استقبل جلالة الملك محمد السادس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، يوم الجمعة الماضي (13 يونيو 2014)، الجنرال دوكور دارمي، بوشعيب عروب، وعينه مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية وقائدا للمنطقة الجنوبية، وهما المنصبان اللذان كان يشغلهما الجنرال عبد العزيز بناني. المفتش العام الجديد هو من مواليد عاصمة الفوسفاط (خريبكة). بدأ حياته العسكرية سنة 1966 برتبة كابتان (نقيب) بالقاعدة العسكرية بنجرير، ويعتبر من الرعيل الأول لضباط الجيش المعروفين أمثال الدليمي وأوفقير. كما يرأس حاليا لجنة التاريخ العسكري المغربي. ويصنف الجنرال عروب كواحد من أهم المختصين في التوثيق والبحث العسكري في القوات المسلحة. عين سنة 1988 رئيسا للمكتب الثالث في القيادة العامة للجيش، بحكم خبراته التي اكتسبها خلال دراسته في المدارس الحربية الفرنسية، ومن مهام المكتب الثالث دراسة مشاريع الصفقات العسكرية قبل إحالتها على القائد الأعلى للقوات المسلحة، فضلا عن التنسيق مع الدول الصديقة لإقامة مناورات عسكرية، وهو ما جعله يربط علاقات قوية ومتميزة مع الجنرالات الأمريكان والفرنسيين والإسبان، ما أهله لشغل منصب مهم في لجنة التاريخ العسكري في حوض البحر الأبيض المتوسط. و من بين المهام التي كانت مسندة أيضا إلى الجنرال عروب قبل تعييه مفتشا عاما وقائدا للمنطقة الجنوبية، التنسيق مع المكتب الخامس الذي أوكلت إليه مهمة ضبط تحركات الجيش والحيلولة دون حصول اختراقات من طرف جهات معادية، وهو تابع مباشرة ل ««لادجيد»» التي يديرها محمد ياسين المنصوري. وجدير بالذكر أن جميع التقارير المرفوعة من طرف قيادة المنطقة العسكرية الجنوبية (الجنرال بناني) كانت تحال على الجنرال عروب الذي يدرسها بمساعدة ضباط في المكتب الثالث مختصين في تحليل المعلومات العسكرية، قبل أن ينسق مع المكتب الخامس لمناقشة خلاصات التقارير، قبل رفعها إلى القائد الأعلى. وحسب بعض المختصين، فإن تعيين الجنرال عروب في هذا المنصب أملته التطورات الإقليمية، خاصة ما يتعلق باتساع رقعة الإرهاب والتقدم الذي يحققه المتطرفون في الحدود الليبية الجزائرية، فضلا عن الاكتساح الداعشي في الشرق الأوسط، مما أعاد أهمية الاستخبار العسكري إلى الواجهة، ليس فقط في الصحراء، بل أيضا ما يقع في ليبيا وسوريا، خاصة أن تنظيم داعش يعج بالمقاتلين المغاربة، حسب العديد من التقارير الدولية. وسيخلف الجنرال عروب واحدا من أقوى جنرالات المغرب، وواحدا من رجال ثقة الملك الراحل الحسن الثاني، وهو الجنرال بناني. وحسب ما أوردته «تيل كيل»، فإن الشائعات تتناسل عبر شبكات التواصل الاجتماعي بخصوص وجود الجنرال عبد العزيز بناني بالمستشفى منذ يوم السبت 6 يونيو، بل ذهبت بعضها إلى حد «وفاة» الرجل القوي في القوات المسلحة الملكية. الخبر، كما أوردت «تيل كيل»، تم نفيه من مصادر متطابقة بشكل غير رسمي. وهكذا ذكر أن الرجل الثاني في الجيش المغربي يوجد في مستشفى فال دوغراس بباريس، وأن الحالة الصحية لقائد المنطقة الجنوبية »لا تدعو للقلق«. وذكرت مصادر صحفية أخرى أن الجنرال مصاب »بشلل نصفي». ويعتبر الجنرال دوكور دارمي عبد العزيز بناني وحداً من كبار قيادات الجيش المغربي، والرجل الذي استطاع الترقي بشكل هادىء كل درجات التراتبية العسكرية، إلى أن أصبح المسؤول الأول عن جميع هيئات القوات المسلحة الملكية. وأضافت «تيل كيل» أن الرجل مازال، وقد بلغ من العمر سبعة وسبعين عاما، يسير كل مكونات القوات المسلحة الملكية بيد من حديد ومكلف منذ 2004 بمهام المفتش العام للقوات المسلحة الملكية وقائد المنطقة الجنوبية. وتكاد حياته الشخصية تتمازج مع حياة الجيش الذي يقوده. فهو من بين الفوج الأول للضباط المغاربة، استطاع تسلق جميع درجات الترابية العسكرية، وهو اليوم من ضمن 4 ضباط الأعلى رتباً في الجيش، إلى جانب الجنرال حسني بنسليمان (قائد الدرك) وبوشعيب عروب (المكتب الثالث) وعبد الحق القادري (المفتش العام السابق للقوات المسلحة). ويبقى عبد العزيز بناني- تقول تيل كيل- رجلا مغموراً لدى العموم. وظهوره يبقى نادرا، خلافا للجنرال بنسليمان. وبالتالي يمكن القول، إنه ليست للرجل حياة عامة. يقول عنه أحد الضباط الذي اشتغل إلى جانبه «هو رجل الظل، عسكري عاشق قضى كل حياته بالبزة العسكرية». أما أصدقاؤه فيصفونه كرجل جدي هادىء ومتحفظ بل ومحافظ. ولكن، يوضح أحد الضباط المتقاعدين، الجنرال بناني فرانكوفوني متمكن ومنفتح كثيراً على الثقافة الغربية، وهو فخور بالمسار الذي قطعه داخل الجيش. الرجل- تضيف المجلة- ينحدر من عائلة معروفة تشتغل بالتجارة، وجده كان يدير متجراً كبيراً لتجارة الأثواب في تازة، وبعض أعمامه كانوا يتاجرون في الحبوب. وفي أواسط سنوات 1950، كان أول من التحق من عائلته بالحياة العسكرية، ولم يكن أحد وقتها يتوقع مسار الأحداث. وفي سنة 1956، كان عمر عبد العزيز بناني 21 سنة، عندما حصل المغرب على استقلاله، وكان من جيل الاستقلال المؤهل للمشاركة في بناء البلد، وبالأخص ملء العديد من المناصب التي بقيت شاغرة بعد رحيل ضباط ومسؤولي الادارة الفرنسية. في ذلك الوقت، كان الجيش يوظف بشكل مكثف عبر مجموع التراب الوطني. آنذاك تم اختيار حوالي 600 منهم لمتابعة تكوينات في أرقى المدارس العسكرية في اسبانيا (طليطلة)، وفي فرنسا (سان سير) وفي أكاديمية مكناس، كان عبد العزيز بناني من ضمن هؤلاء، أغلبهم كانوا حاصلين على البكالوريا، كانوا نخبة شباب المغرب آنذاك، فشكلوا النواة الصلبة الأولى للقوات المسلحة الملكية. كان التكوين قصيراً ولا يتعدى سنة. ولكن منذ 1975، التحق عبد العزيز بناني بمدرسة المدفعية شالون سورمارن بفرنسا، وهي مدرسة مرموقة تأسست سنة 1871 مكنته من تحسين معارفه وقدراته العسكرية... ووقتها لم يكن داخل الجيش المغربي أي ضابط في المدفعية... وبعد تخرجه، كان عبد العزيز بناني من ضمن فوج محمد الخامس، وهو أول فوج في عهد المغرب المستقل، حيث أدى بناني القسم إلى جانب حسني بنسليمان والعديد من الضباط الآخرين الذين سيُعهد إليهم بمهام كبرى داخل تراتبية الجيش. وقد تم تعيين الضابط عبد العزيز بناني- تقول «تيل كيل»- «نائبا» لقائد مجموعة المدفعية في مراكش، والتي كان يرأسها فرنسي. وفي هذا الصدد، يقول عنه أحد رفاقه في الفوج «كان بناني يتمتع بذكاء حاد، وكان منضبطاً ويحظى برضى رؤسائه في بداية سنوات 1960، ولم يجد الضابط الشاب صعوبة في أن يصبح أول قائد مغربي لمجموعة قوة مدفعية، واشتغل لأجل تشكيل مدفعية جديدة بدأت تتشكل تدريجياً في مدن أخرى. لكن الظروف كانت صعبة، والتوتر كان سائداً في مجموع مناطق المغرب. كما أن نشوة الاستقلال تركت المجال للصراعات الداخلية حول السلطة، مما كان يشكل تهديداً لعرش خليفة محمد الخامس. ومما زاد من المتاعب، المشاداة المتكررة مع قوات الجزائر... وكان يبدو أن التصعيد حتمي ثم اندلعت حرب الرمال في أكتوبر 1963، وقد شارك القبطان بناني في بعض المعارك على الحدود الجنوبية الشرقية، ونجح في إثارة انتباه رؤسائه. يصفه أحد الضباط المتقاعدين بأنه «كان ضابطاً هدئاً، صلباً، يعرف كيف يحافظ على مسافة مع الجميع». وفي بداية سنوات1970، أدت المحاولان الانقلابيتان إلى ظهور ارتياب شبه مرضي بين الحسن الثاني وجيشه. مما دفع الملك الذي خانه بعض جنرالاته إلى تكليف الدرك الملكي بمراقبة الجيش، وفي نفس الوقت، كان يبحث عن خلفاء للضباط الذين سجنوا أو أعدموا عقب المحاولتين الانقلابيتين. وكان عبد العزيز بناني يتوفر على المؤهلات المثالية. ضابط منضبط وكفء لم يتورط لا من قريب أو بعيد في انقلابي 1970 و 1972، وكان ينحدر من منطقة الريف... في أواسط 1970، تم إلحاق عبد العزيز بناني مباشرة بالحسن الثاني، وكان ضمن اللجنة العسكرية المصغرة التي يستشيرها الملك للتحضير للمسيرة الخضراء. وحسب «تيل كيل» دائما، يتذكر أحد الطيارين قائلا: «الجيش لعب دوراً محورياً في تأطير وتموين المشاركين في المسيرة، حيث تمت تعبئة آلاف الضباط وضباط الصف والجنود والطيارين لهذه العملية». كانت المسيرة الخضراء ناجحة بكل المقاييس، وقرر الملك إبقاء بناني إلى جانبه، وأصبح العسكري الشاب رئيساً للأركان ملحقاً بالملك الحسن الثاني، وهو عبارة عن »ديوان عسكري مصغر ملحق بالملك ويتابع باسمه كل ما يجري في المنطقة الجنوبية التي كانت منطقة ساخنة آنذاك». انطلاقاً من سنة 1976، بدأ المغرب الحرب ضد جبهة البوليساريو، كانت المعارك عنيفة وخلفت الكثير من الخسائر بين الجانبين، كانت القوات المغربية تتحرك في ميدان لا تعرفه جيداً، وهو ما شكل نقطة ضعف بالنسبة لها. كانت قيادة المنطقة الجنوبية تتغير كل سنتين. الدليمي ثم بريطل ثم بنعيسى... كان كبار الضباط المغاربة يتتابعون في الصحراء. وجاء دور عبد العزيز بناني سنة 1977، حيث شارك في تكوين وتأسيس العديد من وحدات المدفعية وتشكيل هيئة أركان المنطقة الجنوبية. ويتذكر أحد الضباط الذين اشتغلوا إلى جانبه في الصحراء قائلا: »كانت لديه أفكار رائعة، لكن لم تكن له دائماً الوسائل لإنجازها«. وتميز عبد العزيز بناني بشكل خاص بصرامته وانضباطه، حيث وضع حداً لكل مظاهر التسيب وعدم الانضباط التي كانت تميز بعض كبار الضباط هناك، كان عسكرياً محافظاً وبسيطاً رغم انفتاحه على العالم. وبعد وفاة الجنرال الدليمي سنة 1983، أصبحت الطريق سالكة أمام عبد العزيز بناني، وكان عمره وقتها حوالي 50 سنة، وكانت فرصة عمره. لقد انخرط الرجل كلياً في بناء الجدار الرملي الشهير. حيث بدأ البناء سنة 1982، واستمر على مدى 6 سنوات. ويؤكد الخبراء أن «هذا الجدار كان فكرة جهنمية خارقة، سمح للجيش المغربي المنخرط في هذه الحرب بالتقاط الأنفاس وإعادة تنظيم الصفوف، ومنح أيضاً للقوات المغربية نقط مراقبة في أراضي صعبة معادية ومكشوفة دون أن ننسى أنه قلص كثيراً من هجمات قوات البوليساريو في المنطقة...». آنذاك رسم عبد العزيز بناني عن نفسه صورة الضابط الصارم، والذي لا يتعب. يتذكر ضابط تلك الفترة قائلا: «ترك عبد العزيز بناني حياته الخاصة جانباً ولم يكن يعيش إلا من أجل الصحراء. كان يقضي لياليه إلى جانب ضباطه يدرس معهم الخرائط ويأكل معهم شرائح لحم الجاموس...». وابتداء من أواسط سنوات 1980، انخرط المغرب في استراتيجية عسكرية جديدة تجاه جبهة البوليساريو المساندة بشكل قوي من طرف الجزائر وليبيا وكوبا. وجدد المغرب تسليحه وطور استراتيجياته «وهنا بدأ البوليساريو يعاني. ونجحت القيادة العسكرية المغربية في جر البوليساريو إلى حرب كلاسيكية، كانت القوات المغربية محصنة بشكل جيد بفضل الجدار الرملي، ومجهزة بشكل أفضل بفضل المعدات والأسلحة الجديدة التي اقتناها المغرب. وكان الجنرال عبد العزيز بناني يرأس قيادة المنطقة الجنوبية. حيث قاد باقتدار حرب الصحراء، ولكنه مؤهل أكثر لمعرفة أن إخلاص وتفاني العسكريين وتضحيات من حاربوا ما بين 1976 و 1984 هي التي جعلت منه الجنرال ذائع الصيت. وعندما تم توقيع وقف إطلاق النار سنة 1991، ظل 100 ألف جندي مغربي مرابطين في الجنوب. حيث نصب الجنرال بناني قيادته العامة في أكادير بالقرب من قواته، خاصة وأنه يعلم أن الصراع لم ينته بعد كانت الفترة كذلك مناسبة لقراءة الحصيلة، فإذا كان الجيش المغربي وبعد 15 سنة من المعارك قد استطاع وعرف كيف يصد هجمات البوليساريو ويحافظ على وحدة وسلامة الأراضي المغربية، فإنه فقد كذلك العديد من مقاتليه بعضهم وقعوا في الأسر. ويتذكر أحد الضباط المتقاعدين قائلا «كانت عمليات اختطاف الجنود كثيرة قبل بناء الجدار الدفاعي، وحتى بعد ذلك كانت قوات البوليساريو تهاجم بكثافة نقط المراقبة الواقعة على طول الجدار بهدف وحيد وهو اختطاف جنود مغاربة والتراجع بسرعة قبل وصول التعزيزات وخاصة التعزيزات الجوية». وحتى سنة 2003 (تاريخ الافراج عن آخر الأسرى) ظل هذا الملف من الطابوهات داخل الجيش المغربي. في نهاية 1999، توفي الملك الحسن الثاني بالرباط، وفي نفس الليلة كان كبار ضباط الجيش يتقدمون تباعا لتوقيع البيعة لخليفته في قاعة العرش. وما ما فعله الملك محمد السادس هو أنه حافظ على جنرالات والده، بل إنه رقاهم إلى أعلى المراتب في التراتبية العسكرية المغربية. وفي سنة 2004، استقبل الجنرال عبد العزيز بناني قائد المنطقة الجنوبية وعينه مفتشا عاما للقوات المسلحة الملكية. وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى غاية يوم الجمعة الماضي، وهو اليوم الذي استقبل فيه جلالة الملك الجنرال بوشعيب عروب وعينه خلفا له.