هناك معياران أساسيان: المعيار الأول يهم العدالة أو التوازن الديمغرافي، بينما يخص الثاني الحياد. المعيار الأول: التوازن الديمغرافي: شكل اللاتوازن الديمغرافي في التقطيعات الانتخابية بالدول الغربية هاجسا في تاريخها. وكان من نتائج "شيخوخة" التقطيع ميلاد ظاهرة تتجلى في تضخم المناطق القروية غير الآهلة بالسكان وعادة ما تميل للمحافظين، وبالمقابل، شح في تمثيل المناطق الحضرية التي تعج بالسكان وعادة ما تميل للحركات السياسية التقدمية. وحتى عهد قريب، كانت الولاياتالمتحدة في عام 1960 تشهد مثالا صارخا على سلبيات هذه "الشيخوخة" في التقطيع الانتخابي. ففي مجلس الشيوخ بكاليفورنيا كان ممثل دائرة لوس أنجلوس يمثل ستة ملايين ساكن، بينما ممثل دائرة جبلية يمثل 1500 فرد. وبالنسبة للغرفة السفلى بولاية فيرمونت كان نائب "ستراتون" يمثل 38 ساكنا، في حين كان زميله بمنطقة "بيرلينجتون" يمثل 35531 فردا. لكن هذه الوضعية ستعرف انقلابا ابتداء من عام 1962 و 1964 عبر إصدار المحكمة العليا لقرارات تلزم الولايات بمراجعة الدوائر الانتخابية مرة كل عشرة أعوام (الدوائر المحلية والفيدرالية) بناء على آخر إحصاء للسكان. بريطانيا، لم تسلم بدورها من هذا الموضوع، حيث كانت إلى حدود مطلع القرن 19 تشهد تباينا صارخا في الدوائر الانتخابية، وهي الظاهرة التي يطلق عليها في أدبيات القانون الانتخابي "القصبات المتعفنة" (أو الضواحي المتعفنة) والناتجة عن كون التقطيع جد شائخ، يعود إلى القرن 16? ففي المدن الكبرى مثل بيرمينجهام، ليدز أو مانشستر (137 ألف ساكن) لم تمنح لها أي دائرة انتخابية، لكونها كانت مدنا عمالية ويسارية، بينما مناطق أخرى ذات كثافة سكانية جد ضعيفة تعد ساكنتها على رؤوس الأصابع، كانت تتوفر على دائرتين انتخابيتين. لكن إصلاحات عام 1832 قلصت الفارق التمثيلي وأصبح يتراوح بين 1 و 60. وفي عام 1885 تحول الفارق ليصبح بين 1 و 7. في ألمانيا كان نائب برلين يمثل عام 1912 دائرة ذات 125 ألف ناخب ونائب بْرُوسيا الشرقية يمثل 24 ألف فرد. ومنذ ثلاثين سنة خلت، عمدت معظم الدول الغربية الى تطوير تشريعاتها الخاصة بالتقطيع الانتخابي، لكن ذلك لم يقض نهائيا على الخلافات القائمة بشأنه. في المغرب، لم يفلت التقطيع الانتخابي من هذه المساوىء. وبعض الأمثلة تعد ذات مغزى. ففي الانتخابات البرلمانية ليونيو 1993 كانت الدائرة الأولى لعمالة الصخيرات تمارة تتجاوز 60 ألف مسجل، بينما كانت دائرة النهضة بنفس العمالة تناهز 25 ألف مسجل. وفي إقليمالعيون كان عدد المسجلين بالدائرة الأولى 74 ألفا، في حين لم يتجاوز 4 آلاف في الدائرة الثانية (الدورة) وفي الانتخابات البرلمانية لعام 1997 نجد أن دائرة المشور بالدار البيضاء تمثل حوالي 3100 ساكن، بينما تمثل الدائرة المجاورة بعمالة درب السلطان 80 ألف نسمة. التناسب بين الدوائر في عدد السكان لا يعتبر شرطا إلزاميا، إذ أن التطابق الحسابي بين حجم السكان في كل دائرة قد لا يتحقق. إلا أن التساهل في إعمال هذا المبدأ لا يفيد الترخيص بإحداث فوارق صارخة في العدد? والمجلس الدستوري الفرنسي دعّم هذا الرأي في قراريه المتخذين في جلستيه المؤرختين ب 1 و 2 يوليوز 1986 و 17 و 18 نونبر 1986، حيث يستخلص من تأويله للقوانين المحالة عليه، والمتعلقة بانتخاب النواب من جهة وتحديد الدوائر الانتخابية من جهة أخرى، أن السلطة المخولة للقيام بتحديدها (الدوائر) داخل محافظة (إقليم) معينة إذا كان يمكنها أن تبتعد بأكثر أو أقل من 20% بالنسبة لمتوسط السكان في المحافظة، وكان هذا الفرق يمكن أن يبرر بهاجس احترام الحدود المتعلقة بالاقليم أو بهاجس أخذ الحقائق الطبيعية التي تشكلها بعض الوحدات الجغرافية بالاعتبار والتضامنات التي توحدها، فإن إعمال هذه الاستثناءات على مبدأ المساواة في الاقتراع إذا كان غير صادر بالنسبة لكل واحدة منها عن خطأ واضح في التقييم، فإن تراكمها من شأنه أن يخلق وضعيات قد تؤدي إلى تجاهل هذا المبدأ. المحكمة العليا الأمريكية أكدت كما أوضحنا نفس الأمر، وذلك بالاستناد إلى التعديل الرابع عشر من الدستور الذي ينص على مبدأ المساواة في حماية القانون، بأنه يعني في المجال الانتخابي أن يكون لأصوات المقيمين في مختلف الدوائر الجغرافية نفس الوزن. وتقضي قاعدة صوت واحد للشخص الواحد بأن تكون الدوائر المستخدمة لانتخاب أعضاء مجلس النواب والهيآت التشريعية للولايات والهيآت الحاكمة للبلديات والمدن متساوية في عدد السكان (مع السماح ببعض الاختلافات الدنيا). المعيار الثاني: الحياد إن المساواة بين المواطنين في التمتع بحق الانتخاب لا تقتصر على الهم الإحصائي وحسب، بل تنبني أيضا على استبعاد كل محاولة للتقطيع تستند إلى الولاءات العقائدية أو المذهبية أو العرقية. فيكفي للجهة المتحكمة في التقطيع المتوفرة على كل العناصر والمعطيات الخاصة بالانتخابات السابقة لتقوم في حالة البلدان التي تشهد استقرارا في ميولات الناخب بقص الدوائر وتقطيعها وفق غاية سياسية واضحة بعيدة عن العدل، وذلك عبر حذف أصوات الخصم لربح المقعد? ويعتبر إلبريدج جيري "E. Gerry" بمثابة "كريستوف كولومب" هذا النوع من التقطيع? فهذا الحاكم الذي كان يسير ولاية ماساشوسيت الأمريكية في مطلع القرن 19، قسم الدوائر الانتخابية في عام 1812 بشكل خدم أصدقاءه الذين حازوا على 29 مقعدا ب 50164 صوتا، بينما لم يحصل خصومه سوى على 11 مقعدا رغم أنهم حصلوا على 51766 صوتا? وهذا ما جعل الصحافة تطلق على هذا النوع من التلاعب مصطلح "Gerrymander" نسبة للحاكم "جيري". وإذا كان الحياد مطلبا يتعين على واضع التقطيع التقيد به، فإن ذلك لا يتحقق بشكل سهل. ففي كندا وكوستاريكا مثلا، كان الممثلون هم الذين يرسمون الخريطة الانتخابية. وكان هذا التقليد متبعا في فرنسا كذلك، ونجمت عنه مشاورات ومشاحنات عديدة بين الأطراف السياسية، خاصة في عام 1927. لكن منذ عام 1958 تم منح الحكومة صلاحية الإمساك ب "المقص". وفي عام 1986 أصبحت المبادرة تطرح على البرلمان. وإذا كان المعيار الأول (الديمغرافي) ينقص من حدة الانحياز، فإن المراقبة القضائية والديمقراطية من شأنها ضمان حياد أكبر في التقطيع الانتخابي وعدم تحيزه لصالح فئة ضد أخرى. وهذا ما ينقلنا إلى الفقرة الثالثة التي سنعالج فيها: من يقوم بالتقطيع؟ ملاحظات حول مشروع التقطيع الانتخابي إذا كان نمط الاقتراع من أبرز القضايا التي واكبت مناقشات لجنة الداخلية لمشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب، فإن التقطيع الانتخابي بسط ظلاله على المناقشات بالرغم من أن إقراره يتم بمرسوم حكومي لأنه من مشمولات السلطة التنظيمية للجهاز التنفيذي . ويترقب الحقل السياسي صدور هذا المرسوم الذي سيحدد عدد الدوائر والمرشحين بكل لائحة على اعتبار أن المغرب اختار نمط الاقتراع باللائحة منذ استحقاق 2002. إن أبرز ملاحظة أثيرت بعد تجربتي 2002 و 2007 هي: - ضرورة وضع حد أدنى لعدد مقاعد كل دائرة انتخابية لا يقل عن 4 . لقد بينت الانتخابات السابقة أن الدوائر التي كان بها عدد المقاعد 2 أو 3 هي أشبه بدوائر الاقتراع الأحادي الإسمي، حيث يسود فيها استعمال المال وشخصنة التصويت وتوزيع جغرافي بالدائرة لتتقاسمها لائحتان أو ثلاث ، كل لها تجمع سكاني تتحكم فيه بوسائل غير مشروعة .في اقتراع 2007 كان هناك عدد من الدوائر ،حدد عدد مقاعدها في إثنين مثل عين الشق وبنمسيك بالدار البيضاء ومولاي يعقوب وجرادة وتاوريرت وغيرها ... وإذا كنا نتفهم الطبيعة الاجتماعية لأقاليمنا الصحراوية والتوازنات التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهو أمر يحظى بإجماع الفرقاء السياسيين ، فإن إخضاع مدن كبرى لمنطق مقعدين أو اثنين ليس له مايبرره سوى إضعاف الطبيعة الحزبية للانتخابات التشريعية والانحياز للوائح أو أشخاص ارتدت ألوانا سياسية فقط للوصول الى البرلمان ولا يهمها البرنامج الانتخابي أو التعاقد مع الناخبين. إن خيار جمع دوائر إقليم أوإقليمين في دائرة انتخابية واحدة أصبح ملحا للقطع مع تقطيع أفرز دوائر اقتراع أحادي إسمي مقنع تفتح الباب واسعا لأصحاب المال ليعيثوا في الانتخابات فسادا.لقد كان عدد دوائر 2007 هو 95 دائرة انتخابية، وزعت عليها المقاعد ال 295 بعد تخصيص لائحة وطنية ب 30 مقعدا ، وهو مايعني أن معدل المقاعد لكل دائرة يقل عن 4.وإذا أخذنا المعطيات المقترحة اليوم والتي تشير إلى أن عدد المقاعد خارج اللائحة الوطنية هو 305 ،فإن على التقطيع المرتقب ألا يتجاوز عدد دوائره على الأكثر 70 دائرة. - الملاحظة الثانية هي إقدام مقص التقطيع على إلحاق تجمعات سكنية قسرا بدوائر انتخابية أو قص أحياء سكنية من مجالها الاجتماعي وإلحاقها بمجال آخر خدمة لمرشحين أو ضد شعبية مرشحين.