لم يكن أكثر المتفائلين تفاؤلا بمدينة مرتيل ينتظر أن ختام المهرجان سيكون مسكا وعودا وعنبرا بهذا الفوز الكروي الجميل للمنتخب المحبوب. اهتزت القاعة المملوءة داخل الفندق أربع مرات، والصياح والعناق كانا سيدا الفضاء. يا له من حظ سعيد لمهرجان مرتيل وهو يختتم فعالياته بتلك الفرحة العارمة التي أثلجت القلوب والصدور! في الواقع، هناك إنصاف، وهناك حق وعدالة.. فالدورة الحادية عشر تستحق بالفعل أن تكون خاتمتها مسك، ونهايتها بهجة وفرحة ورقص وعناق.. فلاش باك... أتذكر أني أكتشف لأول مرة مدينة شاطئية جميلة اسمها مرتيل وأخلاق أبنائها كالمسك في أرق، وأتذكر الاستقبال الحميمي وحسن الضيافة التي هي من شيم أهل التنظيم.. أتذكر حفل الافتتاح الذي مر بنظام وانتظام داخل قاعة الريف الجميلة التي لم يتركها أهل المهرجان عرضة للضياع أو لقمة سائغة بين أنياب تعض كل ما هو فني وثقافي مشرق، وأتذكر الهدوء السائد حين تكريم الفنان حميدو بن مسعود، والممثلة الإسبانية كونشا كويطوس.. أتذكر مستوى الفنان المهدي الوزاني في التنشيط والارتجال الجميل باللغتين. وأتذكر الحركة في الشارع بعد نهاية الحفل في جو ربيعي ما أجمله! وأتذكر ذلك الشاطئ الهادئ الذي تابع معنا الفعاليات دون أن ينبس ببنت شفة. أتذكر شبابا من اللجنة المنظمة يقفون وقفة رجل واحد على كل كبيرة وصغيرة من أجل راحة الضيوف، ولكي تمر الأشياء والكلمات والصور في أحسن الظروف.. وأتذكر طيبوبة سكان مرتيل الذين إن سألتهم، فبالإبتسامة يجيبون.. أتذكر صلاح الدين بن موسى وهدى الريحاني وحميدو بن مسعود وعبد الكبير الركاكنة وسناء عكرود ومحمد مروازي ورفيق بوبكر وبنعيسى الجيراري يلتقطون صورا مع ساكنة مرتيل ذكورا وإناثا، شيبا وشبابا، وكل ذلك في إطار الاحترام المتبادل بين أهل الفن وأهل الإعجاب. أتذكر القاعة مملوءة لمشاهدة الأفلام، وأتذكر الأخلاق الحميدة للجمهور الذي يحترم الفضاء بعيدا عن الضجيج والفوضى والهواتف النقالة. ونِعْم! وأتذكر اللقاء مع المخرج السينمائي المصري خالد يوسف بجامعة عبد المالك السعدي، حيث كان النقاش العميق والأسئلة المشروعة والتساؤلات الدقيقة من طرف الطلبة الذين تستهويهم الكلمة والصورة.. وأتذكر الكلمة الترحيبية لعميد الكلية الذي يختتم دائما بأبنائي الطلبة الأعزاء... وأتذكر الأهمية البالغة للندوة الدولية تحت عنوان «السينما كشاهد على العصر»... وأجمل ما أتذكره، وفي نفس قاعة الندوات، ذلك اللقاء مع المخرج ميشيل خليفي «السمو! درس حقيقي في الحياة... في النضال.. في المرجعية الثقافية... في اللغة السينمائية... في النظرة إلى الذات، والنظرة إلى الآخر.. في الهوية والحدود.. في الفن والإبداع والفلسفة... لقاء نشكر عليه مهرجان مرتيل.. وأتذكر تلك المبادرة النبيلة بتنظيم كرنفال وورشات للرسم والحناء لفائدة أطفال مركز أنجال، وأتذكر الزيارة التي قام بها بعض الفنانين والإعلاميين لزيارة الفنان العربي اليعقوبي داخل مصحة بمدينة البوغاز... وأتذكر حفل الإختتام، وتكريم الراحل نورالدين كشطي، وأتذكر دموع نجلته أمينة التي ما فارقت الابتسامة شفتيها خلال إقامتها بيننا، وأتذكر لحظة تقديم كتاب عن الراحل أصدره المهرجان وأعده صاحب هذه السطور.. وأخيرا أنقل جزءا من الكلمة التي ألقاها مدير المهرجان، المناضل أيوب الأنجري البغدادي، حيث قال: «... لقد خرجت فكرة المهرجان من رحم ثلة من شباب مرتيل، مهووسين بحب هذه المدينة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، والمعرفة ببرجها التاريخي (...) لم نكن نرمي، ونحن نعانق اللحظات الأولى لتعزيز المشهد الثقافي الجهوي والوطني، تحقيق أية أهداف عدا الترويج للمنتوج المحلي للمدينة والإقليم والجهة، بل والمنطقة ككل. ولذلك فنحن فعلا نستثمر في السينما، ولا شيء سوى السينما، ونحن أقرب من لمح البصر، إلى من يؤمن بهذه الفلسفة التي تحوي بين طياتها فكرا نبيلا يؤسس في العمق لثقافة احترام أبناء مرتيل، وخاصة الشباب منهم...». انتهى الكلام، وماتزال الذكريات...