مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بريطانيا بين مطرقة الأزمات الاقتصادية وسندان الإصلاحات الطموحة    الجزائر والصراعات الداخلية.. ستة عقود من الأزمات والاستبداد العسكري    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء        التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    وسط حضور بارز..مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة تخلد الذكرى الستين لتشييد المسجد الكبير بالعاصمة السنغالية داكار    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    "مرتفع جوي بكتل هواء جافة نحو المغرب" يرفع درجات الحرارة الموسمية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة        "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مطول مع الاتحاد الاشتراكي: الباحث الاستراتيحي، غابرييل بانون يتحدث عن معاصرته لثلاث ملوك ويرصد تفاصيل اشتغاله مع ياسر عرفات، جورج بومبيدو، جيرالد فورد، فلاديمير بوتين وقائد الجيش الاسرائلي دان تولكوفسكي
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 15 - 02 - 2014

غابرييل بانون، مسيرة تجربة مهنية وشخصية حافلة وغنية. مساره المهني جعله يلتقي بأبرز الشخصيات في العالم، فقد اشتغل إلى جانب الرئيس الفرنسي الاسبق جورج بوبيدو، وكذلك الرئيس الامريكي الأسبق جيرالد فورد، وتعرف عن قرب عن فلاديمير بوتين وشغل منصب مستشار لقائد الجيش الاسرائلي دان تولكوفسكي ويتمتع بشبكة علاقات جعلته قريبا من دوائر القرار.
«الاتحاد الاشتراكي الاسبوعي» تلتقي غابرييل بانون، ابن رئيس الطائفة اليهودية في المغرب الأسبق، يعقوب بانون، وتسترجع معه بعض تفاصيل طفولته بالمدينة القديمة بالبيضاء ومصاحبته والده إلى القصر الملكي بالرباط، وأيصا مساره المهني والشخصي والنقابي والإعلامي.
} أنتم من مواليد مدينة الدارالبيضاء، ماهي ذكريات الطفولة التي تحتفظون بها عن هذه المدينة. عن حياتكم بين أبناء الطائفة اليهودية، والأشخاص الذين طبعوا مرحلة الطفولة والشباب؟
أنا لست فقط من مواليد مدينة الدارالبيضاء، لكنني أيضا «بيضاوي»، فقد ولدت بزنقة «طنجة» بالمدينة القديمة، وهكذا فذاكرتي مشبعة بكثير من ذكريات الطفولة لمغرب حي ومتحرك في تلك المرحلة. لقد غادرت المغرب وأنا في ربيعي الخامس عشر كي استكمل دراستي في الخارج، فأنا أبن رجل كبير مستعرب بامتياز.
} والدك، السيد يعقوب بانون..
بالفعل، فقد كان من المقربين من المغفور لهما جلالة الملك محمد الخامس على الخصوص، وجلالة الملك الحسن الثاني أيضا. تلقيت تربية جعلتني أربط علاقة حميمية بهذا البلد، لقد درست أولا كواحد من أبناء الطائفة اليهودية بالمغرب في المدارس اليهودية، ثم خلال عطلة الصيف كان والدي يرسلني إلى البادية كي أتعلم مبادئ الديانة الإسلامية في المسجد، وهذا ما مكنني من إنهاء حفظ القرآن «الخرجة»، الأمر الذي ساعدني بشكل كبير طيلة حياتي.
} أنتم من أبناء البيضاء، وأكيد أن ثمة شخصيات أثرت في مساركم وظلت عالقة بذاكرتكم. من هي ياترى؟
خلال مرحلة الطفولة، من بين الشخصيات التي تأثرت بها، كانت شخصية المغفور له جلالة الملك محمد الخامس، ذلك لأنني في كثير من الأحيان كنت أرافق والدي إلى القصر الملكي بالعاصمة الرباط، وحينها تعرفت أيضا على وزيره المقري (الصدر الأعظم)، أما بيتنا في الدارالبيضاء فقد كان مجمعا لكل العائلات، «بنجدية»، «بنجلون»، والأكيد، أن كل هؤلاء الاشخاص أثثوا بشكل أو بآخر طفولتي، فأنا مشبع بذكريات كبيرة ذات علاقةوطيدة مع الحياة في المغرب، بالرغم من أنني قد رسمت مسارا مهنيا بعيدا عنه في الخارج.
} وماذا عن الأمكنة التي ظلت راسخة في ذاكرتك؟
إنها «كازا» (البيضاء)، والمسبح البلدي، ثم الميناء الذي كان مجالي للعب والاستجمام، فقد كان بيت العائلة غير بعيد عن «المرسى»، كما انه يشدني الحنين إلى بلدة «ولاد زيان» حيث كنت أقضي عطلتي الصيفية، ثلاثة أشهر بالتمام والكمال، وهناك كنت أواظب على الذهاب إلى «الجامع» (المسجد)، وهناك تعلمت «ضريب القضيب» لنسج الجلباب رفقة «الفقيه». بالفعل، كل هذا مكنني من تجربة متكاملة.
} مهندس مدني، حاصل على إجازة في القانون، اقتصادي. هل لكم أن تتحدثوا إلينا عن مساركم الدراسي خلال فترة الاستعمار الفرنسي للمغرب، الذي كان يحاول أن يتمتع بنموذج تعليمي خاص به؟
إن تجربتي الدراسية، ومساري التعليمي مختلف بعض الشيء. فقد تابعت دراستي بثانوية ليوطي بالدارالبيضاء، وحينها طبق فيشي إجراء يقضي بإبعاد التلاميذ من ديانة يهودية عن الثانويات الفرنسية، منها «ليسي ليوطي»، لقد كان المغفور له الملك محمد الخامس وقتها من أشد معارضي هذا الإجراء «التمييزي»، الأمر الذي جعل السلطات الاستعمارية الفرنسية تتراجع عن هذا الإجراء، والعمل على الاحتفاظ بتلميذ من الديانة اليهودية في كل فصل دراسي، وهكذا حالفني الحظ، وكنت من بين الطلبة اليهود الذين تم الاحتفاظ بهم من قبل إدارة الثانوية. هذا الامتياز، بقدر ما مكنني من مواصلة دراستي بشكل هادئ، جعلني في قطيعة مع الشباب من أبناء طائفتي اليهودية في مدينة الدارالبيضاء، فلم نكن سوى واحد في كل فصل.
} تتمتعون بمسار غني، سواء على المستوى الشخصي أو العمومي. فقد كنتم شريكا للرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد وهينري كيسينجر، كاتب الدولة الأمريكي الأسبق. ماهي أقوى اللحظات التي طبعت مرحلة هذه الشراكة، وما كانت ثمارها سواء على المستوى الشخصي والمهني
بالنسبة إليكم؟
عندما كنت مستشارا في الصناعة للرئيس الفرنسي الأسبق، جورج بومبيدو، أتيحت لي الفرصة، غير ما مرة أن ألتقي وأتعرف على كل من الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، وهينري كيسينجر، كاتب الدولة الأمريكي الأسبق، وأيضا لاورنس إيغلبيرغر، وربطني علاقة صداقة متينة مع هؤلاء الأشخاص، وتوطدت العلاقة مع «لاري» (لاورنس إيغلبيرغر) لتصبح علاقة أشبه بعلاقة عائلية. فقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، وعلى الخصوص، لاورنس إيغلبيرغر، يقول لي مرارا و لفترة طويلة «ما الذي تفعله في فرنسا، لتأتي إلى أمريكا، فهنا يمكنك تفعيل وأجرأة كل ما تريد أن تقوم به، إن لأمر مؤسف». بما أنني من الحزب الدوغولي الفرنسي، اغتنمت فرصة فوز الاشتراكي فرانسوا ميتران في الرئاسيات الفرنسية، وجعلت منها ذريعة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فوجدت نفسي حينها على رأس مؤسسة للاستثمار، وبالتالي رئيسا على الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد، فقد كان عضوا بمجلس إدارة مؤسسة الاستثمار الذي كنت رئيسا له. لقد دام الوضع كذلك حوالي عقد من الزمن. بعد هذه التجربة الأمريكية، التي مكنتني من لقاء عدد من كبار الشخصيات الأمريكية، إلى فرنسا. أعتقد، أن الحظ كان حليفي، طيلة حياتي وسمح لي أن ألتقي وأتعرف على مجموعة من الشخصيات سوف يتحولون إلى صانعي القرار ببلدانهم.
فمازلت أتذكر ذلك، وقتها، فمباشرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. فمن بين زملائي في الدراسة، حينها بمدرسة العلوم التطبيقية بالعا صمة أوسلو ، كان الملك الحالي لدولة السويد. كما أنني كنت رئيسا لمجموعة «ألفا لاڤال»، استضفت لمدة تزيد عن ثلاثة أشهر ولي العهد حينها والملك الراحل الحسن الثاني في دورة تدريبية للتعرف على كيفية اشتغال المجموعة ومعاملها.
} أكيد أن فترة معرفتكم الرئيس الأمريكي الأسبق، جيرالد فورد كانت حافلة هي الأخرى بالذكريات؟
ما أثارني حقيقة هو شخصية الرئيس الأسبق جيرالد فورد، فكوننا شركاء في مؤسسة الاستثمار أمر سمح لنا بعقد لقاءات متواترة، و نلتقي بعضنا البعض بشكل منتظم وأصبحنا أصدقاء جيدين. وهذا الوضع، جعلني، بسبب الرغبة في إشباع فضولي، الذي يشدني إلى التعرف أكثر على سير المؤسسات الأمريكية، لا أتردد في طرح العديد من الأسئلة عليه. وعلى سبيل المثال، باغتته يوما بسؤال: لماذا يفضل كل رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية لعبة الغولف؟، فكان جوابه: «إنه المكان الوحيد الذي لا تتعرض فيه للتصنت»، وظل هذا الجواب راسخا في ذهني، لأنه نوع من المعرفة والتعلم الذي تتلقاه بلمسة عالية ومطبوعة بتميز صاحبها. كما أن الكل يتذكر، اليوم الذي تعثرت فيه قدماه وهو يهم بالنزول من الطائرة، فقد اختلفت التحليلات والقراءات، لكن الأمر بحسب ما علمته منه في ما بعد أنه كان حديث العهد بحمل نظارتين من جيل جديد، مزدوجة العدستين للنظر عن قرب وبعد في الآن ذاته، وكما تعرفون أنه كلما تم التوصل إلى تقنية جديدة يكون لرئيس الدولة قصب السبق في استعمالها، وما كان يضعه حينها، الرئيس السابق جرالد فورد، هي أول نظارة مزدوجة العدستين، لكن نسوا أن ينبهوا الرئيس انه يجب أن يغير اتجاه الرؤية كلما اراد النظر عن قرب أو بعد الأمر الذي لم يقم به فتعثر.
} من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، عشتم تجربة مستشار في الصناعة للرئيس السابق جورج بامبيدو، كيف تقيمون هذه التجربة؟
بادئ ذي بدء، لابد من الإشارة إلى أنه حينما وصل شارل دوغول الى سدة الحكم في الجمهورية الفرنسية سنة 1957، كنت وقتها في بداية مساري المهني في الميدان الصناعي، وكما سلفت الذكر، حالفني الحظ في التعرف على رئيس الدولة دوغول، وضربنا موعدنا للقاء في قصر الايليزي. بعد دردشة مقتضبة وتبادل أطراف الحديث، قال لي الرئيس شارل دوغول: «جميل أن تهتموا بمساركم المهني لكن يجب أن تخصصوا بعضا من وقتكم للمجتمع».. فكانت النتيجة أن اقترحني ضمن لجنة للتخطيط، فكانت بدايتي في الاهتمام بالشأن العام وهو الأمر الذي كان مناسبة للاشتغال فيما بعد رفقة الرئيس السابق جورج بوبيدو، الذي قدم الكثير للصناعة الفرنسية.
} وهل يمكن القول، أن فرنسا اليوم مدينة الرئيس السابق جورج بوبيدو بما قدمه في ميدان الصناعي؟
بالطبع، هذا أكيد، والجميع يعترف للرئيس السابق جورج بوبيدو بهذا، ولا أحد بإمكانه أن ينكر الجهود التي بذلها لتطوير الصناعة الفرنسية، فهو من أدخل فرنسا في وضع معالم صناعة وفلاحة حديثة، وهو من طور ووضع سياسة صناعية تعتبر أساس وإحدى ركائز الاقتصاد الفرنسي. ووقتها اقترحت خلق وزارة قائمة الذات تزاوج بين الصناعة والفلاحة تحمل اسم وزارة الصناعات الفلاحية والغذائية.
} غداة اتفاق أوسلو، ناداكم، الراحل ياسر عرفات، الرئيس السابق للسلطة الفلسطينية للاشتغال إلى جانبه كمستشار اقتصادي. هل كان ذلك اختيارا سهلا للإشتغال رفقة الرئيس ياسر عرفات أم كان أمرا صعبا؟
أتشبث على الدوام أن ياسر عرفات مات رئيسا، ولا أعتبره قط رئيسا سابقا. لقد كنت محظوظا بالعمل مع الرئيس ياسر عرفات ولحسابه لمدة تزيد عن عشر سنوات. وأنا معجب جدا بشخصيته. وأعتقد ان الرجل أسيء فهمه، فقد رسمت له بشكل طوعي أو إكراها صورة سيئة، والذين يعرفونه وعاشروه عن قرب يعلمون بحق أن للرجل من المزايا التي يتقاسمها رجال السياسة الكبار، الكثير. كان رجلا يتمتع بحدس قوي وبإحساس استباقي للأحداث، لقد كان شخصا ذا نظرة ثاقبة وقناعات واضحة.
} إذن هل كان الاشتغال رفقة الرئيس ياسر عرفات اختيارا أم كان
أمرا صعبا؟
الأمر بالنسبة لي ليس مسألة اختيار. لقد قدموا بحثا عني. فأنا لم أختر الاشتغال مع الرئيس ياسر عرفات. ذات يوم عندما عدت من العاصمة موسكو إلى باريس، اخبرتني زوجتي على التو، وفور وصولي أن ثمة اتصالا ملحا من أحد الأصدقاء الذي من الضروري أن أعاود الاتصال به على عجل لأمر مهم. وهذا الصديق لم يكن سوى والي بنك الجزائر السابق، اتصلت به. فقال لي «اسمع غابرييل، ياسر عرفات يريد أن يلتقي بك»، فكان ردي «ما هذا الذي تحكيه؟» فأنا حينها لم أكن أعلم شيئا عن الوضع في منطقة الشرق الاوسط، فكل ما أعرفه فقط كان ما أطالعه على صفحات الجرائد وما أتابعه في النشرات الإخبارية التلفزيونية. لقد كنت منشغلا بأعمالي. ووقتها كنت دائم السفر مابين فرنسا وروسيا، لقد كنت بعيدا عن المنطقة وحراكها. لقد أراد ياسر عرفات أن أكون مستشارا له، وبالنسبة لي، قلت، أن هذا لا يمكن بأية حال من الأحوال. فأن يهودي وهو زعيم المعارضين لإسرائيل. فقد ينقلب علي كل اليهود. قال لي الصديق «لا، لا الرئيس ياسر عرفات يعرف كل شيء عن حياتك. يحب أن توافق. وعلى أية حال إنه يريد أن يلتقي بك». قلت للصديق: «سأعاود الاتصال بك». بعدها رفعت السماعة واتصلت بنائب كاتب الدولة الامريكي حينها لاورنس إيغل بيرغر، قلت له ماذا يحدث فكان جوابه «اسمع، غابرييل، ان على علم بالموضوع، والاحسن الاتصال بالمكلف بملف فلسطين في الشرق الاوسط بالخارجية الامريكية، دنيس روس»، وبعدها اتصلت بمستشار الراحل الرئيس ايزاك رابين، فقال لي نحن على علم بالأمر «إفعل ما بدى لك.. فالمسألة تعتبر بالنسبة إلي مشكلة». وفي حقيقة الأمر، فالأمريكيون من اقترحوا عليه ثلاثة أسماء من بينهم كان إسمي، فقيل له أنه في حاجة لمستشار يعرف ميكانزمات الدولة وكيفية تنظيم اقتصاد الدولة. لقد طرحت يوما السؤال، على الرئيس عرفات، بعدما اصبحنا صديقين كبيرين، وقلت له : مالذي جعل اختيارك يقع على شخصي فقال لي، في حين كانت بين يديك اسماء أخرى. فكان رده: «نعم، نعم. لأنك يهودي وودت أن أبين للعالم أن اتفاقات أوسلو ليست مسخرة وأنه بالنسبة لي هي صفحة من التاريخ قمت بطيها».
} أين تم اللقاء بينكم و الرئيس ياسر عرفات؟
تم اللقاء في العاصمة البريطانية لندن في حدود منتصف الليل، فقد كان الرئيس ياسر عرفات يحب الاشتغال ليلا، وذلك اسابيع بعد اتفاقات أوسلو.
} بهذا يمكن القول إن الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لم يكن بالنسبة إليك في هذه المرحلة عائقا لاتخاذ مثل هذا القرار للعمل الى جانب الرئيس
ياسر عرفات؟
لا، لاأعتقد، وأقول لكم، أنه قد تطرحون السؤال لاحقا، كيف لكم وأنتم يهودي وافقتم على شغل منصب مستشار اقتصادي للرئيس ياسر عرفات؟، الذي كان عدوا، ليس لليهود، وهو الذي كان دائما يقول أن ليس لدينا مشكلة مع اليهود بل هي قضية صراع بين الفلسطينيين والاسرائيليين. فليس لدي إحساس بالذنب، كوني إذا ما ساعدت الرئيس ياسر عرفات على اقامة دولة فلسطينية وناضلت من أجل ذلك فالنفع سيعود على الدولة الاسرائيلية ، إذن فإنني أديت خدمة لإسرائل كما فلسطين. واعترف أنه لم يحدث أن اعترضتني مشكلة مع الفلسطينيين.
} لكن كنت تعرضت للانتقادات من قبل المجتمع اليهودي والاسرائيليين؟
نعم من جانب اليهودي، وليس من جانب الاسرائيليين، حيث تم انتقاد الوضع من الطائفة اليهودية في باريس وأسرتي كذلك في المغرب، فقد انقسما حول الموضوع ولكن كان له رأي فيه، فمنهم من رأي أني فعلت حسنا للعمل من أجل السلم ومنهم من قال إني خائن. فبعد، اتفاقات أوسلو، كان هناك تهديد لثلاثة أشخاص، اسحاق رابين، شيمون بيريز وأنا غابرييل بانون. وقد اخذت الامر عن جد، وعشت سنتين بمراقبة أمنية لصيقة. لقد ألفت كتابا عن تجربة عشر سنوات رفقة عرفات والعنوان «الذاكرة المشتركة» كان من اقتراح الرئيس ياسر عرفات، حيث كان مثلي عرضة للسؤال عن كيف اختارني، وهو السؤال الذي طرحه عليه حسني مبارك أيضا كما طرحه علي الكثيروون، لكن كانت له رؤية خاصة كجواب «انه عندما يحصل التفاهم بين شخصين فهما بالتالي يتقاسمان ذاكرة واحدة»..
} كانت لكم علاقات وطيدة مع الرئيس ياسر عرفات
لقد وجدت الرئيس ياسر عرفات حزينا حزنا كبير، وهذا قد لا يروق للبعض، بعد وفاة الرئيس السابق إسحاق رابين، لقد كانت تجمعهما صداقة كبيرة، رجلان يتفاهمان بشكل كبير، الرئيس ياسر عرفات كان يفهم مشاكل إسحاق رابين وهذا الأخير كان يتفهم مشاكل الرئيس ياسر عرفات. ولهذا اخذت المفاوضات في عهدهما منحى تصاعديا. وما تصريحه غداة اغتيال الرئيس اسحاق رابين «أن باغتيال اسحاق رابين تم قتل مسلسل السلام» فكان الأمر كان حقيقة» والدليل أن لحد اليوم لم تتحرك مسلسل السلام ولا المفاوضات. والمرة الوحيدة التي رمقت فيها الرئيس ياسر عرفات بلباس مدني، دون كوفية، فعندما توجه خلسة لتقديم التعازي لزوجة إسحاق رابين في تل أبيب، كما كانت اقوى لحظات فرحه عندما رأت إبنته من سها النور، فرح ممزوج بالقلق، فقد كان الجميع يريد أن يرزق إبنا كي يحمل اسما مثل «أبو كذا»، كما كان رجل نكتة ويجب الانبساط، فقد وصل الى علمي أن الرئيس ياسر عرفات قال لمقربيه بعد علاقتنا أن «غابرييل لم يكذب علي قط».
} فرنسا، الولايات المتحدة الأمريكية، ثم روسيا. هل اختياركم، مستشارا لديها يعني أن موسكو تراهن على العالم العربي. وهل المغرب يعتبر دائما من بين البلدان ذات الأولوية لديها؟.
لقد تعرفت على ڤلاديمير بوتين، قبل أن يصبح رئيسا لروسيا أو عمدة لمدينة سان بيترسبورغ. لقد تعرفت عليه عندما كان رئيس الاستخبارات الروسية في ألمانيا «كا.جي. بي»، وتعرفت عليه في العاصمة الفرنسية باريس عندما قدم إليها لزيارة زميله أوري روبينسكي، الذي كان المستشار الأول في السفارة الروسية في فرنسا، وحضرا معا ندوة نظمتها عبارة عن مواجهة ما بين مدير مقاولة من الشرق ومدير مقاولة من الغرب، حيث كنت حينها نائب الرئيس الوطني لجمعية للمقاولين، التي تحولت في ما بعد إلى «المقاولون الشباب»، جمعتنا في ليلة مأدبة عشاء وهكذا تعرفنا على بعضنا البعض، وناقنشنا عددامن القضايا وتبادلنا وجهات النظر، لم أكن أعرف حينها أنه رئيس «الاستخبارات الروسية» في ألمانيا، بل لمست فيه الاقتصادي والملم بالعديد من القضايا الراهنة. وبعد، تفكك الاتحاد السوفياتي، تم التفكير في إحداث معهد فرنسي روسي يعنى بالتفكير في قضايا الاقتصاد والثقافة، وتم اقتراحي رئيسا له. وعندما أصبح فلاديمير بوتين، رئيسا لروسيا، و بما أنني لا أحمل الجنسية الروسية كي أكون مستشارا للرئيس، فقد تم التفكير في إحداث مجلس للأمن الاقتصادي للفيدرالية الروسية، وبالتالي أصبحت رسميا مستشارا لدى هذا المجلس، الذي يتكون من شخصين بالإضافة إلى فلاديمير بوتين. وكنت حينها مستشارا لدى المجلس بخصوص السياسة العربية، واقترحت أن السبيل لأجل علاقات وثيقة مع بلد ما لا يمكنها أن تعرف طريقها إلى التحقق إلى من خلال تطوير علاقات اقتصادية متينة وتعاون ثقافي حقيقي.
} أنتم اليوم مستشارا، لدى رئيسي دولتين. هل لنا أن نعرف منهما، وماهي مجالات الاستشارة التي تشتغلون معما بشأنهما؟
نعم، وأين المشكلة. تعرفون جيدا أن المستشارين لا يفصحون أبدا عن أسماء الأشخاص الذين يشتغلون لديهم كمستشارين وإن كانوا عاديين، فما بالك بأسماء رؤساء دول؟. إن من يمتلك الحق في الإفصاح عن أسماء مستشاريهم، هم رؤساء الدول. وبالرغم من ذلك، فأنا مازلت مشتشارا لبلد عربي، الأكيد أنه ليس من بلدان شمال إفريقيا، وكذلك مستشارا لدى رئيس بلد من أفريقيا السوداء. وتعرفون أنه سبق لي شغلت منصب مستشار في بلد إفريقي لمدة ست سنوات، وكان ذلك لدى رئىس غونغو برازافيل، الرئيس باسكال ليسوبا.
} عايشتم ثلاث حقب من الملكية ورافقتم الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، والآن تعيشون حقبة ملك جلالة الملك محمد السادس. والدكم، يعقوب بانون، رئيس الطائفة اليهودية السابق، كان من فقهاء القانون المقربين إلى المغفور له الملك محمد الخامس، هل سبق وطُلب منكم أن تقدموا استشارات لدى القصر؟
ليست لدي علاقات مع القصر. إن علاقتي بالقصر تنحصر في مرحلة طفولتي، كانت لدي علاقات صداقة مع الأمير مولاي الحسن عندما كان يافعا، وكانت علاقة دائما نابعة من اصطحاب والدي لي معه إلى الرباط. والحقيقة أنه من سن 12 أو 13 سنة، لم أعد أزر القصر.
} ماهي الذكريات التي تحتفظ بها من هذه الزيارات للملك
الراحل الحسن الثاني؟
إن الملك الراحل الحسن الثاني، باعتباره ملكا، كان بالنسبة لي ملكا عظيما، وأحتفظ له في ذاكرتي بصورة رجل سلطوي، لكن يتمتع بمعرفة موسوعية بأفق استثنائي.
} وحين كان ولي عهد شاب؟
كان مثله مثل الشباب أقرانه مرحا، يحب الاحتفال، كنا قلة قليلة من الشباب من حوله. كان هناك طول سونوف، الذي كان صديقا مقربا من ولي العهد، وعبد الهادي بوطالب، وعبره تعرفت على المهدي بنبركة، الذي كان أستاذ لولي العهد، وللإشارة، فقد ناضلت منذ البدايات في الاتحاد المغربي للشغل، إلى جانب محجوب بن الصديق والطيب بوعزة، وقد أخذوا بمقترحي لإنشاء أول مدرسة نقابية بعد الاستقلال، وكنت أنا من قدمت، حينها، الدرس الأول لهذه المدرسة بحضور المغفور له الملك محمد الخامس ومحجوب بن الصديق، ولازلت احتفظ بصورة لهذا الحدث. وأعتقد إنه لدي ماض نقابي قوي وحافل أيضا. لقد كانت أسرتي بمثابة صورة وانعكاس للحياة المشتركة مابين المسلمين واليهود بالمغرب، وهو الأمر الذي نفتقده اليوم. وهذا ما يجعلني انتفض كلما لاحظت أشخاصا تتملكهم الرغبة، لأسباب ايديولوجية، حذف جزء من تاريخنا المشترك.
} لديكم تجربة عسكرية في مرحلة الشباب، وخلال خدمتكم العسكرية في إسرائيل، كنتم مستشارا لقائد سلاح الجو الاسرائيلي دان تولكوفسكي. هل عشتم خلال هذه المرحلة ضغط الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟
باعتباري طالبا كنت أستفيد من وقف تنفيذ الخدمة العسكرية إلى غاية إنهاء الدراسة. غير أنه كان من الضروري التحضيرات العسكرية والتحضيرات العسكرية العليا وهكذا اخترت سلاح الجو في مرحلة التدريب، واخترت الطيران، بما أن تكوني الأساسي كان الهندسة. ووضعت في المصلحة التقنية للقواعد الجوية، وحينها كانت فرنسا قد أعلنت عن صنع سلاح الجو «ميستر4»، التي أصبحت واحدا من المتخصصين التقنيين في هذا السلاح. وبما أن إسرائيل اقتنت طائرات «ميستر4» من فرنسا، فكنت أنا من رافقها الى إسرائيل للسهر على تسليمها وتقديم الاستشارة لقائد سلاح الجو الإسرائيلي دان تولكوفسكي حول كيفية تنظيم القواعد، ونظم العتاد غير أن هذا كان باعتباري ضابطا فرنسيا. وقد قضيت بالجيش الإسرائيلي سنة ونصف مدة خدمتي العسكرية كمستشار لدان تولكوفسكي، وتزامن ذلك مع حرب ستة أيام دفعت القائد دان يعرض علي عقدا مباشرا، وهذه الفترة لم أخفيها قط، ومساري واضح وأحب الشفافية و الاستقلالية كذلك.
} بعد كل هذا المسار الغني، تحتفظون بحبكم وشغفكم بمهنة الصحافة.
أين مكمن السر؟
هذا حقيقي. تعرفون أن حبي لمهنة الصحافة أمر أحمله معي منذ طفولتي، فعندما كنت أتابع دراستي في فرنسا، كنت أمارس النقد المسرحي من أجل ربح بعض المال، و بعد مرحلة الدارسة، كنت أتعاون وأرسل مقالات إلى صحيفة «ماروك بريس»، وكنت حينها أكتب مقالات حول رياضة المسايفة، التي كانت رياضة شعبية. فأنا بطل سابق للمسايفة، كما سبق لي أن ألفت العديد من الكتب، عددها سبعة إلى اليوم، والأول ألفته وعمري لا يتجاوز 20 سنة، كما أنه عندما أسست أسبوعبة «ماروك ريبدو»، كنت أساهم بعمود أسبوعي على صفحاتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.