في غمرة أجواء الاحتفاء بالذكرى 38 للمسيرة الخضراء المظفرة والذكرى 58 لعيد الاستقلال يخلد الشعب المغربي هذه السنة الذكرى 57 لانطلاق عمليات جيش التحرير بالجنوب والذكرى 56 لانتفاضة قبائل آيت باعمران، هذه الملاحم التي مثلت محطات بارزة ووازنة في مسيرة الكفاح الوطني من أجل استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية. لقد خاض المغرب عبر التاريخ نضالات مريرة وملاحم بطولية في مواجهة الاستعمار الذي لم يذخر جهدا لبسط نفوذه وهيمنته على التراب الوطني قرابة نصف قرن فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ موزعة بين الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الأسبانية بشماله وجنوبه فيما خضعت منطقة طنجة لنظام دولي، وهذا ما جعل مهمة تحرير التراب الوطني صعبة وعسيرة، قدم العرش والشعب في سبيلها كل غال ونفيس في سياق كفاح وطني عالي المقاصد متلاحق المراحل طويل النفس ومميزا لصيغ لتحقيق الحرية والاستقلال والوحدة والسيادة الوطنية. ومن الصفحات المشرقة في سجل التاريخ النضالي والأمجاد الوطنية، يجدر الوقوف عند روائع ومنارات وضاءة على درب التحرير. فمن الانتفاضات الشعبية كحركة الشيخ أحمد الهيبة بالجنوب سنة 1912 إلى معركة الهري بالأطلس المتوسط سنة 1914 إلى معارك أنوال بالريف سنة 1921 إلى معارك بوغافر بتنغير ومعارك جبل بادو بالرشيدية سنة 1933 وغيرها من المحطات التاريخية الطافحة بالمواجهات والمقاومات ضد المحتل الاجنبي كما اتخذت اشكال وأساليب النضال السياسي كمناهضة ظهير التمييز بين أبناء الوطن الواحد والتفريق بين العرب والبربر سنة 1930 وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و 1936 فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944 وهي مراحل جاهد بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه لبلورة توجهاتها وأهدافها ورسم معالمها وإذكاء إشعاعها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين في 18 نونبر 1927، حيث جسد الملك المجاهد قناعة شعبه في التحرير وإرادته في الاستقلال، ومثل بنضاله المستميت وتضحياته الجسام رمزا للمقاومة والفداء، ووقف معلنا ومجددا مطالب المغرب في الحرية والاستقلال ومؤكدا انتماءه العربي الإسلامي في خطاب طنجة التاريخي في 9 ابريل 1947 مؤكدا العزم على إنهاء الوجود الاستعماري وتمسك المغرب بمقوماته الأصيلة وثوابته العريقة . وستتواصل وستتعزز هذه المواقف الرائدة والوازنة بمبادرات وتوجهات جلالته رضوان الله عليه في التصدي لكل أشكال الهيمنة الاستعمارية ومحاولات طمس الهوية الوطنية وإدماج المغرب فيما سمي بالاتحاد الفرنسي ، وبلغ التحدي بسلطات الإقامة العامة الفرنسية حدا الإقدام على مؤامرتها الشنيعة وفعلتها النكراء بنفي بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس ورفيقه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني رضوان الله عليهما والأسرة الملكية الشريفة في 20 غشت 1953 اعتقادا منها بأنها بهذا الاعتداء الجائر ستفك الميثاق التاريخي بين الحركة الوطنية ورائدها وستفصل بين العرش والشعب وتحذ من جذوة الكفاح المتقد والمتوهج. إلا أن تداعيات هذه المؤامرة لم تزد السلطان الشرعي إلا صمودا وتمسكا بالدفاع عن مقدسات وطنه، ولم تزد المغاربة إلا قوة في النضال وتفجير طاقاتهم الثورية من أجل عودة الشرعية ورجوع الملك المجاهد وأسرته الكريمة من المنفى وإعلان الاستقلال وهو ما تحقق في 16 نونبر 1955 بعودة الشرعية ورجوع بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس والأسرة الملكية الشريفة من المنفى إلى أرض الوطن مظفرا منصورا حاملا لواء الحرية والاستقلال، وهي المحطة التاريخية التي يخلد الشعب المغربي من أقصاه إلى أقصاه هذه الأيام ذكراها الثامنة والخمسين في أجواء غامرة بالاعتزاز والإكبار والوفاء والبرور لقائدها الخالد بطل التحرير ولأمجاد عيد الاستقلال. لم يكن انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والاستقلال إلا بداية لملحمة الجهاد الأكبر لبناء صروح المغرب الجديد الذي كان من أولى قضاياه ومهماته الأساسية تحرير ما تبقى من التراب الوطني من نير الاحتلال والنفوذ الأجنبي. وفي هذا المضمار تواصلت مسيرة الكفاح الوطني وكان انطلاق طلائع وقوات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 تعبيرا قويا يجسد إرادة العرش والشعب في استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية . وهكذا خاض أبناء القبائل الصحراوية وإخوانهم المجاهدون الوافدون من كافة الجهات والمناطق المحررة غمار عدة معارك بطولية على امتداد ربوع الساقية الحمراء ووادي الذهب. واكتسح أبطال جيش التحرير الربوع المجاهدة في الأجزاء المغتصبة من التراب الوطني بالاقاليم الصحراوية ليحققوا ملاحم بطولية وانتصارات باهرة لم تجد القوات الاسبانية أمامها إلا أن تتحالف مع القوات الفرنسية فيما سمي بعملية ايكوفيون. ومن هذه المعارك البطولية نذكر معارك الدشيرة والبلايا والمسيد وأم العشار والرغيوة واشت والسويحات ومركالة وغيرها من الوقائع التي ما من شبربربوع الصحراء الا ويخلد ذكرها وأبطالها. ومن معارك التحرير أيضا كان يوم 23 نونبر 1957 يوما خالدا في تاريخ المغرب، حينما انتفضت قبائل آيت باعمران ضد الاستعمار مواصلة مواقفها الوطنية لتدخل في معارك طاحنة تلقن خلالها المحتل درسا في الوطنية حيث شهد هذا اليوم هجومات مركزة على ستة عشر مركزا اسبانيا في آن واحد، تراجع على اثرها الاسبان الى الوراء ليتحصنوا بمدينة سيدي ايفني،وقد دامت هذه المعارك البطولية حتى الثاني عشر من شهر دجنبر من نفس السنة،تكبدت خلالها قوات العدو خسائر فادحة في الارواح والعتاد بالرغم من قلة عدة وعدد المجاهدين الباعمرانيين ومحدودية امكانياتهم ومن هذه البطولات الخالدة نذكر معارك : تبلكوكت، بيزري،بورصاص،تيغزة،امللو، بيجارفن،سيدي محمد بن داوود،الالن تموشا،ومعركة سيدي ايفني وتمكن مجاهدو قبائل آيت باعمران من اجبار القوات الاسبانية على التمركز بسيدي ايفني، كما اقاموا عدة مواقع امامية بجوار المواقع الاسبانية كي لايتركوا لقواتن الاحتلال مجالا للتحرك. وتواصلت مسيرة التحرير المباركة على كافة الواجهات الوطنية وفي المحافل الدبلوماسية الدولية وظل الملك المجاهد جلالة المغفور له محمد الخامس رضوان الله عليه يجاهر بحق المغرب في تحرير صحرائه ومن ذلك خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 يبراير 1958 حيث استقبل جلالته مجددا وفود وممثلي واعيان قبائل الصحراء الذين هبوا رغم الحصار المضروب على مناطقهم للقاء الملك المجاهد وتجديد البيعة له وتأكيد تجندهم دفاعا عن مقوماتهم وهويتهم الوطنية. وقد عرفت سنة 1958 كسب رهان من رهانات مسيرة استكمال الوحدة الترابية تمثل في استرجاع منطقة طرفاية. وواصل المغرب بقيادة جلالة المغفور له الحسن الثاني مسيرة التحرير بكل عزم وإيمان. وتمكنت بلادنا بفضل الالتحام الوثيق بين العرش والشعب من استعادة مدينة سيدي إفني في 30 يونيه 1969 وتكللت المساعي والتحركات النضالية بالمسيرة التاريخية الكبرى مسيرة فتح المظفرة في 6 نونبر 1975 التي جسدت متانة التعبئة الوطنية وعمق الايمان دفاعا عن المقدسات الدينية الوطنية وعبقرية ملك استطاع بحكمته وحنكته وبعد نظره أن يحقق استرجاع الأجزاء المغتصبة من الوطن. وهكذا سارت مواكب المتطوعين والمتطوعات لتحطيم الحدود الوهمية وصلة الرحم بأبناء الوطن، وكان النصر حليف الارادة الوطنية للمغاربة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، لترتفع راية الوطن خفاقة في سماء العيون في 28 فبراير 1976 ايذانا بجلاء آخر جندي أجنبي عن الصحراء المغربية. وكذلك كان يوم 14 غشت 1979 الذي تم فيه استرجاع وادي الذهب الى حظيرة الوطن الاب محطة بارزة وحاسمة في مسلسل ملحمة الوحدة الوطنية وإنهاء فترة من التقسيم والتجزئة التي عانى منها طويلا أبناء الوطن الواحد. قد تواصلت ملحمة صيانة الوحدة الترابية بكل عزم وإصرار لإحباط مناورات خصوم وحدتنا الترابية التي لم تزدها إلا رسوخا ووثوقا وتعبئة شاملة ومستمرة لمواجهة كل التحديات الخارجية والتصدي لكل المؤامرات الانفصالية. وها هو المغرب اليوم بقيادة رائده الهمام باعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس نصره الله يقف صامدا في الدفاع عن حقوقه الراسخة وتثبيت مكاسبه الوطنية مبرهنا بإجماعه الوطني استماتته في صيانة وحدته الثابتة ومؤكدا للعالم أجمع من خلال مواقفه الحكيمة والمتبصرة إرادته القوية وتجنده التام دفاعا عن مغربية صحرائه وعمله الجاد والمتبصر لإنهاء كل أسباب النزاعات المفتعلة وحرصه الصادق على تقوية أواصر الإخاء والتعاون وحسن الجوار بالمنطقة . وبهاتين المناسبتين الخالدتين تجدد أسرة المقاومة وجيش التحرير وقوفها الدائم وتعبئتها الموصولة وراء القيادة الحكيمة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله لمواصلة السير قدما على درب الملاحم والمكارم لتثبيت وحدتنا الترابية، والاستعداد الدائم والموصول لبذل كل التضحيات في سبيلها، وإن ما يوحي به تخليد هذه الذكريات الوطنية العطرة والمجيدة هو إبراز ما تزخر به من قيم ومعاني سامية لتنوير أذهان الناشئة والأجيال الصاعدة بأقباسها في مسيرات الحاضر والمستقبل إعلاء لصروح المغرب الجديد وصيانة لوحدته الترابية ومكاسبه الوطنية. وقد جدد صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء المظفرة العزم على صيانة الوحدة الترابية وتثبيت المكاسب الوطنية كما كشف النقاب عن مسؤولية الجزائر في تأبيد هذا الصراع المفتعل حيث قال حفظه الله في هذا السياق: ‹› إنني لا أريد أن أدخلك في الجوانب القانونية والسياسية لقضية وحدتنا الترابية، ومختلف قرارات مجلس الأمن ذات الصلة التي سبق لي أن تكلمت عدة مرات بشأنها. ولكني سأوضح لك الأسباب وراء بعض المواقف المعادية للمغرب. إن بعض الدول تكتفي بتكليف موظفين بمتابعة الأوضاع في المغرب. غير أن من بينهم، من لهم توجهات معادية لبلادنا، أو متأثرون بأطروحات الخصوم. وهم الذين يشرفون أحيانا، مع الأسف، على إعداد الملفات والتقارير المغلوطة، التي على أساسها يتخذ المسؤولون بعض مواقفهم. هذا كلام أقوله لك، شعبي العزيز، لأول مرة، ولكني أقوله دائما، وبصفة خاصة لمسؤولي الدول الكبرى، وللأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة ومساعديه.غير أن السبب الرئيسي في هذا التعامل غير المنصف مع المغرب، يرجع، بالأساس، لما يقدمه الخصوم من أموال ومنافع، في محاولة لشراء أصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا، وذلك في إهدار لثروات وخيرات شعب شقيق،لا تعنيه هذه المسألة، بل إنها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي››. إن المغرب الذي ناضل بكل إيمان مسترخصا أغلى التضحيات من اجل الذود عن كيانه وهويته، سيظل يقظا صامدا في وجه كل التيارات المعادية، مدافعا بالحجة والبرهان تثبيتا لحقه، ومجندا لدحض كل الأباطيل والافتراءات والأطماع العدوانية، مؤمنا في الوقت نفسه بقيم السلام والحوار وحسن الجوار ومساهما من أجل إنجاز المطامح المشروعة للشعوب المغاربية وتطلعاتها إلى الاتحاد والتكامل في العالم المعولم الذي لا مكان فيه للكيانات الضعيفة والأقطار غير المتكتلة. وقد أظهر المغرب الدليل تلو الدليل على حسن نواياه وصدق إرادته وصفاء طويته في إنهاء النزاع المفتعل حول الأقاليم الصحراوية المغربية بكل حكمة وتبصر وبعد نظر، وعبر بالواضح عن توجهاته البناءة ومساعيه الحثيثة لخلق وإذكاء روح الإخاء والتضامن والتعاون. وسيظل المغرب متشبعا بهذه الروح الإنسانية ومكارم الأخلاق والمثل العليا مجندا على الدوام تحت القيادة الحكيمة لباعث النهضة المغربية جلالة الملك محمد السادس نصره الله فاعلا ومناضلا من اجل تحقيق المقاصد السامية والأهداف النبيلة ومجندا بإجماعه الوطني وبكل قواه صيانة لوحدته وسيادته الوطنية فالصحراء مغربية وستبقى مغربية، والمغرب قوي بعدالة ومشروعية قضيته وبالتفاف المغاربة أجمعين من طنجة إلى الكويرة وتشبثهم بقيم ومسلكيات الوطنية الحقة والمواطنة الايجابية شعارهم الخالد الله الوطن الملك. المندوبية السامية لأسرة المقاومة وجيش التحرير