممارسة القضائية بهدف حماية حقوق وحريات المتقاضين وصيانة قواعد سير العدالة»، داعيا إلى ضرورة تحطيم الفهم الخاطئ لعدة مفاهيم كالإفراط في اشهار واجب التحفظ وصفات الوقار والكرامة التي تميز القضاة مؤكدا بأن القاضي يبقى انسانا وله الحق في حياة خاصة كما له الحق في ممارسة كل أشكال التعبير والابداع والفن. في نفس السياق، تناول المستشار نبيل رحيل موضوع دور الأعراف والتقاليد في ترسيخ القيم القضائية مسلطا الضوء على ملامح من تجارب قضائية مستقاة من تاريخ القضاء في الاسلام وكذا من نماذج معاصرة، حيث خلص لضرورة صياغة منظومة للقيم القضائية تراعي بين الخصوصيات الوطنية وكذا المعايير الدولية والمستجدات التي كرسها الدستور الجديد لا سيما على مستوى حقوق القضاة في التعبير والتجمع وكذا حقوق المواطنين في صدور أحكام داخل آجال معقولة. القاضية سهام بنمسعود سلطت الضوء في مداخلتها على موضوع المسطرة التأديبية بشأن خرق القيم القضائية حيث تعرضت لعدد من النوازل من القضائين المغربي والمقارن، إذ لاحظت هشاشة ضمانات القضاة المغاربة على مستوى المساطر التأديبية كما سجلت ضبابية بعض المفاهيم المتعلقة بالوقار والكرامة والتحفظ. المشاركون في نهاية الندوة، أكدوا على ضرورة وضع دليل لأخلاقيات المسؤول القضائي، وتنظيم الاخطاء التأديبية الجسيمة للمسؤول القضائي، وتدعيم التأطير الأخلاقي والعملي للقضاة وللمسؤولين القضائيين، ونشر الاجتهادات القضائية المتعلقة بمنظومة القيم الخاصة بالقضاة، وإحداث لجنة للأخلاقيات بالمجلس الأعلى للقضاء وبالجمعيات المهنية للقضاة، ووضع دليل للنظام التأديبي للقضاة ، ودعم شفافية الأبحاث والتقارير المنجزة في حق القضاة وذلك من خلال نشر كافة التقارير التي تنجزها أجهزة التفتيش وكذا المقررين في الملفات التأديبية، تحديد المخالفات التأديبية القضائية بشكل حصري طبقا لمبدأ شرعية المخالفات ، ودعم حرية القضاة في التعبير كأداة للتغيير وإصلاح القضاء والإدارة القضائية، وضع ضوابط للتمييز بين الخطأ المهني القضائي وغيره من الأخطاء التي يرتكبها القاضي كمواطن. في نفس السياق، أكد المشاركون أن تعزيز منظومة القيم القضائية رهين بمدى اقرار عدالة منظومة التأديب وهو ما يفرض تكريس عمل أعلى هيأة قضائية ادارية بشكل يضمن لها الحياد وذلك من خلال احداث مجلس الدولة .