يعد «برنار هنري ليفي» الذي رأى النور بالجزائر،داخل أسرة يهودية من أصل فرنسي، سنة 1948 كاتبا صحفيا و مفكرا و فيلسوفا و من أهم رواد الحركة الفلسفية الجديدة سنة 1976 بالنسبة للبعض ،فيما يعتبره منتقدوه رجل أعمال ثري (ورث عن والده شركة كبيرة لاستيراد الأخشاب الثمينة من إفريقيا) مهووسا بتجميل صورته الشخصية و بعلاقاته مع عالم السياسيين و رجال الإعلام. اهتم «برنار هنري ليفي» منذ السبعينات ببؤر التوتر حيث كان أول روبورتاج له صدر فيما بعد في كتاب( حول حرب الانفصال بين باكستان و بنغلاديش) سنة 1972 ثم توالت زياراته و كتاباته حول أفغانستان و البوسنة و أوسيتيا و غزة. كما تميز بمواقفه المؤيدة للصهيونية و إسرائيل، معتبرا الجيش الإسرائيلي الجيش الأكثر ديمقراطية في العالم. كان «برنار هنري ليفي» من المثقفين الفرنسيين القلائل الذين لم يعارضوا الحرب ضد العراق ،و قد ظل دائما من أكبر الداعين للتدخل الدولي في دارفور غرب السودان. كما كان من المساندين للثورة الشعبية في ليبيا، بل من صانعي التلاقي بين «المجلس الوطني الانتقالي» برئاسة مصطفى عبد الجليل و الحكومة الفرنسية في شخص رئيسها «نيكولا ساركوزي». حول «مغامرته» تلك و التي دامت ستة أشهر ،أصدر «برنار هنري ليفي» كتابه الأخير : «الحرب دون أن نحبها.يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي» يروي فيه خبايا هذه الحرب الغريبة التي بدأت،بالنسبة له ، ذات يوم من أيام فبراير بمكالمة هاتفية أجراها من بنغازي إلى الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي». بمناسبة صدور الكتاب، أجرت مجلة «فلسفة» الفرنسية الشهرية الرصينة، لقاء مطولا مع الكاتب «برنار هنري ليفي» أثار خلاله الصحفي «مارتن لوغرو» الأحداث و الوقائع التي كان من صناعها من جهة ،و كذا الإشكالية الفكرية و الأخلاقية حول دور المفكر و الفيلسوف و الحدود التي لا ينبغي أن يتجاوزها في علاقته مع الحاكم أو الأمير. و يبدو أن «برنارهنري ليفي» في حواره هذا، بقدر ما منح القارئ معطيات جديدة حول صنع قرار التدخل الفرنسي الحاسم في ليبيا، بدا ضعيفا في الدفاع عن موقع المفكر في علاقته مع الأمير، إذ ختم الحوار باعتراف شبيه بالاعتذار، لا يليق برصانة المفكر الفيلسوف حيث قال : «و إذا ما كانت هناك لحظات،في خضم المعركة السياسية و في أتون العمل، استحوذت فيها ضرورة الإقناع الأسبقية على هاجس الحقيقة، فإني أتأسف. و هذا ما يبرر صدور هذا الكتاب.» { كيف وجدت نفسك في قلب الحرب بليبيا؟ كل شيء بدأ مع رؤيتي لصورة بتلفزة المطار بعد أن قمت بروبورتاج من القاهرة لفائدة صحيفة «ليبراسيون». كانت الصورة تظهر مجموعة من المتظاهرين يتعرضون لقصف طائرات الجيش الليبي. هذه الصورة زعزعتني.قررت لحظتها الذهاب إلى ليبيا. { في نهاية فبراير ببنغازي. اختلطت بقادة التمرد. و حاولتم القيام ب»انقلاب»... لقد توعد القذافي بالقضاء على المتمردين.ذهبت لرؤيتهم. كانوا عاكفين على إنشاء مجلس وطني انتقالي حول مصطفى عبد الجليل.اقترحت عليهم أن أطلب،باسمهم، من رئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي أن يستقبلهم. { لماذا اعتبروا عرضك جديا و حفلوا به؟ هذا لغز. لم يكن لدي أي تفويض أو ضمانة نجاح. نزلت عليهم من لامكان. كان بإمكانهم الاعتقاد بأني دجال. ستقولون لي أنه لم يكن لهم شئ يخسرونه، و أن دبابات القذافي كانت في الطريق لسحقهم، و أن المدينة كانت معرضة للنهب و التخريب.لكن ،على كل حال، فقد كان هناك تسلسل عجيب للأحداث: أن آخذ الطريق بين المتجمعين إلى أن وصلت لمصطفى عبد الجليل، الذي كان قليل من الناس يعرفونه آنذاك، و أن يثق بي ثم أن يستمع ساركوزي إلي. هذه اللحظات الثلاث تضافرت كي تخلق الحدث. يمكن القول بلغة أخرى أن الأمر شبيه بالمعجزة. { هل كنت متعودا على هذا النوع من الاستنجاد برئيس الدولة؟ أبدا، على الإطلاق. كنت أعرفه منذ زمن طويل، لكننا لم نكن نتحدث إلى بعضنا البعض منذ الحملة الانتخابية لسنة 2007 حيث أخذت جانب «سيغولين رويال». و هذا ما يجعل الأمر يكتسي طابع الغرابة.كنت قد جمعت بتلفوني النقال مذكرة قديمة من بينها رقم قصر الإليزيه.تلفنت. و أوصلوني بالرئيس. لم تدم المكالمة أكثر من ثلاث دقائق. وافق على استقبال أعضاء «المجلس الوطني الانتقالي»،الذي تحدثت معه حوله. و عقب ذلك ،اعترفت فرنسا بالمجلس الوطني الانتقالي، و مارست الضغوط داخل الأممالمتحدة للحصول على قرار،ثم تدخلت بالحرب و أسقطت القذافي. { كيف كانت الأجواء في بنغازي في البداية؟ أجواء ثورة شعبية أم أجواء انقلاب؟ لقد كان هناك نوع من الانصهار.شعب متكتل تجمعه حرارة التمرد. و قد حافظت هذه المجموعة لمدة طويلة على حالة الانصهار هاته، قبل هذا التحول المنحرف إلى قطيع قتال مع إعدام القذافي.و هو شيء شبيه تماما بما كتبه سارتر في «نقد العقل الجدلي»: مجموعة منصهرة تتشكل، تتماسك ثم تنحط و تتفتت. { إذن فالثورة قد تفتتت و خرجت عن هدفها؟ لا أعرف شيئا الآن.و على كل حال، فمن الأحسن للمجموعة المنصهرة أن تنحل. و السؤال هو إلى ماذا سيؤدي: هل إلى مجموعة قتالة أم إلى دمقراطية تعددية.فليبيا الآن في مفترق الطرق.فإما أن يكون قتل القذافي آخر عمل ينتمي للعصر المتوحش و إما أن يصبح تاريخ ميلاد ليبيا الجديدة.و في هذه الحالة فليس جيدا أن تبدأ بذلك. { لقد قدمت هذا التدخل من جانبك باعتباره وقوفا إلى جانب «حرب عادلة». بالنسبة لمنظر هذا المفهوم الفيلسوف «مايكل فالزر» فإن الأمر ليس كذلك: فأهداف الحرب ليست واضحة، و مشاركة الدول العربية منعدمة، و تحفظات عدة أعضاء من مجلس الأمن الدولي قائمة. هل تحسستم من هذه الانتقادات؟ أولا، ليس «مايكل فلزر» هو صاحب مفهوم الحرب العادلة،فللفكرة تاريخ طويل يعود إلى «غروسيوس» و إلى القديس «طوما الإكويني».هناك بضعة معايير بسيطة تحدد مفهوم الحرب العادلة، و قد تجمعت كلها في ليبيا:عدالة القضية (إنقاذ ساكنة من مجزرة معلنة) الملاذ الأخير(كانت دبابات القذافي واقفة على أبواب بنغازي) التناسب فالأضرار التي ستتسبب فيها الحرب أقل من الأضرار التي حالت دونها.لم تكن هذه الحرب عادلة فقط بل كانت أيضا شرعية:فالجامعة العربية كانت سباقة إلى طلب التدخل، و الشرعية الدولية لم تشبها أي شائبة،إذ جاءت ثمرة قرار أممي استنادا إلى «مسؤولية الحماية»، و قد جئنا لدعم تمرد مسلح معنويا و سياسيا، و ليس لإسقاطه وسط صحراء فارغة، كما كان الأمر في العراق.لم أشك أبدا في مشروعية هذه الحرب.بالعكس ظللت مسكونا بالقلق طيلة جريان العمليات. { ظل الهدف من الحرب غامضا:هل هو منع مجزرة أو إعدام طاغية؟ الهدف من الحرب كان حماية المدنيين.في لحظة من اللحظات، بدا أنه لن نستطيع ذلك دون الاستغناء عن النظام، طالما أنه سادر في أعماله الإجرامية ضد شعبه. فحماية المدنيين أصبح معناها التخلص من النظام. لو أن رؤوس النظام قبلت التفاوض لكانت الحرب توقفت. { لقد اتصل بك مبعوثون من طرف سيف الإسلام نجل القذافي... نعم، وقد أبلغت المجلس الوطني الانتقالي فورا و كذلك الرئيس الفرنسي.لم نكن بعيدين جدا عن وقف الاقتتال.كان يكفي أن يمسك القذافي باليد الممدودة إليه و أن يستقل طائرته الرابضة في باب العزيزية، و التي لم يتم قصفها حتى النهاية عمدا كي يترك باب الهرب مفتوحا أمام القذافي.إذن فمن الخطأ القول بأن هدف هذه الحرب هو قتل القذافي. { ولكن هدفها هو طرده مع ذلك... نعم. طالما أن جوهر نظامه إجرامي و طالما أنه يتوعد «شعبه من الجرذان» بأنهار من الدماء... { إذا كنا لم نفعل شيئا في سوريا، فلأن بشار الأسد يملك من «الذكاء» ما يمنعه من إعلان القتل على شعبه؟ سيكون من العدل التدخل أيضا كي يسقط الأسد.الفرق الوحيد هو أنه ليس هناك نفس «الحظ المعقول من النجاح» في سوريا. { بماذا ترد على الذين يقولون بأن المبدأ الأممي حول «مسؤولية الحماية» قد مات بعد التدخل في ليبيا، بسبب التحريف الذي تسببت فيه فرنسا؟ إنه لأمر مضحك أن نحلل بهذه الطريقة. قبل أن نعلن شهادة وفاته، لنهنئ أنفسنا لكونه نا أعطيناه فرصة للحياة. مسؤولية حماية المدنيين هاته التي كانت ورقة مهملة في الأممالمتحدة، تجسدت للمرة الأولى في هذا التدخل. و أعتقد أن النموذج الليبي سيصبح سابقة يحتذى بها. { بعض المثقفين المساندين للتدخل،مثل «بيير هاسنر»، يلومونك لكونك أكدت أن المتمردين دمقراطيون و علمانيون مقتنعون في حين أننا لسنا متأكدين من ذلك.... لم أخف أبدا أن هناك ميل إسلاموي. لقد أمضيت الساعات الطوال في النقاش مع أحد زعماء هذا التيار. لقد قلت ببساطة أن هذا التيار يشكل أقلية. و الأقلية قد تكون نشيطة و صاخبة لهذا ينبغي محاربتها. لكني أكرر بأنه أقلية و أن الإسلام الليبي هو هذا «الإسلام الوسطي» الذي تحدث معي حوله العديد من محاوري. { ألن تحملوا لهم الدمقراطية من الخارج، كما حصل في العراق؟ بالنسبة لنساء بنغازي، و للشباب المقاتل العلماني الذي اقتسمت معه لحظات قوية،الأساتذة و رجال القانون الذين يشكلون الأغلبية داخل المجلس الوطني الانتقالي ،ليسوا بحاجة إلى أن «نحمل» لهم الدمقراطية. أما بالنسبة للآخرين، فإن الدمقراطية تفترض بالطبع فهما معينا للزمان و للمكان ، لذلك فمن أجل امتلاك الثقافة الدمقراطية، سيحتاجون إلى وقت ، وقت أقل من ذلك الذي يقول به من يحكم على الشعوب ببقائها إلى الأبد داخل الحلقة المفرغة للدكتاتورية. { كيف كان رد فعلك حين أعلن مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الوطني الانتقالي بأن الشريعة ?التي تمنع الطلاق و تبيح التعدد- ستكون هي المصدر الرئيسي للدستور الليبي المقبل؟ أضع هذا التصريح في سياقه. فالأمر يتعلق بجملة صادرة عن رجل لا يملك أي سلطة كي يقرر ما ستصبح عليه ليبيا الغد.ليس هذا دوره. لقد كان مفوضا لقيادة هذه الحرب وتشكيل حكومة موقتة، لا أكثر.ستكون هناك انتخابات و مجلس تأسيسي يضع أسس ليبيا الغد. { و هو نفسه الذي تقول، في كتابك، أنه دوغول المقاومة الليبية... إنه موحد المقاومة الليبية، نعم. و رغم ذلك فإن هذه الجملة تثير تحفظا كبيرا لدى العديد من الليبيين بقدرما تثير ثورة صامتة لدى جميع النساء اللواتي كان لهن دور حاسم في هذه الثورة. لقد ألفت كتابا تحت عنوان «عن الحرب في الفلسفة» (غراسي 2010). فإذا كانت الحرب توجد في الحقل المحمي جدا للفلسفة. فمن المؤكد أن توجد في مغامرات الشعوب. إنها حرب تمثلات العالم. لقد ظل هذا النزاع كامنا أثناء الحرب لأنه كان ينبغي التوحد و الانتصار. و الآن ها هو يبرز مجددا مع انطلاق قطار التاريخ. الدمقراطية لا تعني وضع جميع الأفكار على مستوى واحد، بل وضعها في سباق تنافسي حتى تتقلص تدريجيا تلك الأفكار المعادية لحقوق الإنسان.فالدمقراطية في فرنسا تعني تحجيم الجبهة الوطنية و في ليبيا تعني تحجيم الإسلامويين الراديكاليين. { و هي تعني أيضا احترام بعض المبادئ الأساسية... أراهن على أن هذه المبادئ ستكون مضمنة في الدستور الليبي المقبل. - في كتابك، تكشف أن عمليات القصف الجوي بدأت قبل التصويت النهائي داخل الأممالمتحدة، و أن الانخراط العسكري الفرنسي ،أرضا كما في الأجواء،كان أكثر أهمية مما هو معلن. هل عرضت كتابك على مصادقة الإليزيه؟ - لا، بالطبع. لكن لنقل أن هناك بضع نقاط حساسة جدا عملت على التأكد من أنها لن تضع المصالح التي تتجاوزني، في خطر. - يبدو الرئيس ساركوزي، في كتابك، حازما جدا.هل كانت هذه الحرب فرصة له كي يتطهر، بعد أن استقبل القذافي بالتشريفات و بعد أن تجاهل الثورات العربية الأولى؟ - الطريقة التي استجاب بها لهذا النداء تدعو إلى الاعتقاد بأن حصة الحسابات السياسية، و هي حاضرة بدون شك، لم تكن هي الحاسمة في قراره. يمكن أن نكون خصوما لساركوزي، يمكن ألا نصوت له في الماضي كما في المستقبل- كما هي حالتي شخصيا- و يمكن القول أيضا بأنه لم يترك لحد الآن مكانا لما كان يسميه المؤرخ «إرنست كانتوروفيتش» (1895 -1963) «الجسد المزدوج للملك». هنا بالذات ، غمره الجانب السيادي. في كل إنسان، و فيه أيضا، ممر نحو ما يتجاوزه. - و أنت نفسك، ألم تغير دورك؟ - لمدة ستة شهور، ظللت أفكر كاستراتيجي و كأديب، أصبحت رسولا، ضابط ارتباط بين فرنسا و ليبيا، حررت بعض خطب أعضاء المجلس الوطني الانتقالي،كنت شاهدا و ربما أكثر من شاهد على منعطفين استراتيجيين لهذه الحرب: قرار تسليح مقاتلي جبل نفوسة، في مرتفعات جنوبطرابلس، و قرار تسليح مدينة مسراتة كي تهاجم طرابلس. - دون استشارة الوزيرين المعنيين أي الدفاع و الخارجية.... - كل ما أستطيع قوله، هو أنهما لم يكونا حاضرين.فيما بعد لا شك أنه تم إبلاغهما بالقرارات المتخذة... - لقد ساهمت إذن في صنع السياسة الخارجية و العسكرية لفرنسا؟ - لا، لقد كانت تتم من طرف الرئيس و رؤساء هيأة الأركان. لكني كنت حاضرا. - لكن لم يكن لك أي تفويض... باستثناء تفويض الرئيس؟ - لم أكن مفوضا. لم أسافر أبدا في طائرة من طائرات الجمهورية الفرنسية، لم أطلب أبدا أي ترخيص. لقد تمسكت، كما يتمسك الإنسان ببؤبؤي عينيه، بحرية حركتي كاملة. - لكنك تبدو بشكل آخر لمحاوريك الليبيين. بعضهم يسألك «هل أنت فرنسي في مهمة؟هل تمثل ساركوزي؟» - و ما هو ردي؟ - كتبت : «لم يكن لدي الوقت لكي أجيبه...» - لا. كقاعدة عامة، كنت آخذ الوقت للنفي... - شاركت في إعداد الاستراتيجية، كنت تنصح المتمردين، تحرر خطبهم و تنقل رسائلهم السرية. هل تعترف بأنك لعبت دورا سياسيا. - لنفترض ذلك - و هذا لا يبدو لك إشكاليا؟ - منذ زمن طويل ظل يقال بأنه لم يعد أي دور للمثقفين، و ها قد جاءت الفرصة لإظهار أن المثقف يمكن أن يصلح لشئ ما. لقد كان لدي الإحساس بأني أقوم بمهنتي كمثقف ملتزم يؤمن بقضية و يحملها. أن يخلق هذا الأمر التقاء أصيلا و خصبا بين الأمير و المثقف، فليس من حقي أنا أن أؤكده. فالأشياء تصنع من وراء ظهرنا دون أن نريد ذلك حقا.لا أعتقد بوجود نموذج المثقف الملتزم الذي ينبغي الانضباط له و الذي يجب أن نتساءل كل لحظة ما إذا كنا نحترم قواعده أم لا. فكل موضوع يخترع مسلسل وعيه بذاته. لو أني أصبحت عميلا سريا أو وزيرا، هنا أكون قد تنازلت عن مكان المثقف. و لكن الأمر ليس كذلك. - في أحد المساءات بالإليزيه، تقوم بتحديد الاستراتيجية مع الرئيس و ممثلي المجلس الوطني الانتقالي. و في الصباح الموالي، مررت على كافة الأمواج للتعليق على هذه القرارات... أليس هذا تخطيا للخط الأحمر؟ - هذا ممكن. سنرى. لكن هذا ما قمت به طيلة حياتي، لا أقل و لا أكثر باستثناء أنه هنا قد نجح. - هلا ينبغي أن يكون للمثقف حدود؟ - أعتبر نفسي إنسانا كامل الحرية في أن أخوض المخاطر التي أريد. في كتابه «فينومينولوجيا الروح» يميز «هيغل» بين ما ينبغي احتسابه، هل هو الفعل المنجز في اللحظة أو الفعل الذي يترتب عنه؟ أمام مجزرة معلنة، هل علينا إيقافها كيفما كانت العواقب، أو بالنظر إلى الآثار الممكنة لوقف هذه المجزرة؟ - منذ أن أصبحت مشاركا في اتخاذ القرار السياسي، هل سينهار قصر الورق الذي يجسده «برنار هنري ليفي» بمختلف حقول تدخلاته؟ - هل لا أزال أقوم بدوري؟ أليس تحليل الاستراتيجية السياسية و العسكرية، معاكسا للفكر؟ لقد كتبت بأن موقع الكاتب هو أن يكون أبعد ما يكون عن الملك.المستقبل وحده سيقول ما إذا كانت المغامرة استحقت الخوض أم لا. - هل نفهم من ذلك بأنك قمت بما قمت به دون اعتبار لصورتك.ألا تهمك... - إن صورتي منذ خمس و ثلاثين سنة حاضرة كي تشهد بأن هذا ليس أولى اهتماماتي. - متى تحلل من وجهة نظر الآخرين، من وجهة نظر الجمهور؟ - حين أريد المرافعة و الإقناع. حين أريد المساعدة ،مثلا، على أن يتوقف الرأي العام عن الاعتقاد، بعد ثمانية أيام، بأن الحرب ستكون دائمة. هنا، نعم، لا يجب فقط قول الحقيقة بل أيضا الإقناع و الإغراء. - هذا ما يمكن انتقادك عليه.تأخذ الرأي العام بين طرفي الكماشة... - و ماذا بعد؟ طالما أن هذه القضية عادلة و أنه لا يمكننا المكوث بين ضفتي النهر،لقد كان من المهم جدا ألا نتخلى عن مكاننا، أن نقنع الرأي العام. و إذا ما كانت هناك لحظات،في خضم المعركة السياسية و في أتون العمل، استحوذت فيها ضرورة الإقناع الأسبقية على هاجس الحقيقة، فإني أتأسف. و هذا ما يبرر صدور هذا الكتاب.