كان العثور علي الكتب في معرض الرياض الدولي، بحذ ذاته حدثا كبيرا، فلم يكن واردا في أفق انتظارنا، ونحن نصل الي العمدينة السعودية عاصمة الكتاب ، في مستهل الشهر الماضي أن نجد كتابا يتحدث عن «خلافت سياسية بين الحابة»، لكن المعرض خلخل هذا الأفق. و كان واضحا زن توافد الكثير من ابناء العودية على الكتاب، واخر يخص نقذ الوهابية وثالث يتحدث عن ساة الامة قبل تطبيق الشريعة، يعني أن سمعته سبقته. والكتاب، للموري طاني محمد بن المختار الشنقطي، الدي يدرس بجامعة قطرية، وقد كتب مقدمة الكتاب في طبعته التي نشرتها الشبكة العربية للابحاث والنشر ،كل من راشد الغننوشي ويوسف القصراوي!! ورالامر بالفعل يثير، بغض النظر عن الركوب علي موجة التدبري السياسي الحالية سؤال النمودج الذهبي الذي يسوقه هاذان الزعيمان عن الامة في عهد الصحابة، والسؤال بمعني آخزر هل العصر الذهبي للامة ك؛ان فعلا عصرا ذهيبا أم أنه خضغ ككل عصور البرشية للقوعد السياسية المبنية علي الصراع على السلطة؟ هذا السؤال وغيره يستحق منا عرض بعض مضامين الكتاب ونشر آحد فصوله ، لفتح النقاش ورفع القدسية عن موضوع يخضع للنوايا والتهويل ، واحيانا للتكفير كلما اقترب منه العقل الحديث والمعاصر بادوات البشر والتفسير السياسيين المعتمدين في دراسة كل مواضيع السلطة. ينطلق الكتاب من مسلمة مفادها،أن أزمة الحضارة الإسلامية أزمة دستورية في جوهرها. وأن المسلمين ما زاولوا عاجزين ،إلى حدود يوم الناس هذا عن الخروج من هذا المأزق الدستوري. وطبعا اذا كانت الازمة دستورية فهي تخضع، ككل لعبة سياسية لقواعد الصراع وقوانين اتخاذ القرار، ولا يبرر وجود الصحابة و تبشريهم بالجنة افلات قضاياهم من قوانين ميزان القوى. وحسب التفكير السياسي المعاصر,فالحديث عن الصحابة في تفسير الصراعات السياسية ، والتي وصلت الي حدود الحرب المفتوحة وقتل الاف المسلمين والمس بأماكن مقدسة، كما وقع في الهجوم على مكة، يعني أن نتحدث عن بشر وعن سلطة وعن مركز القرار وعن حاشية وعن اهواء ونزوعات شخصية ,واضحة احيايا ودفينة أخرى، وهو ما ينزع القداسة عن التاريخ الذهبي أو الذي يراد له أن يكون ذهبيا والذي يسعى البعض اليوم الى اعادة انتاجه وبنائه، في دورة لولبية للتاريخ. ومحمد بن المختار الشنقيطي، الباحث الموريطاني، يدرك ، ايضا أن خروج المسلمين، هكذا في اجماعهم، من الازمة التاريخية لن يتأتى إلا إذا أدركوا كيف دخلوها. و،قد دخلوها منذ عهد الصحابة بالذات، اذن فهنا القصد من الكتاب ومن مضمراته المطوية في الصفحات. والادراك هنا يعني كذلك الوعي بالحواجز الكثيفة من المقدسات الوهمية التي لا تزال تحول بين المسلمين،وخاصة المسلمين اليوم وبين قراءة المرحلة التأسيسية الحرجة من تاريخ الألم، على حد قول الكاتب. وقد وصل الامر، بهذه التقديسات الى درجة منع اهل السنة من الخوض في تاريخ الصحابة واستنطاق تفكيراهم وممارساتهم على ضوء قواعد اللعب السياسية، كما عرفتها البشرية منذ نشأة المدينة والعمران. هناك مستويات عديدة لضرورة قراءة العلاقة بين الصحابة، على ضوء الصراع والعلاقات الوترية عوض العلاقات الملساء المليئة بالتقديس السادج واللاتاريخي و الذي يرفع الصحابة الى درجة نورانية ملائكية، كما لو أنهم ليسوا بشرا. المستوى الاول، ينزع القدسية وهالة التقديس عن تلك الفترة، والتي تعد الفترة المضاءه بمصابيح الجنة. وبالتالي فإن المشروع المبني على قدسية غير تاريخية ولا انسانية ، هو مشروع وهمي اكثر منه مشروع قادر على أن يبني امة للعصر الحالي فاحرى العصر القادم.. والمستوى الثاني، هو ثقل الصراعات وتفجرها اليوم بين سنة وشيعة وتأثير ذلك علي اليومي الإسلامي، وعلى الشعوب ( العراق، ايران، لبنان، سوريا ) وعلى قدرتها على التطور وتضييعها الفرصة في الدخول التاريخي الى المشترك الإنساني. عوالق بشرية وفي دراسة الخلافات السياسية بين الصحابة لم يغيب الباحث كل العوالق البشرية التي ترتبط دوما بالسلطة., بل إنه لم يستبعد الحديث عن «الموبقات السياسية ومنها قتل الأنفس المحرمة، والاستبداد بالأمر، والإيثار والاستستئثار بالسلطة والثروة، والتساهل مع الظلم والبغي، وتجاهل قيم الشورى والعدل في القسم والحكم... إلخ بسبب التبرير الذي يقوم به البعض لأعمال بعض الأكابر والأصحاب، ممن استزلهم الشيطان في بعض المواقع». وهو ما يجعل السلطة سواء عند الصحابة أو غيرهمتخضع لنواميس السياسة كما في العالم،من ذروما القديمة الي حدود الكمونغريس اليوم. وينزع الكتاب الطابع الاسطوري والمسسامي عن الصحابة وخلص الي القول أن «مكانة الأشخاص بمن فيهم الصحب الكرام لا يجوز اتخاذها ذريعة لطمس المبادئ الجليلة التي يستمد منها أولئك الأشخاص مكانتهم ، وإلا وقعنا في تناقض..».. وفي دراسة الخلافات السياسية بين الصحابة لم يغيب الباحث كل العوالق البشرية التي ترتبط دوما بالسلطة., بل إنه لم يستبعد الحديث عن «الموبقات السياسية ومنها قتل الأنفس المحرمة، والاستبداد بالأمر، والإيثار والاستستئثار بالسلطة والثروة، والتساهل مع الظلم والبغي، وتجاهل قيم الشورى والعدل في القسم والحكم... إلخ بسبب التبرير الذي يقوم به البعض لأعمال بعض الأكابر والأصحاب، ممن استزلهم الشيطان في بعض المواقع». وهو ما يجعل السلطة سواء عند الصحابة أو غيرهمتخضع لنواميس السياسة كما في العالم،من ذروما القديمة الي حدود الكمونغريس اليوم. وينزع الكتاب الطابع الاسطوري والمسسامي عن الصحابة وخلص الي القول أن «مكانة الأشخاص بمن فيهم الصحب الكرام لا يجوز اتخاذها ذريعة لطمس المبادئ الجليلة التي يستمد منها أولئك الأشخاص مكانتهم ، وإلا وقعنا في تناقض..».. تجاوز العلاقة في هذا المجال، العلاقة الثنائية أو الصراع الذي قد يضع صحابيا ضد آخر لأسباب محصورة إلي صراعات اكبر. وقد رأينا في كتب السيرة والحديث وفي التاريخ الفقهي العديد من القصص،التي لم تتجاوز العتاب الخاص. ومن ذلك ما يروي عن مسطح ابن اثاثة، وهو من المهاجرين ومن الذين شهدوا معركة بدر، وكان الرسول يعظمهم، وقال فيهم « لن يدخل النار احد شهد بدرا( كما رواه أحمد ومسلم وابن عبد البر). وقد اشترك ابن اثاثة في حديث الافك الذي مس عائشة ام المومنين وزوجة الرسول وقد غضبت منه كما غضب منه ابوها ابو بكر الصديق, الذي اوقف عنه نفقة كان يختصه بها، واقسم الا يمنح اياها بعد أن شارك في الافك. وقد عادت الأمور إلى نصابها من بعد ذلك ،بدون أحقاد كبرى. وأصحاب بدر لم يسلموا من اقامة الحد بدون عصمة وتطهير كلي، كما حدث لنعمان بن عمرو الانصاري،الذي اقام فيه النبي حد شرب الخمر وقدامة بن مظعون الذي اقام فيه عمر بن الخطاب نفس الحد. بالرغم من كونهما بدريين. جيل الصحابة هو جيل التأسيس الذي ارسى دولة الاسلام الاولى وبسط حدودها،وبهذا المعنى فإن دراسة نزوعاتهم وسلوكاتهم السياسية تحتاج للمقاربة التاريخية وليس التنظير الشرعي أو التقديس والعصمة التي تفوق حالة البشر. الصحابة ايضا، في حالتهم الخاصة وعلاقتهم مع تدينهم لهم قصص تتجاوز هذا التقديس المفرط والذي لا علاقة له بالعقل أو الايمان. ومن ذلك مثلا أن النبي رفع يديه متضرعا لله ليتبرأ من خالد بن الوليد.: اللهم اني ابرأ إليك مما صنع خالد. امتدادات ما قبل القداسة حالة خالد بن الوليد ، فيها اطروحة سياسية كاملة ، ولو كان المثال واحدا. فقد اقر كتاب السيرة أن« قوته الطاغية على أمانته هي التي جعلت النبي يستنكر قتله قوما اظهروا السلام ويتبرأ الى الله من فعلته. وهي التي جعلت عمر يستنكر قتله مالك بن نويرة ثم يعزله من بعد. وابن تيمية الذي يعد من دعاة التنظير لعودة الزمن الصحابي نفسه يقر بأنه كان بينهم وبينه عداوة في الجاهلية وكان ذلك مما حركه على قتالهم(سير اعلام النبلاء).. ومن ذلك قول هشام بن عروة بأنه كان في ابي سليم ردة ، فبعث ابو بكر اليهم خالد بن الوليد فجمع رجالا منهم في الحظائر ثم احرقهم.. فقد روي عنه انه قال في يوم التحكيم : من كان يريد ان يتكلم في هذا الأمر( امر الخلافة) فليطلع لنا قرنه فنحن احق به منه ومن ابيه. وهو ما اعتبره الرواة تعريضا بابن عمر ابن الخطاب«. .يلجا الكثيرون فعلا الى استبعاد ان تكون هذه النوازع قد وقعت للصحابة, بل يفترض الناس ممن يحبون جيل الرسول ان تكون الوقائع غير صحيحة. ومع ذلك فقد سالت نهار من الدم ووقع الالاف من القتلى. بعض المفسرين والمؤرخين ادركوا ذلك وقرروا بوعي وارادة عدم الخوض في ذلك ( السيوطي قال في قتل الامام الحسين بن علي : وقد ورد في مقتل الحسين قصة طويلة لا يحتمل القلب ذكرها... علي يمتنع عن بيعة ابي بكر الصديق لعل اول الخلافات بدأت مع تولية ابي بكر الصديق. واذا كان البعض يعترض على وقوع الحادثة أو ينكر صحتها فانها مع ذلك ثبتت لدى الكثيرين من الثقاة. في كتاب اصول الدين للبغدادي حديث واضح بهذا المعنى يقول فيه « ان عليا والعباس توقفا عن البيعة له اياما». والقصة الكاملة بدأت مع رفض ابي بكر تقديم ارث فاطمة ابنة النبي الذي طلباه ، فغضبت منه وغضب علي زوجها. وتقول الرواية، الواردة في صحيح البخاري:عن عاشة ان فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم ارسلت الى ابي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ,مما افاد الله عليه بالمدينة وما بقي من خمس خيبر، فقال ابو بكر «ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال«لا نورث ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال,وإني والله لا اغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. ولاعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأبى ابو بكر أن يدفع الى فاطمة منها شيئا، فآخذت فاطمة على ابي بكر في ذلك، فهجرته ولم تكلمه الى ان توفيت. وعاشت بعد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة اشهر فلما توفيت دفنها زوجها علي ليلا ولم يؤدن بها ابو بكر وصلى عليها وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس فالتمس مصالحة ابي بكر ومبايعته ولم يكن قد بايعه تلك الاشهر. فارسل الي ابي بكر ان أتينا ولا يأتنك احد معك،كراهية لمحضر عمر.. علي يرفض حضور عمر الي بيته وهنا يقر البحري بأن علي لم يكن يرغب في حضور عمر ابن الخذطاب، وفي ذلك قصة المبايعة ولاشك. وهو خلاف واضح بين خليفتين لا يريد احدهما حضور الاخر. وكان عمر قد دعا ابا بكر الا يذهب وحده!!!!! الي دار علي. وهو ما يكشف عن وجود ثقة بين الاثنين وقتها . وفي الحديث المذكور قال عمر : لا والله لا تدخل عليهم وحدك فقال ابو بكر : وما عسيتهم ان يفعلوا بي والله لاتينهم فدخل عليهم ابو بكر فتشهد علي فقال: انا قد عرفنا فضلك وما اعطاك الله ولم ننفس عليك خيرا ساقه الله اليك ولكنك استبددت علينا بالامر وكان لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيبا حتي فاضت عينا ابي بكر ..« ولم يخف علي شعوره باستبداد ابي بكر على ال البيت. وهو كلام قوي للغاية. التصعيد التقديسي الذي مارسه المسلمون، ولا سميا منهم الذين يدعون الى العودة الى الاصول، رفع التاريخ الى درجة الوحي. وهو ما يعد ، في حقيقة الدينامية التاريخية ، وما يحسب للمؤلف صراحة، اعاقة ثقافية، يسميها المؤلف الثقافة العليلية، التي تعيد الى الاذهان الحنين الى الاستبداد والتناحر الاصلي، ويقول الشنقيطي عن حق أن ضحايا الاستبداد في العالم الاسلامي هم اقوى المدافعين عنه اليوم فكريا واشد المبررين له اخلاقيا..! ابنا عمر وابو بكر ضد آل معاوية.. وتنقل كل كتب الحديث الصحيحة الرفض الذي قوبل به حكم معاوية، وابناوه. وفي ذلك ما روي عن ابن عمر ابن الخطاب وعبد الرحمان بن ابي بكر الصديق مع معاوية ويزيد ومروان بن الحكم., ووصل الامر بابن عمر ابن الخطاب، وهو من الصحابة أن هم أن يقول لمعاوية: »أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك على الإسلام». في اشارة الى أن معاوية وابنه دخلاا السالام عنوة وبعد مقاتله من عمر بن الخطاب الدي ارغمه على ذلك. ويقول الكاتب الشنقيطي مع اصحاب الحديث « صحيح أن عبد الله بن عمر بايع معاوية فيما بعد، ثم بايع يزيد، ثم عبد الملك بن مروان من بعد ذلك، طبقا لمنهجه في السير مع الجماعة (..) وقد اتضح هذا المنهج من رسالة بيعته لعبد الملك التي قال فيها: »بلغني أن المسلمين اجتمعوا على البيعة لك، وقد دخلت فيما دخل فيه المسلمون«. ابن عنمر نفسه سيراجع نفسه واتباعه معاوية ومراحعته للبيعة من أصلها. ويبدو ذلك من خلال ما روي عنه ، حيث قال« ل» لم أجدني آسى على شيء إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي«« وفي رواية: »عن ابن عمر أنه قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب».« وفي أخرى: »قال ابن عمر حين احتضر» ما أجد في نفسي شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب»« . وقد فعل الزمن، كما في كل الحضارات وفي شؤون السياسة مند العهد القديموالى الان فعلته وكشف المستور حي « عاش عبد الله بن عمر عمرا مديدا حتى تكشفت له آثار الردة السياسية التي حاقت بالمجتمع المسلم، و رأى نتائج الانحراف سافرة: مذبحة ضد ال البيت النبوي في كربلاء، واستباحة المدينة النبوية في وقعة الحرة، وغزو مكة وإحراق الكعبة، والتخلي عن مبادئ الشورى والعدل في الحكم والقسم، وسيادة الظلم السياسي والإيثار والاستئثار بالسلطة والثروة. فلذلك ندم على الحياد، وهذا الندم هو الذي يعبر عن حقيقة موقفه الأخير وخلاصة تجربته في الحياة». وليس ما توصل إليه عبد الله بن عمر ببعيد مما توصل إليه ابن تيمية، وأوردناه في من قبل:» »إن الظالم يظلم فيُبتلى الناس بفتنة تصيب من لم يظلم، فيعجز عن ردها حينئذ، بخلاف ما لو مُنع الظالم ابتداء، فإنه كان يزول سبب الفتنة«. ابن ابو بكر عبد الرحمان. فصل آخر من الخلاف السياسي ، المرتبط بالسلطة والحكم دار بين ابن الخليفة الأول ابو بكر الصديق ومروان بن الحكم الاموي.». وتذكر كتب التاريخ الواردة كمراجع في كتاب الخلافات السياسية بين الصحابة أنه «كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: »والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني..«، فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري« وفي رواية النسائي: »عن محمد بن زياد قال ثم لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر» سنة هرقل وقيصر، فقال مروان: هذا الذي أنزل الله فيه »والذي قال لوالديه «أف لكما»» الآية، فبلغ ذلك عائشة فقالت: كذب والله ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أنزلت فيه سميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن والد مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة الله«. قال ابن حجر: »وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك«. ومنهما مما هو جيد الإسناد ما رواه البزار«.. قال مروان أنت الذي نزلت فيك »والذي قال لواديه أف لكما«، فقال عبد الرحمن: كذبت، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أباك«. فصل من الكتاب الإقرار بثقل الموروث الجاهلي لقد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم في مجتمع جاهلي له خصائص مميزة، منها: الإعلاء من قيمة الدم والنسب، وتوارث المكانة الاجتماعية بعيداً عن المعايير الموضوعية من كفاءة شخصية أو قيمة أخلاقية. وقد عبر عن ذلك عمرو بن كلثوم في معلقته بقوله: إذا بلغ الفطامَ لنا صبي يخر له الجبابر ساجدينا . التسيب والروح العسكرية، فقد كان العربي آنذاك مغرماً بامتطاء الجياد وامتشاق السيوف، مولعاً بالحرب والنزال، إن وجد عدواً قاتله، وإلا اختلق أعداء من أهله وذويه فقاتلهم، على حد قول قائلهم: وأحيانا على بكر أخينا إذا ما لم نجد إلا أخانا . انعدام الضوابط الأخلاقية، باستثناء بعض القواعد المتصلة بصيانة الشرف والعرض، وقد أدى ذلك إلى سيادة منطق الأثرة وقانون الغاب. يقول عمرو بن كلثوم مؤصلا لهذه القاعدة الجاهلية: ونشرب إن وردنا الماء صفوا ويشرب غيرنا كدرا وطينا وقد أتى الاسلام بمفهوم جديد للتضامن الاجتماعي يتأسس على رابطة العقيدة والفكرة، بدلا من رابطة الدم والنسب. وجعل معيار الكفاءة السياسية هو الأمانة والقوة، بدل الوراثة والمكانة الاجتماعية. ووجه تلك الروح العسكرية إلى الجهاد في سبيل الله، بدل التناحر الداخلي. وألهم الناس ضوابط أخلاقية تكفكف من غلواء الذات الفردية والعشائرية، وتقضي بالمساواة بين البشر. وهكذا حول الاسلام القبيلة ألى أمة، والصعلكة إلى جهاد، والطبقية إلى مساواة، والوراثة إلى كفاءة. بيد أن الإرث الجاهلي كان ثقيلا، ولم يكن المسلمون الأوائل متساوين في مستوى التحرر منه، والانسلاخ من معاييره السياسية والاجتماعية انسلاخاً تاماً، كما دلت عليه بعض الوقائع في عصر النبوة. ومنها: ما وقع بين الطائفتين المؤمنتين في العودة من غزوة المريسيع، حتى اضطر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهرهم قائلا: »ما بال دعوى الجاهلية؟«« وما وقع من أبي ذر رضي الله عنه حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: »إنك امرؤ فيك جاهلية«. وما نقصده بالموروث الجاهلي هنا، ليس المظهر الاعتقادي الوثني، فذلك أمر طهر الله منه جزيرة العرب بعد الإسلام، إنما نقصد معاييرها السياسية والاجتماعية، وهو المعنى الذي قصده البخاري في عنوانه لهذين الحديثين فقال: »باب المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفَّر بها صاحبها إلا الشرك«. فالجاهلية هنا هي تلك المعاصي التي اشتهرت بين العرب في الجاهلية في مجال الظلم الاجتماعي والسياسي بالذات، ثم بقيت منها بقايا في المجتمع المسلم عبر العصور. وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ثقل هذا النمط من الموروث الجاهلي، حين أوضح أن أمته لن تستطيع التحرر من بعضه، فقال: »أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب... إلخ«. وليس غريباً أن تبقى في المجتمع الإسلامي الأول بقايا جاهلية، وأن يتفاوت الناس في التطهر من معاييرها الاجتماعية والسياسية، إذ كان من المسلمين سابقون دخلوا الإسلام أيام المحنة إيمانا واحتسابا، واستمتعوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم مدة مديدة تطهروا فيها وزكت نفوسهم، وكان منهم من دخله متأخرا ضمن الأفواج التي دخلت بعد الفتح، وكان منهم أعراب لم يعايشوا النبي صلى الله عليه وسلم فترة كافية للتطهر والتزكية. وقد أشار الإمام البخاري إلى أن إسلام كثير من الأعراب كان استسلاما عسكريا، لا إسلاما اعتقاديا، فقال: »باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، وكان على الاستسلام أو الخوف من القتل، لقوله تعالى: »قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا«،» فإذا كان على الحقيقة، فهو على قوله جل ذكره: »إن الدين عند الله الإسلام«. ولا يعني ذلك بحال أن جميع أولئك الأعراب كانوا منافقين، بل زكا بعضهم وتطهر، وارتد بعضهم وكفر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإنما المراد أن معايير التنظيم الاجتماعي والسياسي ظلت مشوبة عند كثيرين منهم وعند بعض مسلمة الفتح - وحتى أفراد من السابقين أحيانا - بشوائب الجاهلية، وكان ذلك سببا من أسباب الفتن السياسية والعسكرية التالية بين المسلمين. ومن أمثلة ذلك ما رواه عبد الرزاق »لما بويع لأبي بكر رضي الله عنه، جاء أبو سفيان إلى علي، فقال: غلبكم على هذا الأمر أذل بيت في قريش، والله لأملأنها عليكم خيلا ورجالا، قال: فقلت: مازلت عدوا للإسلام وأهله، فما ضر ذلك الإسلام وأهله شيئا، إنا رأينا أبا بكر لها أهلا«. والظاهر أن هذه المحاورة بين علي وأبي سفيان - إن صحت - جاءت متأخرة عن بيعة علي للصديق بعد ستة أشهر من خلافته، وإلا فإن عليا اعترض على بيعة الصديق ابتداء، وإن كان من منطلق مختلف عن منطلق أبي سفيان. ومنها أيضا ما رواه الحاكم »عن محمد بن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه أن خالد بن سعيد حين ولا ه رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمن، قدم بعد وفاة رسول الله صلى الله وسلم، وتربص ببيعته (للصديق) شهرين يقول: »قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يعزلني حتى قبضه الله عز وجل««، وقد لقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال :»يابني عبد مناف طبتم نفسا عن أمركم يليه غيركم«« فنقلها عمر إلى أبي بكر، فأما أبو بكر فلم يحملها عليه (لم يؤاخذه عليها)، وأما عمر فحملها عليه، ثم أبو بكر بعث الجنود إلى الشام، فكان أول من استعمل على ربع منها خالد بن سعيد، فأخذ عمر يقول: »أتؤمره وقد صنع ما صنع وقال ما قال«؟ فلم يزل بأبي بكر رضي الله عنه حتى عزله، وأمر يزيد بن أبي سفيان«. وقد علل شيخ الإسلام بعض الأحداث السياسية في ذلك العصر بثقل المواريث السياسية الجاهلية وكثافة معاييرها الاجتماعية العرفية. ومن ذلك: أولا: اعتراض بعض من سادة بني عبد مناف - مثل أبي سفيان وخالد بن سعيد - على بيعة الصديق - كما رأينا - لأن الصديق من بني تيم، وليس من بني عبد مناف بيت السيادة والقيادة في قريش أيام الجاهلية. قال ابن تيمية: و»لا يستريب عاقل أن العرب - قريشا وغير قريش - كانت تدين لبني عبد مناف وتعظمهم أعظم مما يعظمون بني تيم وبني عدي: ولهذا جاء أبو سفيان إلى علي فقال: أرضيتهم أن يكون هذا الأمر في بني تيم؟ فقال: يا أبا سفيان إن أمر الإسلام ليس كأمر الجاهلية، أو كما قال« ثم يعلل شيخ الإسلام ذلك بقوله: »وأبو سفيان كان فيه بقايا من جاهلية العرب، يكره أن يتولى في بني عبد مناف. وكذلك خالد بن سعيد كان غائبا، فلما قدم تكلم مع عثمان وعلي، وقال: أرضيتهم أن يخرج الأمر عن بني عبد مناف«. ويشير ابن تيمية هنا إلى قصتي أبي سفيان وخالد بن سعيد الواردتين أعلاه. ثانيا: ما بدر من بعض القوم من حرص على جعل الخلافة في البيت النبوي. قال ابن تيمية: ».. وإنما قال من فيه أثر جاهلية عربية أو فارسية: إن بيت الرسول صلى الله عليه وسلم أحق بالولاية، لكون العرب كانت في جاهليتها تقدم أهل بيت الرؤساء، وكذلك الفرس كانوا يقدمون أهل بيت الملك. فنقل عمن نقل عنه كلام يشير به إلى هذا، كما نقل عن أبي سفيان. وصاحب هذا الرأي لم يكن له غرض في علي، بل كان العباس عنده - بحكم رأيه - أولى من علي، وإن قدر أنه رجع عليا، فلعلمه بأن الإسلام يقدم الإيمان والتقوى على النسب، فأراد أن يجمع بين حكم الجاهلية وحكم الإسلام. فأما الذين كانوا لا يحكمون إلا بحكم الإسلام المحض - وهو التقديم بالإيمان والتقوى - فلم يختلف منهم اثنان في أبي بكر«. ثالثا: ما بدر من بعض الأكابر أحيانا عن صبية لأبناء العشيرة، على حساب أخوة الإيمان، مثل ما وقع من سعد بن عبادة رضي الله عنه أيام الإفك من تحيز لعبد الله بن أبي رأس المنافقين، رغم إساءة ابن أبي إلى بيت النبوة. قال ابن تيمية: »وقد عرف نفاق جماعة من الأوس والخزرج كعبد الله بن أبي بن سلول وأمثاله، ومع هذا كان المؤمنون يتعصبون لهم أحيانا، كما تعصب سعد بن عبادة لابن أبي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لسعد بن معاذ: »والله لا تقتله، ولا تقدر على قتله«. ثم عمم شيخ الإسلام تعليله بتأثير الموروث الجاهلي، ليشمل كل المعترضين علي بيعة الصديق من قريش ومن الأنصار، فقال: »ففي الجملة جميع من نقل عنه من الأنصار وبني عبد مناف أنه طلب تولية غير أبي بكر لم يذكر حجة دينية شرعية، ولا ذكر أن غير أبي بكر أحق وأفضل من أبي بكر. وإنما نشأ كلامه عن حب لقومه وقبيلته، وإرادة منه أن تكون الإمامة في قبيلته. ومعلوم أن مثل هذا ليس من الأدلة الشرعية و الطرق الدينية، ولا هو مما أمر الله ورسوله المؤمنين باتباعه، بل هو شعبة جاهلية، ونوع عصبية للأنساب والقبائل، وهذا مما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بهجره وإبطاله«. لقد كان للأعراف الإجتماعية والتاريخية تأثير بالغ في إشعال الفتن السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم. وليس مما يستغرب أن يكون معاوية هو أول من حول الخلافة إلى ملك، فقد أمضى شطر عمره في بيت سادة قريش، وشطره الثاني على حدود دولة الروم. صحابي يقتل صحابيا بسبب الخلاف بين علي ومعاوية.. ابن الغادية صحابي، بالمعنى الاصطلاحي المتوسع الذي يأخذ به أهل الحديث. وقد ترجم الحافظ الذهبي لأبي الغادية في سير أعلام النبلاء تحت عنوان: »ابو الغادية الصحابي« وقال البخاري له صحبه وقال مسلم: له صحبة ومع ذلك قال الحافظ ابن حجر في ترجمة أبي الغادية: »ابو الغادية الجهني: اسمه يسار بن سبع، سكن الشام ونزل واسط، ادرك النبي صلي الله عليه وسلم وسمع منه قولا: »لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض روى عنه كلثوم بن جبر وغيره. وكان محبا لعثمان، وهو الذي قتل عمار بن ياسر، وكان اذا استأذن على معاوية وغيره يقول: »»قاتل عمار بالباب»« يتبجح بذلك. وانظر الى العجب: يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن القتل ثم يقتل مثل عمار وقد روى الإمام احمد عن ابي الغادية حديث: »ان دماءكم وأموالكم عليكم حرا. قال ابن حجر: فكانوا يتعجبون منه انه سمعا أن دماءكم واموالكم عليكم حرام ثم يقتل عمارا وقد قال كلثوم بن جبر عن ابي الغادية، وهو الذي روى عنه تبجحه بقتل عمار»»لم أر رجلا أبين ضلالة منه««. فهل يصلح وضع عمار بن ياسر وأبي الغادية في سياق واحد بحجة الصحبة؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم: »من يعاد عمارا يعاد الله. ومن يبغض عمارا يبغضه الله, فما بالك بمن سفك دم عمار باغيا عليه؟ ان جيل الصحابة لم يكن غير مجتمع بشري فيه الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات باذن الله، وليست غلبة الخير على أهل ذلك الجيل مسوغا كافيا للتعميم والاطلاق، واضفاء صفات القدسية على كل فرد، فيه، مما يناقض الحقائق.