مازال دم الشهيد يغطي الأفق. مازال دمه يسطع في سماء الذاكرة وفي باطن المشهد. مازال عمر صك اتهام مفتوح للغد وللأعداء. مازال الخميس الدامي ليوم 18 دجنبر مرافعة ضد الإرهاب وضد الدولة وضد السكاكين. ضد التآلف المخزي للإرهاب والدولة معا. مازال عمر ينزف إلى حد الساعة، مازالت الجثة مسجاة وسط الطريق الذي لا يفضي بعد إلى المستقبل.. مازالت الجثة تفصل بين مغربين. مغرب الذين يحبونه، ومغرب الذين يحبونه ميتا. مازال الشهيد يغني، ومازالت الأيادي الآثمة تفرك بعضها في انتظار خروجه من العمل وذهابه إلى المقبرة. ومن حسن حظنا أن الذئاب لا تحكم عضتها على الذاكرة، وأن القاتل لا يدوم طويلا فيها. ومن حسن حظنا أننا لا نذكر القتلة، وأنهم لا يطيلون مقامهم في أهوائنا.. ومن حسن حظنا أن الشهيد مازال يؤم بنا الجلجلة. ومازال دمه حبر الحكمة والمسألة. ومن حسن الشهيد أنه لا يقبل الجمود في المرحلة. ولا يقبل أن يكون عنوان التصوف في المآتم، وفي النصوص وفي المعاملة.. هو ذا الشهيد مازال أفقه بعيدا كما لو كانت تلك طريقته الوحيدة في السخرية من القتلة. مازال الشهيد يقيم الدليل على جريمة الدولة، متلفعة بلحية القاتل البليد، ومازالت اليد التي قتلته ترتجف إلى حد اليوم، بفعل برودة الجريمة. ومازالت السكين باردة وملطخة بابتسامة المؤامرة. الشهيد، الرجل الذي توفي في لحظة جبن، وفي غفلة من العدالة. هذا الشهيد هو لغة العصر التي تسخر من الماضي، ومن الموظفين في جنة المهزلة.. مازال الشهيد هو المعضلة في هندسة القتل والقتلة.