دعا الرئيس الأمريكي باراك اأوباما، في خطاب ألقاه الأسبوع الماضي في إطار صياغة سياسته الجديدة المؤيدة للديمقراطية في الشرق الأوسط، حليف أمريكا القديم، رئيس اليمن علي عبد الله صالح، للتنحي. وخلال بضع ساعات من يوم الأحد، كان يبدو أن ذلك الرجل القوي قد يستجيب لتلك الدعوة. غير أن عصابة مسلحة من أتباع الرئيس قاموا بمحاصرة سفارة كان يجتمع فيها السفير الأمريكي مع مبعوثين عرب وأوربيين. وبعد محاصرة امتدت لعدة ساعات، تمكن السفراء من الفرار إلى القصر الرئاسي ? فقط ليشاهدوا السيد صالح وهو يتراجع عن اتفاق كان من شأنه أن يضع حدا لإثنين وثلاثين سنة قضاها في الحكم. ويوم الإثنين شهدت العاصمة صنعاء لأول مرة قتالا بين القوات المؤيدة للرئيس والمعارضة له. وتمثل هذه الأزمة اختبارا سريعا لأوباما، على مستوى التزامه بتأييد الانتقال الديمقراطي عبر منطقة الشرق الأوسط ? حتى لو تعلق الأمر بحكام مستبدين طالما كانوا حلفاء أمريكا. لقد ظل السيد صالح مستفيدا من التمويل الأمريكي الضخم، حيث تعتبره واشنطن شريكا لها في حربها ضد تنظيم القاعدة، التي أقامت قاعدة للعمليات في اليمن تتجاوز خطورتها ما عليه الأمر في باكستان. غير أن الرئيس اليمني حكم على نظامه بالفشل عندما أصدر أوامر لقوات الأمن شهر مارس الماضي بإطلاق النار على متظاهرين سلمين يطالبون بالديمقراطية. ولقد انضمت وحدات مهمة من الجيش وزعماء القبائل إلى المعارضة، مما جعل السيد صالح يُبقي على سيطرة ضعيفة على البلد رافعا من مخاطر قيام القاعدة بتنظيم عمليات دون أية عراقيل. ومنذ مستهل أبريل الماضي، عمل مجلس التعاون الخليجي على التفاوض مع السيد صالح حول اتفاق يقضي بتنحيه في غضون ثلاثين يوما مقابل تمتيعه بالحصانة ضد أية متابعة قضائية. وحينها سيتم تنظيم انتخابات ديمقراطية لاختيار الرئيس. ولقد وافق السيد صالح على الاتفاق ثلاث مرات، وتراجع عن التوقيع عليه ثلاث مرات. وكان مبرره الأخير هو عدم قيام قادة المعارضة، الذين وقعوا على الاتفاق يوم السبت، بالتوقيع في حضوره. هذه المناورة العبثية والاستفزازات التي تقوم بها قوات الأمن تقود اليمن نحو حرب أهلية. إن للولايات المتحدة مصلحة كبيرة في استتباب الأمن في اليمن، لكن كما كان عليه الأمر خلال الربيع العربي، فإن الرد الأول للإدارة حيال الأزمة كان معتدلا. ولقد أصدرت كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية، هيلاري رودمان كلينتون، بيانا تقول فيه: «إن الولاياتالمتحدة مستاءة للغاية.» وذكرت تقارير أن مسؤولي الإدارة الأمريكية وحلفاء واشنطن تدارسوا يوم الإثنين إمكانية مراجعة تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لليمن، في مسعى من أجل البحث عن طريقة للتخلص من السيد صالح. يتعين الآن على السيد أوباما أن يوضح بأنه مستعد لجعل أفعاله في مستوى كلماته. ينبغي أن يتم وضع حد لكل ما تبقى من دعم أمريكي للسيد صالح وقواته، ويجب أن يتم إخبار الرجل القوي بأنه سيكون محط عقوبات ومتابعات قضائية ما لم يقبل في الحال بالتوقيع على اتفاق انتقالي. وفي نفس الآن، يتعين على القوات الأمريكية أن تكون على استعداد للتصرف باستقلالية تجاه أهداف القاعدة في اليمن. وكان طائرة أمريكية بدون طيار قد استهدفت في وقت سابق من هذا الشهر أنور العلاقي، زعيم القاعدة الذي خطط لمؤامرات إرهابية ضد الولاياتالمتحدة، لكنها فشلت في إصابته. وفي الوقت الذي ما تزال فيه اليمن في فوضى، يجب أن يتم الاستمرار في تنفيذ عمليات من هذا القبيل. عن «واشنطن بوست»