يبدو أن الحكم المؤقت في مصر يسعى إلى إنهاك جماعة «الإخوان المسلمين» داخل ساحات القضاء، بعدما نجح في تقويض نشاط مناصريها في الشارع. فبالإضافة إلى قضايا عدة يواجهها الرئيس المعزول محمد مرسي وكبار رموز الجماعة بتهم «التحريض على العنف وقتل المتظاهرين»، بات واضحاً أن الجماعة تخوض «ماراثونا» للدفاع عن وجودها القانوني، إذ خسرت أول أمس طعنا قدمته للمطالبة بوقف تنفيذ حكم قضائي سابق بحظر نشاطاتها وحل جمعيتها ومصادرة أموالها. ورفضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة ، طعنا من «الإخوان»، بل وأمرت الحكومة بالاستمرار في تنفيذ حكم الحظر. لكن هذا الحكم ليس نهائياً، إذ يحق للفريق القانوني ل «الإخوان» التقدم باستئناف جديد أمام محكمة جنح مستأنف القاهرة، والتي يمكنها أن تبت بشكل نهائي في القضية ، سواء برفض الاستئناف أيضاً وتثبيت حكم حظر الجماعة ، أو قبوله وبالتالي رفع الحظر عن «الإخوان». وتعد دعوى الاستشكال بمثابة دعوى فرعية تُقام من أجل إيقاف التنفيذ بصورة موقتة لحين الفصل في الاستئناف على حكم أول درجة. وكانت اللجنة القانونية في الجماعة أقامت استشكالاً لوقف تنفيذ الحكم الذي كان صدر في 23 سبتمبر الماضي وتضمن حظر أنشطة تنظيم «الإخوان المسلمين» في البلاد، وحل الجمعية التي كانت أسستها الجماعة مطلع العام الحالي، والتحفظ عن أموالها العقارية والسائلة والمنقولة. واتخذت الحكومة المصرية بالفعل قراراً بتعيين مساعد أول وزير العدل المستشار عزت خميس رئيساً للجنة إدارة أصول وأملاك الجماعة والجمعية. وتوارت تظاهرات نفذها طلاب جماعة «الإخوان» في عدد من الجامعات المصرية، من حيث عدد المشاركين فيها والزخم المصاحب لهم، خلف احتشاد المئات من عناصر مشجعي كرة القدم «ألتراس أهلاوي» أمام دار القضاء العالي في قلب القاهرة احتجاجاً على حبس 25 من زملائهم على ذمة أحداث العنف التي جرت أخيراً في محيط مطار القاهرة الدولي. مرسي النزيل 11253 يرتدي ملابس الحبس الاحتياطي وفي موازاة ذلك، كشف مصدر أمني تفاصيل عن أول أيام الرئيس المعزول محمد مرسي داخل محبسه في سجن برج العرب المتاخم لمدينة الإسكندرية الساحلية شمال غربي القاهرة، حيث يمضي فترة سجنه الإحتياطي على ذمة قضية اتهامه ب »التحريض على قتل المتظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي مطلع دجنبر الماضي. وذكر بأن مرسي حصل على عنوان «النزيل رقم 11253»، وأنه ارتدى ملابس السجن الاحتياطي البيضاء، لكنه رفض تناول طعام السجن. وزاره بشكل استثنائي رئيس ديوان رئاسة الجمهورية السابق رفاعة الطهطاوي الذي أحضر له ثلاث حقائب ملابس، تم تفتيشها من قبل إدارة السجن. كما رفض مرسي تناول وجبة السجن والمكونة من «عدس وخبز وثمرة برتقال»، وتم السماح له وعلى حسابه الخاص بتناول وجبه دجاج من «مطعم» السجن. وكان مرسي قد تحدى محاكمته التي جرت أول جلساتها في القاهرة يوم الإثنين الماضي، حيث ظهر داخل القفص مرتدياً بدلته الرسمية، رافضاً الاعتراف بالمحاكمة، وظل يردد أنه «الرئيس الشرعي للبلاد». لكن المصدر الأمني أكد ل »الحياة« أن مرسي التزم تعليمات السجن المحتجز فيه (سجن العقرب)، وأنه ارتدى الزي الأبيض الخاص بالمحبوسين احتياطياً، ووقع على إقرار بالتزامه بتعليمات السجن، وهو الإقرار الذي يوقع عليه كل نزيل جديد في السجن. كما تسلم مرسي المهمات الخاصة بالمحبوسين احتياطياً. وأشار المصدر إلى أن الرئيس المعزول بدا عليه الانفعال الشديد، خصوصاً مع صغار الضابط، وقال لهم في حضور مساعد وزير الداخلية للسجون «يا ظلمة.. انتم مضحوك عليكم.. فأنا الرئيس الشرعي». في غضون ذلك، أمر النائب العام المستشار هشام بركات بإحالة 57 متهماً إلى المحاكمة الجنائية العاجلة بتهمة أنهم ارتكبوا، بحسب ما أوضح بيان للنيابة العامة، أحداث العنف والبلطجة وتعطيل المواصلات وإحراز الأسلحة البيضاء أمام مشيخة الأزهر وفي منطقة الأميرية، وأمام القصر الجمهوري في حدائق القبة أخيراً. وأضاف البيان أن النيابة أسندت إلى المتهمين «ارتكاب جرائم التجمهر بغرض التأثير على السلطات في ممارسة أعمالها، والبلطجة والترويع واستعمال القوة والتعدي على موظفي الأمن في مشيخة الأزهر وضباط شرطة وسرقة خزينة سلاح، وإتلاف الأملاك العامة وإحراز أسلحة بيضاء». وكانت النيابة باشرت تحقيقاتها في وقائع مختلفة تشمل قذف متظاهرين من »أنصار جماعة الإخوان« مبنى مشيخة الأزهر بكسر الرخام ومحاولة اقتحامه يوم 30 أكتوبر الماضي، ضبط منهم 14 شخصا بينهم طفل، وكذلك واقعة تعطيل مرور واستخدام القوة والتلويح بالأسلحة البيضاء في منطقة الأميرية في القاهرة والاعتداء على أحد ضباط الدوريات الأمنية وسرقة ذخيرة سلاحه. الدفاع يتبنى خطة مرسي للطعن في اختصاص المحكمة هذه التطورات سواء القضائية أو الأمنية أظهرت أن الحكم الموقت في مصر نجح في طريقة تعاطيه مع جماعة «الإخوان المسلمين»، إذ يتواصل العمل على تطبيق خريطة الطريق التي تسمح له بطي صفحة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي. حيث ذكر بأن عملية صياغة التعديلات على الدستور المعطل، باتت في طورها النهائي، ويتوقع أن يكون الاستفتاء عليه مطلع العام المقبل، اختبارا لشعبية الحكم الجديد. ويأتي ذلك في وقت انشغلت جماعة «الإخوان» في ترتيب أوراق الدفاع عن مرسي وعدد من قادتها المتهمين معه ونفت وزارة الداخلية أمس تعرض الرئيس المعزول لوعكة صحية أو إضرابه عن الطعام داخل محبسه، وأوضحت أنه أودع في مستشفى السجن لإجراء الفحوص الطبية والوقائية اللازمة له وفقاً للائحة السجون، وأنه سيتم إيداعه عقب ذلك في محبسه. لكن وكالة »أسوشييتد برس« نقلت عن مسؤولين إن مرسي اشتكى من ارتفاع ضغط الدم بعد إعادته من المحكمة في القاهرة إلى سجن العقرب قرب مدينة الإسكندرية الساحلية، فتم نقله للخضوع لفحوص طبية في عيادة تابعة للسجن. وعلم أن الفريق القانوني لجماعة «الإخوان» سيبني خطته للدفاع عن مرسي ورفاقه في مسارين: الأول الطعن في «عدم اختصاص المحكمة»، أما الثاني محاولة «تنحية قضاتها». وكشف المحامي محمد طوسون عضو الفريق القانوني الذي عينته جماعة «الإخوان» أنهم سيزورون خلال الأيام القليلة المقبلة ، فرادى، مرسي في سجن برج العرب وبقية قادة «الإخوان» في سجن طرة. وأشار طوسون إلى أن الرئيس المعزول لم يوكل أحدا حتى الآن للدفاع عنه، وأن المحامين تطرقوا إلى هذا الأمر خلال لقائه في جلسة المحاكمة، «لكن مرسي له وجهة نظر من الناحية السياسية كونه لا يعترف بالمحاكمة، وسنسعى إلى إقناعه مجددا بتوكيل دفاع عنه خلال زيارته في محبسه». وقال طوسون إن الفريق القانوني حصل بالفعل على أوراق القضية، وكشف أنه «سيفرق في خطة الدفاع بين مرسي وبقية المتهمين: حيث سيبني دفاعه عن الأول بالطعن بعدم اختصاص المحكمة، فالقاضي لا ينظر وفقا للثورة أو غيرها وأنما يحكم بالقانون ولا يوجد في القانون ما ينهي رئاسة مرسي حتى الآن وبالتالي يجب محاكمته وفقاً لما ينص عليه الدستور (المعطل) الذي ينص على ظرورة الحصول على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان لتحريك دعوى، على أن يتم تشكيل محكمة خاصة يترأسها رئيس المجلس الأعلى للقضاء. أما بالنسبة لبقية المتهمين فالأمر مغاير، إذ أن هذا الدفع لا ينسحب عليهم». وكشف طوسون أيضا أن الفريق القانوني قد يلجأ إلى طلب رد (تنحية) هيئة المحكمة، موضحاً أن القيادي «الإخواني» محمد البلتاجي المتهم في القضية ، يواجه اتهامات أخرى بإهانة القضاء تم تحريكها بعد توقيع نحو مئة قاض وقال طوسون «إذا وجدنا أن هيئة المحكمة التي تنظر في قضية مرسي، من بين أسماء قضاتها من وقع هذه الدعوى فسيكون لزاماً عليها التنحي باعتبار أنها خصم لأحد المتهمين (البلتاجي) في القضية».