يتابع مواطنو العالم وكل محبي الحرية، وخاصة في جنوب إفريقيا، بترقب مُتوجس تطور الوضع الصحي للزعيم الزنجي المقاتل من أجل الحرية والمقاوم للأبارتايد «نيلسون مانديلا». وقد صلى الملايين من الجنوب إفريقيين في عيد الفصح من أجل تعافي الزعيم، الذي أمضى بعض الوقت أول أمس الإثنين مع أفراد أسرته داخل المستشفى. فمن هو مانديلا هذا؟ رأى الطفل روليهلالا مانديلا النور في 18 يوليوز من سنة 1918، في قرية صغيرة تدعى ميزو في منطقة ترانسكاي. كان والده رئيس قبيلة، وقد توفي عندما كان نيلسون لا يزال صغيرا، إلا انه انتخب مكان والده، وبدأ إعداده لتولي المنصب عندما كان صغيرا. كان لوالد مانديلا أربع زوجات وما مجموعه 13 طفلا (أربعة أولاد وتسع بنات). و روليهلالا مانديلا هو ابن الزوجة الثالثة حيث قضى في منزلها معظم طفولته المبكرة. في سن السابعة دخل مانديلا إلى المدرسة ،وكان بذلك أول عضو في عائلته يذهب إلى المدرسة، حيث أعطاه معلمه اسم «نيلسون». توفي والده عندما كان نيلسون في التاسعة من عمره فأصبح هو معيل أخوته. تلقى دروسه الابتدائية في مدرسة داخلية عام 1930، ثم بدأ الإعداد لنيل البكالوريوس من جامعة فورت هار. ولكنه فُصل من الجامعة، مع رفيقه اوليفر تامبو، عام 1940 بتهمة الاشتراك في إضراب طلابي. و قد عاش مانديلا بعد ذلك فترة دراسية مضطربة و تنقل بين العديد من الجامعات ثم تابع الدراسة بالمراسلة من مدينة جوهانسبورغ، وحصل على الإجازة ثم تسجل لدراسة الحقوق في جامعه ويتواتر ساند. أحس مانديلا وهو يتابع دروسه الجامعية بمعاناة شعبه فانتمى إلى حزب « المجلس الوطني الأفريقي» المعارض للتمييز العنصري سنة 1944، وفي نفس السنة ساعد في إنشاء «اتحاد الشبيبة» التابع للحزب، وأشرف على إنجاز «خطة التحرك»، وهي بمثابة برنامج عمل لاتحاد الشبيبة ، وقد تبناها الحزب سنة 1949. سنة 1952 بدأ الحزب ما عرف ب «حملة التحدي»، وكان مانديلا مشرفا مباشرا على هذه الحملة، فجاب البلاد كلها محرضا الناس على مقاومة قوانين التمييز العنصري، خاطبا ومنظما المظاهرات والاحتجاجات. فصدر ضده حكم بالسجن مع عدم التنفيذ. ولكن الحكومة اتخذت قرارا بمنعه من مغادرة جوهانسبورغ لمدة ستة أشهر. وقد أمضى تلك الفترة في إعداد «الخطة ميم»، وبموجبها تم تحويل فروع الحزب إلى خلايا للمقاومة السرية. عام 1952 افتتح مانديلا مع رفيقه أوليفر تامبو أول مكتب محاماة للسود في جنوب أفريقيا، وخلال تلك السنة صار رئيس الحزب في منطقة الترانسفال، ونائب الرئيس العام في جنوب أفريقيا كلها. وقد زادته ممارسة المحاماة عنادا وتصلبا في مواقفه، إذ سمحت له بالاطلاع مباشرة على المظالم التي كانت ترتكب ضد أبناء الشعب الضعفاء، وفي الوقت نفسه على فساد وانحياز السلطات التنفيذية والقضائية، بشكل كان معه حصول مواطن اسود على حقوقه نوعا من المستحيل. بعد مجزرة شاربفيل التي راح ضحيتها عدد كبير من السود عام 1960، وحظر كافة نشاطات حزب «المجلس الوطني الأفريقي»، اعتقل مانديلا حتى 1961 . وبعد الإفراج عنه قاد المقاومة السرية التي كانت تدعو إلى ضرورة التوافق على ميثاق وطني جديد يعطي السود حقوقهم السياسية. وفي العام نفسه أنشأ مانديلا وقاد ما عرف بالجناح العسكري للحزب الذي قام بأعمال تخريبية ضد مؤسسات حكومية واقتصادية. في 1962 غادر مانديلا إلى الجزائر للتدرب العسكري ولترتيب دورات تدريبية لأفراد الجناح العسكري في الحزب. عند عودته إلى جنوب أفريقيا(1962) القي القبض عليه بتهمة مغادرة البلاد بطريقة غير قانونية، والتحريض على الإضرابات وأعمال العنف. وقد تولى الدفاع عن نفسه بنفسه، ولكن المحكمة أدانته بالتهم الموجهة إليه وحكمت عليه بالسجن مدة 5 سنوات. وفيما هو يمضي عقوبته بدأت محاكمة «ريفونيا» التي ورد اسمه فيها، فحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة القيام بأعمال التخريب. كان مانديلا قبل عشرات السنين من سجنه قد أبدى رأيه في إن التربية يجب ألا تقتصر على «الأقسام» و «قاعات المحاضرات»، إنما على الناشطين الحزبيين أن يحولوا كل بيت وكوخ وحديقة إلى مدرسة أو مركز لبث الوعي الوطني. وهكذا تحولت جزيرة «روبن» التي سجن فيها مانديلا إلى مركز للتعليم، وصار هو الرمز في سائر صفوف التربية السياسية التي انتشرت في طول البلاد وعرضها . لم يغير مانديلا مواقفه وهو داخل السجن، بل ثبت عليها كلها، وكان مصدرا لتقوية عزائم سواه من المسجونين وتشديد هممهم. وفي السبعينات رفض عرضا بالإفراج عنه إذا قبل بان يعود إلى قبيلته في رنسكاي وان يخلد إلى الهدوء والسكينة. كما رفض عرضا آخر بالإفراج عنه في الثمانينات مقابل إعلانه رفض العنف. ولكنه بعد الإفراج عنه يوم الأحد 11 فبراير 1990 أعلن وقف الصراع المسلح وبدأ سلسلة مفاوضات أدت إلى إقرار دستور جديد في البرلمان في نهاية 1993 ، معتمدا مبدأ حكم الأكثرية وسامحا للسود بالتصويت.و لقد منح مانديلا جائزة نوبل و العديد من شهادات الشرف الجامعية (1993). وقد جرت أولى الانتخابات في 27 أبريل 1994 وأدت إلى فوز مانديلا فاقسم اليمين الدستورية في 10 مايو متوليا الحكم. إلا انه أعلن عن رغبته في التقاعد عام 1999. بعد تقاعده تابع مانديلا تحركه مع الجمعيات والحركات المنادية بحقوق الإنسان حول العالم. وتلقى عددا كبيرا من الميداليات والتكريمات من رؤساء وزعماء دول العالم. في يونيه 2004 قرر نيلسون مانديلا ذو ال 85 عاما التقاعد وترك الحياة العامة، ذلك أن صحته أصبحت لا تسمح بالتحرك والانتقال، كما أنه فضل أن يقضي ما تبقى من عمره بين عائلته.