صدر ضمن منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان, كتاب جديد بالفرنسية تحت عنوان : فرنسا وحرب الريف لمحمد خرشيش استاذ التاريخ بكلية الاداب تطوان. قدم هذا العمل الباحث الفرنسي المعروف دانييل ريفي (Daniel Rivet ) المختص في تاريخ المغرب المعاصر، وقد اعتبر في تقديمه لهذا الكتاب ان خروج هذا العمل إلي الوجود يعد قيمة مضافة ليس فقط للجامعيين المتخصصين ولكن لكل المهتمين بحرب الريف والقائد محمد بن عبد الكريم الخطابي من السياسيين والإعلاميين والرأي العام داخل المغرب وخارجه ، كما عدد العناصر الايجابية التي تميز منهجية محمد خرشيش في البحث وكذا المجهود الكمي والنوعي في البحث عن الوثائق واستغلالها بشكل جيد : « يعرف جيدا كيف يزاوج بين التاريخ الحدثي والتاريخ البنيوي» (دانييل ريفي التقديم ص 12) . يعتبر هذا العمل الجديد دعامة قوية للمكتبة الجامعية المغربية ,ذلك انه بالرغم من كل الجدل الذي رافق ويرافق قضية محمد بن عبد الكريم الخطابي سياسيا وإعلاميا, فإن رفوف المكتبات تشكو نقصا فظيعا من مثل ومستوي هذا المؤلف . ولاشك ان المطلع على الكتاب سوف يلاحظ المجهود العلمي الكبير الذي بذله الاستاذ خرشيش لانجاز هذا العمل الذي يناقش موضوعا في غاية الاهمية التاريخية والسياسية و الاعلامية, ولما لا الاجتماعية بحكم ارتباط القائد عبد الكريم بسكان منطقة الريف وشمال المغرب والولاء الذي لازال الريفيون يعلنونه لزعيمهم عبد الكريم ، كما انه يكتسي راهنية خاصة بحكم العلاقة الجدلية والعضوية التي تربطه بالراهن السياسي للمغرب المعاصر وبمنطقة الريف والمسالة الحقوقية او حتى الامازيغية . .. انه وكما يبدو من العنوان : فرنسا وحرب الريف ، علاقة فرنسا بحرب الريف و الدور الذي لعبته في حرب محمد بن عبد الكريم الخطابي ضد اسبانيا ,خصوصا وان فرنسا كانت معنية بشكل مباشر بهذه الحرب بحكم التوافقات السياسية والاتفاقيات الدولية للظاهرة الاستعمارية بل والمواجهات العسكرية التي جمعت بينهما . بل ايضا بكل الاسئلة التي تتولد عن هذا الموضوع القضية في ابعادها الاقليمية والدولية . لقد اختار الاستاذ خرشيش تناول هذا الموضوع بعيدا عن الطوباوية و الاسطورة والإغراق في الانفعالية والاستغلال السياسوي لقضية الامير عبد الكريم . ان المسالة بالنسبة اليه تسليط الضوء على شخصية محمد بن عبد الكريم الخطابي وقضية المقاومة الريفية ، للوقوف بكل موضوعية على عناصر القوة وعناصر الضعف وتفاعلاتهما في ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي . يتكون الكتاب من 426 صفحة بما في ذلك الملاحق الخاصة بالوثائق والخرائط والرسوم . اعتمد الباحث لانجاز هذا العمل على كم هائل من الوثائق الفرنسية هي عبارة عن محافظ تضم مراسلات رسمية, بالإضافة الى ببليوغرافيا تضم 114 مرجعا فضلا عن الدراسات والدوريات والمقالات ... خاصة الاجنبية . ولانجاز هذا الموضوع كان على الاستاذ خرشيش ان ينقب في الارشيفات الاوربية, خاصة الفرنسية وهو امر ليس بالهين, خصوصا اذا اخذنا بعين الاعتبار خصوصية الموضوع وطابع السرية التي تضفى على الوثائق المرتبطة به ، فقد شكلت هذه المسالة قناعة ووعي لدى الباحث الذي كان يستحضر في ذهنه ما تتوفر عليه الارشيفات الفرنسية من وثائق لدراسة موضوعية لهذه الفترة من تاريخ المغرب المعاصر . لقد انكب الباحث على هذا الموضوع مبتدئا بما يتوفر عليه «ارشيف وزارة الخارجية الفرنسية « و»ارشيف وزارة الحرب « من وثائق تحمل طابع السرية ( confidentielle )، بحيث شكلت المادة الاساسية لكتابة اطروحة اصيلة تتميز بالعلمية والموضوعية . وفي هذا الاطار جعل الاستاذ خرشيش من وثائق الخارجية الفرنسية ( Quai d Orsay ) منطلق عمله من خلال الاستغلال الجيد لما يعرف بأوراق عبد الكريم (papiers d Abdelkarim) او محافظ «الارشيف الريفى « (archives rifaines) خاصة ما تعلق منها بالوثائق التي صودرت من القائد عبد الكريم لحظة استسلامه وهي عبارة عن مراسلات بين المسؤولين المحليين (gouvernement rifain) ومسؤولين اجانب فرنسيين وانجليز تقدم معطيات مهمة حول تنظيم المقاومة بالريف . لم يكن تعامل الاستاذ خرشيش سطحيا مع هذا الكم الهائل من الوثائق, بل اخضعها للنقد والتمحيص شكلا ومضمونا بغرض التوظيف العلمي والموضوعي ، وقد كان موفقا في ذلك الى حد بعيد (1). ولم يقتصر الاستاذ خرشيش على الوثائق المكتوبة, بل اضطر للانتقال اكثر من مرة الى منطقة الريف لجمع الشهادات الشفاهية من بعض من شاركوا في حرب الريف : - شهادة الشريف سيدي المكي الوزاني : قائد قبيلة بني خالد وقائد تجمع قبائل غمارة . - شهادة القاضي محمد : من اقرباء محمد بن عبد الكريم الخطابي واحد مستشاريه . وكما صرح بذلك في عمله, فقد لجأ الى مقارنة هذه الروايات الشفوية بما ورد في الوثائق الفرنسية تدقيقا ومقارنة منهجية خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الروايات الشفوية . منهجيا ، يتكون عمل الاستاذ خرشيش - فرنسا وحرب الريف - من اربعة فصول : - الفصل الاول : وهو عبارة عن توطئة ومدخل تاريخي تمحور حول مغرب ما بعد 1830 اي سنة احتلال فرنسا للجزائر والثورة الريفية ، قدم فيها معطيات تاريخية وسياسية مرتبطة بالمسألة المغربية عموما والمسألة الريفية على وجه الخصوص . انه بشكل عام السياق التاريخي بمعطياته الدولية و الاقليمية والمحلية ما يمكن من الاستيعاب الجيد للقضية المغربية و المقاومة الريفية على وجه التحديد : فهي تختلف عن باقي المقاومات الجهادية المغربية, سواء من حيث الشخصية الكاريزمية لعبد الكريم الخطابي او من حيث الاستراتيجية العصرية في المقاومة العسكرية والمناورة السياسية . فقد تمكن عبد الكريم من تعبئة القبائل الريفية والقبائل الخاضعة للنفوذ الاسباني, مخترقا بذلك المعدلات السياسية والعسكرية بين فرنساواسبانيا, مما ادى الى الاطاحة بالجنرال اليوطي في المغرب . لقد تزامنت هذه الوضعية على الصعيد الدولي بتراجع الامبريالية ويقظة الشعوب المستعمرة وثورتها على المستعمر في المنطقة العربية, خاصة الشرق الاوسط ( سوريا و العراق وفلسطين ) ، في آسيا وتحديدا الهند حيث المقاومة السلمية لغاندي . لقد استفادت كل هذه الحركات من مبدأ و شعار «حق الشعوب في تقرير المصير « و التأثر بما حققته الثورة البولشيفية في روسيا ودعمها للشعوب المستعمرة . لم تكن حركة عبد الكريم الخطابي ذات طابع محلي «بربري» تسعى الى التخريب حسب الكتابات الاستعمارية او ضد الدولة الشريفة ( السلطة ) بل كانت حركة للمطالبة بالاستقلال بزعامة القبائل الريفية ، بقوى التحرر و اليسار الاوربي خاصة فرنساواسبانيا . - الفصل الثاني: خصصه المؤلف لدراسة المقاومة الريفية على مستوى التنظيم الداخلي من حيث هي جهاز ومؤسسة سياسية-عسكرية ذات امتداد اجتماعي ، والدراسة على مستوى التواصل والعلاقات الداخلية والخارجية خاصة السياسية منها . لقد تميزت هذه المقاومة كما يرى المؤلف باختلافها عن باقي المقاومات المغربية الاخرى حيث استطاعت ان تحقق انتصارات كبرى ضد المستعمر الاسباني اعتمادا على امكانياتها العسكرية الخاصة لكن بامتدادات اجتماعية وسياسية افرزت تنظيما :»نواة دولة « وفق خصوصية الواقع المحلي من حيث هي مجتمع ومقاومة ضد الاستعمار . فليس هناك شك في ان نجاحات المقاومة الريفية تعود بالأساس الى المؤسسات السياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية والقانونية ( العدل ) التي اسسها القائد محمد بن عبد الكريم الخطابي ، حيث ساهمت الى حد كبير في وحدة وتلاحم القبائل الريفية الداعمة للمقاومة ومنحها صورة حداثية امام الرأي العام الدولي . ولاشك ان ذلك شجع الريفيين على الاستمرار في المقاومة انتصارا للحق وإيمانا بعدالة القضية . « في الواقع ان عبد الكريم كان شخصية اصلاحية في الخطاب والحركة ... يؤمن بضرورة الانفتاح بهدف الحصول على التكنولوجيا والحداثة السياسية ...» ( ص: 122 ) ( بتصرف ) - الفصل الثالث : تمحورت عناصره حول ظروف وملابسات التدخل الفرنسي في الحرب مابين المقاومة الريفية واسبانيا . وقد ركز فيه المؤلف من جهة على خصائص ومميزات العلاقات الفرنسية الاسبانية منذ احتلالهما للمغرب حيث الازمات المتتالية المرتبطة بالتطلعات الخاصة لكل منهما لتحسين تموقعه بالمغرب ، بالإضافة الى ما عرف بمسالة طنجة وحيلولتها دون اي تقارب بين فرنساواسبانيا . هذا فضلا عن الهزائم التي تكبدتها اسبانيا في الريف و تعميقها للازمة وتفاوت وموازين القوى بينها وبين فرنسا ... ومن جهة ثانية دوافع الصراع خلال المراحل الاولى للحرب المندلعة سنة 1925 . - الفصل الرابع : وقد ركز فيه الاستاذ محمد خرشيش بالدراسة والتحليل على التعاون الفرنسي الاسباني وتراجع المقاومة الريفية . وقد سعى فيه الى تبيان دور التدخل الفرنسي كقوة استعمارية كبرى لتغيير موازين القوى العسكرية بين المقاومة واسبانيا ، منذ التوقيع على معاهدة التفاهم الفرنسي الاسباني مرورا بإطلاق المفاوضات مع الزعيم عبد الكريم بهدف تهدئة الرأي العام الشعبي وأخيرا بتوصلها الى استسلام عبد الكريم قائد المقاومة الريفية . لقد وجدت القوى الاستعمارية الفرنسية والاسبانية نفسها في الميدان في مواجهة وضع جديد : صعب ومعقد مابين ابريل و يوليوز 1925 . فعلى الرغم من كل المجهودات التي بذلتها فرنسا بدءا بإرسال الدعم العسكري الى الجبهات والتغييرات على مستوى القيادة العسكرية الميدانية فإنها لم تتمكن من وقف الضغوطات العسكرية القوية للمقاومة التي تمكنت من تحقيق تقدم كبير وتهديد مدن : فاس و تازة ووزان . وهي مناطق نفوذ فرنسية خاصة بعد ثورة وتمرد قبائلها . لقد زادت هذه الوضعية من قلق فرنسا خاصة وان الدعم الذي أرسلته إلى الجبهات لم يحقق النتائج المرجوة ، اضف الى ذلك الحاح الاقامة العامة على الحصول على المزيد من الدعم العسكري و اللوجستيكي لكسر شوكة المقاومة وتغيير موازين القوى العسكرية في الميدان . لقد كانت لهذه الوضعية الصعبة سياسيا وعسكريا انعكاسات خطيرة على سمعة وصورة فرنسا كقوة استعمارية كبرى بل و صورة المرشال ليوطي المقيم العام ما دفع باريس الى تعيين المرشال بيتان Pétain كمقيم جديد بالمغرب لدراسة الوضعية وتحديد الوسائل الضرورية لرد الاعتبار لفرنسا وقواها العسكرية بالمغرب . لقد واجه عبد الكريم القوى الاستعمارية : اسبانياوفرنسا, واستطاع رغم ضعف الامكانيات العسكرية ان يربك حساباتها السياسية والعسكرية وان يحقق للمقاومة صدى مسموعا وتضامنا منقطع النظير في اوربا ( المانياوروسيا والحزب الشيوعي الفرنسي ) ، واسيا والعالم العربي الاسلامي ... فاسبانيا لم تكن تشكل سوى قوة استعمارية ضعيفة ومتراجعة إلا ان انتصار عبد الكريم عليها يعد انتصارا لفكر المقاومة وانهزاما للفكر الاستعماري ودعوة صريحة للشعوب المستعمرة للنهوض والثورة على الاستعمار وحقها في تقرير المصير خاصة الشعوب العربية و الاسلامية حيث تحول عبد الكريم الى « رمز للاحتجاج الاسلامي ضد الرأسمالية الغربية. «. ان ماحققته المقاومة الريفية من انتصارات سياسية وعسكرية وانتشار اصدائها في العالم كما ذهب الى ذلك الاستاذ خرشيش شكل « تحذيرا جديا للنظام الاستعماري وفي نفس الوقت اعلانا بقيام الحركات الوطنية والقومية في البلدان المستعمرة « ص : 398 . فالارتباط بين المقاومة الريفية والحركة الوطنية في المغرب ارتباط موضوعي ، فمباشرة بعد انتهاء حرب الريف وتحديدا سنة 1927 تأسست اولى الحركات الوطنية في بعض المدن المغربية : فاس والرباط و تطوان ، إلا ان التساؤلات حول تأثيرات الثورة الريفية على الحركة الوطنية تثير الكثير من الإشكاليات المعقدة هذا على الرغم من التجاوب المطلق للمغاربة مع عبد الكريم ودعمهم للمقاومة الريفية . لقد ادى هذا التأثير الى تأكيد قناعة واضحة : وهي امكانية تأسيس حركة وطنية منظمة وقوية تستطيع مواجهة الاستعمار وهو ما سوف يتأكد فيما بعد وتحديدا مطلع الثلاثينيات من القرن الماضي. وفي هذا السياق يعتبر الاستاذ خرشيش بان المشروعية التي اصبح يتمتع بها رجال الحركة الوطنية امام السلطة الاستعمارية في المغرب تعود في جزء منها الى ما استطاعت ان تحققه المقاومة من انتصارات سياسية وعسكرية وكذا الاصداء التي خلفتها في العالم . وعلى الرغم من ذلك يتساءل الباحث عن السر وراء عدم الاشارة الى عبد الكريم الخطابي في كتابات وتصريحات زعماء الحركة الوطنية قبل سنة 1947 ؟؟! وسعيا وراء البحث عن الاجابة ، يعتبر الاستاذ خرشيش بان القوى الاستعمارية بذلت كل الجهود لطمس معالم الانتصارات التي حققها عبد الكريم وطمس ايضا تلك الذكريات الحزينة لحرب الريف بل والعمل على منع تداول اسم عبد الكريم . من جانب اخر لم يبد زعماء الحركة الوطنية اي اهتمام للتجربة الريفية وخاصة في كتاباتهم وتحاليلهم السياسية والاقتصار على الاشارات السريعة والمقتضبة للزعيم عبد الكريم . إلا انه وبالنظر الى التغيرات الوطنية و الاقليمية والدولية التي شهدتها المنطقة فان اسم عبد الكريم كرمز للمقاومة سوف يعود بشكل قوي الى الساحة السياسية المغربية ويعطيها نفسا جديدا ونجاحا قويا وانه اصبح يتمتع بسمعة وطنية و اقليمية و دولية كبيرة كمقاوم ضد الاستعمار ، واحد المؤسسين لحرب العصابات ( La guérilla ) ، هذا فضلا على السمعة والاحترام الكبيرين اللدين كان يتمتع بهما لدى الوطنيين في الشرق الاوسط ... الاختلاف بين عبد الكريم والزعماء الوطنيين حول الاهداف وطرق الوصول اليها كان واقعا حتميا ، فعبد الكريم كان يعتقد بان استعمال القوة امر ضروري للحصول على استقلال المغرب في حين ان الزعماء الوطنيين كانوا يعتمدون في استراتيجيتهم العمل السياسي فقط كوسيلة لتحقيق الاصلاح ثم الاستقلال . وهذا ما ادى بالنتيجة الافتراق وطلاق صعب بين الطرفين . وليس معنى ذلك ان عبد الكريم كان يرفض المفاوضات و العمل السياسي بل كان يعتقد بان ذلك ممكن اذا غيرت فرنسا سياستها وتبنت حلولا تؤدي الى استقلال المغرب وهذا ما كانت ترفضه فرنسا جملة وتفصيلا . لكن الزعماء الوطنيين كانوا ينزعجون من اي دور لعبد الكريم خاصة على مستوى الزعامة في الساحة السياسية الوطنية ، ويحبذون بعده والاقتصار فقط على دور رمزي كحكيم مما ادى الى زرع الشك و عدم الثقة بين عبد الكريم والزعماء الوطنيين حول العديد من القضايا الوطنية ذات العلاقة بالمستعمر او بالمستقبل السياسي للمغرب . و اذا كان الاستاذ خرشيش قد تناول وبطريقة اكاديمية العلاقة بين عبد الكريم وفرنسا وتوصل الى نتائج بالغة الاهمية من الناحية المنهجية والتوثيق وتفاصيل الموضوع وعناصره فانه بالمقابل يفتح افاقا بحثية جديدة مثل العلاقة بين عبد الكريم والمخزن ، وعبد الكريم والأحزاب والزعماء الوطنيين وكذا موضوع تمثلات المغاربة للقائد عبد الكريم والمقاومة وحضور عبد الكريم في الصحافة الوطنية والدولية ... الخ . لاشك اذن ان عبد الكريم هو شخصية الماضي والحاضر ، ولازال بكاريزميته الخاصة يثير العديد من الاسئلة على الرغم من مرور حوالي خمسين سنة على وفاته 1963 , سواء من الناحية السياسية والعسكرية او من الناحية الانسانية و الاخلاقية اثارت اعجاب العدو قبل الصديق . وفي هذا السياق ، نقدم شهادة المحامي الفرنسي الشهير جاك فيرجيس (2) الذي رحل عنا مؤخرا يوم 15 غشت 2013 حول الخطابي والتي تحمل دلالات و معاني كبيرة , ففرجيس بحكم مهنة والده كطبيب انتقل للعيش بجزيرة لاريينيون التابعة للسيادة الفرنسية في المحيط الهندي ويتذكر هذا المحامي الفريد من نوعه انه تقاسم مقاعد الدراسة مع ابناء الزعيم عبد الكريم الخطابي في المنفى يقول وفي هذا الصدد يقول : « كان والدي طبيبا في جزيرة لاريينيون وما طبع ذاكرتي في تلك المرحلة هو طبيعة العلاقات التي نسجها والدي هناك فكان من بين اصدقائه محمد بن عبد الكريم الخطابي بطل حرب الريف الذي كان هناك رفقة عائلته كلها اخوته وأبنائه ... ولأنه لم يكن خاضعا رغم انه في المنفى خصصت له فرنسا عسكريين لمراقبته هناك ، والى جانب الكسكس الذي مازلت اذكر انني تناولته في بيت الخطابي بقي هؤلاء الناس في ذاكرتي مقترنين بصورة اناس اسطوريين كانوا منهزمين لكنهم يحيون حياة المنتصرين وحين كان الخطابي يتحدث الى الدركي الذي يتبعه طوال الوقت كان يحدثه حديث الامير لخادمه ... هنا تعلمت حب الناس الذين يقاومون . « (3) وختاما فإن هذا التقديم لا يغني عن قراءة الكتاب الغني بالتفاصيل القوية والدالة في تاريخ المغرب المعاصر وراهن السياسية المغربية . ونعتقد ان طبعه الذي جاء متأخرا نسبيا يغطي فراغا كبيرا تعاني منه المكتبات الجامعية، هذا فضلا عن كونه يلبي حاجتنا الى كتابات تحليلية اكاديمية حول عبد الكريم الخطابي والمقاومة الريفية بعيدا عن القراءات الانفعالية والانطباعية او القراءات الضيقة الافق او القراءة الاثنية سواء كانت ثقافية او سياسية او اجتماعية .... انه كتاب ذو قيمة كبيرة لاشك انه سوف يفيد الاساتذة والباحثين والطلبة وعموم القراء . * نائب العميد المكلف بالبحث العلمي والتعاون مدير مركز دراسات الدكتوراه كلية الآداب والعلوم الانسانية جامعة عبد المالك السعدي تطوان الهوامش : 1) تجدر الاشارة الى ان الباحث اطلع ايضا وان بشكل محدود على الارشيف الاسباني والبلجيكي لكنه للضرورة المنهجية اقتصر فقط على الارشيف الفرنسي ) . 2) جريدة اخبار اليوم بتاريخ 17/18 غشت 2013 ص :20 3) جاك فيرجيس 1925/2013 , محامي فرنسي معروف ، من ام تايلاندية . اشتهر بدفاعه عن شخصيا سياسية كبيرة منها الرئيس العراقي صدام حسين . اشتهر ايضا بلقب محامي الشيطان .