في هذا الحوار الذي أردنا منه أن يكون دقيقا ويدخل في تفاصيل كبيرة حول تشكل شخصية عائشة لخماس، هذه المناضلة في عدة واجهات، سيتعرف القارئ على عائشة لخماس كطفلة والوسط العائلي الذي أنجب هذا الوجه البارز في الحركة النسائية، كما سيتعرف على عائشة لخماس ومسارها الطلابي وبداية الانخراط في العمل السياسي، سواء في منظمة 23 مارس أو منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثم حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما يلامس الحوار حياة عائشة لخماس كأم مناضلة وزوجة معتقل سياسي سابق، بالاضافة إلى عملها في سلك المحاماة كمحامية للمناضلين النقابيين والسياسيين، ثم تجربة تأسيس الاطار النسائي »"اتحاد العمل النسائي« "، وكمديرة لأول جريدة مغربية نسائية جريدة "8 مارس". الطفلة ولدت في مدينة مراكش وسط أسرة مهتمة بالشأن العام والنقاشات السياسية التي كانت تسود البيت باستمرار، نظرا لأن الأب كان في المقاومة وأحد أعضاء الحركة الوطنية بمراكش، والأخت الكبرى كانت عضوة في التنظيمات النسائية لحزب الاستقلال، كما كان أحد إخواني ناشطا جمعويا والآخرون يشاركون في العمل الوطني، فالنقاش السياسي داخل الأسرة كان كأي نقاش عادي في البيت، ففي هذه الأجواء العائلية تشبعت بقضايا البلاد، أما بالنسبة للأم، فقد كانت أما فاضلة نسائية بالفطرة، حيث كانت حريصة على تعليم الأبناء الذكور والإناث وكانت تنهج تربية لنا تسودها المساواة دون تمييز بين الذكور أو الإناث. كانت لا تفرق بيننا، سواء في التعليم، السفر ،المشاركة في أنشطة جمعوية وحتى في العمل المنزلي، حيث كان يساعدها كل من الذكور والإناث، كما أنها كانت ترفض أي تسلط وقهر من طرف الذكور لأخواتهن الإناث. وكانت ترفض العنف سواء داخل الأسرة أو الجيران، كما أنها كانت ترشد الجيران لتعليم أبنائهم وبناتهم. لقد كانت تصرفات الأم عفوية وتلقائية وفطرية، وهذا كله ساعد في بناء شخصية وتربية عائشة لخماس، هذا بالنسبة للأجواء التي كبرت فيها وتشكلت الملامح الأولى لشخصيتي وجعلتني أرفض الاستغلال والتمييز والاستعباد. أبجديات القراءة واكتشافها للمدرسة دخولي للمدرسة كان له أيضا شبه قصة طريفة في حد ذاته، حيث كانت المدرسة الحسنية التي أسست من طرف الحركة الوطنية قريبة من منزل العائلة بدرب الحلفاوين، وكنت آنذاك في الخامسة من عمري، أذهب يوميا إلى باب المدرسة وأقف مع بعض البنات ابتداء من الثامنة إلى حين خروج التلاميذ رغم المجهود الذي تبذله العائلة لمنعي من هذه العادة، ففي أحد الأيام أمطرت السماء بقوة فأدخلنا حارس المدرسة إلى أحد الأقسام، فقضيت نصف يوم مبللة. ورغم شدة البرد، فقد كنت أكاد أنسلخ من جلدي من الفرحة، فكهذا أصبحت عائشة مواظبة على المدرسة بدون علم أحد لمدة اثني عشر يوما، فطلب مني الأستاذ إخبار والدي لتسجيلي بشكل رسمي بالمدرسة وأن أحضر ما يلزم من أدوات مدرسية، قضيت في الابتدائي ست سنوات فكانت تكبر في داخلي أسئلة كبرى وكثيرة ك:لماذا هذه الفوارق الطبقية؟ لماذا يوجد فقراء واغنياء، ولماذا هناك علاقات يسودها الاستغلال بين الاطراف؟ ولماذا هناك ضغط وتمييز على النساء؟ ولماذا منع الفتيات من القيام ببعض الوظائف والمهام والاقتصار فقط على الرجال؟ كانت هذه الاسئلة تؤرقني رغم صغر سني. المسار التعليمي والانخراط في النضال في المرحلة الإعدادية والثانوية بدأت أتلمس بعض الاجوبة للاسئلة الكبيرة والحارقة التي كانت تشغل بالي، وذلك من خلال بعض الدروس وأنشطتي في بعض الجمعيات والجو العائلي كذلك الذي كان منشغلا بالنضال الوطني والسياسي، فبعد نجاحي في الباكالوريا التحقت بكلية الرباط قسم القانون العام سنة 1970 - 1971 فكان انخراطي في الحياة الطلابية بشكل سريع والتحقت بالاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وبحركة الطلبة اليساريين »(اليسار الجديد)،« ومنذ ذلك الحين بدأت أشارك في كل النضالات والنقاشات السياسية، والانشطة التابعة للحركة الطلابية، كما شاركت في المؤتمر 15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذي تلته حملة قمع شرسة وسط الحركة الطلابية سنة 1972 كما تلاه حظر هذه المنظمة الطلابية. ففي هذه السنة انخرطت في حركة 23 مارس السرية آنذاك وبقيت عضوة نشيطة بها الى حين انعقاد مؤتمرها في سنة 1979 الذي تقرر فيه الانتقال من السرية الى العمل السياسي العلني، وبذلك تأسست منظمة العمل الديمقراطي الشعبي والتي كنت عضوة في لجنتها المركزية، واستمرت هذه التجربة السياسية داخل هذا الإطار اليساري الى حين بداية بزوغ خلافات سياسية حول المشاركة في الانتخابات الجماعية لسنة 1992، حيث رغم قرار اللجنة المركزية الداعي للمشاركة تمت مقاطعة الانتخابات الجماعية، لتشارك منظمة العمل الديمقراطي الشعبي من جديد في ما بعد في الانتخابات التشريعية سنة 1993 وكذلك خلال النقاش السياسي حول دستور 1996، حيث بدأت الخلافات تحتد الى أن اضطر جزء مهم من قياديي ومناضلي منظمة العمل الديمقراطي الشعبي الى تأسيس اطار جديد الحزب الاشتراكي الديمقراطي وبالتالي الانخراط في العملية السياسية التي عرفها المغرب بالتصويت الايجابي على دستور 1996 الى جانب أحزاب الكتلة الديمقراطية، والمشاركة في حكومة التناوب التوافقي برئاسة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي، لقد كنت عضوة في المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الديمقراطي الى أن قرر الحزب الاندماج في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فنلت عضوية المجلس الوطني للحزب، وفي ما بعد تم انتخابي في المؤتمر الثامن للحزب عضوة بالمكتب السياسي. الأم وزوجة المعتقل السياسي ومديرة جريدة 8 مارس النسائية - تزوجت برفيق نضالي محمد بلمقدم الذي تعرفت عليه في الحركة الطلابية سنة 1972 ،إلا أنه لم يكتب الزواج إلا بعد خروجه من السجن كمعتقل سياسي، في إطار الاعتقالات التي طالت حركة 23 مارس ومنظمة إلى الأمام سنة 1974، فكان زواجنا سنة 1977، وأنجبنا ولدين بسام ونبيل يدرسان ويعملان بفرنسا حاليا. وقد اعتقل زوجي مرة ثانية سنة 1984 في إطار أحداث سنة 1984، وأمضى مرة ثانية ضريبة النضال لمدة ثلاث سنوات وكنت حينها أما لولدين الأول بسام وهو في سنة الثالثة من عمره والثاني نبيل كان سنه تسعة أشهر، وكنت في تلك الفترة لتونا في مرحلة الأعداد الأولى لجريدة 8 مارس التي رأى النور فيها العدد الأول في شهر نونبر سنة 1983، فكانت هذه السنوات جد عصيبة بحكم اعتقال الزوج وصغر سن الأبناء ومهام الإصدار والتحرير لجريدة 8 مارس التي كانت أشغل مهمة مديرة التحرير لها. فضلا عن القيام بالدفاع عن المعتقلين السياسيين والنقابيين والجهويين الذين تم اعتقالهم سنة 1984 و1986 كمحامية بالإضافة لعملي السياسي والمهني. قلت خلال النقاش تبلورت فكرة تأسيس جريدة نسائية من أجل التأسيس الفكري والنظري لحركة نسائية جماهيرية مستقلة بعد تقييم تجربة القطاعات النسائية للأحزاب الديمقراطية، وهكذا صدر أول عدد في شهر نونبر 1983 بإمكانيات متواضعة. وقد نفدت في الأسبوع الأول كل النسخ التي وصلت إلى 10 ألاف عدد، مما اضطرنا لطبع طبعة جديدة وهكذا توالت الأعداد واتسعت المبيعات لمدة 12 سنة بشكل منتظم بدون متفرغات ولا مقر اللهم قلوب القراء والقارئات واقلام المناضلات اللواتي كن يسهرن الليالي في الاعداد والتصحيح والتحرير والاخراج.. وتشكلت حول الجريدة شبكة من لجان الدعم وجمع الاشتراكات والمراسلة، حيث شكلت هذه اللجن الحركة التي سميت بحركة 8 مارس وهي التي انبثق عنها اتحاد العمل النسائي سنة 1987. تجربة اتحاد العمل النسائي كإطار نسائي مستقل الذي ترأسه حاليا عائشة لخماس أولا تشكلت النواة الأولى لتأسيس اتحاد العمل النسائي كمنظمة نسائية مستقلة من خلال تجربة حركة 8 مارس التي كانت متمحورة حول الجريدة، وكذلك من خلال تقييم تجربة القطاعات النسائية الحزبية، خاصة القطاع النسائي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، فقد حملت الجريدة شعار "من أجل حركة نسائية جماهيرية مستقلة" وكان هدفنا من وراء هذا الشعار تأسيس حركة، تضم جميع التوجهات السياسية والفكرية بغض النظر عن أي انتماء سياسي، فاضطررنا كمناضلات نسائيات الى تأسيس اتحاد العمل النسائي كتيار داخل الحركة النسائية بالمغرب. وفي سنة 1990 عقدنا المؤتمر الأول وفيه قررنا الانتقال من مرحلة التحسيس والتوعية وتنظيم اللقاءات والندوات الى مرحلة التعبئة والترافع وفتح الملفات الكبرى المتعلقة بالمرأة المغربية. وتطبيقا لهذا القرار أطلقنا سنة 1992 حملة المليون توقيع لتغيير مدونة الأحوال الشخصية التي شكلت مرحلة تحول نوعي في المسار النضالي النسائي والديمقراطي بالمغرب التي تمكنا بواسطتها من الحصول على أول تعديل سنة 1،993 والذي أزال القدسية عن هذه المدونة رغم الحملات المضادة التي بلغت حد إصدار فتاوى في حقها، وهكذا أصبح الباب مشرعا لطرح كل القضايا التي تهم المرأة المغربية ولنؤسس عهدا جديدا لنيل حقوق المرأة، وتوالت النضالات والمكتسبات بفضل الحركة النسائية المغربية التي تعددت جمعياتها وشبكاتها وخبراتها وتجربتها في التنسيق والعمل المشترك ودعم الأحزاب الديمقراطية لهذه الحركة حتى تم تحقيق العديد من المكتسبات كالحقوق السياسية والتمكين القانوني مثل صدور مدونة الأسرة وإصلاح قوانين الجنسية وقانون الشغل والقانون الجنائي، ويعد الدستور الجديد تتويجا لهذه المكتسبات بتنصيصه على المساواة في كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية والبيئية. والتنصيص على ضرورة إيجاد ضمانات لممارسة هذه الحقوق بإحداث آليات وتدابير تضمن تمتع النساء بكافة حقوقهن والتأكيد على المناصفة وتكافؤالفرص وإحداث هيئة لذلك. القيادية بالمكتب السياسي لقد تم انتخابي في المؤتمر الوطني الثامن للحزب كعضو للمكتب السياسي إلى جانب خمسة اخوات، ثلاث منهن انتخبن لأول مرة، فأنا جد معتزة بثقة المؤتمرين والمؤتمرات الذين صوتوا لصالحي، فقد استفدت كثيرا بتواجدي بين اخوان وأخوات في الاتحاد لهم خبرة وتجربة سياسية كبيرة وعميقة، نشتغل في إطار فرق عمل تشرف على الجهات وفرق عمل تشرف على اللجان الموضوعاتية. لقد كانت المرحلة التي عاشها الحزب بعد المؤتمر الوطني الثامن غنية جدا، سواء على المستوى السياسي او التنظيمي، بحكم المؤتمرات القطاعية التي تم تنظيمها أو الندوة التنظيمية التي خرجت بمقررات مهمة وتوصيات نتمنى أن تجد طريقها للتطبيق والتفعيل، كما أنني عشت في الحزب تجارب انتخابية كانتخابات 2007 البرلمانية وانتخابات 2009 الجماعية والانتخابات الحالية التي سنعمل على أن نفوز بها كحزب وبلد بحكم ما تشكله هذه الانتخابات من رهانات وآمال كبيرة في سياق الحراك الاجتماعي الذي تعرفه بلادنا والمنطقة العربية بصفة عامة. المحامية والمدافعة عن النقابيين والسياسيين والنساء بعد حصولي على الاجازة في كلية الحقوق بالرباط، تخصص قانون عام علوم سياسية، عينت بالاذاعة والتلفزة في إطار الخدمة المدنية لمدة سنتين، تعرفت فيها على دواليب الادارة المغربية وكيفية تسييرها وتدبيرها الذي لم يسعف معها انها مجال مفترض ان يكون فيه العمل أكثر حرية وتعبيرا، ما جعلني أقرر الانسحاب منها بعد انقضاء سنتي الخدمة المدنية للالتحاق بسلك المحاماة، آملة أن أجد حرية في الاشتغال وتكوين الذات. وهكذا تعاملت مع المهنة كما لو أنها مجال آخر للنضال والكفاح و ليست مهنة كمصدر الرزق والعيش. حيث دافعت عن عدة قضايا تهم الاعتقال السياسي والحريات العامة والخاصة. وحرية الصحافة. وكيلة لائحة النساء للحزب أعتز بالثقة التي وضعها في إخواني وأخواتي في المكتب السياسي بتصويتهم على شخصي بأن أكون على رأس اللائحة الوطنية للنساء بعد التفويض من قبل اعضاء المجلس الوطني المنعقد مؤخرا للمكتب السياسي، للقيام بهذه المهمة. فلائحة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية للنساء تضم نخبة نسائية متميزة، سواء من حيث الكفاءات العلمية والفكرية والمهنية أو من حيث التجربة السياسية والنضالية وفي المجتمع المدني، وكذلك تضم نخبة من النساء المرتبطات بمناطقهن وجهاتهن بحكم أنهن مستشارات جماعيات أو في مجالس العمالات والاقاليم. وهن يمثلن جميع جهات المغرب، ورغم الصعوبات التي عرفها تكوين هذه اللائحة بحكم أن الحزب يزخر بكم هائل من الكفاءات النسائيات التي تستحق كلها أن تكون في المراتب المتقدمة للائحة، فقد استطعنا كحزب أن نصون هذه اللائحة في اطار ديمقراطي وتوافقي، ونتمنى ان تنخرط كل المناضلات عبر كافة أرجاء الوطن لدعم لائحة الاتحاد الاشتراكي،وكافة مرشحيه ومرشحاته، لان هذه الانتخابات سيكون لها تاريخ وستؤثر على مستقبل البلاد بأكملها. لذلك فنحن في حاجة الى كل مناضلينا ومناضلاتنا لنتعبأ جميعا مهما كانت الخلافات والآراء المتباينة لإنجاح حزبنا في هذا الاستحقاق الانتخابي المصيري. وأوجه نداء الى كل شرفاء وشريفات هذا الوطن لمنح الثقة لمرشحي ومرشحات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والتصويت على رمز الوردة، رمز الربيع المغربي.