مفتي القدس يشيد بدعم المغرب تحت قيادة جلالة الملك لدعم صمود الشعب الفلسطيني    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟        إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف يفكر المتفائلون

ساد الاعتقاد لمدة طويلة بأنّ القدرة على رؤية الحياة من جانبها الإيجابي هي مسألة ميول ذاتية خاضعة للصدفة. غير أن المقال التالي يبيّن أن هذه البديهية ليست دائما صائبة وصحيحة. ذلك أنه وخلافا لما نظنّ، ثمّة علاقة نفسية وبيولوجية بين ما يعتمل ذهنيا من انفعالات تفاؤلية وتشاؤمية وبين المعطيات الجسمانية.
في محيطنا الكئيب والبائس (فبلد مثل فرنسا، على سبيل المثال، أحرز مؤخّرا على السعفة الذهبية كواحد من البلدان الأكثر تشاؤما في العالم، متقدما بذلك على العراقيين والنيجريين)، ينبغي الاهتمام كثيرا بمعرفة سرّ هذه العيّنة النادرة التي نطلق عليها اسم «المتفائلون». ومع ذلك، فإن أولئك الذين يعبّرون عن شعورهم بالسعادة والتفاؤل غالبا ما يكونون عرضة للاستهزاء. وفي الكثير من الأحيان يأخذونهم من الجانب الساذج باعتبارهم خارجين عن المألوف وبعيدين عن الحقيقة الواقعية، فضْلا عن اعتبار ما يشعرون به لا يرتبط بهم بقدر ما يبدو أمْرا نازلا من السماء.
فمنذ حوالي عشرين سنة، انبرتْ السيكولوجيا «الإيجابية» إلى البحث التفصيلي في الكيْفية التي تشتغل بها «الشخْصيات الناجحة في حياتها»، بحيث أصبح بالإمكان أن يفهْم المرء فهما دقيقا كيف يعيش وكيف يفكّر أصحاب «الكأس النصف المملوءة». بالنسبة لفيليب غابيليي، الباحث في علم الاجتماع النفسي، وصاحب كتاب «مديح التفاؤل» الصادر ضمن منشورات سان سيمون، والذي يعتبر نفسه هو كذلك تائها في العالم المسحور الذي هو «عالم المقاولات الذي يهيمن فيه أصحاب الفكر التدبيري والتسييري والواقعي»، فإن
الأشخاص المتفائلين همْ، في المقام الأول، أولئك الذين يتحرّكون ويبحثون عن الأسباب الملائمة التي تجعلهم يكافحون ويتصارعون داخل محيط لنْ يتحسّن ولن يتغيّر. وفي هذا الصدد يقول:» إنّ ما يميز هذه الشخصيات حقّا هو: أنها تعمل أساسا انطلاقا من مبدأ الاحتمال والإمكان. ومن ثمّ ففي أيّة وضعية كانت، فإنهم ينظرون أوّلا وقبل كلّ شيء إلى ما يمكن فعله، هذا في الوقت الذي يكتفي فيه المتشائم، حتى الأكثر ذكاء، بالملاحظة، وبالتحليل في أحسن الحالات. غير أنه يظلّ في وضعية سكونية وجامدة، بل يشعر بكونه ضحيّة».
وبالمقابل، فإن الشخص المتفائل يبحث عن الحركة والتنقّل والحرية، بل يصل به الأمر إلى حدّ « التظاهر ب»، التظاهر بأنه سيُشفى من هذا المرض العُضال، أو التظاهر بأنه سيجد عملا في القريب العاجل الخ، وذلك حتى لا يتوقّف ساكنا وقابعا في النزعة القَدَرية. من هنا يضيف فيليب غابيليي قائلا:» إن للمتفائلين ثقة كبيرة غير قابلة للمساومة في سلطة وقدرة إرادتهم». وهنا يتجلى نمط آخر من طريقة اشتغالهم: يتجلى في «النزعة التفاؤلية»، والتي تقوم أساسا على القيام بكل ما يمكن القيام به رغم ما يمكن أن يحصل لهم. في الصدد يقدّم إيف مونترونْ، المشرف على الموقع الإلكتروني لعصبة المتفائلين، ومؤسس «التدبير الإيجابي» الذي أنشأ له موقعا بعنوان manager-positif.com مثال أب لأسرة التقى به في ميناء الأنتيلْ والذي كان قد دعا أفراد عائلته إلى القيام بجولة عبر العالم على متن باخرة شراعية لكونه طُرد من العمل بطريقة وحشية. وأضاف قائلا :»إنّ ربّ المعمل الذي كرهته كثيرا قبل سنة، سأعانقه اليوم. فبفضل هذا الأب تمكّنت من تحقيق واحد من أحلام حياتي».
من جهة أخرى يقول مارتينْ سيليغْمانْ، الأستاذ بجامعة بينسيلفانيا و»بابا « علم النفس الإيجابي، مدقّقا أنّ أولئك الذين يتبنّون هذا «السلوك المتفائل» يروْن البعد الانتقالي والعابر للأحداث، بينما يرى المتشائمون الطابع الدّائم. المتفائلون يقولون :»إنّ نظام لا يمكن أنْ ينجح على الوجه الأحسن حين نتناول وجبة الغذاء دائما في المطعمّ»، في حين يردّد المتشائمون:» لا فائدة من اتباع نظام حمية». وهناك طريقة أخرى وصيغة ثانية للتعامل مع الواقع واليوميّ الذي يجثم على المتشائمين، وهي التي تتجلى في :التعميم. فهم لا يوقّفون على القول :» إن القراءة لا فائدة منها وعبثية»، هذا في الوقت الذي يقول فيه المتفائلون :»هذا الكتاب ليس سيئا إلى هذا الحدّ».
وحين تحصل بعض الأحداث والأمور الصعبة أو الخطيرة، فإنّ الأشخاص المتفائلين لا يكونون بمنأى عنها، غير أنهم ينجحون في عدم جعل وجودهم متأثّرا بهذه المشاكل التي يعتبرونها مشاكل عابرة. ثمّ إنهم في حالة ما إذا حصلت لهم مشاكل عائلية، بين الزوج وزوجته، فإنهم لا يجعلون هذا المشاكل تؤثر على حياتهم المهنية اليومية، ولا حتى على أطفالهم. ذلك أنهم يعرفون كيف يقسّمون ويميّزون بين الأمور. من ثمّ يشدّد فيليب غابيليي على أهمية اعتبار المشاكل عابرة في رأي الشخص المتفائل، وصبغة العبور هذه هي التي تمنحه إرادة إضافية واستعدادا آخر للانتقال إلى شيء آخر، وعدم كهربة الوضع الحياتي والعائلي، ولا حتى المحيط الشخصي والمهني. إنّ هذا الوعي بانعدام ديمومة المشاكل من أيّ نوع كانتْ، هي كذلك مصدر ومورد تأسيسيّ بالنسبة ل»المتفائلين المتناقضين»، من أمثال إيف مونبرون، الذي يعترف من جهته بكونه لم يكن ينظر بصفة تلقائية إلى الجانب الورديّ للأحداث. يقول في هذا الصدد:» حين ينزل مستوى المزاج قليلا، أعيد الاتصال بشبكة أصدقائي، وحين أعود إلى البيت، في نهاية اليوم، أدوّن الأمور الثلاثة أو الأربعة التي أدخلت السرور إلى قلبي». وهذه كلها استراتيجيات ومؤشرات تحمل على القول بأنّ الاشخاص المتفائلين ليسوا بُلهاء إلى هذا الحدّ، بقدر ما هم واعون وعيا جيّدا بالطابع العابر والثمين للحياة. أما مهمّتهم اللاواعية، والمتمثلة في الدور الذي يلعبونه وهو العمل على نشر هذا الاكتشاف حولهم. لذلك يخلص فيليب غابيليي إلى القول:»إنّ وضعية التفاؤل هي الطاقة الأولى من أجل المحافظة على التماسك والانسجام داخل الفريق المهني وبين أفراد العائلة أو داخل الجمعية».
وهذا ما يجعل الأمور مناسبة للشخص المتفائل الذي يكون دائما في حاجة إلى العلاقات ووشائج الصداقة والعائلة. لذلك فإنّ هناك خاصية أخرى تميّز المتفائلين وهي «أنّ ما يميّزهم أكثر عن الأشخاص المتشائمين ليس هو ذكاؤهم على الأرجح، بلْ كرمهم».
المتشائمون لهم شخصيات متحجّرة
تعتبر المحللة النفسانية آن ماري فيليوزاتْ، التي صدر لها كتاب مشترك مع الدكتور جيرار غواشْ بعنوان «هذه الأمور التافهة التي تغيّر الحياة» (منشورات البان ميشال)، أنّ الوصول إلى حالة الاطمئنان والمزاج الإيجابي ممكنة لكل الناس، لكن شريطة القيام بمجهود بسيط من أجل الاشتغال على الذات والتعلّم. إنّ الأمر، في نهاية المطاف، يتطلّب العودة إلى الذّات وإلى الاستعداد الذهني بغية الحصول على «شخصية إيجابية»، ومن ثمّ تغيير المزاج. لذلك فإنها مقتنعة بالنظرة النفسية الجسدية للكائن البشري. ومن أجل الحصول على نتيجة إيجابية ينبغي الابتعاد عن الاجترارات الذهنية التي تطبع سلوك وعقلية المتشائم، ومن ثمّ تحرير الجسم من التشنّجات الناتجة عن هذه الاجترارات. تقول فيليوزات في هذا السياق:» كلّما بعثتم برسالة سلبية من قبيل «لنْ أنجح في تحقيق هذا الهدف»، أو «أنا إنسان فاشل» الخ، فإنّ ذلك يُترجم بتصلّب عضلي وبتوتّر. وبالمقابل، فعندما يكون الشخص مريضا فإن ذلك يؤثر على نفسيته وبالتالي ينزل مستوى مزاجه وذهنيته بدرجات. لذلك تستخلص بأن هذه العلاقة بين الجسد والذهن مُبرْهن عليها من الناحية العلمية.
إن للأشخاص المتشائمين شخصية متحجرة ومتكلّسة وجامدة، بحيث يظلّون من الناحية الذهنية «أسرى» فكر قاتم ومظلم واجتراريّ، ومن الناحية الجسمانية يظلون منطوين على أنفسهم، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ما يظهر على الفرد من ردود أفعال بيولوجية وفيزيولوجية مثل ضيق التنفس وجفاف الحلق وبرودة الأطراف وارتفاع ضغط الدم والإغماء والتوتر العضلي وعسرالهضم . فمشكلتهم هي أنهم لا يسمحون لأجسادهم بأنْ تعيش تتابعا وتتاليا للعواطف والانفعالات التي تجعلنا مفعمين بالحياة. إن المفتاح السحري الذي يجعلنا في وضعية إيجابية هي سلاسة العلاقة بين الذهن والجسد. إنّ التفاؤل هو عملية نفسية إرادية تولد أفكاراً ومشاعر للرضا والتحمل والثقة العالية بالنفس ، وفي الوقت نفسه تبعد عن الفرد حالات اليأس والعجز. فالشخص المتفائل يفسّر مشاكله وأزماته تفسيراً بسيطا يبعث في النفس نوعا من الطمأنينة والأمان، وهذا بدوره ينشّط عند الفرد أجهزة المناعة النفسية والجسمية، لذلك يعتبر التفاؤل هو الطريق الأمثل للسعادة والصحة . غير أن هذا ليس سهلا ويتطلب اشتغالا على الذهن والذات حتى يبتعد المرء عن التفسير التشاؤمي الذي يستنزف طاقة الفرْد ليشعره بضعف نشاطه ودوافعه، وإصابته بأمراض نفسية وجسمية متنوعة .
يشير سيلِغْمان إلى أنه قد حان الوقت لإعادة إحياء الطَّبع كمبدأ أساسي للدراسة العلمية حول السلوك البشري. من أجل ذلك، عمل مع كريستوفر بيترسون، بمساعدة فريق من الباحثين، على وضع تصنيف للعناصر الإيجابية في القوى الفكرية والفضائل، والتركيز عليها أكثر من الاضطرابات النفسية. وهكذا وُضِعَتْ لائحةٌ بأربعة وعشرين عنصرًا، موزَّعة على ستِّ فئات عامة هي: الحكمة والشجاعة والحب والإنصاف والاعتدال والروحانية. وقد عمَّق الفريق أبحاثه العيادية بقراءة أعمال حول الحكمة الآتية من مختلف بقاع العالم، بدءًا بأفلاطون وأرسطو ولاو تسُه، وصولاً إلى التلمود وتوما الأكويني والقرآن، مرورًا بكانط والفلسفة الألمانية، مشددًا على أن علم النفس الإيجابي لا يأمر بل يوصي؛ وهو لا يفرض الصفات التي يجب تبنِّيها، بل يصوِّر لنا نتائج خياراتنا. فالإحصاءات تشير، مثلاً، إلى أن التفاؤل يحضُّ الفرد على تخطِّي الفشل وتحمُّل تحديات جديدة؛ كما أن التسامح والامتنان يحرِّرانه من المرارة والضغينة حيال الماضي.
وتدلُّ دراسات أخرى قام بها سيلِغْمان على أن بعض الأحداث السلبية في مرحلة الطفولة لا تؤثر تأثيرًا خطيرًا على حياة الراشد، باستثناء بعض الصدمات الأساسية، كالعنف البدني؛ مما يعني أن جهد عدد كبير من علماء النفس لتحرير الغضب المكبوت إزاء الوالدين يوفِّر حجة أكبر لتحفيز المرارة.
يمدح سيلِغْمان فضائل أخرى في كتاب السعادة الحقيقية، ناصحًا للقارئ بالتماثُل مع تلك الفضائل التي يشعر في نفسه أنه مستعد لها، وبالتنمية الإيجابية لهذه القوى التي تشكِّل توقيعه الخاص، كالطاقة على الحبِّ أو تربية الأولاد أو العمل.
وعلى الرغم من أن أعمال سيلِغْمان لاقتْ ترحيبًا واسعًا ? ولاسيما أنها تشدِّد على أهمية الصحة النفسية البعيدة عن جوِّ الانتحاب والشعور المزمن بالذنب ? إلا أنّ البعض انتقد علم النفس الإيجابي بأنه لا يقدم جديدًا مختلفًا عن الحكمة القديمة؛ مع أنه مَنَحَ انطلاقة جديدة لمبدأ قديم كان يسمي السعادة «الحياة الجيدة»، التي اعتبرها أرسطو ثمرة فضيلة وهي: أن نعرف كيف نحيا.
وعلى غرار سيلِغْمان، سمع القديس أغسطينوس في إحدى الحدائق صوت طفل تسبَّبَ له في رؤية مباغتة، جعلتْه يكتب مقالة حول السعادة عنوانها الحياة السعيدة، وذلك بعد حياة كامدة. والسر يكمن بنظره في اقتناع الإنسان بأنه لن يدرك السعادة في هذه الحياة، بل في الحياة المقبلة. وحده الله هو السعادة، ومن دونه سنظل دائمي الحزن وغير كاملين.
ولا يشاطر سيلِغْمان القديس أغسطينوس الرأي بالطبع، بل يشير في كتابه إلى أن بإمكان علم النفس الإيجابي أن يضعنا على طريق إله ليس الإله فوق الطبيعي. فكأنه يبشِّر بإله السعادة الذي من واجبنا نحن البشر البحث عنه؛ وبمجرد إيماننا به يفي بوعوده لنا. وُعود جميلة يقدِّمها علم النفس الإيجابي لِمَن لا يحمل أمراضًا نفسية خطيرة أو آثار صدمات تحتاج إلى معالجة طبية جذرية وطويلة الأمد. وعود تُطبَّق في الحياة اليومية على أفراد يبحثون عن تطورهم الدائم من خلال نقد ذاتي بنَّاء ومستمر، بغية إرساء حياة أفضل. فبين حاملي الطبع الهادئ وأصحاب المزاج السيئ، تتفاوت النظرة إلى السعادة، ويختلف السبيل إلى قطفها. ويبقى الإيمان بها هو الجامع المشترك الذي يؤدي إليها.
لوموند، الاثنين 11 فبراير 2013
«علم النفس الايجابي بدأ كتيار سيكولوجي تطور من التفكير الايجابي إلى علم نفس إيجابي على يد مارتين سيلغمان، رئيس جمعية اطباء النفس الأمريكيين، 1998 ، حيث يعتبر أنّ علم النفس لا يهتم بدراسه المرض والضعف والتلف فقط، بل يفترض أن يهتم أيْضا بدراسة مكامن القوة والفضائل الإنسانية. يتضح من كلام سيلغمانْ هذا نرى إن علم النفس لم يعد ينتظر وقوع الفرد في الحالة المرضية من أجل مساعدته في التغلب عليها، بل تعدى ذلك الى دراسة كيف يمكن لنا أن نجعل الفرد يعيش سعيداً في حياته من خلال ما يمتلكه هو من قدرات وقابليات عقلية وبدنية من بغية تحقيق السعادة لديه. إن الإحساس بالسعادة والمرح هو عنصر أساسي وضروري لحياة صحية وحاجة المرء لهذا الإحساس تماماً كحاجته للماء والغذاء والصداقة والنوم والشمس وغيرها. فالدراسات والأبحاث التي أجريت في هذا الموضوع أشارت إلى الأشخاص السعداء أقلّ عرضة للمشكلات العائلية والأسرية أو المعاناة من الأمراض, وبالتالي فهم أكثر قابلية ليعيشوا حياة فعالة أطول من غيرهم. من ثمّ فإنّ الإنسان يجب إن لا يفكر فيما حدث له ويستسلم للأمر, بل المهم أن تفهم وتدرك موقفك تجاه ما حدث ويحدث وطريقة تعاملك معه ومدى سماحك له بالتأثير عليك وهذه هي تماماً نظرية (علم النفس الإيجابي) التي تعلمك كيف تحقق لنفسك حياة صحية مقنعة ويقول سيلغمان: لكيْ تكون سعيداً بكل معنى الكلمة أنت في حاجة لتشعر بالرضا عن ماضيك، حاضرك ومستقبلك المغزى والهدف الرئيسي من التفكير الايجابي ورؤية الأمور من منطلق متفائل هو ألا تمعن التفكير في سلبيات ماضيك، عش لحظتك عندما تطلب منك الحياة ذلك وخطط لخطوات واضحة جداً لتُحسن من خلالها مستقبلك. ويركز الباحثون في مجال عالم النفس الإيجابي على دراسة وتحليل مكامن القوة والسمات والفضائل الإنسانية الإيجابية مثل التفاؤل، الرضا والامتنان، والإبداع لتعظيم وتعزيز السعادة الشخصية للإنسان في ممارساته وأنشطته وشؤون حياته اليومية، لتحسين صحة الفرد النفسية والجسمية مما يجعله فرداً منتجاً فعالاً في مجتمعه».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.