هما في الحقيقة مرضان متماثلان ، من حيث الأعراض و التطور . و إنما يكمن الاختلاف بينهما - على الصعيد السريري- في السن التي تبدأ فيها هذه الأعراض في الظهور. فالخرف يبدأ عادة في سن الشيخوخة، بينما يبدأ مرض ألزهايمر حوالي سن الخمسين. و في الوقت الراهن، لم يعد الأطباء المختصون في الولاياتالمتحدة يهتمون بالتمييز بين النوعين. بل صاروا يجمعون أمراض الخرف كلها تحت تسمية « ألزهايمر». الدكتور ألزهايمر: الطبيب الألماني الذي تمَّ إطلاقُ اسْمه على «مرض القرن » وُلد الطبيب الألماني ألويس آلزهايمر سنة 1864 ، بقرية « ماركبريت « الصغيرة ، جنوبيّ ألمانيا. و بعد أن درسَ الطب بجامعة برلين ، أصبح طبيبا مساعداً « بالمستشفى المتخصص في الأمراض النفسية و أمراض الصرع « ، بمدينة فرانكفورت، ثم مديرا لنفس المستشفى فيما بعد . و في مستشفى فرانكفورت ذاك ، كان للطبيب الشاب موعد مع التاريخ . و كان هذا الموعد هو يوم 25 من شهر نونبر 1901، ففي ذلك اليوم ، تمّ إدخال امرأة تدعى « أوغست ديتر « إلى المستشفى المذكور. كانت تلك المريضة في حوالي الخمسين من العمر ، و كانت تعاني من اضطراب في الذاكرة و في القدرات اللغوية ، إضافة إلى أعراض عصبية و نفسية أخرى ( انعدام القدرة على التوجه في الزمان و المكان ، الهلوسة السمعية و البصرية ...) و باختصار، فإن الأعراض التي كانت تظهر على تلك المريضة هي أعراض « خرف الشيخوخة « ، مع أنها لم تكن قد بلغت بعد مرحلةَ الشيخوخة ! الأمر الذي أثار حيرة الدكتور آلزهايمر ، و جعله يصر على متابعة حالتها ، حتى بعد انتقاله للعمل بالمصحة النفسية الملكية بميونيخ . و بعد وفاة هذه المريضة ، يوم 8 أبريل 1906، طلب الطبيبُ الشاب من عائلتها الإذنَ بإجراء تشريح للدماغ ، فاكتشف ضمورا شديدا في المخ ، خصوصا على مستوى القشرة الرمادية ، التي تلعب دورا أساسيا في ما يسمى بالوظائف الدماغية العليا ، إضافة إلى وجود «صفائح « و أنسجة ليفية متكتلة على مستوى مناطق مختلفة من الدماغ. و في نونبر من سنة 1906 ، قدمَ الدكتور ألويس آلزهايمر تقريراً ومفصلاً عن حالة هذه المريضة ، أثناء انعقاد المؤتمر السابع و الثلاثين للأطباء النفسانيين الألمان . إثر ذلك صار هذا المرض» - الذي يصيب قشرة المخ بالضمور ، قبل بلوغ مرحلة الشيخوخة « - يحمل اسمَ ذلك الطبيب الذي كان سباقا إلى وصفه . و هكذا أصبح الجميع يتحدث عن « مرض آلزهايمر.» و قد توفي الدكتور آلزهايمر و هو في الواحدة و الخمسين من العمر ، سنة 1915. و في سنة 1995 ، تم تحويل البيت العائلي القديم الذي قضى فيه هذا الطبيبُ النابغة طفولتَه ، بقرية « ماركبريت» ، إلى متحف و مركز للدراسات و المحاضرات . أما الملف الطبي للمريضة « أوغست ديتر « ، فلا يزال محفوظا بأرشيڤ المستشفى بفرانكفورت ، بأوراقه الثلاثين ، المكتوبة بخط الدكتور ألزهايمر . و هي أوراق لا زالت في حالة جيدة ، بعد أن مرّ على كتابتها أزيدُ من قرن من الزمان . ( ع. و) ريتا هايوورث... و مرض ألزهايمر « إنها لم تعد تعرف في أي شهر من الشهور نحن ... حتى رئيس الولاياتالمتحدة لم تعد قادرة على تذكر اسمه ... بل إنها نسيت حتى أسماء أصدقائها ! فهي منطوية على نفسها باستمرار، غارقة في الصمت وملامحها تشي بيأس عميق (...) و بين حين و آخر تنطق بعبارات غريبة و غامضة . من يدري؟ ربما كانت تلك العبارات تعكس أفكارا أو صورا أو ذكريات تعبر ذهن هذه المرأة الجامدة ، ذات النظرات اللامبالية ...» هكذا تتحدث ياسمين، ابنة النجمة السينمائية العالمية ريتا هايوورث - في مذكراتها - عن الحالة التي آلت إليها هذه النجمة ، نتيجة لإصابتها بمرض ألزهايمر . ففي سن الثالثة و الخمسين ، بدأت الحالة الصحية لمارغاريتا كانسينو - و هذا هو الاسم « الحقيقي « لهذه الفنانة الإسبانية الأصل - تتدهور بكيفية مأساوية . هكذا صارت هذه النجمة « المنذورة للألم « - كما قال عنها يوما أورسون ويلز - تجد صعوبة كبرى في التركيز و تعاني من اضطراب في النوم و من غرابة في السلوك و الأطوار و من اختلالات في الذاكرة و من انعدام القدرة على التوجه في الزمان و المكان ...و مع ذلك ، فإن الأطباء لم يتوصلوا إلى تشخيص المرض إلا بعد مرور بضع سنوات على بدايته ... السيدة دال :أول حالة معروفة لمرض ألزهايمر كانت في حوالي الخمسين من العمر، حين تم إدخالها إلى مستشفى فرانكفورت للأمراض النفسية و أمراض الصرع، في الخامس و العشرين من نونبر 1901. اسمها : أوغست ديتر. لكن الأطباء ظلوا يطلقون عليها اسم « السيدة دال» ، فترة طويلة من الزمن. أما الطبيب الذي تولى متابعة حالتها ، فكان آنئذ في السابعة و الثلاثين من العمر . واسمه : الدكتور ألويس ألزهايمر. كانت تلك المريضة تعاني من اضطراب شديد في الذاكرة مع عدم القدرة على تحديد الزمان و المكان . كما كانت مصابة بحالة من الهلوسة، تجعلها مقتنعة بأن هناك أشخاصا مصممين على قتلها ! و مما كتبه الدكتور ألزهايمر في وصف حالتها المرَضية : « جلست السيدة (د.) على سريرها ، ذاهلة ، لا تلقي بالا لشيء. - « ما اسمك يا سيدتي؟ « سألتُها . - « اسمي أوغست « أجابت. - « و ما اسم زوجك ؟» - أوغست، أظن... - أنا أسألك عن اسم زوجك... - آه ، زوجي... كان يبدو عليها أنها لا تكاد تفهم شيئا مما أقوله لها. و إذا ما عرضتُ عليها بعض الأشياء، ثم طلبتُ منها أن تذكر أسماءَ تلك الأشياء ، مباشرة بعد إخفائها عنها ، فإنها تعجز تماماً عن تذكرها. و ما عدا ذلك ، فلم تكن تتحدث في الغالب إلا عن « توأمين «، لا يَعرف أحد من هما .... و قد توفيت تلك المريضة في أبريل 1906. كانت تلك أول حالة يعاينها ألزهايمر للخرف الذي يظهر قبل الشيخوخة ... و هو المرض الذي صار يحمل اسمه فيما بعد : مرض ألزهايمر.