السيارات تجر قافلة الصادرات المغربية    اكتشافات الغاز الطبيعي.. نتائج مشجعة    إلغاء اللقاء التواصلي للرجاء وتأجيل الحسم في مستقبل النادي    فتاح: الحكومة تباشر إصلاح التقاعد.. ودمج "كنوبس" و"الضمان" يقلص الآجال    "عكاشة" ينفي اتهامات سجين سابق    حزب العدالة والتنمية يستعرض ملاحظاته حول تعديلات مدونة الأسرة.. وينتقد "استفزازات" وزير العدل    الحكومة ستقدم عرضا أوليا حول إصلاح أنظمة التقاعد في شهر يناير المقبل    البشرية على شفا الانقراض.. تحذيرات عراب الذكاء الاصطناعي من الخطر المقبل    الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية ومواساة إلى بايدن إثر وفاة الرئيس الأسبق جيمي كارتر    تصريحات رونالدو والتشكيك في مصداقية الكرة الذهبية    من يرد الاعتبار للكاتب بوعلام صنصال.. بعد تطاول عبد المجيد تبون؟    امطار رعدية مرتقبة بالريف والواجهة المتوسطية    سفير روسيا في الرباط يبرز قوة العلاقات بين البلدين ويؤكد أن موقف المغرب متوازن بخصوص الحرب الروسية الأوكرانية    استفادة حوالي 34 ألف أسرة من دعم السكن إلى غاية 27 دجنبر الجاري    2025: سنة التغيير في ملف الصحراء    التحقيقات تكشف تفاصيل مثيرة عن كارثة الطائرة الكورية.. هل كان الجشع وراء الحادث؟    الحسيمة..العثور على جثة أربعيني داخل منزل ببني بوعياش    بسبب الفوضى.. والي جهة طنجة يأمر بإيقاف منح الرخص لأصحاب "الجيلي الأصفر"    تأملات مرحة في موضوع جدي!    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    التكنولوجيا في خدمة التعليم: التحالف الاستراتيجي لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة مع شركة هواوي المغرب    شخصية السنة/الدجاجلة: بين جغرافيا الجسد وسيكولوجيا السلطة !    تبون يمارس سياسة "كاموفلاج" للتغطية على أزمات الجزائر الداخلية    الفنيدق تحتضن منافسات كأس العرش للفول كونتاكت    الدورة الثالثة لمهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش ما بين 30 يناير و2 فبراير المقبلين    جماهير الرجاء تطالب عادل هالا بالاستقالة    سطات تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    تأجيل محاكمة فؤاد عبد المومني إلى تاريخ 20 يناير المقبل    وزارة الثقافة تعلن موعد الدورة ال30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    المالكي يغادر السجن بعد تخفيض العقوبة    وفاة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عن 100 عام    دراسة: طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    وفاة المطرب المصري الشعبي الشهير أحمد عدوية    حقوقيات يطالبن بفتح تحقيق في واقعة نقل مريضة على نعش في أزيلال    دراسة تكشف عدد الدقائق التي يفقدها المدخن من حياته مع كل سيجارة    كيميتش: "لم أستطع النوم بعد خروج ألمانيا من بطولة يورو 2024"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    مسبار "باكر" الشمسي يحقق إنجازا تاريخيا باقترابه من الشمس والتحليق في غلافها الجوي    بورصة الدار البيضاء : تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    بسبب فرضه الأحكام العرفية.. رئيس كوريا الجنوبية يواجه الاعتقال    أحمد الشرع يؤكد أن الانتخابات في سوريا قد تحتاج إلى أربع سنوات لتنظيمها    ارتفاع حصيلة قتلى حادث السير في إثيوبيا إلى 71 شخصا    المدرج الجنوبي" يخرج عن صمته ويرفع الورقة الحمراء في وجه رئيس الرجاء ومكتبه    داري وعطية الله يعززان دفاع الأهلي في مواجهة إنبي    علاكوش يشرف على تأسيس النقابة الوطنية للمتصرفين التربويين بجهة الدار البيضاء سطات    مع اختتام فعاليات مهرجان AZEMM'ART للفنون التشكيلية.. المنظمون يهدفون إلى تحقيق 1000 جدارية بالمدينة    مع انتشار البطالة .. جمعية المعطلين بالناظور تعلن عن " اسبوع الغضب"    الوزاني بخمسة أهداف في البرتغال    شخصيات بارزة وجمهور شغوف يحيون ليالي الجاز في دار الصويري    الصحة العالمية تكشف سر المرض الغامض في الكونغو    دراسة: اكتشاف طفرة جينية قد تساعد على إبطاء نمو أنواع من السرطان    الولايات المتحدة.. تحور فيروس إنفلونزا الطيور يثير قلقا علميا    انطلاق فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان "بويا" النسائي الدولي للموسيقى في الحسيمة    انتشار "بوحمرون" بإقليم شفشاون يدق ناقوس الخطر ومطالب عاجلة على طاولة الوزير    الثورة السورية والحكم العطائية..    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستشفى الجهوي ببني ملال دائرة العبث أو هدر للزمن الصحي وللحق في التطبيب

لم يعد أحد يطيق هذا الوضع الشاذ الذي يعيشه المستشفى الجهوي ببني ملال والذي يصل في العديد من الأحيان إلى حد الاستهتار بحياة الناس، وترك الحبل على الغارب والهروب إلى الأمام في معالجة المشاكل التي يتخبط فيها هذ المستشفى. وهو وضع يستنكره الجميع، لأن واقع الحال يكشف حقائق مرة ومرفوضة باعتبارها تمس أحد أقدس حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة. ولايعقل أن يتحول المستشفى الجهوي ببني ملال إلى مقبرة حقيقية للوافدين عليه. وما زاد من قتامة الوضع أن القيمين على هذا المستشفى وهم على التوالي: مدير المستشفى، المندوب الإقليمي والمدير الجهوي ما فتؤوا يقدمون الأعذار والأسباب، لتظل السمة الطاغية هي التطاحنات الخفية أحيانا والمعلنة أحيانا أخرى.
وبدل البحث عن حلول حقيقية للمشاكل المرتبطة بالخدمات الصحية التي لها علاقة مباشرة بصحة المواطن، تحول المستشفى الجهوي إلى أوراش جزئية تدخل في خانة «ألمزوق من برا آش خبارك من الداخل».
والمخيف لدى كل متتبع لما يجري بهذا المستشفى والذي لا تتعدى موارده البشرية ما يكفي فقط لمركز صحي، هو كونه محط تجربة وطنية تهم التغطية الصحية أو ما يصطلح عليه RAMED بغلاف مالي قدر بحوالي 13 مليار سنتيم في أفق تعميمها على باقي المستشفيات الوطنية. وقد بلغ عدد المستفيدين بجهة تادلة-أزيلال حوالي 55 ألف مستفيدة ومستفيد. وهنا يطرح السؤال التالي: لماذا لم يتم اختيار جهة تادلة-أزيلال لهذا النواع من التجارب المحمودة دون توفير البنيات الصحية الأساسية لذلك؟ أم أن الأمر يتعلق بمن يجرب «الحلاقة في رؤوس الأيتام».
وللتعمق والتمحيص في هذا الأمر، اسألوا أهل مكاتب الدخول والفوترة لتجدوا ما يفزع ويروع القلوب والخواطر.
ففي جناح الولادة أو أول خطوة في نزق الحياة والذي تفد عليه المئات من النساء الحوامل يوميا، يعتقد الزائر خلال النظرة الأولى أن الأمر يتعلق ب «حطة» أو سوق أسبوعي، لكن صيحات وصرخات واستنجاد النساء الحوامل بربهن الكريم وحده يحيلك على أن المكان الذي تنبعث منه الصرخات من ملء حناجر النساء الحوامل من عسر المخاض وعسر المكان وعسر الأجهزة وعسر العسر، هو جناح للولادة تابع للمستشفى الجهوي ببني ملال يضم 4 قاعات وقاعة للتوليد ومكتب للأطباء ومكتب للممرض الرئيسي يفد عليه أزيد من 100 امرأة ويقوم بتوليد حوالي 30 منهن كل يوم. لكن وبمرارة كبيرة أن من يقوم بكل ذلك مولدتان فقط، إنه حقيقة عبء غير مقبول يضع قواعد التوليد في خبر كان وهو ما عبرت عنه إحدى المولدات وهي على وشك البكاء «إن المسؤولين يتعسفون علينا وعلى النساء الحوامل، ومهما قمنا به من مجهودات، تضيف هذه الممرضة، فلن يكون في حجم عدد الوافدات». وأعطت مثالا على ذلك أن مراكز صحية بها مولدتان ولا يفد عليها سوى امرأة حامل واحدة وفي أحسن الأحوال 3 نساء، وقارنت ذلك بكون جناح المستشفى يقوم بتوليد 30 امرأة في اليوم، وهو ما يؤكد معاناة المولدات، إضافة إلى ما يتعرضن له من ابتزاز وتوجيه غير مبرر.
أما جناح قسم المستعجلات، فيعاني بدوره بنقص حاد في الموارد البشرية، سواء الممرضين أو الأطباء، طبيب واحد وممرضان في الحالت العادية في غياب كل ما يتصل بالتحليلات الطبية المرتبطة بالحالات المستعجلة وأخص بالذكر أجهزة الكشف بجميع أنواعها والتي توجد في عطالة دائمة ومستمرة وصيانتها قد تكون من باب دنيا الأحلام، أو من يصون من؟ هل الجهوي يصون الإقليمي؟ أم على المستشفى أن يقوم بالصيانة الذاتية؟ أما أجنحة التطبيب، فعلى كل ممرضة أو ممرض أن يضع قلبه ومخه في ثلاجة تغنيه عن وجع الرأس وصراخ المرضى والزوار بدون أوقات للزيارة وطرق أبواب الأجنحة في كل وقت، حيث لا يمكن لهذه الممرضة أو الممرض المداوم أن يقوم برعاية المرضى والذين يصل عددهم أحيانا إلى 40 مريضا بكل جناح في مثل هذه الأجواء الجد مزرية.
إنه وضع يومي إذ يتطلب حلولا بنيوية لا يمكن تحميل المسؤولية فيه لأحد سوى للذين لا يبلغون الجهات المركزية عن هذا الشذوذ الصحي وخاصة النقص المهول في الموارد البشرية، وأن المتفرج على ذلك لا يمكن أن يكون محط ائتمان على حياة الناس أو بالأحرى تحمل مسؤولية تدبير قطاع من أهم القطاعات المرتبطة بما يتطلع له المواطن المغربي من حقوق كبيرة، وخاصة الحق في الكرامة بالمستشفيات العمومية والتي أصبح بعض من يجب أن يكونوا رحماء وفضلاء، متعالين عن الناس وأحيانا غاضبين مجانا على الضعفاء من الفئات الهشة، وفيهم من يهدر الزمن الصحي باستخفاف هجين ومنهم من يغالب الزمن والناس للهروب من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ومنهم المرتشي ومنهم النزيه والنقي الصامت، ومنهم الفاضل الجاهر بالحق...
وحتى لا يظن البعض أننا نبالغ في الحكم على أوضاع المستشفى الجهوي ببني ملال نستشهد بساعة واحدة من تواجدنا بقسم المستعجلات بإحدى الليالي دون ذكر الحالات التي لا تستدعي الاستعجال وانتظار طبيب ما أو طلب شراء أدوية أو المكوث بقاعة الانتظار ... بل سنذكر 3 حالات فقط توح بالملموس مدى ضعف أداء هذا المستشفى.
أولها وصول الشاب الطاغي أمين والذي تلقى طعنة بالسكين على مستوى الرئة والقلب بمدينة قصبة تادلة من طرف أحد المنحرفين من ذوي السوابق العدلية بالرغم من وجود مستشفى إقليمي بقصبة تادلة، وكان أول ما اعترض تدخل الأطباء هو قوة النزيف مما تطلب تعويض الدماء الضائعة وطالبوا بالمتبرعين، ومما زاد القضية تعقيدا نوع الفصيل الدموي ORH، ودون إطالة، ضاع أمين، فقد الحياة وامتلأت باحة المستشفى بعويل الأم المكلومة والنساء المرافقات لها.
وبعد ذلك بقليل ادخل جواد المغاري 24 سنة قسم المستعجلات وهو لا يزال يحمل السكين المغروسة على مستوى ظهره في مشهد تقشعر له الأبدان، ورغم استنجاده فقد قرر الطبيب وفي غياب الإمكانيات حسب تصريح الطبيب نقل جواد والسكين تشاكس قلبه ورئتيه للغدر به، وكأنها لقطة من شريط سينمائي، إلى مدينة الدار البيضاء، فجاهد الأهل للحصول على سيارة الإسعاف التابعة لجماعة القصيبة التي تبعد عن مدينة بني ملال بحوالي 45 كلم، وحمل إليها وهو في حالة جد خطيرة وما تتطلب حالته من استعجال، وأمام اندهاش الجميع وبحضور هيئات حقوقية مرافقة للمصاب، عجز الحارس العام المكلف عن توفير ممرضة أو ممرض مرافق وفق ما تستدعيه مثل هذه الحالات الجد متقدمة في الخطورة، ولم يقف الهول عند هذا الحد بل دخول الطبيب والحارس العام في مشادات يستفاد منها تبادل الاتهام في اتخاذ القرار، والوقت يمر وحياة جواد يعبث بها السكين وبعد المناداة على المدير الجهوي للصحة ومدير المستشفى تمكن جواد من الحصول على ممرض مرافق وغادرت سيارة الإسعاف المستشفى الجهوي وجواد يتألم ألما ديدا رافق مسامعه نحيب والدته وأخواته إلى مدينة الدار البيضاء وهو بين الحياة والموت.
وقبل أن تنقضي الساعة الاستشهادية ب 5 دقائق حتى لاحظنا رجلان وامرأة والشاب بامي حمو 23 سنة المصاب إصابة بليغة على مستوى الرأس والوجه على إثر تعرضه لاعتداء بواسطة الضرب بالعصي والهراوات من طرف مجهولين وذلك بجماعة تيموليلت إقليم أزيلال، وكانت قوة الضربات قد شوهت وجه الضحية حمو وزاد من فظاعة الإصابة الانتفاخ المهول على مستوى الفم والوجنتين، حيث أن من رأى حمو أشاح بوجهه عنه لحالة وجهه الصادمة، فطلبي منه القيام بالكشف بالأشعة على مستوى الوجه، وبالمناسبة فهذا الجهاز هو الوحيد الغير معطوب، لكن خدماته محدودة، وبعد ذلك غادر حمو قسم المستعجلات وبيده ورقة دواء رافضا البقاء في المسشفى بالرغم من إلحاح والده ووالدته على البقاء وهو في حالة غضب يردد «أريد الموت في منزلنا بدل الموت في هذا المكان»، أي المستشفى الجهوي، فغادرنا نحن كذلك هذا المكان بعد حوالي ساعة والله وحده يعلم بما سيكون عليه حال الوافدين على المستشفى خلال الساعات والأيام الموالية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.