أمن طنجة يُوقف مواطنا برتغاليا موضوع أمر دولي بإلقاء القبض صادر عن سلطات بلاده    توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    رئاسيات تونس.. عزوف الناخبين وسجن المعارضين يشكك في نزاهة الاقتراع    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكي ف" أشجاره مع التغير المناخي    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    السلطة المحلية تداهم مقهى للشيشة بطنجة    انطلاق منافسات الدورة ال25 لرالي المغرب    في ما يشبه الإعتذار.. ماكرون لنتانياهو: إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها والتزام فرنسا بأمنكم لا يتزعزع    سعيد ناشيد ضمن مجلس أمناء "تكوين"    الحسيمة: 15 سنة سجنا نافذا في حق أستاذ اعتدى جنسيا على قاصر    الناخبون الأميركيون يخشون الأخبار المضللة الصادرة من السياسيين أنفسهم    طبيبان أجنبيان يعالجان مصابي الحرب في لبنان: "كأن شيئا لم يتغير"    اتحاد طنجة يخرج متعادلا من موقعته أمام الجيش الملكي    سجلت أدنى معدل مشاركة منذ ثورة 2011.. سعيد يفوز في انتخابات بلا منافسة حقيقية بنسبة 89%    الحكومة الإسبانية تؤكد دعمها للشراكة الاستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي: الرباط شريك أساسي لا غنى عنه    اختتام الدورة 15 لمعرض الفرس للجديدة باستقطاب 200 ألف زائر    إيران ترفع القيود عن الرحلات الجوية‬    انتقادات "الأحرار" تقلق "البام" بطنجة    إسرائيل تشن أعنف غارات جوية على بيروت    "أيقونة مغربية".. جثمان الفنانة نعيمة المشرقي يوارى الثرى في مقبرة الشهداء    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    اختتام المنتدى المتوسطي لرائدات الأعمال (MEDAWOMEN)    الملك محمد السادس يبعث ببرقية تعزية إلى أسرة نعيمة المشرقي    إسرائيل تجازف بوجودها.. في مهبّ عُدوانيتها    مهرجان "الفن" يشعل الدار البيضاء بأمسية ختامية مبهرة    طقس الاثنين .. امطار مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    ردا على قرار محكمة العدل الأوروبية.. الجمعية المغربية للمصدرين تدعو إلى تنويع أسواق التصدير    إسرائيل ربحت معارك عديدة.. وهي في طورها أن تخسر الحرب..    الملك محمد السادس يشارك الأسرة الفنية في حزنها لفقدان نعيمة المشرقي    7 سنوات على موجة "مي تو"… الجرائم الجنسية تهز قطاع صناعة الموسيقى بالولايات المتحدة    تغييب تمثيلية للريف باللجنة المركزية للاستقلال يقلق فعاليات حزبية بالمنطقة    زراعة الفستق تزدهر في إسبانيا بسبب "تكيّف" الأشجار مع التغير المناخي    استقرار سعر صرف الدرهم مقابل الأورو وتراجعه أمام الدولار    قتيلة وجرحى في إطلاق نار جنوب إسرائيل    كارفاخال يخضع لعملية جراحية بعد إصابته الخطيرة    موكوينا: غياب الجمهور غير مقبول بالمغرب    تصفيات "كان" 2025.. نفاذ تذاكر مباراة المغرب وإفريقيا الوسطى بعد يوم من طرحها        مشروع لغرس 500 هكتار من الاشجار المثمرة ب 6 جماعات باقليم الحسيمة    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يكشف تفاصيل لقائه مع وزارة الصحة لتنفيذ اتفاق 23 يوليوز 2024    منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة…أسعار الغذاء تسجل أعلى زيادة شهرية    أنفوغرافيك | بالأرقام .. كيف هو حال إقتصاد غزة في الذكرى الأولى ل "طوفان الأقصى" ؟    الجزائر تكشف تورطها في ملف الصحراء بدعم قرار محكمة العدل الأوروبية ضد المغرب    المغرب يحاصر هجرة ممرضيّه إلى كندا حماية لقطاعه الصحي        جولة المفاجآت.. الكبار يسقطون تباعا وسطاد المغربي يتصدر الترتيب    بين أعالي الجبال وقلب الصحراء .. تفاصيل رحلة مدهشة من فاس إلى العيون    وفاة الفنانة المغربية نعيمة المشرقي عن 81 عاما    في عمر ال81 سنة…الممثلة نعيمة المشرقي تغادر الحياة    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر التونسي محمد الطالبي في حوار مع الاتحاد الاشتراكي:
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 24 - 03 - 2012

من قمة عقده التاسع يطل علينا الأستاذ الطالبي محمد المفكر التونسي الكبير، الذي لا زال رغم نحوله الظاهري وكحته التي تحول دونه وطلاقة الحديث المعهودة فيه، متقد الذهن يقارع الحجة بالحجة و البرهان بالبرهان.
ما أن يشرع في الحديث و يبدأ التحليل حتى تتحول قامته القصيرة و مشيته الوئيدة إلى قامة عملاقة تلقي بظلالها على الحضور و تنتزع التصفيق والإعجاب منهم.
إنه الأستاذ محمد الطالبي الرجل التسعيني ، المؤرخ الممحص والمفكر المتنور الشجاع الذي لا تأخذه في قول الحق، كما يراه، لومة لائم و لا تكفير جاهل.
من المفكرين الذين يدافعون عن العقل و إعماله من داخل الإسلام و ليس حيال الإسلام، يحب الناس جميعا، حتى أولئك الذين حاولوا قتله، بتصوف و تسام رائعين و يدعو لهم بالهداية.
في تنظيمها للمناظرة الدولية «المرافعة من أجل حرية المعتقد» يومي 16 و 17 مارس الجاري بمدينة الدار البيضاء، أحسنت «مجموعة الديموقراطية و الحداثة» فعلا حين استدعت، ضمن ضيوفها الأجانب، الأستاذ محمد الطالبي الذي كان لنا معه هذا الحوار المطول حول تيار القرآنيين و حول مطالبته بإلغاء الشريعة التي هي من صنع البشر وضد الحرية و الكرامة.
{ أستاذي الفاضل، لقد وصفتم نفسكم باعتباركم من «المسلمين القرآنيين»، فمن هم هؤلاء و ما هي أفكارهم الرئيسية؟
الذين يحملون اليوم إسم «المسلمين القرآنيين» هم بصفة تقنية موجودون بقلة في مصر وفي الشرق أيضا. وفي تونس أعتقد أنهم غير موجودين بصفة فاعلة. و كمفكر يكتب و يعتبر نفسه مسلما قرآنيا، فإنه لا ينتمي إلى أي مذهب من المذاهب. هذا هو المسلم القرآني، وحيث أنه لا ينتمي لأي مذهب من المذاهب فإنه يرفض الشريعة لأن الشريعة مرتبطة بالمذاهب. رفضه للشريعة يجعله لا يلتزم إلا بكلام الله و كلام الله بمفرده ملزم لأنه كلام الله ،حيث هو يعتقد بكل حرية وعن طواعية و بعقلانية أن القرآن كلام الله و «هو الحق من ربنا» ، فهو ملتزم بكلام الله عن إرادة حميمية و شخصية بكل حرية لأن الله يعرض نفسه لكل الناس و لا يرغم أحدا على اتباع صراطه المستقيم.
إذن، حيث أنه ملتزم بكلام الله عن قناعة و اعتقادية ، فهذا الالتزام التزام حر . ولذا أقول أنا ديني الحرية، عندما أقول ذلك فمعناه أني أؤمن بالله و أؤمن بأن القرآن «هو الحق من ربك فلا تكن من الممترين» , فهذا يجعل اعتقادي في الله اعتقادا ثابتا و قويا لأنه ليس تقليدا ورثته عن الآباء و الأجداد، طبعا ورثت ثقافة إسلامية و تربيت في أسرة إسلامية و جلست في الكتاب و حفظت القرآن و ذهبت في بعض الأحيان إلى جامع الزيتونة، و جدي طالب علم و عالما من العلماء، هذا كله موجود في أسرتي، لكني فيما بعد التقيت بأديان مختلفة ، بالمسيحية و اليهودية و حتى بالبوذية و بعض الديانات الهندية عندما ذهبت إلى الهند و إلى آسيا... فأنا إذن اخترت لي الإسلام دينا عن عقلانية و عن اعتقاد قوي و راسخ و لهذا أقول لا حق إلا كلام الله و أنا ملتزم بالحق و الحق هو كلام الله.
{ و ماذا عن السنة و عن الأحاديث الواردة فيها؟
الأحاديث الواردة في السنة أنظر إليها نظرة انتقادية. فنحن عندما ننظر إلى أبي حنيفة، كما يقول ابن خلدون، نجده لم يستعمل من الأحاديث إلا سبعة عشر حديثا، و أبو حنيفة قد توفي سنة خمس و مائة من الهجرة، فهو إذن تابعي قريب جدا من عصر الرسول، إن لم يعرف الصحابة فقد عرف أبناءهم. هذا الرجل الذي عايش أبناء الصحابة كيف لا يقبل أكثر من سبعة عشر حديثا، هل لجهل؟ يجيب أبن خلدون بفكره النقدي قائلا: لو فرضنا أنه يجهل لكان واجبا عليه أن يتعلم و أن يبحث، إذن ننفي الجهل عن أبي حنيفة في اختياره سبعة عشر حديثا، معنى ذلك أنه كان يشك شكا كبيرا في الأحاديث و لم يقبل منها أكثر من هذا القدر.
ثم ننتقل إلى مالك الذي توفي سنة 179 هجرية، مالك هذا ترك لنا الموطأ، و الموطأ ترك لنا بروايات عديدة و كثيرة لأن مالك لم يكتبه بيده و إنما سمعه منه أصحابه و دونوه. أبو يوسف حنفي سمع الموطأ، و يوجد موطأ أبي يوسف. آخر من سمع الموطأ هو الليث البربري الأندلسي، و هي آخر رواية للموطأ. إبن خلدون يقول لا نجد في الموطأ أكثر من ثلاثمائة حديث.و الموطأ الموجود اليوم بين أيدينا فيه ما يزيد عن ثلاثمائة حديث لكنها لا تزيد عن ثمانمائة.
ثم ننتقل بسرعة إلى ابن حنبل، فنجد عنده ثلاثين ألف حديث, كيف تفسر كرجل ذي عقل يفكر بعقلانية، أنه كلما تقدمنا في الزمن، عوض أن تقل الأحاديث، تفرخ و تزداد و تصل إلى هذا القدر. زيادة على ذلك فإننا نجد عند البخاري ما يقرب من سبعة آلاف حديث، وهو يقول لنا في مقدمة كتابه أنه روى ستمائة ألف حديث اختار منها سبعة آلاف.
معنى هذا أنه كانت هناك سوق للحديث رائجة، و كان هناك محدثون حرفيون، لماذا؟ لأن مادة الحديث أصبحت مادة مطلوبة، فحينما ازداد الطلب كثر العرض، طبقا لقانون العرض و الطلب، و هؤلاء الذين بلغت الأحاديث عندهم ستمائة ألف هل يعقل أنهم كلهم نقلوا إلينا أحاديث عن الرسول، عقلا و عقلانية؟
{ باعتباركم مؤرخا هل ثبت لديكم أسماء عن تجار الأحاديث هؤلاء؟
هؤلاء ليس أحد منهم يكتب على جبينه أنا تاجر حديث، كلهم يقولون أنا محدث لا أتاجر بالحديث، ينفي عن نفسه التجارة لأنه لو نسب إليها التجارة لفقد شغله. إذن تاريخيا يستحيل أن نضبط هؤلاء لأن التاريخ لم يحتفظ لنا بقائمة فيها ستمائة ألف أو خمسمائة ألف أو ألف محدث، هذه القوائم لا نجدها في أي كتاب من كتب التاريخ، لكننا نجد الأسانيد، مالك يسند أحاديثه و في بعض الأحيان لا يسندها و في البعض الآخر يأتي بسند مقطوع (فاقد للحلقة التي تربط بينه و بين الرسول). مالك ذكر لنا أسانيده و منها طبعا يمكن أن نضبط قوائم و لنا قائمة بهذا الخصوص، فالبخاري خص كتابا من كتبه برجال البخاري أعطانا فيها أسماء كل من روى عنهم مع تعريف وجيز لكل منهم ليقول لنا أنه روى عن أناس يعتقد فيهم الصدق. إذن لنا قوائم لكن هذه القوائم ليست شمولية و إنما جزئية. نجد كذلك عند الطبري قوائم للمفسرين لأن الطبري وهو مؤرخ كثيرا ما يروي أحاديث عديدة، إذن يمكن أن نضبط الرجال الذين نجدهم في كتاب الطبري و هذا عمل لم يقم به أحد إلى اليوم.
ابن كثير مفسر يفسر القرآن بالحديث و كان محدثا، يمكن أيضا أن نستخلص من كتابه قوائم بالذين رووا الحديث. و كذلك في مسند ابن حنبل... خلاصة القول أنه من الممكن إعداد قائمة برواة الحديث لكنها تبقى مع ذلك قائمة غير مستوعبة مهما يكن.
{ في محاضرتكم لنهار أمس (الجمعة 16 مارس) قلتم أن ليس هناك حرية دينية في الإسلام
طبعا لأن الشريعة و الحرية تتنافيان، فالشريعة إرهابية لا تترك مجالا للحرية. بالنسبة للشريعة الإسلام كالمصيدة، التي تتصيد الفئران، يدخل إليها و لا يخرج منها، يدخل إليها بحرية لكن إذا ما أراد شخص أن يخرج أو يرتد و يترك الإسلام فإن حكم الردة يطبق عليه و يعدم.
ليس هذا فقط بل حتى من له قول لا يرضي شيخا آخر من شيوخ الإسلام يلقى نفس المصير. من يقول مثلا بالقدر بينما السنة لا تقول بالقدر و لا بالقضاء ،بل هي تقول ما يسميه الأشعري بالكسب . غيلان الدمشقي كان يعيش في دمشق في أواخر أيام الأمويين حوالي سنة عشرين و مائة للهجرة لم يرض هشام بن عبد الملك الأموي، هشام هذا أراد أن يقتله؟ كيف يتسنى له ذلك ، لا بد له على الأقل من شبه سبب. استدعى الأوزاعي و قال له : «هذا غيلان الدمشقي يقول بالقدر فما قولك فيه». الأوزاعي نظر إلى وجه هشام بن عبد الملك و فهم غايته، و باعتباره رجلا ألمعيا عايش الدولة الأموية، عرف ما ينبغي أن يكون عليه الجواب الذي يرضي الخليفة فقال له : هو مرتد يقتل، فقال له هشام بن عبد الملك : امتحنه، فامتحنه فقال له ما قولك في القدر أجابه غيلان أنا معتزلي أرى أن الإنسان يعمل بقدرته فقال له الأوزاعي : إذن الإنسان له ما ليس لله فهو يعمل بقدرته و يترك قدرة الله، كفر فاقتلوه، و وقع قتله.
في محنة القرآن، كم كان عدد الذين قتلوا؟ كثير و من الجانبين، فحين تكون الدولة معتزلية تقول بخلق القرآن يتم قتل الرافضين لخلق القرآن ، و حين كانت الدولة العباسية سنية قتلوا الذين يقولون كلام الله مخلوق. إذن من قال كلام الله مخلوق و من قال كلام الله غير مخلوق كل منهم يمكن أن يقتل بحكم الردة حسب الملك الموجود في الحكم. فحين يكون الملك يرى أن القرآن غير مخلوق على مذهب أهل السنة فالذي يقول القرآن مخلوق يقتل مثل أحمد بن نصر الذي قتل لأنه رفض القول بأن كلام الله مخلوق.
إذن الشريعة كما رأيت أداة بيد السلطة. كل سلطة لها عالم أو مجموعة من العلماء تخدمها، هي تختارهم. و عندما تتغير السلطة تأخذ لها العلماء من الذين يشرعون لسلطتها، و هم موجودون إلى اليوم ، عندكم في المغرب فقهاء السلاطين و دون أن أتدخل في الشؤون المغربية أقول أن الدستور المغربي نظم و أعطى صبغة دستورية لعلماء السلطة ، فمحمد السادس بصفته أمير المؤمنين عين مجلس علماء هو يرأسه و يقول لا يفتي إلا هذا المجلس، إذن محمد السادس ذهب على سنة الخلفاء كلهم، فاختار لنفسه علماء يدعمونه و يجدون الذريعة الشرعية التي تبرر ما يعمل. في السعودية أفتى علماء الملك السعودي بدخول النصارى إلى مكة ، عندما كانت هناك ثورة بمكة ثم أفتوا بدخول الجيش الأمريكي للعراق ،هل هؤلاء ليسوا بفقهاء السلاطين, في تونس عندنا المجلس الإسلامي العلمى الذي عينه بنعلي و يقول ما قيل له من طرف بنعلي، كيف نصدق هؤلاء العلماء حيث هم يخدمون السلطة.
إذن في كل زمان و مكان السلطة توظف العلماء لخدمة سياستها، فكيف أعطي ثقتي لهذا النوع من العلماء؟
ونجد في نفس الوقت في المقابل العلماء الذين يساندون القوة المتحفزة لقلب النظام, فهم يبررون الثورة و يرمون السلطة التي في الحكم بالكفر، فالتكفير و الهجرة اعتبرت السلطة القائمة كافرة و لذلك يجب قلبها، فالمعارضة أيضا لها علماؤها. علماء المعارضة يبررون قلب السلطة بالسيف و علماء السلطة يبررون قتل المعارضة بالسيف، يبررون الضدين، هؤلاء هم العلماء في كامل تاريخنا.
{ هل ترون أن الحقل الديني ينبغي تركه للأفراد يتصرفون فيه كما يشاؤون؟
نفعل ما فعل الرسول نقتدي بالرسول. جاء في القرآن : «قل إنما أنا مذكر» فالعبارة قوية جدا ثم «لست عليهم بمسيطر» فحتى بالنسبة للرسول فصل بين الديني و بين الأرضي. فالله يقول للرسول لا تتدخل في الأرضي ،لست ملكا «لست عليهم بمسيطر» أي لا تحكم في الناس في شؤون دنياهم
و الدليل في أيام الرسول كل قبيلة لها رئيسها و لها النظام الذي كانت عليه قبل عشرات السنين, فحينما شرع النبي في تبليغ الرسالة الإلهية فإن الذين كانوا يسمعونه عاشوا قبل الإسلام طبعا، فهل كانوا فوضى في حياتهم من قبل؟ كلا، فالمدينة كان لها نظام و مكة كان لها نظام، هل جاء الرسول و قال أنا أحطم النظام الموجود، أبدا. لقد أبقى النظام على ما كان عليه و إنما في داخل النظام يبلغ ما يقوله الله. و الله يقول في كتابه : «لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين و لقطعنا منه الوتين» و هذا قوي جدا. فكيف يأتي اليوم عالم من العلماء و يقول لي : «أقول» أجيبه أن الرسول نفسه لم يكن يقول «أقول» بل كان يقول :»أوحي إلي».
إقرأ القرآن و أنظر في فعل قال بصيغة الأمر ، تكاد لا تجد صفحة من صفحات القرآن تخلو من هذا الفعل مرة أو مرتين أو ثلاث ، فالقرآن قول الله و النبي يقول ما قاله الله.
و لهذا أقول أنا مسلم قرآني لأني ملتزم بقول الله عن طواعية و عن عقلانية و اعتقاد و عن حرية أيضا.
نحن لسنا بحاجة إلى من يفسر لنا القرآن فالله يخاطبنا مباشرة. و أنا أسألهم هل أنتم أكثر بلاغة من الله؟ لقد قال لنا الله أنه أنزل القرآن بلسان عربي مبين و لم يقل لنا أنه أنزله بلسان غير مفهوم إلا من طرف العلماء، كيف أقبل أن يكون عالم من العلماء، و في كثير من الأحيان يكون جاهلا و جاهلا جدا، يقول لنا أنا أتكلم نيابة عن الله، أنا وصي على الله ، هذا شرك، شرك أن يعتبر شخص من الأشخاص أنه حاجب بين الناس و بين الله. الله لم يضع بينه و بين خلقه حجابا و لم يتخذ من العلماء حجابا له. أقول لكل مسلم إقرأ القرآن بنفسك و إن كنت لا تحسن العربية فهناك تراجم عديدة بمختلف اللغات
{ أثارني يوم أمس ما قلتم في محاضرتكم حول لاقدسية اللغة العربية
بالطبع فالصلاة نفسها تجوز بالقرآن المترجم. فالشخص البربري (الأمازيغي) عندكم الذي لا يحسن اللغة العربية يمكنه أن يصلي بالأمازيغية حتى يتصل بالله مباشرة، العربية أفضل إن كان يحسنها لأن القرآن نزل بها و لكن إن لم يكن يحسنها فليصل و ليقرأ القرآن بلغته التي يفهمها.
لماذا نقول ذلك؟ لكي ينتشر الإسلام في كل بلاد العالم، لماذا نعجز الناس عن الدخول في الإسلام لماذا نكثر العقبات دونهم و دون اعتناقهم الإسلام و الرسول يقول يسروا و لا تعسروا. هذا موقفي، موقف رجل عقلاني «أفلا يتدبرون هذا القرآن، أم على قلوب أقفالها»
الله يأمرني أن أتدبر بنفسي فلماذا أعصى الله؟ قم و اطلع بنفسك و قل : «يا خالقي و يا ربي هذا ما فهمت من قولك عن صدق و قلب نقي « أحسن من أن تقول قال لي العالم الفلاني
{ تحدثتم عن الزكاة و قلتم أنها لم تكن في العهد الأول للرسول...
لا، الرسول أخذ الزكاة، لكن لم تكن تؤخذ من طرف إدارة مالية، القرآن يقول لنا يجب أن ننظم الزكاة و أن يكون عليها من يقوم بجمعها و بتوزيعها. «يسألونك عن الصدقات، قل العفو» أي حسب مستطاع كل إنسان ، و لم يقل لنا إذا اجتمعت أربعون من الغنم يخرج واحد و إذا اجتمع عشرة من الإبل ... و سكت عما يخرج من البترول.
اليوم يقولون لا زكاة في البترول، أي شيء أهم اليوم الزكاة على البترول أو الزكاة على الإبل؟ إن الله حذرنا و قال لنا أني لم أقيد الزكاة بمقدار : «قل العفو» أي ترك لكل إنسان حسب ضميره تقدير ما ينبغي إخراجه كزكاة.
و عندما تكون هناك دولة منظمة يمكن بالاتفاق و الاستشارة بين جميع المسلمين عن طريق نوابهم أن يضعوا طريقة لكيفية توزيع الزكاة
{ هل نفهم من ذلك أن الزكاة في عصرنا الحالي يمكن استبدالها بالنظام الضريبي أو الجبائي؟
لا، هناك فرق بين الضريبة و بين الزكاة، لأن الضريبة تستعمل في بناء الطرقات و تهيئة البلاد من الناحية التقنية و الفنية و تستعمل في تجهيز البلاد بالبنيات التحتية كما تستعمل في تمويل و تجهيز الجيش و الشرطة و كذا لأداء أجور الموظفين، بينما الزكاة طهارة للمال الذي نقتات منه حيث أجعل من هذا المال قدرا مقدرا للضعيف و المسكين و الفقير حفظا لكرامته. فالزكاة ليست من باب الحنان و العطف كالصدقة مثلا بل هي واجب ،حين يأخذها الفقير يأخذها كحق له و رأسه مرفوعة « و في أموالهم حق للسائل و المحروم» فكل إنسان لديه مال فوق كفايته، عليه أن يأخذ من الفائض الذي يمكنه من العيش بطريقة طيبة و مرضية فإذا ما بقي فوق ذلك، فهذا فيه حق للذين لا يجدون لقمة العيش، حتى لا يكون هناك فقير أو متسول، لأن في أموال الأثرياء حق للفقراء بالقدر الذي يقدره الشخص أو المجموعة...
{ قلتم أيضا لقد وجدنا الدكتاتورية في تاريخنا و لذلك يصعب علينا تغييرها و لذلك نحن بحاجة إلى ثورة حقيقية، ماذا تقصدون بالثورة الحقيقية؟
الثورة الحقيقية هي التي تبدأ أولا بإلغاء الشريعة التي هي من عمل البشر و لم يحسنوا فيها .أضرب لكم مثلا: الرجم عقاب فظيع جدا و هو عقاب غير موجود في القرآن. ففي القرآن لا توجد و لو كلمة واحدة تأمر به, لكن في المقابل فإن الرجم له تاريخ لا أستعرضه و أسباب. كيف نقبل الشريعة و هي تعمل بغير ما أمر الله و بصفة شنيعة. مثل آخر هو حكم الردة، و هو حكم إرهابي، غير موجود في القرآن. كيف يمكن أن أعمل بهذا الحكم و هو توظيف للشريعة لفائدة صاحب السيف. إذن و بصفة واضحة و جلية فالشريعة ليست من كلام الله و لذا أنا ألغي الشريعة بتمامها و كمالها،لأنها من عمل البشر و في القرآن لا توجد شريعة. ففيه نجد أكثر من سبع مرات الله يتحدث عن الهداية, «الله يهدي إلى نوره من يشاء» فالقرآن هداية إلى نور الله . و ما هي وظيفة نور الله؟ تنير لي الطريق في وقتي و زماني، كي أضمن مصالح شعبي و أمتي و قوميتي و المجموعة التي أنتمي إليها و أن أخدم مصالحها في ذلك الوقت بالطريقة الأفضل و الأحسن و هذا ما كان يقول به الإمام أبو حنيفة، كان لا يقول بالحديث فهو لم يقبل إلا 17 حديثا، كان يقول بالرأي و الاستحسان. فما أراه أحسن هو الذي أسنه كقانون.
إذا ما ألغينا الشريعة و اهتدينا بنور الله، عندها نكون قد قمنا حقيقة بثورة حقيقية، لأننا بذلك نكون قد قلبنا تماما البنية التي ورثناها عن عصر الظلم و الإهانة و طغيان العلماء، نكون قد طهرنا عقولنا و نظفنا أدمغتنا من كل الخرافات التي امتلأت بها عقولنا، و عندها بعقول جديدة نسير قدما إلى الأمام .هناك حديث أعتبره صحيحا «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» و قد أورده الشافعي
و يمكن أن أربط الصلة بيني و بين أبي حنيفة. أنا لا أرفض إرثي جميعا، لكني أنظر إلى إرثي بطريقة نقدية بعقل نقدي أغربل و أصفي أرفض الرواسب و أبقي على اللهيب ،و اللهيب هو نور الله. إذن إذا ما نظرنا إلى إرثنا الحضاري نظرة نقدية و نحن نسير في نور الله فإننا نهتدي بنوره.
الله يقول لي «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» نقول للناس :في عباداتكم و في سيرتكم ،كونوا مؤمنين خالصين و اعلموا أن الله لا يكلفكم إلا ما في وسعكم ،و أنتم بينكم و بين الله ،الحكم هو ضميركم.
لنأخذ مثلا صائما في رمضان و هو مالكي ?لأنه إن كان حنبليا أو شافعيا فالأمر يختلف ? لا يحق له أن يفطر و إذا أفطر فعليه الكفارة (60 يوما). فإذا أولنا الآية «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها» فلا يحل له أن يفطر إلا عندما يشرف على الموت وعندما يغمى عليه و يصبح قاب قوسين أو أدنى من الموت، هذا فهم و ليس هذا بفهم الله و ليس هذا بفهمي أنا، فأنا أفهم بنفسي لا باستعانة بغيري. «يمكن أن نفهم بصدق نية و بإخلاص طوية و بضمير دائما و أبدا متصلا بالله عندما أجد نفسي في حرج لا يسعني أن أصوم فلا أفعل «و ما كان الله أن يعذب قوما و هم يستغفرون» ، فنحن كمسلمين لسنا بحاجة إلى قساوسة بيننا و بين الله، و الله يقول في القرآن «إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني» فربي قريب منا و من قلوبنا.
{ نتيجة لفكركم المتنور هذا و العقلاني تعرضتم للتكفير من طرف البعض و التهديد بالقتل حتى...
(يضحك حد القهقهة) نعم هددوني جهارا بالقتل وتظاهروا ضدي و خرجوا من مسجد من المساجد و أتوا إلى المكان الذي كانوا يعتقدون أنهم سيجدونني فيه فلم يجدوني، بحثوا عني ثم انصرفوا. و أئمة بعض المساجد أيضا تجمهروا ضدي و خرجوا إلى الشوارع . كما قام بعض دعاة السلفية في «فايسبوك» بالتشهير بي و كتبوا ،في صورة لي، على جبيني «كافر» و كتبوا تعليقا على ذلك «هذا الخنزير الكافر من يقتله ينال مكرمة عند الله، فدلونا على منزله». ذهبت إلى الشرطة ،في الحي الذي أسكنه ،و حكيت لهم ما وقع تفصيلا، فقالوا لي : نحن لا نعمل شيئا حتى يصير و صرفوني و تخلصوا مني.
هذا التخلص بهذه الطريقة من المشتكين هو ما يشجع السلفيين و يدفعهم إلى الاعتداء بالفعل على كثير من الأشخاص، اعتداء بالقول و اعتداء جسديا، خاصة على النساء، فالاعتداءات متكررة و الحكومة صامتة، و هذا ما يجري حاليا اليوم في حكومة النهضة. لماذا؟ لأن بين حكومة النهضة و السلفيين تحالف سري لا يجهر به لكن حكومة النهضة لا تدين أبدا أعمال العنف التي يقوم بها السلفيون.
و كي أعود إلى حالتي الخاصة، فقد وجدوا بيتي فكتبوا على السور: «هذه دار كافر. هذه دار الشيطان خزاه الله. هذه دار الكلب» .أخذت الدهن و دهنت هذه الكلمات بعد يومين ، فكتبوها من جديد. جاءتني زوجتي و قالت لي : لنخرج لمحو هذه الكلمات ثانية فقلت لها لا فائدة أنت تأخذين الدهن و تمحين هذه الكلمات فيعودون إلى الكتابة و هذا يكلف السلفيين نفقات إذ يحتاجون إلى شراء دهن جديد فاتركيهم. و رغم ذلك ذهبت زوجتي و مسحت البعض و تركت البعض الآخر و هو باق إلى اليوم، و لا أدري ما فعلت في غيابي (يضحك)
{ كيف تعيش أنت و أسرتك في مثل هذه الأجواء الصعبة و الرهيبة؟
و الله نعيش بكل ارتياح و باطمئنان، لأنني أتذكر قول الله «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا» .أنا اجتهدت و ذهبت إلى الشرطة و أعلمتها، كتبت في الصحافة و أعلمت الرأي العام، حتى لا يقال أني بحثت عن الانتحار، فلم يحرك أحد ساكنا ،لم يعاضدني أحد و لا حزب من الأحزاب
{ حتى الأحزاب الحداثية؟
حتى الأحزاب الحداثية لأنها ببساطة أذيال لحزب النهضة. لقد انخذلت أحزاب المعارضة في تونس و هذا ما يخيفني ، فأنتم مثلا تنظمون الندوات و المناظرات ، و أنا حضرت هذه الندوة و رأيت كيف تنظر المعارضة و المجتمع المدني .تنتقد و تراقب ما قد يحدث من تجاوزات و انزلاقات .و هذا غير موجود عندنا في تونس.
رئيس الجمهورية الذي كان مناضلا و دخل السجن بسبب أفكاره، كم من مرة اجتمعت به في إطار المنظمة التي كانت تجمعنا ،مرات عديدة. كتبت له رسالة ذكرته فيها بما كان عليه فلم يجبني، فالحكم له أحكامه .هذا هو المشكل .كم من إنسان يكون له لون عندما يكون مناضلا و إذا أخذ السلطة يصبح له لون آخر ، هذا هو مشكلنا و لهذا كتبت في كتابي باللغة الفرنسية «الغولاغ و الدمقراطية» : «الغولاغ لا ينتهي أبدا، يقظة مستمرة» و هذا ما أنصح به الشعوب و هذا ما أقوله في صحيفتكم: «يقظة مستمرة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.