سبق للمجلس الجهوي للحسابات أن رصد ، في تقريره الأخير، مجموعة من الاختلالات التي يعرفها التدبير المالي والإداري لسوق الجملة بطنجة، لكن في الوقت الذي كان يفترض من مجلس المدينة أن يتخذ الإجراءات اللازمة لتصحيح هذه الاختلالات, فإن العكس تماما هو الذي حصل. فحسب الوثائق التي حصلت عليها الجريدة، يتضح أن المشاكل الحقيقية التي يتخبط فيها سوق الجملة راجعة بالأساس إلى الانعدام التام للشفافية في تدبير مرافق السوق، فالمجلس الجهوي للحسابات سبق له أن وقف على عدم قانونية المسطرة المعتمدة في تأسيس الرسم المفروض على بيع الخضر والفواكه بالسوق، ذلك أن القانون يفرض تأسيس الرسم المفروض بناء على الثمن الفعلي للبيع الذي يقبضه الوكيل من المشتري، في حين لجأت لجنة الأثمنة، برئاسة وكيل المداخيل وعضوية ممثلين عن الوكلاء والتجار، إلى تأسيس هذا الرسم بناء على التحديد المسبق لأسعار الخضر والفواكه لمدة أسبوع وهو ما يعتبر مخالفا للقوانين ويساهم في تدني المداخيل. من جهة أخرى رصد تقرير المجلس الجهوي للحسابات قصور النظام المعلوماتي المعمول به في سوق الجملة ,بحيث يمكن لموظفي المكتب المركزي لإدارة السوق التلاعب بكل سهولة في الوزن الإجمالي للشاحنات الممرر أوتوماتيكيا من الميزان الجسري إلى النظام المعلوماتي، كما نبه التقرير إلى لجوء أصحاب الشاحنات، بتواطؤ مع المكلفين بالمراقبة، إلى تغيير تصاريحهم بأوراق الكشف حيث يتم التصريح ببضائع أقل جودة وذات أثمنة منخفضة وذلك للتخفيض من مبالغ الرسم المفروض على عمليات البيع, مما يضيع مبالغ طائلة على الجماعة الحضرية، قدرتها بعض جمعيات التجار بسوق الجملة في تقرير رسمي حصلت عليه الجريدة بحوالي ثلاث مليارات سنويا. لكن الخطير في الأمر أن الاختلالات الحقيقية للسوق تكمن أساسا في تمكن لوبي مصالحي في المرافق الأساسية للسوق، بدعم واضح من وكيل المداخيل وبعض المنتخبين، فصفقة صناديق تلفيف الخضر والفواكه فوتت سنة 2008 لشركة Agrobal التي أرادت احتكار صناديق التلفيف داخل السوق، لكن الشركة لم تقم لحد الساعة بتوفير ولو صندوق واحد, مما يشكل خرقا صريحا لدفتر التحملات الذي على أساسه تم تفويت الصفقة إليها، مما حرم الجماعة من مداخيل يومية تقدر بآلاف الدراهم، علما أن مالكي الصناديق الفارغة بسوق الجملة القديم وبعد احتجاجات صاخبة تم السماح لهم بممارسة نشاطهم داخل السوق بعد انتظامهم داخل تعاونية وقاموا باستثمار 600 مليون سنتيم لتوفير الصناديق اللازمة، ومع ذلك يمتنع وكيل المداخيل عن اقتطاع رسم استغلال الصناديق حتى لا يحرج شركة Agrobal المحظوظة، بل الأكثر من ذلك تم السماح لها ببناء مستودع لتخزين الصناديق وقد تكلفت شركة العمدة بعمليات البناء قبل أن تنتفض التعاونية المحمدية لمالكي الصناديق على منح هذه الشركة، التي أصبحت في حكم الوهمية، هذا الامتياز ويتم إيقاف البناء. نفس مسير شركة Agrobal ، [ح. ن ] سترسو عليه صفقة مستودع تبريد وتخزين الخضر والفواكه باسم شركة أخرى، وهي الصفقة التي رصد المجلس الجهوي للحسابات بشأنها مجموعة من المخالفات أبرزها قيام الشركة بالجمع بين التخزين وبيع الخضر والفواكه داخل السوق واقتطاع الرسم المفروض على عمليات البيع، من دون أن يتوفر مسير الشركة على صفة وكيل، بحيث أصبح مستودع التخزين والتبريد سوقا داخل السوق، مما يعد خرقا خطيرا للنظام الداخلي لسوق الجملة المصادق عليه من لدن سلطات الوصاية. من جهة أخرى ينتظر أن ينعقد يومه الخميس اجتماع اللجنة المكلفة باختيار وكلاء السوق، تتوفر الجريدة على القائمة الكاملة لهم، وهو الاجتماع الذي ينتظر نتائجه العديد من تجار السوق بترقب شديد، خاصة وأنه يتزامن مع انتهاء عقدة الاستغلال المحددة في ثلاث سنوات، كما أن وكيل المداخيل أبلغ وكلاء السوق الحاليين أن العمدة يدفع في اتجاه تمديد العقد لسنة أخرى بدعوى إعداد دفتر تحملات جديد، وهو ما اعتبره التجار في تصريح للجريدة خرقا فاضحا للقانون وتحكمه خلفيات انتخابية، خاصة وأن العديد من الوكلاء، تربطهم علاقات خاصة وعائلية بالعديد من المنتخبين بالمدينة، الشئ الذي يفترض من وجهة نظر التجار المتضررين إيفاد لجان للتقصي في حجم الفساد المستشري وتفكيك شبكات المصالح المتحكمة بمرافق سوق الجملة مع ترتيب المساءلة القانونية في حق المسؤولين على ذلك.