في كلمته أمام الدورة الثامنة لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية بالدوحة باسم الاتحاد البرلماني الدولي الذي يرأسه، قال الأخ عبد الواحد الراضي،يوم الأحد الماضي، بأن البناء المتشابك للتنمية يكون بناء هشا إذا لم يستند إلى قاعدة دمقراطية صلبة, مضيفا أن التنمية مرتبطة ارتباطا وثيقا بالديمقراطية . و بعد أن أشار إلى أن الاجتماع الأخير للاتحاد البرلماني الدولي بكامبالا قد تدراس بعمق موضوع الربيع العربي و الحكامة الجيدة، خلص إلى خلاصات ثلاث، فصلها في الكلمة التي نورد نصها الكامل فيما يلي: «يشرفني كثيرا أن آخذ الكلمة أمامكم باسم البرلمانات العالمية و منظمتها، الاتحاد البرلماني الدولي، الذي يجمع أكثر من 160 برلمانا عضوا. فحوالي 46 ألف رجل و امرأة يحتلون حاليا مقاعدهم في مؤسسات تشريعية وطنية عبر العالم. و هاته قوة لا يستهان بها.فآلاف رجال السياسة و نسائها هؤلاء تكمن مهمتهم الدستورية في وضع القوانين و إجبار الحكومات على تحمل مسؤولياتها و تبني الميزانيات و فحص و تحليل السياسات و الحسابات العمومية. لقد كان مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية دائما ينصت لاهتمامات البرلمانيين.و الاتحاد البرلماني الدولي من جهته، يساند مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية، التي يكمن دورها الأساسي، ضمن المؤسسات الأخرى للأمم المتحدة، في العمل على عولمة متمحورة حول التنمية و مستندة إلى معرفة خصوصية. نحن متفقون جميعا على أن المجموعة الدولية قد كسبت الكثير من مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية القوي و المسلح من أجل تحمل حصة أكثر نشاطا في حكامة الاقتصاد العالمي. إن الاتحاد البرلماني الدولي مقتنع بأن البناء المتشابك للتنمية قد يكون هشا جدا بدون قاعدة دمقراطية متينة.كما أن مهمتي مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية , أي التجارة و التنمية ,مرتبطتان معا، و كذلك الأمر بالنسبة للتنمية و الدمقراطية الملتصقتان معا مثل وجهي العملة الواحدة. لقد عقد الاتحاد البرلماني الدولي مؤخرا جمعيته القانونية في كامبالا حيث أجرى أعضاؤه نقاشا معمقا حول الدروس المستخلصة من أحداث الشرق الأوسط و إفريقيا الشمالية، التي نسميها عادة ب»الربيع العربي». هذه الدروس تتعلق أولا و بالخصوص بالدمقراطية، و الحرية و الحكامة الجيدة. بيد أن «للربيع العربي» ما يقوله لنا أيضا حول الاستراتيجيات التي ينبغي تبنيها، و حول المخاطر و نقاط الضعف في مجال السياسة الاقتصادية و الاجتماعية. فبالنسبة للاتحاد البرلماني الدولي، تعتبر الحكامة الجيدة هي ممارسة الحكم بشكل يستهدف التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و المؤسساتية الدائمة مع السعي نحو توازن بين الدولة و المجتمع المدني و اقتصاد السوق. إن الحكامة الجيدة تستند على سمو القانون،على مؤسسات ناجعة و مسؤولة تخدم مصالح الشعب. و هي تقتضي وجود قواعد في السياسة و العدل و الإدارة، كما في عالم المقاولات،قواعد تيسر التنمية و تحمي حقوق الإنسان و تمنح الأفراد حرية المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم. و الظاهر أن هذه المبادئ كثيرا ما تم دوسها من طرف السلطات العمومية في بلدان «الربيع العربي».فطيلة عقود،ظلت الثروة مركزة بين أيدي المستبدين بالحكم.كان الفساد بارز الحضور. كما أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، و تصاعد البطالة، و حدة المشاكل الموجودة في ميادين التربية و العلاج و الصحة و الحماية الاجتماعية هي من أشعل الفتيل و غذى التمرد الذي بدأ من رفض بسيط للأمر الواقع. هذا يقودني إلى خلاصتي الأولى: إن اهتمامات الشعوب ينبغي أن تكون دائما في مركز القرارات السياسية.و هذه أيضا هي الرسالة التي نوجهها لوفود مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية. إن البرلمانيين يطلعون على قضايا التنمية بواسطة الدمقراطية، التي ينبغي بناؤها دائما.و نحن نعتبر أنه من المهم جدا أن يتم إشراك الجميع، بما في ذلك الفقراء و الأقليات، في اتخاذ القرار بشكل عادل و أن يتسم المسلسل السياسي برمته بالانفتاح و الشفافية. إننا نعتقد أيضا بأن وجود برلمان منتخب بحرية و انتظام، مالك لكل وسائل ممارسته لوظائفه التشريعية و المالية و الرقابية، يعد شرطا ضروريا للتنمية. و البرلمانيون، في العمق، هم رجال و نساء سياسيون.و آراؤهم تغطي كافة الألوان السياسية، من اليسار إلى اليمين، لكنهم يعبرون عن الاهتمامات العميقة لناخبيهم. فليس من واجبهم فقط الاستجابة لها, بل يريدون أن يشاهدوا و هم يقومون بواجبهم و أن يفهم بأن هذا هو معنى عملهم. وهذا أمر موجود في عدد من الدول و يعمل بشكل جيد. لكن , بالرغم من كل الكلمات البلاغية حول الديمقراطية , في دول أخرى كثيرة، فإن البرلمان لا يملك لا الفضاء و لا الإمكانات الضرورية للقيام بوظائفه. بل إن ديمقراطيات عريقة يمكن أن تعاني من العجز الدمقراطي حين يتعلق الأمر بمراقبة الاقتصاد : و أزمة منطقة الأورو مثال سافر على ذلك. ماذا نقول إذن عن بلدان «الربيع العربي»؟ لقد مثلت الأحداث التي جرت الدليل على ما يمكن أن يحدث حين لا تنبه البرلمانات الحاكمين و تحذرهم من الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية و التي تبقى صماء أمام توق الشعوب إلى التنمية. الخلاصة الثانية تتعلق بالشفافية و المسؤولية. فمن واجب البرلمانات في كل البلدان أن تحرص على هذين المبدأين. و مع ذلك، فإن الإثنين معا غائبان. في كثير من الحالات، مثلا، لا يقوم الجهاز التنفيذي و لا المؤسسات التمويلية العالمية و لا مؤسسات القروض باستشارة البرلمان حول سياسة التنمية المستهدفة. و يحصل كثيرا أن استراتيجيات تقليص الفقر لا تتم مناقشتها في البرلمان كما لا يتم أخذ موافقته على برامج المساعدة العمومية للتنمية أو تسجيلها في الميزانية الوطنية. إننا كثيرون نحاول تغيير هذا الوضع.ففي البلدان النامية،تبذل البرلمانات الجهود من أجل أن تبقى دولها سيدة نفسها في سياسة التنمية و أن تكون الحكومات مسؤولة عن طريقة صرف المساعدات العمومية للتنمية. فمن وجهة نظر برلمانية، يعتبر إصلاح هذه المساعدات كي تصبح أكثر فاعلية، طريقة للانفتاح على عناصر أخرى تتيح للبلاد السيطرة على مخططاتها التنموية و العمل بشفافية أكبر. فإذا كانت المساعدات العمومية للتنمية، حجما، ليست هي المصدر الأهم في التمويل، فإنها تبقى أساسية للتنمية. و هي تكتسي أهمية أكبر اليوم لأن الأزمة المالية قد جففت حركات الرساميل التي كانت تنجذب إلى كثير من البلدان النامية. إن من رأي الاتحاد البرلماني الدولي، أنه كيفما كانت تطورات الأحداث، فإن حجم المساعدات العمومية للتنمية لا ينبغي أن ينخفض بأي حال من الأحوال. و إذا كنت أصر على هذه النقطة، فلكي أقنع أيضا مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية بضرورة اتخاذ قرار كي يتم إشراك البرلمانات في تحديد و إعادة فحص السياسة الاقتصادية، و السياسة المالية و السياسة التنموية لبلدانها. و قد تم اتخاذ بعض المبادرات في هذا الاتجاه لكن يلزم اتخاذ مبادرات أكثر. من الممكن مثلا، إعطاء البرلمانات دورا محددا في مراعاة ممارسات مسؤولة في منح القروض كي تبقى الديون قابلة للتدبير. نحن نعلم بأن مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية يشتغل على تحرير مبادئ في هذا المجال.و في الوقت الذي يوشك فيه هذا المشروع على الانتهاء، سيكون من المهم التأكيد على ضرورة أخذ رأي البرلمانات في تطبيق هذه المبادئ. خلاصتي الثالثة تتعلق بالسياسات المتبعة من طرف المؤسسات المالية الدولية.فطيلة عدة سنوات، انتقد برلمانيون مؤسسات «بريتون وودز» لكونها غير دمقراطية.أما حاليا، فإن الوضع بدأ يتغير. إننا نلاحظ بارتياح أنه قد تم اتخاذ بعض التدابير لتحسين الحكامة في البنك العالمي و في صندوق النقد الدولي، و جعل أشغالهما أكثر شفافية. فمن المشجع أن نرى مقتضيات عملية اتخذت للرفع من حصص البلدان النامية الأعضاء في مجلس الحاكمين. كما سجلنا السياسة الكاملة التي تبناها البنك العالمي في ما يخص نشر المعلومات.و نعلم بأن إصلاحا يجري تطبيقه في صندوق النقد الدولي.و نحن نتوصل بإشارات إيجابية أخرى، خاصة حول التوازن بين الرجال و النساء في المناصب العليا، و هو أمر مريح لنا. و رغم وعيهم بكل هذا، فإن البرلمانيين يواصلون خشيتهم من أن تكون هذه الإصلاحات بطيئة جدا أو سطحية لا غير، بسبب نقص التواصل بين البرلمانات الوطنية و مؤسسات «بريتون وودز». و لذلك تؤكد استراتيجية الاتحاد البرلماني الدولي التي تبناها مؤخرا ، للسنوات الخمس القادمة، خصوصا على ضرورة سد هذه الثغرة على الصعيد الدولي كما على مستوى البلدان. اسمحوا لي أن أشير في هذا السياق إلى تحقيق عالمي قام به الاتحاد البرلماني الدولي بتعاون مع البنك العالمي و صندوق النقد الدولي حول موضوع الرقابة البرلمانية على اتفاقيات القروض و المقتضيات ذات الصلة. تشير الخلاصات الأولية إلى أن الأطر القانونية المتخذة في أفق رقابة برلمانية على القروض الممنوحة من البنك العالمي و من صندوق النقد الدولي، مشتركة و لكنها ليست شاملة.فالممارسات الرقابية ينقصها الحزم و البرلمانات ليست مخولة للمطالبة بتعديلات إلخ... تبدو هذه النتائج محبطة بيد أن التحقيق وصل إلى نتيجة إيجابية تتمثل في أننا اليوم نملك تصورا مشتركا للمشاكل و الثغرات.و هو ما يشكل انطلاقة جديدة قد تقودنا إلى تعاون أوسع في المستقبل. و إذا ما بحثنا عن أمثلة أخرى حول الطريقة التي يمكن أن تساهم بها البرلمانات في الشفافية و المسؤولية داخل المؤسسات الدولية،فليس سوى أن ننظر إلى المسلسل المنطلق منذ عشر سنوات و المعروف باسم المؤتمر الدولي حول المنظمة العالمية للتجارة. تحت التأثير المشترك للاتحاد البرلماني الدولي و البرلمان الأوربي، ساهم المؤتمر البرلماني في تخليص المنظمة العالمية للتجارة من الجزء الذي يجعل هذه المنظمة الدولية غير شفافة بالنسبة للعالم الخارجي و سمح للبرلمانيين بفهم أحسن لتعقيدات مفاوضات دورة الدوحة. تنعقد دورات المؤتمر البرلماني حول المنظمة العالمية للتجارة كل سنة. و بذلك يتمكن البرلمانيون من إقامة حوار مباشر مع المفاوضين الرئيسيين للمنظمة العالمية للتجارة.و آخر دورة انعقدت لأول مرة في مقر المنظمة العالمية نفسها بجنيف. لذلك, فليس من المبالغ فيه القول بأن البرلمانيين لم يعودوا غرباء على مقر المنظمة العالمية للتجارة. بل إنهم محط ترحيب و يلعبون دورهم كجزء لا يتجزأ من المسلسل. و الأمثلة المماثلة كثيرة.و نحن نأمل أن تلهم مندوبي مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية. و بالنسبة له، فإن الاتحاد البرلماني الدولي يلتزم بإرسال نتائج الدورة الثامنة لمؤتمر الأممالمتحدة للتجارة و التنمية إلى كافة البرلمانات عبر العالم كي تناقشها و تدرسها طبقا للتقاليد البرلمانية الصافية.»