يبدو واضحا أن مصطفى الرميد وزير العدل والحريات مصر على اجتثاث كل فعل نقابي جاد يدافع عن المطالب المشروعة للعاملين بالقطاع، وما المواجهات التي قادها ضد النقابة الديمقراطية للعدل، النقابة الأكثر تمثيلية بالقطاع والعضو في الفدرالية الديمقراطية للشغل، والإجراءات المتخذة في حق المنتسبين لها، لخير دليل يؤكد هذه الحقيقة المرة التي تعاش في سياق الحوار الوطني بإصلاح العدالة بالمغرب وإقرار قضاء مستقل. وفي مقدمة هذه الإجراءات الاستئصالية للحرية النقابية، قرارات الاقتطاع على أيام الإضراب التي نفذت في حق شغيلة القطاع. ولكي يأخذ هذا القرار مشروعية قانونية ودستورية، عمدت وزارة العدل والحريات لإصدار مذكرة وعممتها ساعتها على الصحافة، تستند إلى عدد من الأرضيات القانونية المختلفة، بهدف إيجاد تبريرات تؤكد مشروعية الاقتطاع عن الإضراب بصفة قانونية ودستورية ، في تناس تام أن الدستور نص على أن الإضراب حق مشروع، كما هو معلوم أنه لم يحصل بعد أي توافق حول القانون المنظم للإضراب، سواء بين النقابات من جهة والحكومة والباطرونا من جهة أخرى. وخلال الأسبوع المنصرم، فاجأت وزارة العدل والحريات مرة أخرى النقابة الديمقراطية للعدل بإقدامها على اتخاذ قرار إعفاء يوسف الحمومي عضو المكتب الوطني لنفس النقابة من مسؤولية رئاسة مصلحة كتابة الضبط بابتدائية الرباط. ومن جانبه أمام هذا المستجد، ندد المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل العضو بالفدرالية الديمقراطية للشغل خلال اجتماع عاجل عقده يوم الخميس الماضي 24 أبريل 2014 بالرباط ، بهذا القرار الذي اتخذ في حق عضو مكتبها الوطني يوسف الحمومي المتمثل في الإعفاء من مسؤولية رئاسة مصلحة كتابة الضبط بابتدائية الرباط. إلى هذا، وصف رفاق عبد الصادق السعيدي هذا الإعفاء من خلال بلاغ صادر عن المكتب الوطني للنقابة، بأنه بداية لتدشين وزارة العدل والحريات لحلقة جديدة من المسلسل التصفوي للفعل النقابي الجاد والمكافح بقطاع العدل. وفي السياق ذاته اعتبرت النقابة الديمقراطية للعدل إعفاء الحمومي «حلقة ضمن سلسلة التضييق على الحريات النقابية بقطاع العدل واستهداف النقابيين، واستكمالا لقرارات وزارة العدل غير القانونية بدءا بالاقتطاعات إلى إعفاء فخر الدين بنحدو نائب الكاتب العام للنقابة من مهامه إلى تقييد حركة المسؤولين النقابيين». وطالبت النقابة الأكثر تمثيلية بالقطاع، وزارة العدل والحريات «بالتراجع الفوري عن قرار الإعفاء والوفاء بما تم الاتفاق حوله بخصوص وضعية المحكمة الابتدائية بالرباط بدل تقديم المسؤولين النقابيين قربانا لتوازنات هشة للتغطية على أجواء اللا استقرار التي يعيشها المشهد القضائي». وبهذا يظهر أن وزارة العدل والحريات مستمرة ومتمادية في إشعال فتيل التوتر، ليس فقط مع نادي قضاة المغرب الجمعية المهنية الممثلة لأكبر عدد من القضاة بالمغرب، فها هي مرة ثانية تفتح باب المواجهة من جديد مع النقابة الديمقراطية للعدل. من جهة أخرى اعتبر الرميد، أن لجوء القضاة إلى تنظيم الوقفات الاحتجاجية بالبذلة الرسمية أشبه بأسلوب الاحتجاجات التي يخوضها سكان البادية، معتبرا ذلك أسلوبا لا يليق بالقضاة الذين يجب أن يكونوا قدوة في السلوك وفي حسن التصرف، وإذا أرادوا أن يدافعوا عن مطالبهم فعليهم فعل ذلك بطريقة لبقة وسلسة، ليستدرك الأمر بعد هذا التشبيه غير المحسوب بالتأكيد على احترامه لأهل البادية. الرميد الذي كان يتحدث صبيحة يوم الجمعة المنصرم مع مجموعة من القضاة ببهو محكمة الاستئناف، على هامش تدشينه توسعة مقرها، أصر على الدفاع عن وجهة نظره حول ما بات يعرف بملف القاضي الهيني، معتبرا إحالته على أنظار المجلس الأعلى للقضاء جاءت بعد أن تأكدت المفتشية العامة للوزارة من ثبوت تهمة عدم الالتزام بواجب الاحترام والوقار لرؤسائه، مؤكدا أن قرار الإحالة يندرج في صميم حرصه على سيادة علاقة الاحترام بين القضاة، مؤكدا أن ما قام به القاضي الهيني يعد تجاوزا للحدود لا يمكن القبول به، وأن أي تساهل مع هاته السلوكيات من شأنه أن يفتح باب التسيب، فالقضاة إن لم يحترموا بعضهم البعض لن يحترمهم عامة الناس، خاصة أن صورة القضاء لدى الناس، يضيف الرميد، صورة مشوهة بالنظر لما يعرفه الجسم القضائي من سلوكات مشينة، موضحا أن القاضي إذا تجاوز حدوده إزاء رئيسه أو زميله بنسبة 10 % ، فإن الناس سيتجاوزون حدودهم مع القضاة ب 6000 %، ومن هذا المنطلق يوضح الرميد أن التغاضي عن مثل هاته الأمور سيقود القضاء إلى الهاوية وهو ما لا يمكن أن يقبل به، مشددا على أنه يقوم بواجبه ابتغاء مرضاة الله، ليختم حديثه بالدعاء للقضاة بالتوفيق والسداد. وفي تعليق له على ما فاه به وزير العدل، اعتبر أحد القضاة، في تصريح للجريدة، أن هذا التشبيه سقطة كبرى لا تليق بوزير للعدل والحريات الذي يجب أن يكون قدوة للجسم القضائي، مستنكرا التحقير المزدوج للقضاة ولسكان البادية على السواء، معتبرا أن الرميد إن كان يقصد تحقير القضاة بهذا التشبيه فنحن نفخر بأن يشبهنا بأهل البادية الذين هم في نهاية المطاف الآباء والأجداد الذين نفخر بهم لكونهم سهروا على تنشئة الآلاف من النخب التي تحتل مواقع نافذة ومؤثرة بمختلف الإدارات والمؤسسات ببلادنا، متسائلا عمن يجب متابعته حقا بتهمة عدم التقيد بواجب التحفظ والوقار واحترام السادة القضاء، ليختم المصدر تعليقه بالتأكيد على أن توالي التصريحات غير المحسوبة لوزير العدل وإصراره على توتير الأجواء وجر القضاة إلى اتخاذ مواقف صدامية، يكشف عن ضيق صدره وعدم استيعابه للتحولات الجوهرية التي أسست لها الوثيقة الدستورية عندما قطعت بشكل نهائي مع سلطة وزير العدل ووصايته على القضاة.