البرلمانيين المتغيبين عن أشغال مجلس النواب يقدمون مبررات غيابهم ويؤكدون حضورهم    حماس تعلن استعدادها لوقف إطلاق النار في غزة وتدعو ترامب للضغط على إسرائيل    محكمة فرنسية تأمر بالإفراج عن الناشط اللبناني المؤيد للفلسطينيين جورج عبد الله بعد 40 عاما من السجن    نشرة إنذارية.. زخات مطرية مصحوبة بتساقط الثلوج على قمم الجبال ورياح عاصفية قوية    إجلاء 3 مهاجرين وصلوا الى جزيرة البوران في المتوسط    لوديي يشيد بتطور الصناعة الدفاعية ويبرز جهود القمرين "محمد السادس أ وب"    مكتب الصرف يطلق خلية خاصة لمراقبة أرباح المؤثرين على الإنترنت    جثة عالقة بشباك صيد بسواحل الحسيمة    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    مهرجان الفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج "حوارات"    هذه اسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    اقتراب آخر أجل لاستفادة المقاولات من الإعفاء الجزئي من مستحقات التأخير والتحصيل والغرامات لصالح CNSS    المركز 76 عالميًا.. مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية يصنف المغرب ضمن خانة "الدول الضعيفة"    قتلى في حريق بدار للمسنين في إسبانيا    جلالة الملك يهنئ الرئيس الفلسطيني بمناسبة العيد الوطني لبلاده و جدد دعم المغرب الثابت لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة        كارثة غذائية..وجبات ماكدونالدز تسبب حالات تسمم غذائي في 14 ولاية أمريكية    الطبيب معتز يقدم نصائحا لتخليص طلفك من التبول الليلي    التوقيت والقنوات الناقلة لمواجهة الأسود والغابون    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    "خطير".. هل صحيح تم خفض رسوم استيراد العسل لصالح أحد البرلمانيين؟    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    بمعسكر بنسليمان.. الوداد يواصل استعداداته لمواجهة الرجاء في الديربي    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    رصاصة تقتل مُخترق حاجز أمني بكلميمة    الأحمر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على الجزء الأول من مشروع قانون المالية 2025    وليد الركراكي: مواجهة المغرب والغابون ستكون هجومية ومفتوحة    رئيس الكونفدرالية المغربية: الحكومة تهمش المقاولات الصغيرة وتضاعف أعباءها الضريبية    نفق طنجة-طريفة .. هذه تفاصيل خطة ربط افريقيا واوروبا عبر مضيق جبل طارق    ترامب يواصل تعييناته المثيرة للجدل مع ترشيح مشكك في اللقاحات وزيرا للصحة    الأردن تخصص استقبالا رائعا لطواف المسيرة الخضراء للدراجات النارية    فيضانات إسبانيا.. طبقا للتعليمات الملكية المغرب يعبئ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني    تصريح صادم لمبابي: ريال مدريد أهم من المنتخب            وفاة الأميرة اليابانية يوريكو عن عمر 101 عاما    محكمة استئناف أمريكية تعلق الإجراءات ضد ترامب في قضية حجب وثائق سرية    حرب إسرائيل على حزب الله كبدت لبنان 5 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية    أسعار النفط تتراجع وتتجه لخسارة أسبوعية    "الأمم المتحدة" و"هيومن رايتس ووتش": إسرائيل ارتكبت جرائم حرب ضد الإنسانية وجرائم تطهير عرقي    جدعون ليفي يكتب: مع تسلم ترامب ووزرائه الحكم ستحصل إسرائيل على إذن بالقتل والتطهير والترحيل    اكادير تحتضن كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوميات «بطرس غالي» بين النيل والقدس

«بين النيل والقدس, يوميات دبلوماسي مصري».. تحت هذا العنوان يطرح الدبلوماسي الشهير، الدكتور بطرس بطرس غالى، صورة بالعدسة المكبّرة لواقع الدبلوماسية المصرية في أفريقيا تحديدًا، وفى العالم بشكل عام، خلال الفترة التي امتدت لأكثر من عشرة أعوام منذ توليه منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية عام 1977 ، ونائب رئيس الوزراء للشؤون الخارجية عام 1991م، قبل أن يتم اختياره كسادس أمين عام لمنظمة الأمم المتحدة في يناير عام 1992م.
وإذ يسرد غالى، خلال الكتاب، الصادر عن دار «الشروق» حديثا، يوميات عمله الدبلوماسي، فإن صفحات الكتاب تزدحم بالعديد من القصص والحكايات والوقائع التاريخية التي جمعت المؤلف بالعديد من رؤساء وملوك الدول وزعمائها البارزين، فضلا عن المواقف التي جمعته بالرئيس السابق حسنى مبارك وعدد من وزراء حكوماته المتعاقبة ورجال الدبلوماسية البارزين خلال السنوات الماضية.
يبدأ غالى كتابه بمقدمة طويلة، تحدث خلالها عن السياسة الخارجية لمصر بين السادات ومبارك قائلا: «وإذا كان هناك من استمرارية في نهج السياسة الخارجية ما بين عهدي الرئيس السادات والرئيس مبارك، فهناك فرق فى طريقة إدارة كل منهما للشؤون الخارجية؛ فبقدر ما كان السادات يطرح أفكارا وآراء جريئة، وكان مستعدا للإقدام نحو تنفيذها بغض النظر عن المخاطر, فإن مبارك كان يدير الأمور بحذر واضح».
ويلخص غالى أهداف السياسة الخارجية فى الفترة ما بين 1981 و1991 كالتالي: «دعم الشعب الفلسطيني»، وبالتالي دعم «منظمة التحرير الفلسطينية، والحفاظ على علاقات طبيعية مع إسرائيل رغم اعتداءاتها، والتكامل مع جنوب السودان رغما عن الصراع الدائر في جنوبه، والوجود المصري في أفريقيا، ودعم المرحلة الثانية من عملية التحرر من الاستعمار الأجنبي للقارة، واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع البلاد العربية، ودفع حركة عدم الانحياز التي تراجع دورها مع نهاية حقبة التحرر من الاستعمار، ونتيجة للتقارب بين الشرق والغرب، وإقامة أسس جديدة للعلاقات مع الغرب لفترة ما بعد التحرر من الاستعمار».
مقدمة الكتاب التي تطرقت لموضوعات شتى لم تغفل الحديث عن قضية القضايا، وهى المشكلة الفلسطينية، ورأى غالى أنه «ليس لها سوى حل وحيد ليس له بديل؛ ألا وهو إنشاء دولة عربية إسرائيلية واحدة يعيش فيها المستعمرون اليهود كأقلية نشطة وسط أغلبية فلسطينية. إن وضع هذه الدولة الفلسطينية الإسرائيلية سيذكرنا بوضع جمهورية جنوب أفريقيا بعد انتهاء حقبة التمييز العنصري (الآبارتايد) هناك ولذلك يجب أن يظهر نيلسون مانديلا فلسطيني وديكليرك إسرائيلي، وأن يكون لهما الشجاعة والخيال والإقدام ما يمكنهما من أن يهبا الحياة لهذه الدولة الجديدة، وأن يتخطيا مشاعر العداء المتبادلة بين الجانبين والتي ما زالت تسيطر على ذهنية هذين الشعبين الواقعين فى العداء».
وعن معضلة المصالحة الوطنية الفلسطينية قال غالى: «إن أصعب شيء هو أن تصالح الإخوة الأعداء بعضهم على بعض. أعتقد أن الجبهة الفلسطينية ستظل منقسمة على نفسها لأمد طويل، أي أنها ستظل ضعيفة، وسيكون لهذا الضعف أثره في خدمة التشدد الإسرائيلي».
العلاقة بين إسرائيل ومصر عقب وفاة السادات، استمرت كما هي حيث استقبل مبارك، وفدا إسرائيليا برئاسة يوسف بورج، وكان آرييل شارون وموشيه نسيم هما أبرز أعضائه، وجرى استعراض صورة متفائلة للعلاقات بين مصر وإسرائيل، وخلال اللقاء اتسم حديث مبارك بالود والأريحية وإن لم يغب عنه القدر اللازم من الحسم وأتاح هذا اللقاء لمبارك بناء جو من الثقة كان من شأنه فيما تلا ذلك أن يسهل محادثاتنا حول التطبيع مع إسرائيل».
خلافا لتوقعات غالى، بشأن مماطلة الإسرائيليين فى الانسحاب من سيناء، فقد انسحبوا منها، كما يروى بنفسه، في الموعد المحدد أي في يوم 26 أبريل 1982، وأنشئت لجنة تحكيم بشأن طابا في سبتمبر 1986 وقضت في سبتمبر 1988 بأنها جزء لا يتجزأ من الأرض المصرية».
التكامل مع السودان
وتحدث غالى عن العلاقة مع السودان، قائلا: «كان السودان جزءا لا يتجزأ من مصر منذ أن غزاه محمد على ووحده لأول مرة فى تاريخه. وفى سنة 1881 ظهرت بوادر الفتنة الكبرى على يد أحد الأصوليين فاستولى على الخرطوم فى سنة 1885، واستولى المهديون على جزء من السودان حتى سنة 1898 ونجح الماريشال كيتشنر في إعادة فتح السودان بعدما سحق قوات المهدي. وتم إنشاء حكم مشترك إنجليزي مصري في السودان بناء على اتفاقية 19 يناير 1899 التي وقعها جدي بطرس غالى باشا والتي أبقت على الوجود العسكري المصري في السودان».
في أكتوبر 1951 ألغى الملك فاروق اتفاقية 1899 وأعلن نفسه ملكا على مصر والسودان وبعد ذلك بعدة أشهر قامت مجموعة من الضباط الشبان بخلع فاروق عن العرش. ووجهت بريطانيا أول ضربة لهؤلاء الضباط الشبان عندما أسرعت بمنح الاستقلال للسودان وفى وقت قياسي يتناقض تماما مع المماطلات التي مارستها مع مصر بخصوص منحها الاستقلال. وكان هدف لندن هو قطع الحبل السري الذي يربط بين القاهرة والخرطوم بينما كانت السياسة المصرية تريد إقامة اتحاد فيدرالي يجمع بين البلدين.
«وفى الخلاصة يمكن القول إن عبد الناصر والسادات ومبارك لم يتوصلوا لإقامة تكامل حقيقي مع الخرطوم، كما أن النميرى والصادق المهدي وعمر البشير لم يتوصلوا بدورهم لإيجاد حل سلمى للصراع الدائر بين شمال السودان وجنوبه».
يضيف غالى: «أمام سيناريو تفتيت السودان هكذا, اتخذت الدبلوماسية المصرية موقفا سلبيا ولم تفعل أي شيء لمحاولة علاج هذه الصراعات القبلية، كما أنها لم تتخذ أى إجراء استعدادا لاحتمال تقسيم السودان ولمواجهة العواقب التى ستنتج عن هذا الانفصال».
الوجود المصري في أفريقيا
ظل مستوى علاقات القاهرة والخرطوم أدنى بكثير من المستوى الذي كان يجب أن يكون عليه بالفعل فى ظل الإمكانات الكامنة. لكن في المقابل، كان الوجود المصري في أفريقيا ناجحا، والفضل في ذلك يرجع في المقام الأول للمساعدات التي قدمتها مصر لمختلف حركات التحرير طوال حقبة التحرر من الاستعمار الغربي لدول القارة.
خلال الفترة بين 1981 و1991 قام مبارك بزيارات رسمية لنحو عشر عواصم أفريقية، واستقبل فى القاهرة قرابة عشرين من رؤساء الدول الأفريقية، وحرصت على القيام بجولات عديدة فى أفريقيا فزرت ثلاثين عاصمة إما لتسليم رسالة من مبارك أو لرئاسة لجان التعاون الثنائية أو إنشاء لجان جديدة وتم عقد ستين اتفاقية تعاون بين القاهرة ومختلف الدول الأفريقية، وفى عام 1980 تم إنشاء «صندوق التعاون الفني مع أفريقيا».
وبعد مرور أكثر من عشرين عاما على هذا النشاط الفعال في أفريقيا، أصبح الوجود المصري هناك مجرد ذكرى.
وما زال لدى مصر فرصة للعودة مجددا لسابق عهدها في أفريقيا، وذلك بإنشاء تجمع الدول الواقعة على ضفاف نهر النيل: إن المشاريع الضخمة الخاصة بالملاحة النهرية والرى وتوليد الكهرباء يمكنها أن تنشئ تجمعا مع دول شرق أفريقيا وبشكل أوسع مع باقى دول القارة.
عودة العلاقات مع العرب
قطعت جميع الدول العربية باستثناء السودان وعمان والصومال علاقاتها الدبلوماسية مع مصر. فى عام 1987 استعادت مصر عضويتها فى المؤتمر الإسلامى، ثم استعادت عضويتها فى جامعة الدول العربية عام 1989 وبعد ذلك بعام واحد عاد مقر الجامعة العربية إلى القاهرة من جديد.
ولا يمكن إغفال موت الحلم العظيم بالوحدة العربية، هذا الحلم الذى كان يلهب خيال النخبة المصرية غداة نهاية الحرب العالمية الثانية، بل استجد ما هو أخطر: حيث كان من شأن الارتفاع الشديد فى أسعار البترول والغاز خلق شرخ جديد داخل العالم العربى بين من يمكن وصفهم بالأثرياء الجدد والفقراء القدامى. وفى النهاية دوما تبقى مصر هى أم العالم العربى، حتى لو فتر الاهتمام هنا أو تباعد الوصل من هناك.
العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة
يجب علينا أن نتذكر أن مصر كانت ولاية عثمانية قبل نشوب الحرب العالمية الأولى، لكنها فعليا كانت واقعة تحت حكم ثنائى، أنجلو فرنسى مشترك، فقد كانت بريطانيا العظمى تحتل مصر عسكريا بينما كانت فرنسا تحتلها ثقافيا.
وتقوم العلاقات بين واشنطن والقاهرة على ما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدات مالية لمصر وعلى دور الوسيط الذى تقوم به واشنطن فى الصراع العربى الإسرائيلى.
بأسلوب سلس، ينتقل غالى من مقدمة كتابه إلى المتن مباشرة، ويبدأ بقصة اغتيال السادات، ثم تتوالى اليوميات حتى نهاية الكتاب، وفيما يلى تنشر «الشروق» يوميات مختارة من الكتاب «اغتيال السادات».
القاهرة: الأحد 4 أكتوبر 1981
مناقشة طويلة تناولت مواضيع شتى مع الفريق كمال حسن على، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية. أخبرته بأننى قررت عدم حضور العرض العسكرى الذى سيقام للاحتفال بانتصار السادس من أكتوبر 1973يوم تدمير «خط بارليف» والعبور إلى الضفة الشرقية لقناة السويس.
فى الواقع أنا مرهق للغاية بسبب المفاوضات التى أجريناها مع بورج ونسيم وشارون ويهودا بن مائير، النائب الجديد لوزير خارجية إسرائيل، حول مستقبل القضية الفلسطينية. أقنعتنى زوجتى ليا بقضاء إجازة قصيرة فى الإسكندرية، حاول الفريق كمال حسن على إثنائى عن قرارى، قائلا: «الرئيس متمسك بحضور كل الوزراء فى العرض العسكرى، وقد يسىء البعض تفسير غيابك عن هذه المناسبة، إننى أتحدث معك الآن بصفتى رجلا عسكريا، يعرف مدى الحساسية المفرطة التى يشعر بها العسكريون إزاء موقف المدنيين تجاههم».
«لا أظن أن الرئيس سيلاحظ حتى غيابى».
«غير صحيح؛ فأنت من الوزراء المرموقين» ثم أخذ يقلّد صوت السادات، قائلا: «يا بطرس! يا بطرس! إزاى؟ إزاى تسمح لنفسك بأنك تغيب عن احتفالات أكتوبر؟!».ثم انفجرنا بالضحك.
وأيا كان الأمر, فقد قررت عدم اتباع هذه النصيحة الأخوية التى أسداها إلىّ الفريق كمال حسن على.
الإسكندرية:
الثلاثاء 6 أكتوبر 1981
شاطئ المنتزه يبدو رائعا وخاليا من رواده. شمس الخريف وادعة والبحر هادئ، مجدى (الدكتور مجدى وهبة) أستاذ الأدب البارع يتحدث مستشهدا بأشعار قسطنطين كفافى بشكل لا يباريه فيه أحد. أشعر بالراحة والرضا. كنا نتناول الغداء بهدوء عندما توقفت أمامنا سيدة مسنة، وسألتنى: «هل حضرتك الوزير بطرس غالى؟»
«نعم ياسيدتى أى خدمة؟»
«أذاع راديو مونت كارلو أنه قد وقع حادث خطير أثناء العرض العسكرى هذا الصباح».
«يا سيدتى لا تصدقى كل ما تقوله الإذاعات الأجنبية».
انصرفت السيدة ثم عادت بعد فترة وجيزة لتخبرنى بأن هيئة الإذاعة البريطانية قد أكدت هذا النبأ؛ ثم عادت للمرة الثالثة لتخبرنى بأن الإذاعة الأمريكية قد أذاعت الخبر نفسه.
دون معرفة التفاصيل قررت العودة للقاهرة، حيث أصبح وجودى الفورى مطلوبا، حسبما قال رجال الأمن المرافقين لى والذين حجزوا لى مقصورة فى أول قطار مغادر من الإسكندرية للقاهرة.
عند وصولى لمحطة القطار، عرفت أن السادات قد تعرض لعملية اغتيال، وأن إصاباته خطيرة، وأنه قد نُقل بطائرة هليوكوبتر إلى المستشفى العسكرى بالمعادى.
فى الطريق للقاهرة، اقترب منى ضابط أمن وهمس فى أذنى بأن الرئيس قد توفى منذ فترة وجيزة. أخذتُ أنتحب وسط دهشة المحيطين بى.
فى محطة مصر، كانت تنتظرنى سيارة أوصلتنى إلى مقر وزارة الخارجية حيث وجدت الفريق كمال حسن على. احتضننى فى صمت من فرط التأثر. وللمرة الثانية لم أستطع السيطرة على دموعى. قال لى: «كانت محاولة انقلاب».
وكان أول ما تبادر إلى ذهنى هو سؤاله عما إذا كان الأصوليون قد تسربوا إلى الجيش، فأجابنى فورا: «لن يتسرّب الأصوليون ولا الشيوعيون أبدا إلى الجيش».
ثم أضاف قائلا: «لقد كنت محظوظا لغيابك عن العرض العسكرى فقد مات وجرح كثيرون فى منصة الرئاسة، ويعتبرك الأصوليون هدفا ثمينا».
عند انصرافى، احتضننى الفريق كمال حسن على مجددا، وودعنى قائلا: «غدا سيكون علينا أن نخوض معا معركة جديدة أصعب من المعارك التى خضناها لتحرير أرضنا».
القاهرة: الأربعاء 7 أكتوبر 1981
انهالت علينا البرقيات من كل عواصم العالم. أعلن الكثيرون من رؤساء الدول أنهم سيحضرون الجنازة، لكن الأصوليين الدينيين والمتطرفين العرب هددوا بقتل كل من سيشارك فى الجنازة.
وقررت أجهزة الأمن أن تقام الجنازة فى صباح يوم السبت 10 أكتوبر. وقالت إن القاهرة تنتظر توافد كبار الشخصيات العالمية بدءا من الغد وعلىّ أن أستقبلهم فى المطار.
الأمير تشارلز وذهنية التبعية
القاهرة: الجمعة 9 أكتوبر 1981
بناء على تعليمات صدرت من رئيس الوزراء جاء لمساعدتى اثنان من نوابه: الفريق كمال حسن على وفكرى مكرم عبيد (...) كان فكرى يقول لى: «القادم صديقك يا بطرس، وأنت تعرفه، فإذهب إذن لاستقباله. نحن متعبان؛ وكما ترى فإن الفريق كمال حسن على يعانى من آلام الروماتيزم».
لكن جميع مظاهر هذا التعب اختفت فور الإعلان عن وصول طائرة الأمير تشارلز ولى عهد إنجلترا، فقد سارع كلاهما بالوقوف وهرعا لاستقباله عند سلم الطائرة، وعندما رجعا، قلّدت حركاتهما لافتا نظريهما إلى أنهما لم يتخلصا من ذهنية التبعية للاستعمار البريطانى.
لقاء مع صدام حسين
عمان/بغداد: الأربعاء 9 فبراير 1983
استقبلنا صدام حسين، وجدته أكثر نحافة وأكبر سنا وأكثر إرهاقا عن ذى قبل. شرحت له أن هدف الزيارة هو التأكيد على تضامن الشعب المصرى مع الشعب العراقى فى حربه ضد العدوان الإيرانى. شكر صدام حسين الرئيس مبارك، وحكى لنا بالتفصيل عن المعركة التى بدأت بالأمس وقبل الأمس، وعن الخسائر الثقيلة التى ألحقها الجيش العراقى بالقوات الإيرانية، ثم أضاف قائلا: «المهم هو الحفاظ على الأمن الداخلى فى البلد وعلى الروح المعنوية للشعب».
مبارك فى حفل تخرج نجله علاء
القاهرة: الثلاثاء 22 فبراير 1983
لن يحضر الرئيس مبارك لا حفل تخرج ابنه البكر علاء من الجامعة الأمريكية بالقاهرة ولا توزيع الشهادات على الخريجين؛ لأنه من المقرر أن يرأس البروفيسير مالكوم كير هذا الحفل. وكان هذا البروفيسير قد نشر مقالا انتقد فيه الرئيس مبارك بشدة. ولمّح لى الرئيس بأننى أستطيع ترؤس هذا الحفل. إنها مهمة حساسة للغاية، خصوصا أنه لم يسبق لى التدريس فى الجامعة الأمريكية ولأن مالكوم كير زميلى وصديقى.
تسلحت بالشجاعة وتناقشت فى الأمر مع رئيس الجامعة الأمريكية الذى أكد لى حرصه على حضور الرئيس لحفل التخرج. وتعهد لى بتلبية مطالب الرئيس مبارك كافة، وقال لى إنه سيقول للبروفيسير إن الرئيس مبارك يصر على أن يرأس وزير مصرى هذا الاحتفال.
طلبت من صديقى مجدى وهبة مساعدتى على إعداد خطبة باللغة الإنجليزية تكون لائقة بمثل هذه المناسبة.
القاهرة: الأربعاء 23 فبراير 1983
وصل الرئيس مبارك والسيدة قرينته إلى مقر الجامعة الأمريكية. وكان فى استقبالهما هيرمان إيلتس؛ السفير الأمريكى. وبعد أن تم تقديمى للحاضرين، صعدتُ إلى المنصة، وقرأت بعناية الخطبة التى أعدها لى مجدى وهبة. بعد ذلك وزعت الشهادات على الخريجين. جاء علاء وقبّل والديه.
مصر تترشح لعضوية مجلس الأمن
القاهرة: الاثنين 26 سبتمبر 1983
حصلت على موافقة الرئيس مبارك لكى تتقدم مصر للترشيح للعضوية غير الدائمة فى «مجلس الأمن». إذا نجحت فسيكون ذلك بمثابة توجيه لطمة قوية للدول العربية التى ما تزال مستمرة فى مقاطعة مصر دبلوماسيا. أما إذا فشلنا فاللوم سيوجه لى وحدى لأننى تسببت فى توجيه هذه الإهانة الجديدة لبلدى. لكن المكسب هائل ويستحق المخاطرة.
القاهرة:
الاثنين 31 أكتوبر 1983
انتصار. انتصار. أيقظونى فى الساعة الرابعة صباحا ليخبرونى بأننا قد فزنا فى انتخابات مجلس الأمن: حصلت مصر على 126 صوتا مقابل 24 للجزائر، وصوت واحد فقط لليبيا.
ياسر عرفات فى القاهرة
القاهرة: الخميس 22 ديسمبر 1983
احتل خبر وصول ياسر عرفات على متن الباخرة «أوسيا سيليتيس» صدر صفحات الجرائد كلها. سافرت ومعى أسامة الباز الذى كان عصبيا وفى غاية التوتر. اقتربنا من الباخرة على ظهر مركب صغير وحاذيناها بصعوبة. قبّلنى عرفات بحرارة؛ لقد جاء بحثا عن الحماية فى مصر بعدما شتمها ولعنها. لن أنسى له أبدا أنه قد رقص فرحا عندما علم بنبأ اغتيال السادات. أما اليوم فها هو قد خسر معركة بيروت ولابد من النسيان والعفو.
أعد محافظ الإسماعيلية لياسر عرفات استقبالا يليق برئيس دولة. حاول مئات من الصحفيين والمصورين الاقتراب منه لكن بلا جدوى. ركبنا الطائرة الهليوكوبتر التى أوصلتنا إلى قصر القبة فى القاهرة بعد 20 دقيقة.
أثناء الاستعداد لاستقبال عرفات، كان الرئيس مبارك متحفظا عندما سألته:
«هل نعد الغداء؟».
«لا داعى فاللقاء لن يستمر طويلا».
عقد الرجلان، لقاء مغلقا دام أكثر من ساعة ثم خرجا وهما يبتسمان: فقد تمت المصالحة. لم أعرف وكيف ولماذا تمت هذه المصالحة. التفت مبارك إلىّ متسائلا: «هل الغداء جاهز؟».
لحسن الحظ، كان الغداء مُعدّا على الرغم من تعليماته السابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.